مخيم أشرف.. تحت الحصار العراقي بأمر إيراني
تاريخ النشر: الخميس 28 يوليو 2011
تم التحديث: الجمعة 29 يوليو 2011
أصبح وضع معسكر أشرف في العراق على حافة الانهيار على أيدي القوات الحكومة
العراقية التي تدعمها إيران. وفيما يبحث المجتمع الدولي عن حل، يجلس نحو
3500 مواطن غالبيتهم من النساء والأطفال في حالة رعب خوفا على حياتهم في
الوقت الذي يتم ضرب حصار محكم حولهم.
في منتصف ليل 2 أبريل (نيسان) 2011، اقتحمت على الأقل
ثلاثون عربة مصفحة تابعة للقوات المسلحة العراقية معسكر أشرف، المعسكر
الإيراني الذي يقع 60 كيلومترا شمال بغداد واتخذت مواقع استراتيجية لتأمين
المنطقة. وفي الساعات الأولى من الصباح بعد ذلك بستة أيام، هاجمت القوات
العراقية المواطنين غير المسلحين، الذين يبلغ عددهم 3500 ألف نسمة، مما
أسفر عن مقتل 34 وجرح نحو 350. وحتى الآن كانت القوات العراقية تشغل أكثر
من ثلث المعسكر المحاط ببوابات من الأسلاك الشائكة، وكلاب الحراسة والعوائق
الهائلة.
حصار شامل: حيث لا يتم السماح سوى لعدد قليل
من الأشخاص بالدخول أو الخروج، كما أن هناك قيودا بالغة على إمكانية
الوصول إلى طبيب أو دخول المساعدات الطبية. بل ويستعد سكان المعسكر لهجوم
آخر.
وفي أعقاب الغارة، أعلن الرئيس العراقي، جلال
طالباني أن حكومته قررت إغلاق معسكر أشرف بنهاية عام 2011 وتشكيل «لجنة
ثلاثية من العراق، وجمهورية إيران، واللجنة الدولية للصليب الأحمر.. لوضع
خارطة الطريق الملائمة لتلك القضية».
في ظل تلك الأزمة
الإنسانية، يمكننا رصد النفوذ المتزايد لإيران - والتضاؤل الملحوظ لنفوذ
الولايات المتحدة - في العراق. علاوة على ذلك، أصبح إخفاق سياسة الولايات
المتحدة تجاه إيران واضحا تماما.
من العدو الإيراني إلى البديل الإيراني
في
الأصل ينحدر مواطنو معسكر أشرف من جماعة ذات أصول إيرانية تكونت عام 1963
لمقاومة شاه إيران عسكريا. وقد شاركت حركة مجاهدين خلق في عام 1979 في
الثورة الإيرانية ولكن نظرا لأيديولوجيتها - التفسير المتسامح والديمقراطي
للإسلام - لم تتفق مع آيديولوجيا الجمهورية الإسلامية حديثة التكوين،
وبالتالي تعرضت لقمع دموي أسفر في النهاية عن إعدام قائدها الأصلي. وقد شن
من تبقى منهم حملة مسلحة ضد الحكومة الإيرانية استمرت حتى عام 2001 عندما
أعلنت الجماعة رسميا عن تخليها عن القيام بأي أعمال عسكرية ثم تخلت عن
السلاح تماما في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في
2003.
وفي المقابل، قدمت الحكومة الأميركية لها
الحماية، في شكل التزام رسمي تم نقله لاحقا إلى الحكومة العراقية في يناير
(كانون الثاني) 2009. وبالتالي، انتهكت الولايات المتحدة المادة 45 من
معاهدة جنيف الرابعة نظرا لأنها كانت تعرف بالفعل النوايا العراقية
بالتفكيك الجبري للمعسكر. وذلك على الرغم من أن الحكومة العراقية كانت قدمت
ضمانات مكتوبة تصرح فيها بأنها سوف تراعي حقوق مواطني معسكر أشرف وفقا
لمقتضيات معاهدة جنيف الرابعة والتي وقعت عليها العراق.
