ثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في "وصف إفريقيا "للحسن الوزان (2/2) الخميس 24 كانون الأول (ديسمبر) 2009، بقلم
إبراهيم أزروال /*
Open Centered Popup Window Script-
� DHTMLShock (
www.dhtmlshock.com) To add more shock to your site, visit
www.DHTMLShock.com */
function centrarVentana(theURL,winName,features, myWidth, myHeight, isCenter) {
http://v3.0 if(window.screen)if(isCenter)if(isCenter=="true"){
var myLeft = (screen.width-myWidth)/2;
var myTop = (screen.height-myHeight)/2;
features+=(features!='')?',':'';
features+=',left='+myLeft+',top='+myTop;
}
window.open(theURL,winName,features+((features!='')?',':'')+'width='+myWidth+',height='+myHeight);
}
وحين
يغيب النظر الفقهي، يقفز المقدّس غير الممأسس إلى مقدمة المشهد الرمزيّ،
وتتجلّى قسمات الفكر المناقبي التحاججي جلية، وتستبدّ الفوضى التجويزية
بالأذهان.
( وقد أراد كثير من الملوك أن يزيلوا هذه التفاحات ويسكوها نقودا عندما
اشتدت حاجتهم إلى المال، ولكنهم في كلّ مرّة تحدث لهم حادثة غريبة تلزمهم
بتركها في محلّها حتى إنّهم تطيّروا من مسّها، وتقول العامّة إنّ التفاحات
وضعت هناك تحت تأثير احد الكواكب، بحيث يستحيل أن ينزعها أحد من مكانها،
كما تقول بأن من ركز تلك التفاحات قرأ عليها عزائم سحرية ألزمت بعض
الأرواح برصدها على الدوام.)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –-ج1- ص. 131)
فقد تحوّلت مراكش المرابطية والموحدية، إلى محض بلقع فكريّ، حاضن
للفكرية الإحيائية والسحرية والمناقبية. فحين ينقطع السند الفقهيّ وتفقد
السلطة الفقهية هيمنتها على عقلنة المقدس وتنظيمها، يرتدّ الاجتماع
البشريّ إلى الفوضى الدلالية ويصعب التحكّم في مسارات الترميز والعقلنة
وفي تدبير العلامات الكونية والإنسية، ويجد الإنسان صعوبة بالغة في تحديد
وتعيين من يمتلك شرعية تدبير المقدس.
لقد رسم الحسن الوزان صورة مأساوية لحاضرة إمبراطورية، فقدت بوصلتها
الثقافية والحضارية وارتدت إلى السيكولوجيا البدوية أي إلى المعرفة
السحرية. والأنكى أنّ المخيال الأمازيغي، يعيد امتلاك المقدّس الممركز
والأرثوذكسي، أي فضاء المسجد، وذلك بإخضاعه لسلطة المقدّس اللاممركز
واللاارثوذكسي. لم يجد المتخيّل الأمازيغي إذن، أي ضير في وضع الفضاء
القدساني التوحيدي، تحت رعاية القوى العلوية للفكر التعديدي التشريكي.
فقد تماهى أمازيغ مراكش بصنيعهم المخيالي، المتمثّل في الدمج بين
المقدّس التوحيديّ الإسلاميّ (صورة المسجد) والمقدس التعديدي. فقد أقدمت
الذات الأمازيغية، في غياب سلطة المؤسسة الفقهية الممركزة، على إعادة
تأويل وقراءة المقدّسين، وإعادة صياغتهما بما يتّفق مع نظامها الترميزي.
لقد نسب الحسن الوزان هذا التركيب وهذا الاجتياف، لسذاجة العامة، أي
لغفلة العقل الجمعي غير الخاضع لمعايير النسق الفقهي وموجهات النظام
المعرفي البياني. كما أشار، إلى اعتداد أمازيغ مراكش آنذاك بتفاحات جامع
يعقوب المنصور بالقصبة السلطانية بمراكش، واعتبارهم إياها جزءا من هويتهم
الثقافية.
( وفي أيامنا هذه أراد ملك مراكش الذي كان عليه أن يصدّ هجمات
المسيحيين البرتغاليين ولا يبالي بسذاجة العامّة، أراد أن ينزع هذه
الكرات، لكن السكان منعوه من ذلك بدعوى أنها تمثل أشرف حلية لمراكش.)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا -ج1- ص. 131)
من المحقق أن الذات الأمازيغية، استملكت مقدس التفاحات الذهبية الثلاث
(الأربع عند مارمول كربخال) واعتبرته تجلّيا لهويتها القدسانية، ورمزا
لاستقامة اجتماعها، خصوصا في الأوقات العصيبة، أي في أوقات احتدام حروب
المقدس.
