** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 -حُرِّيَّة الإرادة- بين -الدِّين- و-العِلْم-!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بن عبد الله
مراقب
مراقب
avatar


التوقيع : -حُرِّيَّة الإرادة- بين -الدِّين- و-العِلْم-! Image001

عدد الرسائل : 1537

الموقع : في قلب الامة
تعاليق : الحكمة ضالة الشيخ ، بعد عمر طويل ماذا يتبقى سوى الاعداد للخروج حيث الباب مشرعا
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8

-حُرِّيَّة الإرادة- بين -الدِّين- و-العِلْم-! Empty
26062011
مُساهمة-حُرِّيَّة الإرادة- بين -الدِّين- و-العِلْم-!

[b]
حتى "نظام الحكم الإلهي"، وللبشر على وجه
الخصوص، يحتاج إلى أنْ تؤسَّس له "شرعية"، قبل، ومن أجل، أنْ يُجْعَل
مَصْدَر كل شرعية (في الدِّين). وشرعيته يجب أنْ تُسْتَمَدَّ من "العقل"،
بموازينه ومعاييره المختلفة درجة التطوُّر التاريخي والحضاري للبشر.


والمجتهدون
في تأسيس وتطوير شرعية (عقلانية ومنطقية) لِحُكْم الله للبشر لم يُوفَّقوا
(ولن يوفَّقوا أبداً) في أنْ يجيبوا عن سؤال "التخيير (هل الإنسان
مخيَّر؟"، أو عن سؤال "حرِّية الإرادة البشرية"، بما يُكْسِب "نظام الحكم
الإلهي" شرعية العقل والمنطق.

و"التناقض المنطقي" في "نظام الحكم
الإلهي" يَظهَر ويتأكَّد في "الإجابتين المتضادتين معاً"، أي في الإجابة
(عن ذاك السؤال) التي تُثْبِت فيها وتؤكِّد "حرِّية الإرادة البشرية"، وفي
الإجابة المضادة التي تُثْبِت فيها وتؤكِّد عدم وجود هذه الحرِّية.

الدِّين
لا يمكنه إنكار حرِّية الإرادة البشرية (في الفعل والعمل والتصرُّف) من
غير أنْ يُقوِّض (منطقياً) نظام "الثواب والعقاب" الإلهي، ومنطق "العدالة
الإلهية" الكامن فيه؛ فإنَّ الظُّلْم بعينه أنْ تُعاقِب إنساناً على
ارتكابه "إثماً"، أو "ذَنْباً"، ليس في مقدوره أبداً اجتناب ارتكابه.

إنَّ
"الإرادة الحُرَّة للبشر" لا يمكن فهمهما، في الدِّين، إلاَّ على أنَّها
جزء (لا يتجزَّأ) من "نظام القضاء والقَدَر"، أي من "نظام الحكم الإلهي"
للبشر ("الأحرار").

ونحن يكفي أنْ نفهمها على هذا النحو (وهي لا
يمكن أنْ تُفْهَم على نحو آخر) حتى تغدو، لجهة ممارسة البشر لها، "وَهْماً
خالصاً"، و"خديعة كبرى"، و"لعبة لا معنى لها".

أُنْظروا الآن، وفي
مثال بسيط، كيف تكون لعبة ممارَسة الإنسان لإرادته الحُرَّة، أي كيف
يمارِس حرِّيته في الاختيار، ويكون، من ثمَّ، "مخيَّراً" في أمْرٍ من
أموره.

إنَّ أفعال وأعمال وتصرُّفات البشر، في ميزانها الديني، على
نوعين اثنين: نوع يُرْضي الله، ويَسْتَحِق صاحبه، من ثمَّ، الثواب الإلهي،
في "الآخرة"، أو "يوم الحساب"، و"الجنَّة" هي هذا الثواب؛ ونوع يُغْضِبه،
ويَسْتَحِق صاحبه، من ثمَّ، العقاب الإلهي، و"جهنَّم" هي هذا العقاب.

لقد
كان عليَّ أنْ أختار، فهذا تصرُّف عرَّفه الدِّين لي على أنَّه "إثمٌ"، أو
"شَرٌّ"، أو شيء "مُغْضِبٌ لله"؛ وذاك تصرُّف عرَّفه الدِّين لي على أنَّه
"شرعي"، "مُرْضٍ لله".

إنَّني الآن "متردِّد"، تارةً يشتدُّ لديَّ
المَيْل إلى فِعْل هذا، وطوراً يشتدُّ لديَّ المَيْل إلى فعل ذاك؛ وبعد
طول تفكير وتردُّد وصراعٍ داخلي، أحسم الأمر، وأختار، واتِّخِذ القرار،
وأشْرَع أَفْعَل أحد الفعلين.

وافْتِراضاً أقول إنَّني اخْتَرْت
أخيراً أنَّ أفعل الفعل الذي يُغْضِب الله، والذي سأُعاقَب عليه في
"الآخرة"، عملاً بـ "العدالة الإلهية" التي لا تُخالِطها ذرَّة من
الظُلْم؛ لأنَّها عدالة مُطْلَقَة.

