عرب الاهواز.. تاريخ طويل من النضال من أجل حقوق مسلوبةطرد المحتلمظاهرة للشعب العربي في الأهواز
تاريخ النشر: الخميس 19 مايو 2011
تم التحديث: الخميس 19 مايو 2011
في ظل ما تشهده البلدان العربية من انتفاضات اريد لها ان تكون شعبية، وايضا
في ظل ما تشهده الساحة السياسية الاقليمية من تصعيد كلامي واتهامات صريحة
وعلنية لايران بالتدخل او استغلال ما تشهده هذه البلدان العربية من حراك،
قد لا يكون مستهجنا ان تستغل بعض الدول العربية سرا او علنا، خصوصا تلك
التي تعاني بالمباشر من التدخل الإيراني مثل البحرين والكويت أي فرصة امنية
او سياسية او تحرك شعبي لارباك النظام الإيراني.
الموقف الذي اعلنه نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية
الكويتية الشيخ محمد صباح السالم الصباح في لقائه المتلفز مع قناة العربية
يوم الخميس 21/4/2011 حول تعاطي الدول العربية مع الشأن الداخلي الايراني
لا يمكن المرور عليه بشكل عابر، لانه يشكل مفتاحا عربيا لاشكالية التعاطي
مع الاقلية العربية في ايران وابعاد التعاطي العربي مع حقوقها وشؤونها
ومطالبها ان كان من اخوتها العرب او من النظام الايراني المسيطر على
اقليمها مباشرة منذ بدايات القرن الماضي .
قول الوزير
الكويتي "نحن لا نتدخل في الشؤون الايرانية الداخلية، هذا امر يخص الدولة
الايرانية (...) لا نتدخل كيف تعامل ايران مع البلوش والعرب (...) وغيرهم
في ايران"، قد يشكل مدخلا لقراءة متأنية تقارب الموضوعية لمسألة الاقلية
العربية في اقليم الاهواز والدعوات الاخيرة التي خرجت من بعض الاطراف
والجهات في المعارضة العربية الاهوازية للتظاهر والخروج على السلطة
الايرانية في يوم اطلقت عليه "يوم الغضب" في خوزستان (عربستان) بهدف "طرد
المحتل" في موقف تصعيدي لم يكن يوما في ادبيات التجمعات الاهوازية
وتحركاتها الماضية التي سبقت وتلت احداث الرابع عشر من ابريل عام 2005 في
حين كان الشعب العربي الأهوازي يحتفي بهذه المناسبة كل عام من دون أن يرفع
سقف مطالبه إلى هذا المستوى.
حقائق تاريخية وجغرافية
يبلغ
عدد سكان اقليم الاهواز (عربستان) او خوزستان نحو خمسة ملايين نسمة، سبعون
في المائة منهم هم من العرب والباقي من الفرس واللور - بغالبية بختيارية
وبعض الاكراد. في حين يتراوح عدد العرب في كل ايران بين خمسة الى ستة
ملايين نسمة او ما يعادل نسبة 8 في المائة من سكان ايران، وهناك قبائل
عربية سكنت اقليم خراسان شرق ايران منذ ايام الفتح الاسلامي او الفتوحات ما
وراء النهر .
اهم القبائل العربية التي تسكن اقليم
الاهواز والتي تعتبر ذات امتداد في الدول العربية المجاورة، خصوصا جنوب
العراق والخليج، هي قبائل بني كعب وبني طرف من بطون طي، وبني تميم وبني اسد
وفروع من شمر وآل خميس وآل كثير والخزرج وكنانة والقواسم والدواسر ومذحج
...
يعتبر اقليم الاهواز من اغنى الاقاليم بالمياه في
ايران، ما جعل اراضي الاقليم من اخصب الاراضي الزارعية والتي تضاهي
بخصوبتها ارض الدلتا في مصر .
تقطع اراضي الاقليم
ثلاثة انهر رئيسة، هي كارون الذي يمر داخل مدينة الاهواز مركز الاقليم وقد
بنت عليه الحكومة الملكية ثاني اكبر سد للمياه في الشرق الاوسط بعد السد
العالي في مصر وهو سد الديز ويتفرع هذا النهر عند مدينة المحمره (خرمشهر)
الى فرعين، واحد يتجه نحو شط العرب ليصب فيه، اما الفرع الثاني لهذا النهر
فيتجه ليصب في مياه الخليج. ثم هناك نهر الكرخه ونهر الجراحي .