وقد بلغ التماهي مع هذا الرمز، حدّ دفع بالمراكشيين إلى التصدّي
للسلاطين أيّا كان نصيبهم من القداسة أو حظّهم من الشرعية القدسانية أو
المناقبية. ممّا ينهض دليلا على تشكّل سلطة سياسية للمقدس اللاممركز،
وقدرة الذات المجتافة للمقدّس المنقول، على تسييس حصيلة التركيب بين
مأصولات الذات ومنقولات غير القدساني.
وقد قدّم مرمول كربخال إفادة هامّة في هذا السياق، أي في سياق اجتياف
فكرة رمزية والتماهي معها إلى درجة الاستعداد للاستعباد. فمن يستعبده
الرمزي القدسيّ، لا يضيره الاستعباد السياسي أو الاجتماعي.
( وعندما كنت في هذه المدينة قال لي فقهاء الجامع إنّ الملك ناصر
بوشنتوف أراد أن يقلع هذه التفاحات ليؤدّي الأجور لجنده عندما كان يزعجه
مولاي إدريس والأعراب من جهة، والبرتغاليون ويحيي وملك فاس الذي أراد أن
يسلبه هذه المدينة من جهة أخرى. لكن السكان عارضوه قائلين إنهم يفضلون أن
يبيعهم وأبناءهم على أن يزيل شرف مدينتهم.)
(- مارمول كربخال – افريقيا – الجزء الثاني - ص . 49)
فالشاهد السابق لمارمول كربخال، يؤكد ما أكّده الحسن الوزان من تعظيم
المراكشيين لأمر التفاحات الثلاث، ولتقديس العوام لها واستماتتهم في
المحافظة عليها باعتبارها علامة الهوية القدسانية، وقرينة دالة على ارتباط
العالم المحايث بالعالم المفارق، وعلى لا تناهي العالم وعدم انحصاره في
أفق المادة وعالم التدافع البشري المفضي إلى المآسي في الغالب.
والحقيقة أن الحسن الوزان قدم افادات، هامّة جدا عن صراع الرمزيات في
مغرب العصر السعدي، وارتباط تماسك الاجتماع المغربي وانتظام الشرعية
السياسية، باعتماد مقاربة مخصوصة للمقدس. فالحواضر المغربية، فقدت آنذاك،
ألقها الحضاري وتماسك معناها الثقافي وتلاحم عناصر نظامها الإشاري
والتأويلي. ففي غياب التعقيل والمعاقلة والفعالية الاستدلالية والبرهانية،
يكتسح المقدّس كل المظاهر الاجتماعية، وتضيع العلامات والحدود المرسّخة
فقهيا، بين العوالم الثلاثة أي بين عالم العناصر وعالم الحوادث وعالم
الأكوان.
فلئن عمدت المؤسسة الفقهية إلى تعيين الحدود بين الشاهد والغائب،
وترسيم أحياز الغيب، وتقنين المؤسسة المشرفة على تدبير واستثمار المقدس،
فإن المقدس المحلي اللاارثوذكسي وغير الممركز، يعمد إلى توسيع نطاق
المقدس، وتحكيم صوره الميثية وأنماطه النموذجية، ونماذجه الفكرية
اللاسببية في كافة مفاصل الاجتماع الإنساني.
ففي معرض حديثه عن مدينة تاغية، أورد إفادات سيرية ذات قيمة هامة، في
تحليل موقف الحسن الوزان من المقدس غير الممركز، وفي تدبر أحوال المقدس في
حاضر فقهية معتزة برسوخ أقدام ساكنتها القيروانية- الأندلسية في التحضر
وفي آليات التدبير البياني للمقدس.
