ما هي خيارات 20 فبراير بعد الاستفتاء؟
ذ إسماعيل العلوي
2011-07-01 00:50:00
بالنظر
إلى المعطيات المتوفرة لحد الآن، ولعل أوضحها إشراف وزارة الداخلية على
الاستفتاء وليس جهة قضائية مستقلة، واعتماد التصويت ببطاقات الانتخابات
التي لم تعرف لوائحها تنقيحا ولا تحيينا وإنما إعادة التسجيل وليس اعتماد
البطاقة الوطنية، وبالنظر إلى الخروقات التي شابت حملة توزيع البطائق
الانتخابية، مع إقصاء جزء كبير من الكتلة الانتخابية وبالنظر إلى أجواء
الإرهاب والترويع والبلطجة السياسية التي رافقت حملة الاستفتاء، فإن نتيجة
الاستفتاء حسمت في دهاليز وزارة الداخلية ب"نعم"، والاشتغال اليوم ينصب
على التخريجة الإعلامية والسياسية للنتيجة، التي تشكل نسبة المشاركة فيها
أكبر عقبة تواجه مهندسي الانتخابات، خاصة وأن الدعاية المخزنية لن تفيد في
تغطية نسبة المشاركة، التي تشير توقعات الشارع السياسي إلى أنها لن تتجاوز
30 في المائة، وفي هذه الحالة سيطرح سؤال المصداقية والمشروعية على دستور
يؤيده مليونا مواطن من مجموع كتلة انتخابية تتعدى في حقيقتها 17 مليون
ناخب.
وأيا كانت نتيجة الاستفتاء فإن السؤال المطروح على محوري التجاذب
السياسي الحالي الأساسيين "تيار9 مارس" على رأسه المخزن و"تيار 20 فبراير"
بزعامة العدل والإحسان ما هي خيارات ما بعد الاستفتاء؟
بداية يبدو أن الخيارات تضاألت أمام كل الأطراف وهامش المناورة صار
ضيقا، فالنظام استنفد كل أوراقه ويبدو أن ورقة التعديلات الدستورية التي
راهن عليها النظام كثيرا، لم تحقق المطلوب ولم تخفف من حدة الاحتقان لأن
التعديلات كانت دون المطالب ودون التوقعات وخلفت استياء حتى لدى بعض أعضاء
لجنة الدكتور المنوني ولم يبق أمامه إلا أن يوظف التصويت بنعم، ويعتبر أن
المسألة منتهية أي أن الشارع قال كلمته، وبالتالي سيمنع التظاهر ويقمع كل
المسيرات وينهج سياسة الهروب إلى الأمام باتخاذ إجراءات سياسية عاجلة لسحب
البساط من 20فبراير، كإقالة حكومة الفاسي، وحل البرلمان، وإجراء انتخابات
سابقة لأوانها، ومحاكمة بعض رموز الفساد، والإفراج عن المعتقلين
السياسيين، وإصدار عفو عام عن الصحافيين.
وهذا خيار فيه كثير من المغامرة والمخاطرة، فالمغرب سيراهن برصيده
القليل في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان وبالصورة الحضارية التي نجح في
تسويقها عن نفسه نسبيا أمام الغرب، وسيضع مضامين الخطابات الملكية
والدستور الحالي على المحك.
وأما حركة 20 فبراير بكل داعميها على مختلف انتماءاتهم ومرجعياتهم،
فاحتمال التراجع عندها غير وارد على الإطلاق. لأن أسباب وجودها الموضوعية
مازالت قائمة، وكل تراجع يفسر بأنه انهزام وخيانة للشعب الذي وضع ثقته
فيها وساندها على مدار أربعة أشهر، فهي إما أن تصعد الاحتجاج بابتكار
أساليب جديدة كتشكيل جبهة شعبية تمثل قوة ضاغطة لتنفيذ الإصلاحات التي وعد
بها النظام، في كل المجالات القطاعية، وإما أن تختار الشارع مجددا لممارسة
الضغط الشعبي، وهي في هذه الحالة تفتح كل الاحتمالات ومنها احتمال
المواجهة الدامية مع المخزن، أو أن تختار طريق العصيان المدني والدخول في
حرب استنزاف طويلة الأمد وحالة من عدم الاستقرار، ستكبد المغرب خسائر
كبيرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ( تكاليف التنقل واللوجستيك، تعويضات
قوات القمع، فرار الاستثمارات ورؤوس الأموال، تعثر النشاط التجاري). ويبدو
أن حركة 20فبراير من خلال ما أبانت عليه لحد الآن وما قدمته من تضحيات
قادرة على الاستمرار، فالنواة الصلبة في حركة 20فبراير -أي العدل
والإحسان- تمتلك القدرة التنظيمية والخبرة السياسية وطول النفس لإطالة أمد
المواجهة، خاصة وأن كل المعطيات تؤكد أنها هي المستفيد الأكبر بكل
المقاييس من هذا الحراك، فهي استطاعت أن تحدث شرخا في بنية المخزن، وتمكنت
من كسب حلفاء تكتيكيين وموضوعيين إلى صفها، كما اختبرت وطورت جزء من
قدرتها التعبوية والتنظيمية، وروجت لمشروعها السياسي بقوة في الشارع
واستقطبت لصفها فئات عريضة.وكل هذا دون أن تظهر في الصورة بشكل مباشر
وبتكلفة قليلة بالمقارنة مع ما وقع في مصر وتونس وما يقع في سوريا.
نتمنى أن تغير نسبة المشاركة الضعيفة جدا وحقائق الأرقام، التي سيكشف
عنها الاستفتاء المعادلة السياسية في المغرب، وتدفع من بقي من عقلاء في
النظام إلى فتح ورش حوار وطني حقيقي مع الأطراف التي تمتلك قاعدة جماهيرية
وتعبر عن نبض الشارع، فأحزاب الواجهة والنخب السياسية فقدت صلاحيتها، وكان
خروج حركة 20 فبراير إلى الشارع توقيعا لشهادة وفاتها الرسمية، فالمغرب
أمامه خيارين لا غير، خيار الإصلاح الحقيقي والجاد أو خيار السكتة القلبية
لا قدر الله.
فزمان المناورات السياسية لربح الوقت أو امتصاص الغضب ولى، فشباب 20
فبراير كسائر الشباب العربي يضع قواعد جديدة لمرحلة سياسية مقبلة بأفكارها
واختياراتها ورموزها.