ومع
ذلك، فإنه فور تولي القوات العراقية مسؤولية المعسكر، أقاموا حوله حصارا.
وبعد ذلك بسبعة أشهر، في يوليو (تموز) 2009: «تم تنفيذ أول هجوم والذي أسفر
عن مقتل 11 شخصا وجرح 500»، ذلك ما قاله سعيد عبادي، العضو بلجنة الشؤون
الخارجية بـ«المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» في رسالة إلكترونية
لـ«المجلة». بالإضافة إلى أن حركة مجاهدين خلق تزعم أن إزالة المعسكر من
العراق كان: «الشرط المسبق الذي وضعه النظام العراقي لدعم تولي المالكي
منصب رئيس الوزراء للولاية الثانية».
جدير بالذكر، أن
معسكر أشرف تم تأسيسه عام 1986 خلال الحرب الإيرانية - العراقية، وذلك حين
وفر صدام حسين ملجأ لأعضاء مجاهدين خلق الذين كانوا يهربون من رجال آية
الله الخميني. وفي ظل التغير الذي حدث مؤخرا لموقف العراق من إيران من
كونها عدوا إلى كونها بديلا، لم يعد مرحبا بسكان معسكر أشرف في العراق،
كذلك لم يعد هناك استعداد لقبول قدر الاهتمام العالمي الذي أثارته الأزمة.
فمن الأعضاء السابقين بالكونغرس الأميركي مثل باتريك كيندي وبارني فرانك
والمحافظين مثل توم ريدج وهوارد دين إلى البرلمان الأوروبي، ومنظمة العفو
الدولية والأمم المتحدة والجامعة العربية، جميعهم أدان الغارات القاتلة
وطالب بتقديم حل فوري، تحديدا إعادة توطين اللاجئين في أجزاء من أوروبا
والولايات المتحدة.
قمع قوى التغيير
في
عام 1997، صنفت الولايات المتحدة جماعة مجاهدين خلق كجماعة إرهابية. وهو
ما كان، وفقا لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، مارتين إنديك، يمثل
بادرة حسن نوايا للرئيس المنتخب حديثا، محمد خاتمي. وللأسف بالنسبة لحركة
مجاهدين خلق، أصبح ذلك هو واقع الرؤية الأميركية تجاه الجماعة حيث أدركت أن
إيران سوف تبدي استعدادا للمساومة طالما أن الجماعة ظلت كيانا إرهابيا في
عيون الولايات المتحدة. وكان آخر مثال على ذلك هو جهود إدارة بوش للتواصل
مع إيران بشأن برنامجها النووي. ففي عام 2009، قدمت حركة مجاهدين خلق
التماسا لإزالة اسمها من القائمة - حصاد عقد كامل من الحملات الدولية -
ولكن وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، كونداليزا رايس، رفضته دون تقديم أي
تبرير.
ومن الواضح، وعلى حساب حياة الأبرياء، أن وضع
الجماعة يعتمد تماما على تقدم الولايات المتحدة في تحقيق أهداف سياستها
الخارجية في إيران. وفي الوقت نفسه، تتدخل الحكومة الإيرانية حاليا في
الشؤون العراقية لكي تتمكن من الوصول إلى حركة مجاهدين خلق على الرغم من
أنهم أعلنوا تخليهم عن ممارسة العنف ضد النظام الإٍسلامي. وبالنظر إلى
الماضي، سوف نجد أن إيران لم تفعل شيئا أو تقدم تسويات للمجتمع الدولي خاصة
الولايات المتحدة وهو ما يشير إلى أن السياسة بعيدة المدى للولايات
المتحدة، ببساطة، قد أخفقت.
وقد ذكر علي سفافي، العضو
ببرلمان إيران في المنفى ورئيس مركز أبحاث سياسات الشرق الأدنى في حوار مع
«المجلة» أن «خبرة 15 - 20 عاما مع النظام في طهران تؤكد أنه لا يوجد أي
قدر من الامتيازات، أو الاسترضاءات أو المكافآت التي تستطيع إقناع النظام
في طهران بالتفاوض حول أي من سياساتها السيئة خاصة «التخلي عن برنامجها
النووي».
