كتب
جيل دولوز: " لا ينبغي البحث عمّا إذا كانت فكرة ما صادقة أو صائبة. ربما
يلزم البحث خارجا وفي مجال آخر، عن فكرة أخرى مغايرة، بحيث يسري بين
الفكرتين شيء ما لا هو في إحداهما ولا هو في الأخرى".
تتمخّض عن هذه القولة نتائج متعدّدة أولاها أنّ الفكر ليس سلسلة
اعتراضات، ليس نفيا وإثباتا، ليس أخذا وردّا، ليس جدالا ومحاججة، وإنّما
هو "خروج" وزحزحةdéplacement . التفكير قفزات ووثبات، انه ترحال وهروب.
الفكرة المضادّة ليست تفنيدا لقول ودحضا لرأي، ليست فكرة- نقيضا، والتفكير
ليس نقضا ونقدا، وإنما هو هدم وخلخلة وتفكيك.
سبق لنيتشه أن أشار إلى المعنى نفسه حينما نبّهنا ألا نجعل من الفكر
مجرّد استجابة لمنبّه، وردّ فعل إزاء فكرة عرضت لنا أو عرضت علينا، إذ أنّ
ذلك يجعلنا " نضيّع جهودنا إثباتا ونفيا، تأكيدا ومعارضة …فنبذر قوانا
الدفاعية".
إذا أفلح خصمك في أن يسجنك "داخل" منطقه، داخل "المنطق"، وجعلك لا تحيد
عمّا يرسمه هو لك، ولا تخرج عن قواعد اللعبة كما حدّدها، فإنّك لن تعمل
حتى إن فنّدت قوله، لن تعمل في أحسن الأحوال إلا على تمحيص فكرة دون المسّ
بمنظومة فكرية. قد تعارض مفهوما، لكنك لا تنال من جهاز مفاهيميّ. قد تراوغ
وتخادعtricher، لكنك لن تخونtrahir، لأنّ الأمر لا يقتضي، على حدّ تعبير
دولوز:" الخداع والمراوغة على طريقة رجل السلطة الذي يهيّء لمستقبله،
وإنّما يتطلّب الخيانة على طريقة الرجل العاديّ البسيط الذي لا يملك ماضبا
ولا مستقبلا. فنحن نخون القوى الثابتة والسلطات القارّة …الخائن هو خائن
لعالم الدلالات المهيمنة والنظام القائم، أمّا المخادع المراوغ فإنّه
يدّعي التمكّن من الخصائص الثابتة، ويزعم اكتساح أرض أو إقامة نظام جديد.
المخادع المراوغ له مستقبل، لكن لا صيرورة له".