واضافة
الى سد الديز، اقامت الحكومة الايرانية سدان على هذه الانهر هي سد الكرخة
وسد كارون، وتفكر أيضا بانشاء سدود اخرى ليصل العدد الاجمالي الى سبعة سدود
.
ويتهم العرب الحكومة الايرانية بتحويل مجرى بعض اهم
روافد نهر كارون الى داخل الاراضي الايرانية، ما يعود بالضرر على الزراعة
التي تشكل المورد الاساس لابناء الاقليم.
ينتج الاقليم
اكثر من تسعين في المائة من النفط الايراني، حيث تتمركز فيه اهم حقول
النفط والغاز، وفيه ايضا اهم مصافي النفط واكبرها (عبادان). واذا تجاوزنا
حدود اقليم الاهواز، نجد ايضا ان اهم مصاف الغاز الايراني لأهم حقل نفطي في
العالم والذي يعطي ايران المرتبة الثانية من حيث احتياطي الغاز العالمي،
أي مصفاة عسلويه وحقل بارس جنوبي، يقعان في اقليم هرمزكان الذي تقطنه قبائل
عربية ايضا .
في السياسة والكيانات السياسية
بغض
النظر عن الصفقات التي ابرمت بين القوى الدولية بداية القرن الماضي وساهمت
في ضم اقليم خوزستان او الاهواز الى الدولة الايرانية والقضاء على حكم
وسلطة "الشيخ خزعل" العربية وبالتالي تغييب قضية هؤلاء عن المسرح الدولي
باعتبار انها اصبحت جزءا من المملكة الايرانية، فقد أصبحت أيضا منطقة نفوذ
بريطاني في جنوب ايران مقابل النفوذ الروسي في شمالها حتى انتهاء الحرب
العالمية الثانية .
وبعد انتهاء الحرب الكونية
الثانية، ومع بدء حركة التحرر العربي عن الاستعمار الاوروبي، تبنى الزعيم
المصري الراحل جمال عبد الناصر شعار تسمية الخليج بـ" الخليج العربي" ورفع
لواء تحرير عرب الاهواز او عربستان من النظام الايراني الملكي الصديق مع
اسرائيل، وذلك في اطار استراتيجية عربية لارباك حلفاء اسرائيل في العالم
الاسلامي.
هذه الدعوة، وان ساهمت في تحريك الوعي لدى
ابناء اقليم الاهواز بانتمائهم العربي والمطالبة بحقوقهم، الا انها لم ترق
الى مستوى منظم في اطر حزبية قادرة على حمل طموحات الشعب الاهوازي آنذاك،
اضافة الى ان النظام الملكي لم يكن ليسمح باي تحرك داخل هذا الاقليم وعلى
استعداد لممارسة جميع وسائل القمع بسبب اهمية هذا الاقليم وثرواته .
بعد
انتصار الثورة الاسلامية عام 1979 التي شارك فيها العرب بشكل واسع وكبير
عبر الاضراب العام الذي اعلنه عمال صناعات النفط والغاز، تحركت قوى اهوازية
مطالبة بحق المواطنة ورفع الحرمان والظلم الذي لحق بابناء الاقليم طوال
العهد الملكي، الا ان طبيعة المرحلة وتسلح النظام الجديد بالشعار الاسلامي
والحقوق الاسلامية وهيمنة شخصية مؤسس الثورة والنظام آية الله روح الله
الخميني، كل ذلك ساهم في دفع ابناء الاهواز لاعطاء فرصة للنظام الجديد
وانتظار تطبيق شعارات العدالة والتنمية وبعض المطالب القومية التي رفعها .
مع
بداية الحرب العراقية ضد ايران رفع الرئيس العراقي السابق صدام حسين شعار
استعادة الارض العربية في "عربستان" وتحرير الشعب العربي "الاحوازي" من
الاحتلال الفارسي. فصب جام طموحه القومي على ابناء الاقليم تدميرا وتهجيرا
وقتلا وتعذيبا، فكان ان دفعوا الثمن الاكبر في حرب كان ارض الاقليم مسرحا
لها، وعندما اعلن عن نهايتها تناست بغداد كل الشعارات التي رفعت عند
اندلاعها خصوصا شعار "نلبي نداء العربستانيات الماجدات" وفضلت ان توافق على
تطبيق مفاد القرار 598 من دون أي ذكر او اشارة او اشتراط يلحظ حقوق
الاهوازيين او يلزم الحكومة الايرانية منحهم الحد الادنى من مطالبهم
الدستورية .