وكانت مساعي النظام الإيراني المستمرة لتصنيف
«حركة مجاهدين خلق كجماعة إرهابية هي المطلب الأول في مقابل أي تبادل
سياسي بينها وبين الحكومات الغربية»، ذلك ما قاله سافافي. وبالربط بين ذلك
وقسوة الحكومة الإيرانية في التعامل مع مجاهدين خلق - وفقا لمجاهدين خلق،
قتلت الحكومة الإيرانية حتى اليوم ما يزيد عن 100 ألف متعاطف مع الجماعة -
يمكننا أن ندرك أن الحكومة الإسلامية في إيران تنظر إلى الجماعة كتهديد
خطير لقبضتها على السلطة. ويعد التقرير الذي أصدره البرلمان الإيراني والذي
يحذر من تزايد دور حركة مجاهدين خلق في الاحتجاجات الشعبية في 14 فبراير
(شباط) 2011، بالإضافة إلى المزاعم بالمشاركة الإيرانية في الهجوم على
معسكر أشرف دليلا أيضا على ذلك.
وسوف يرسل حذف حركة
مجاهدين خلق من القائمة الإرهابية للولايات المتحدة «رسالة سياسية قوية
للغاية إلى طهران وهي أنه لأول مرة خلال الثلاثين عاما الماضية، تتحرك
واشنطن بشكل عملي»، ذلك ما قاله سافافي. «كما أنه سوف يرسل رسالة تشجيع
قوية للشعب الإيراني».
في مؤتمر باريس في 19 أبريل
(نيسان) 2011، قدمت حركة مجاهدين خلق مذكرة سرية خاصة بالجيش العراقي
مكتوبة باللغة العربية تم تسريبها للمقاومة الإيرانية من داخل النظام
الإيراني، توضح ثلاث نقاط: أولا أن الهجوم «كان مخططا له سلفا على أعلى
مستوى كعملية عسكرية شاملة لها أهداف محددة» وهي قتل سكان معسكر أشرف،
وثانيا أن «الحكومة العراقية كانت تعمل على إعداد الخطة تحت الإشراف
المباشر وبالتعاون مع النظام الإيراني منذ ثلاثة أشهر» وتحتوي الوثائق على
«ملخص حول آخر مستجدات الوضع في معسكر أشرف بالإضافة إلى معلومات من داخل
النظام الديني حول الخطط والملالي ونصيرهم في العراق، نوري المالكي، حول
خططهم القادمة فيما يتعلق بمعسكر أشرف».
وتشير الوثيقة
التي وقعها القائد العسكري كاظم دنبوس، قائد فرقة المشاة العراقية
الخامسة، إلى أن الجيش أمر بقتل سكان المعسكر بناء على قرار من رئيس
الوزراء نوري المالكي نفسه. وهناك وثائق أخرى تدعم ذلك الدليل في حوزة حركة
مجاهدين خلق بباريس والتي سوف تقدمها للمحكمة في مدريد، بإسبانيا كدليل
على الاتهامات بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
كما
زعمت أيضا حركة مجاهدين خلق أن مصادرها التي تعمل مع النظام الديني أكدت
أن الجنرال قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني: «أشرف شخصيا على
التخطيط لذلك الهجوم على المعسكر». ووفقا لتلك المعلومات، فإن بعض الضباط
الناطقين بالعربية بالحرس الثوري قد شاركوا بالفعل في الهجوم الذي وقع في 8
أبريل (نيسان).
