على الرغم من التطورات العلمية المتسارعة والممتدة من عمق أعماق الفضاء
إلى باطن مكنونات الذرّة، ما تزال هناك أسئلة شائعة تفتقر إلى أجوبة واضحة
ومؤكدة، حتى الآن، ليس فقط بالنسبة لعامة الناس، بل كذلك بالنسبة للعلماء
المتخصصين الذين يعملون بجدّ وإخلاص وتفانٍ بغرض التوصل إلى أجوبة لها، وهو
أمر يبدو أنه يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت والمثابرة.
وإذا كانت تلك الأسئلة / المسائل الغامضة ليست قليلة على الإطلاق،
باعتبارها تتكاثر كلما انفتحت للعلم أبواب جديدة، ونبتت له فروع حديثة، فإن
مايكل هالون Michael Hanlon ، المحرر العلمي لـصحيفة دايلي مايل
البريطانية Britain’s Daily Mail، يحدد ـ أو فلنقل يختار ـ عشرة أسئلة من
هذا النوع، ويشرح لماذا نجد ويجد العلماء هذه المسائل بالغة التعقيد. وذلك
في كتاب له بعنوان (عشرة أسئلة لا يستطيع العلم الإجابة عنها"حتى الآن")
Ten Questions Science Can't Answer (Yet).
وإذ يبدو للوهلة الأولى أن كتاباً كهذا يقدم أسئلة لا أجوبة عليها، هو
كتاب "غبي"، بمعنى من المعاني، فإنه يبدو كذلك رغم "غبائه" ذاك، من النوع
الظريف المحبب، بل وحتى المفيد والممتع، لأنه يقودنا على متن التفكير في
رحلة بانورامية مدهشة نحو استكشاف الجوانب غير المعروفة وغير المحسومة
علمياً، حتى الآن، نؤكد ونعيد حتى الآن، لأننا ينبغي أن نظل متفائلين بقدرة
العلم وبقدرة العقل على تجاوز جميع العقبات، واكتناه جميع الأسرار، وحل
جميع الألغاز، إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد.
أما الأسئلة / المسائل التي اختار هالون الحديث عنها في الفصول العشرة من
كتابه فتتعلق ثمانية منها بمسائل علمية عويصة، بينما الاثنتان الأخيرتان
تتعلقان بالفلسفة أكثر منهما بالعلم، أو بكلام آخر بالمساحة المشتركة بين
العلم والفلسفة. والأسئلة هي بالتسلسل:
أولاً ـ استكشاف هل الحيوانات واعية أو لا؟.
ثانياً ـ ماهية المادة الكلية للزمن.
ثالثاً ـ الشيخوخة وهل بإمكان البشر أن يعيشوا إلى الأبد؟.
رابعاً ـ مناقشات ممتعة حول السؤال القائل: ماذا نفعل بالأغبياء؟
يشير هالون إلى أنه في القرون الماضية تعودنا أن نسخر، بنوع من الرضا
والنشوة، من العاجزين، أو ممن هم من عرق مختلف، ويرى أن الصحيح الآن أن
نسخر فقط من هؤلاء الذين هم في الحد الأدنى للذكاء الطبيعي. وهو ما يفسر ـ
وفق تحليله ـ الشعبية الكبيرة التي يحظى بها تلفزيون الواقع وبرامجه.
مستنتجاً أنه مع التبدل المستمر في سوق العمل، وحاجته إلى قوة جسمية أقل
وأعمال "دماغية" أكثر، فهناك مشكلة حقيقية حول كيفية إعطاء كل شخص الفرص
الأفضل.
خامساً ـ الطاقة السوداء.
سادساً ـ هل هناك حياة في الكون خارج الأرض؟.
سابعاً ـ هل سنبقى نفس الشخص عندما تتبدل أو تبدل كل خلية في جسمنا.
ثامناً ـ الانتشار الواسع للبدانة والسمنة وزيادة الشحوم.
هنا تنتهي المسائل العلمية البحتة، وينتقل هالون في آخر فصلين كما أشرنا إلى مسألتين علميتين فلسفيتين، وهما:
تاسعاً ـ هل يمكننا حقاً أن نتأكد من أن ما وراء الطبيعة هو مجرد هراء؟
هنا، في هذا الفصل، يبدو هالون عدوانياً نوعاً ما، عدا عن كونه مرتبكاً
ويناقض نفسه بنفسه، فتارة يعتبر بحماسة أن كل ما وراء الطبيعة هو مجرد
سخافة، وتارة يؤكد أن ثمة عناصر في الموضوع تستحق التقصي. ويقع هالون في
خطأ تاريخي عندما يذكر أن معظم البشر العقلانيين يعتبرون جميع الشؤون ما
وراء الطبيعية، بما فيها المعتقدات الدينية، مجرد "ثرثرة". وهذا غير دقيق
لا في عالم الأمس ولا في العالم الحالي، وهو ما يؤكده هالون نفسه لاحقاً في
نفس الفصل عندما يتحدث عن مسوح إحصائية عديدة وجدت أن الكثير من العلماء
الأمريكيين الممسوحين كانوا مستعدين لقبول فكرة أن الإدراكات المتجاوزة
للحس هي أمر جدير بالدراسة، في مقابل فئة واسعة من العلماء لا تلقي بالاً
لكل ما يمت لما وراء الطبيعة بصلة.
أخيراً يختم هالون كتابه في الفصل العاشر بدراسة مختصرة لمعرفة كيف نستطيع
التأكد من أن كل شيء حقيقي أو أي الأشياء هو الحقيقي؟. وهو ولا ريب سؤال
تبدو الإجابة عنه صعبة وبعيدة وربما غير متاحة في المدى المنظور، وربما
تكون أصعب من جميع الأسئلة الأخرى التي يعجز عنها العلم والعقل… حتى الآن!.
عندما يعجز العلم