خلال الحرب، خرجت مجموعة من ابناء الاقليم
وانضمت الى القوات العراقية وتبنت مبدأ الكفاح المسلح لكن انطلاقا من
الاراضي العراقية، وهي مجموعة بقيت تفتقر الى القاعدة الشعبية بين
الاهوازيين الذين يعتقد غالبيتهم بعدم جدوى مثل هذه التوجهات .
بعد
انتهاء الحرب العراقية الايرانية ساهمت عمليات التدمير التي لحقت ببعض
المدن العربية خصوصا المحمره "خرمشهر" وما رافقها من تهجير واسع لابناء
المنطقة الى مدن داخل ايران في اعطاء النظام ذريعة كبيرة في العمل على
التخلص من التفوق العربي في خوزستان والسعي الى تغيير الخارطة الديموغرافية
فيه، من خلال عرقلة عودة المهجرين وعملية اعادة الاعمار، اضافة الى
استمرار عملية تهميش التنمية واستيعاب ابناء الاقليم في المؤسسات الرسمية
التي يسيطر عليها موظفون من خارج المنطقة يفتقرون الى معرفة الحساسيات
المحلية والتركيبة السكانية والعلاقات الاجتماعية، وحرمانهم من الحقوق
الدستورية خصوصا حق المواطنة .
هذه السياسة الممنهجة
انتجت ازمة بطالة ولدت بدورها انتشارا لظاهرة الادمان على المخدرات بين
الاهوازيين من دون تبرئة جهات رسمية في الوقوف وراء ذلك لما لها من اثر
ايجابي، من وجهة نظر النظام ، في تخدير الشباب الاهوازي والهائه عن
المطالبة بحقوقه .
في المرحلة الاصلاحية، أي مع وصول
السيد محمد خاتمي الى سدة الرئاسة ومشروع اللامركزية الادارية الذي حمله،
راودت القوى الاهوازية آمال بامكانية تحسين الاوضاع الاجتماعية والتنموية
والسياسية في مناطقها، فكان الخطوة الاولى تأسيس اول صحيفة باللغتين
العربية والفارسية باسم "صوت الشعب"، مثلت مؤشرا على امكانية تطبيق المادة
15 من الدستور الايراني الذي يعطي الاقليات القومية الحق في تدريس ونشر
اللغة التي تنطق بها، لكن السلطة المركزية في عهد احمدي نجاد سارعت الى
اقفالها بعد احداث 15 ابريل 2005 .
ولان العقل المركزي
الايراني خاف من امكانية اتساع دائرة الحقوق الممنوحة لهذه الاقليات وعدم
اقتصارها على خوزستان ما يعني انفلات الامور عن السيطرة، فقد عمدت الاجهزة
الامنية عام 2005، أي اواخر عهد خاتمي في السلطة الى "فبركة" رسالة على
لسان مدير مكتبه السيد محمد علي ابطحي يطلب فيها من الاجهزة المعنية العمل
على تغيير الواقع الديموغرافي في الاقليم لصالح القومية الفارسية على حساب
ابناء الاقليم من العرب. ما سبب في اندلاع انتفاضة شعبية وحركة احتجاجية ضد
سياسات طهران في مدن اقليم خوزستان وادت الى سقوط عدد من القتلى واعتقال
العديد من الاهوازيين واعدام ثمانية وثلاثين شخصا بتهمة العمل على انفصال
الاقليم عن الدولة الايرانية. واللافت هنا ان السياسي والاعلامي الاصلاحي
عماد الدين باقي كان قد اتهم السلطة الايرانية حينها بالوقوف وراء
التفجيرات التي ضربت مدينة الاهواز ورفض التهم التي وجهت الى المعتقلين
الذين جرى اعدامهم بتهمة التفجير واعتبرهم جميعا ابرياء، وكان هذا الامر
والموقف احد اسباب سجنه حتى الان اضافة الى اسباب اخرى .