( وهذه المدينة بسيطة جدا، دورها مبنية بناء رديئا دون جير، وفيها ضريح
وليّ عاش في عصر الخليفة عبد المؤمن، يقال إن له كرامات عديدة ضد السباع،
ومكاشفات عجيبة. وقد ترجم له ترجمة حافلة عالم يدعى التادلي وذكر كراماته
واحدة واحدة وأعتقد شخصيا بعدما قرأت قصة تلك الكرامات أن الرجل كان يتصرف
بفن سحري أو باستعمال بعض الأسرار التي كانت له ضدّ الأسود. وشهرة هذه
التصرفات وتقديس العامة لهذا الولي الصالح هما السببان اللذان جعلا الناس
يشذون الرحال إلى هذه المدينة بكثرة، فيخرج أهل فاس لزيارة هذا الضريح بعد
عيد الفطر من كل سنة، في جموع كثيرة رجالا ونساء وأطفالا وكأنهم جيش زاحف،
يحمل كل واحد خيمته على ظهر دابته، بحيث تكون جميع البهائم محملة بالخيام
والأشياء الأخرى الضرورية للمعاش.)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –-ج1- ص.205)
فالحسن الوزان لا يقرأ كرامات يلنور بن ميمون، من داخل مقولات النظام
البياني، أي من داخل المقولات العرفانية المدمجة في المتصورات السنية. فقد
حاولت المؤسسة الفقهية ، محاصرة المقدس غير المنضبط لمعاييرها ولآلياتها
التفسيرية والتأويلية، وسعت إلى حصر الأفق العرفاني في التماهي واستعادة
واقع التروحن المحمدي وعدم تجاوزه. إلا أنها أرغمت أمام استحالة تلك
المحاصرة، على فتح كوى للتحاج والتجويز والتروحن العرفاني، وإلى قبول
شرعية التجربة الصوفية غير المغالية في الشطحات ووفي اختراق السياجات
المعيارية للفكرية الفقهية والأصولية. أما الحسن الوزان، فلا يبحث عن
الموافقة، بل يرفع، صراحة، راية المخالفة، إذ يعزو الكرامات إلى تمرس كبير
بالسحريات.
لا جدال في أن التصوف اكتسب قوة كبرى في المغارب منذ أواخر العصر المرابطي. وترجع غلبته، السوسيولوجية إلى ما يلي:
1- عجز المنظومة الفقهية والأصولية عن تدبر الخصوصيات الانثروبولوجية للثقافات الإفريقية.
2- ارتباط المؤسسة الفقهية في الغالب بالمؤسسة السياسية (ارتباط الفقهاء المالكيين بالسلطة المرابطية مثلا).
3- انطواء الفكر الفقهي على مفاهيم تحاجية كمونية وصدور تشريعاتها عن مصدر غيبي، فأركان العقيدة والشريعة غيبية في الأصل.
4- حصر المؤسسة الفقهية للتجربة الروحية في حدود التروحن المحمدي، في
ثقافات خبرت أشكالا مختلفة من العرفان والتروحن (احتجاجات أبي يزيد
البسطامي والحسين بن منصور الحلاج وعبد القادر الجيلي وعبد الحق بن سبعين
على حصر الروحية في تكرار النموذج المحمدي مثلا ).
5- عجز النظام البياني عن تجفيف ينابيع الفكر الإحيائي السحري وتطويق المقدس التعديدي.
لا جدال في أن التصوف المغربي استهدف تفكيك التحالف بين الفقهاء
والسلاطين، وتغليب منظوره العقدي والروحي ومسالكه المعرفية على المنظور
العقدي والروحي للفكرية الفقهية. وتكشف محنة ابن العريف وابن برجان وصالح
بن حرزهم وأبي عبد الله الدقاق والميورقي وإحراق كتاب إحياء علوم الدين
لأبي حامد الغزالي عن استشراء الصراع الفكري والتأويلي القائم بين
المنظومة الفقهية والفكرية الصوفية في الأوان المرابطي. وقد طبع هذا
الصراع مجل التاريخ المغاربي، مما يكشف عن صدوره عن اختلافات منهجية
ومعرفية وفكرية وسياسية، جوهرية. كما أن المسلك العرفاني، قادر على اختراق
العقيدة والشريعة، وتجاوز الأفق النبوي كما في حالة الصوفي أحمد بن يوسف
الملياني..
( جاءت ب" البستان " ثلاث شطحات منسوبة إلى الشيخ أحمد بن يوسف، وتدخل
في باب التعبير عن تجربته الذاتية في مضمار العلاقة مع الله، وهي:
"أنا جالس في حجر الحق سبحانه يفعل بي ما يشاء ".
" المولى جل جلاله مدني بمده ووصفني بأوصافه، أنا هو وهو أنا ".
" والله ثم والله لولا خفت أن أعبد من دون الله لأظهرت لكم الحق عيانا ").
(-عبد الله نجمي – التصوف والبدعة بالمغرب –-ص. 170).