الحقائق والمستقبل
إن
أكثر الحقائق إزعاجا في ذلك السياق أن المجتمع الدولي، خاصة واشنطن، كان
على دراية بالهجوم المتوقع على معسكر أشرف ولم يفعل شيئا لمنعه. وبالإضافة
إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة بحماية معسكر أشرف بمقتضى القانون الدولي،
فإن حركة مجاهدين خلق لم تعد مصنفة ككيان إرهابي في المملكة المتحدة
والاتحاد الأوروبي. وفي يوليو (تموز) 2010، قدمت المحكمة الفيدرالية
التماسا إلى واشنطن يقضي بأن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية في 1997 كان
مرفوضا وطالبت وزارة الخارجية بإعادة النظر في ذلك التصنيف وهو ما تفعله في
الوقت الراهن.
وفي إطار إلقاء المزيد من الضوء على
الوضع المتدهور في معسكر أشرف، انتقل عشرات الآلاف من مؤيدي مجاهدين خلق من
جميع أنحاء العالم إلى باريس في 18 يونيو (حزيران) 2011. وطالبت السيدة
مريم رجوي الرئيس المنتخب لـ«المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» أن يتم
اتخاذ الخطوات القادمة مباشرة: تعيين ممثل خاص بمجلس الأمن بالأمم المتحدة
لفتح تحقيق في جريمة الثامن من أبريل (نيسان)، كما يجب أن تقوم الأمم
المتحدة بحماية المعسكر وإرسال فريق مراقبة دائم من الأمم المتحدة إلى
المعسكر بتعزيز شامل تقدمه الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ويجب على جميع
القوات العراقية مغادرة أراضي المعسكر على الفور، وإنهاء الحصار المفروض
على المعسكر منذ 28 شهرا.
يذكر أن السيدة رجوي كانت
قالت في حوار مطول خصت به "المجلة" في شهر مارس الماضي إنه بعد احتلال
العراق اقرت امريكا والقوات متعددة الجنسية ومنظمة الأمم المتحدة بان سكان
أشرف اشخاص مدنيون محميون بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وعلى هذا الاساس
وبموجب اتفاق ثنائي مع سكان أشرف تعهدت القوات الامريكية بحماية سكان أشرف.
وكشفت
رجوي في نفس الحوار: "لكن للاسف قامت القوات الاميركية اعتبارا من مطلع
العام 2009 في اجراء غير قانوني على الاطلاق سلمت بموجبه مسؤولية حماية
أشرف إلى القوات العراقية التي تخضع خضوعا تاما للنفوذ الإيراني. ومنذ ذك
الوقت وحتى الان يتعرض سكان أشرف للضغوط والحصار واعمال القمع من جانب
الحكومة والقوات العراقية بطلب من النظام الإيراني ، وما تزال هذه
الممارسات مستمرة وفي تصاعد حتى اليوم".
وشددت على أن
الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة لديهما مسؤولية محددة سواء من
الناحية الدوليه او من الناحية الاخلاقية والسياسية لحماية سكان أشرف.
وأضافت رجوي: "نحن نريد تواجد فريق مراقبة دائم تابع للأمم المتحدة في أشرف
وتحميه القوات الامريكية، وهذه المسألة ابلغناها مرات عديدة إلى المسؤولين
في الأمم المتحدة والمسؤولين الاميركيين واطلعناهم على مثل هذا الاقتراح.
وعلاوة على ذلك نحن نطالب الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاخرين
القيام بواجبهم، وان يطالبوا الحكومة العراقية بان تزيل مكبرات الصوت في
اقرب وقت ممكن وعلى الفور، وان تضع حدا للتعذيب النفسي للسكان وتامين حصول
السكان على الخدمات الطبيه بحري".
مما لا شك فيه، أن
عبء حل ذلك الموقف الملح يقع على عاتق الولايات المتحدة. وهو وقت ملائم
للغاية بالنسبة لأوباما لكي يفعل ما لم يفعله سلفه: الوقوف في وجه النظام
الإيراني وحذف حركة مجاهدين خلق من القائمة إذا لم يكن بغرض تحقيق نصر فيما
يتعلق بالسياسة الخارجية فعلى الأقل لإنقاذ ما تبقى من حياة سكان المعسكر.