لكن الوسط الاهوازي شهد ظهور وتشكل عدد من الاحزاب العربية باتجاهات مختلفة ومتعددة، اهمها :
1-
حزب التضامن الديمقراطي الاهوازي – فدرالي ونشط على الساحة الداخلية
الايرانية بشكل سري وكذلك على الساحة الدولية ويحظى بتاييد واسع بين النخب
الأهوازية، فهو الحزب الذي يشغل مقعد الشعب الاهوازي في تجمع الشعوب غير
الممثلة في الامم المتحد UNPO ، وهو عضو مؤسس في مؤتمر شعوب إيران
الفدرالية الذي يضم 18 حزبا تمثل القوميات الايرانية وله اتصالات بالأحزاب
الإيرانية المعارضة التي تعترف بحقوق الشعوب غير الفارسية.
2-
التيار القومي الوطني الاحوازي – فدرالي وينشط في الداخل بشكل سري، يرفض
العنف ويدعو إلى النضال السلمي ينطلق هذا التنظيم من الواقع الداخلي .
3-
الجبهة العربية لتحرير الاحواز – وهي تنظيم انفصالي وتحالف مع النظام
العراقي السابق خلال الحرب العراقية الايرانية دخل في تحالف مع مجموعة حزم
ثم انفصل عنها .
4- تجمع حزم وهو تجمع يضم عددا من التنظيمات والاحزاب ذات اتجاه انفصالي مثل :
أ – الجبهة الشعبية الديمقراطية الاحوازية (الجبهة الشعبية للشعب العربي الاحوازي سابقا)
ب
– الجبهة الشعبية للشعب العربي الاحوازي، وهي تنظيم صغير على العكس من
امينها العام النشط، وتطالب هذه الجبهة بحق تقرير المصير بما يعنيه من
استقلال، دخل في تحالف مع حزم ثم انفصل عنها .
ج – حركة النضال الاحوازية وهي الحركة التي تتهمها السلطات الايرانية بالوقوف وراء تفجيرات عام 2005 في الاهواز .
د – وهناك تنظيمات صغيرة أخرى .
5- المنظمة العربية لتحرير الاحواز تدعو هي الأخرى إلى الانفصال عن إيران وأمين عامها مسجون في إيران بعد أن سلمته دمشق لطهران.
6-
حزب الوفاق والذي كان يعتبر الى حد ما الوجه العربي لحزب حبهة المشاركة
الاصلاحية التي تأسست في ايران بعد وصول الرئيس محمد خاتمي الى السلطة، رفع
شعار الاصلاح من داخل النظام والمطالبة بحقوق الاقليات القومية في ايران
تحت سقف الدستور، الا ان النظام، وبعد وصول احمدي نجاد الى السلطة قرر
التخلص من كامل الارث الاصلاحي والديمقراطي للمرحلة الاصلاحية، فقرر حظر
نشاط هذا الحزب وقام بالتضييق على قياداته واعتقال البعض في حين استطاع
البعض الاخر الخروج من ايران باتجاه بعض الدول الغربية .
ما
من شك ان اقليم خوزستان يحتل موقعا استراتيجيا وحياتيا بالنسبة لاي نظام
ايراني بسبب الثروات الطبيعية التي تعوم عليها هذه المنطقة من نفط وغاز
وماء وغيرها من الثروات، أكان هذا النظام ملكيا او جمهوريا او اسلاميا او
غير ذلك.
انطلاقا من هذه المسلمة فان اي حكومة مركزية
في ايران لا يمكن ان تتنازل قيد انملة امام اي حركة مطلبية مهما كان حجمها
وموقعها وتأثيرها في هذه المنطقة، ان كانت من ابناء الاقليم الاساسيين اي
العرب او حتى من الايرانيين الذين ينتمون الى القومية الايرانية او اللرية –
البختيارية. وهي على استعداد لاستخدام القمع الدموي في التصدي لاي نوع من
انواع الحراك سواء كان سياسيا او اجتماعيا او مطلبيا .
من
هنا يمكن القول ان الجمهورية الاسلامية ونظامها غير قادرين على التعاطي مع
هذه المنطقة ومطالبها وطموحات ابنائها بشكل يختلف عن تعاطي النظام السابق.