وبالنظر إلى الوضع السوسيو- ثقافي للحسن الوزان، فانه يقف موقفا تشككيا
من الفكر الكرامي والمناقبي ويرجع كرامات الولي العارف أو القطب أبي يعزى،
إلى تحكمات سحرية أو أسرارية. فمن الواضح أن الحسن الوزان يكاد يحصر
كرامات أبي يعزى في ترويض الأسود، فيما تتسع تجربته الصوفية وأمداء
كراماته إلى مجالات وحقول فكرية وذهنية ونفسية واجتماعية وسياسية اكبر،
بشهادة ابن الزيات التادلي في ( التشوف إلى رجال التصوف ) والتادلي
الصومعي صاحب (المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى). فالفكر الصوفي يربط صحة
الكرامة بصحة الولاية، أما الحسن الوزان فيستبعد الولاية في تفسير واقعة
خرق العادة، ويحيل عجائب أبي يعزى إلى نظام باطني غير موصول بالتأله.
ويقدم الحسن الوزان إفادات ذاتية، تكشف عن عمق حضور الفكر الكرامي في
المجتمع المغربي، واختراق الوجدان المناقبي، لحاملي مشعل الفكر الفقهي،
المتعالي على تأويلات ومسلكيات الصوفية.
(وقد كان أبي يأخذني لزيارة هذا الضريح، ولما بلغت مبلغ الرجال ذهبت
إليه مرات للوفاء بنذور نذرتها عندما تعرضت لخطر الموت بسبب الأسود.)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –-ج1- ص.205)
من القسمات الواضحة في الاجتماع المغربي، سيولة المقدس وتوغل الجذوة
القدسانية في نفوس ومهج المغاربة والمغاربيين خصوصا في أزمان الارتجاجات
الكيانية الكبرى؛ فالالتفاف حول الأشخاص الكارزميين آنذاك يرجع إلى
الملابسات التالية:
1- تأزم المنظومة الفقهية وعجز التركيبة التوفيقية ( المالكية /
الأشعرية / الجنيدية – الغزالية ) عن الإجابة العملية والدينامية على
استعصاءات الزمن المغاربي، الحضارية والثقافية، لا السياسية فقط.
2-تذرر النظام السياسي وصعوبة إضفاء الشرعية السياسية على الأنظمة القائمة.
3- تدهور البنيات التحتية والبنية الاقتصادية.
4- اختلال البنية الاجتماعية والسياسية بسبب الحضور التخريبي لقبائل حكيم ومعقل وهلال.
5- احتداد المنافسة والاقتتال الإسلامي – المسيحي حول شمال إفريقيا.
6- عدم تمكن المنظومة الفكرية الرسمية من سبر التاريخ والواقع المغاربي
وارتهانها لاستيهامات الفكرية العربية الإسلامية وفضاءاتها الرمزية.
7- الإيغال في ترميز الكون واستملاك الطبيعة لأهداف دعوية أو اسكاتولوجية وغياب أي مشروع لتعقل الطبيعة والسيطرة على مفعولاتها.
وقد حاول المؤرخ التونسي هشام جعيط من الاقتراب من هذه الملابسات، بقوله:
( وربما كانت تلك القرون الخمسة ( 1000-1500) من الحكم البربري، ولكن
وفقا لنموذج إسلامي، قد مثلت اسطع حقبة من العصر الإسلامي لتاريخ المغرب،
على ثلاثة مستويات: مستوى تنظيم الدولة، وازدهار الحضارة، وانفتاح
الثقافة. وحطمت ثلاث قوى ذلك التوازن: البداوة العربية الناشطة اعتبارا من
القرن الحادي عشر والتي ينبغي التفريق بينها وبين الفتح العربي؛ العدوانية
الاسبانية التي نجم عنها، من جملة العواقب، وضع يد الإمبراطورية العثمانية
على تونس والجزائر.)
(- هشام جعيط – أزمة الثقافة الإسلامية – دار الطليعة – بيروت – لبنان - الطبعة الأولى 2000- ص . 168)
لهذه الاعتبارات، تمسك المغاربة ببنى المقدس، وانشغلوا بأسطرة الأشخاص
النموذجيين، وفق الآليات الرمزية المتجذرة في الذاكرة الجماعية وفي نظام
التمثلات الإفريقي. والحقيقة أن الحسن الوزان، لا يولي أي اهتمام معرفي،
لمسار انبثاق الحقائق السوسيولوجية ولا لكيفية بروز الأشخاص الكارزميين،
ولا لسيرورة التماهي مع الدلالة المخيالية؛ فالخطاب العالم يكتفي بإحالة
الصور والمجازات والرموز العرفانية والمناقبية، إلى الوعي الجمعي لكتل
عامية، منغمسة كليا في اللامعقول وفي عوالمه العجائبية.
( ذهبت إلى تازا واتصلت بشيخ مشهور عند العامة بالصلاح، وكان واسع الثراء من محصول أملاك
الرد على هذا المقال