والله، في صفة أخرى من صفاته المُطْلَقَة، هو "العليم"، أي الذي يَعْلَم كل شيء عِلْم اليقين.
كل
هذه التجربة الشخصية (الافتراضية) التي عشتها، والتي انتهت باختياري
(النهائي) ارتكاب هذا "الإثم"، أو تلك "المعصية"، إنَّما كانت في عِلْم
الله، ومن عِلْمِه، اليقيني المُطْلَق، منذ الأزل؛ فهل لي أنْ أختار
وأُقرِّر بما يُفاجئ الله، ويَذْهب بما هو من "عِلْمِه اليقيني
المُطْلَق"، وليس بـ "توقُّعه"؛ لأنَّ الله "لا يتوقَّع"؟!

إنَّ
الله يكفي أنْ يكون عليماً منذ الأزل بما سأفْعَل من خير أو شر، بعد
"ممارستي للعبة حرِّية الاختيار"، حتى يكون "مُرِيداً" لهذا الذي "وَقَع
عليه اختياري"، و"مقرِّراً" له؛ وهذا يكفي دليلاً على أنَّ "حرِّية
الإرادة الإنسانية" لا يمكن فهمها، دينياً، إلاَّ على أنَّها جزء (لا
يتجزَّأ) من "نظام القضاء والقَدَر"، والوجه الآخر" لـ "التسيير".

هذه
التجربة، وبكل تفاصيلها، وبما خالطها من تفكير وتردُّدٍ لصاحبها، وبما
تمخَّضت عنه من نتيجة نهائية، كانت (ولا بدَّ لها من أنْ تكون) في عِلْم
الله اليقيني الأزلي؛ وإلاَّ انْتَفَت عن "خالِق الكون" صفة "العليم"،
وظَهَر هذا الخالِق على أنَّه غير عليم (منذ الأزل) بما يمكن أنْ يَقْدِم
عليه البشر من أفعال.

وإنَّ السؤال الذي يتحدَّى سُعاة التوفيق بين
فكرتي "التخيير" و"التسيير" أنْ يجيبوا عنه هو: ما معنى أنْ يَعْجَز
الإنسان عن أنْ يمارِس إرادته الحُرَّة بما يَجْعَل نتائج هذه الممارسة
مخالِفة لِعِلْم الله بها منذ الأزل؟

لا جواب إلاَّ الآتي: لا
تَنَاقُض أبداً بين "عِلْم" الله وبين "إرادته"؛ فما يَعْلَمه الله عِلْم
اليقين منذ الأزل لا يمكن إلاَّ أن يكون (في الوقت نفسه) مُريداً له؛
فالله لا يَعْلَم ما يُريد فحسب؛ وإنَّما يُريد ما يَعْلَم. وإذا كان
"عِلْم" الله و"إرادته" شيئاً واحداً فإنَّ الإنسان، ومهما حاول أنْ يكون
حُرَّاً في إرادته واختياره، لن يأتي أبداً بأي فعل أو عمل أو تصرُّف
يتنافى، أو يتعارَض، ولو قليلاً، مع "عِلْم ـ إرادة" الله.

إنَّ
"حرِّيَّة" إرادة الإنسان و"الوعي" صنوان، فلا حرِّيَّة حقيقية لإرادة
الإنسان، فرداً كان أم جماعة، من غير وعي "الضرورات"، طبيعية كانت أم
اجتماعية ـ تاريخية. وليست "الضرورات"، التي يمكننا وينبغي لنا وَعْيها
قبل، ومن أجل، أن نَفْعَل ما نريد فعله، سوى "القوانين المادية
الموضوعية"، في الطبيعة والمجتمع والتاريخ، التي لا يمكننا خلقها أو
إفناءها؛ لكن يمكننا وينبغي لنا (بَعْد، وبفضل، وعينا وإدراكنا واكتشافنا
لها) أن نتحكَّم فيها، ونديرها، ونستخدمها، بما يلبِّي حاجاتنا، ويَخْدُم
مصالحنا. إنَّني لَمْ أجِد تعريفاً أفضل لـ "الحرِّيَّة (حرِّيَّة الإرادة
الإنسانية)" من تعريفها على أنَّها "وعي الضرورة"، فـ "الحرِّيَّة" بنت
"الوعي"، و"العبودية" بنت "الجهل".

الشيخ عبد الرحمن بن ناصر
البراك قرَّر، في فتوى له، أنَّ "أعمال الشياطين، وأعمال الكفرة، إنَّما
هي جزء من مشيئة الله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ والله خلق
الخير والشر..".

وقال: "الله جعل الملائكة والشياطين ضدين،
فالملائكة عباد مكرمون مطيعون عابدون لربهم، يحبون ما يحبه الله، ويبغضون
ما يبغضه، ويدعون إلى مراضيه، يحبون المؤمنون ويستغفرون لهم؛ والشياطين
أشرار يحبون ما يبغضه الله، ويدعون إلى معاصيه والكفر به، ويحبون الكافرين
ويؤذون المؤمنين. لقد ابتلي كل إنسان بقرين من الجن يوسوس له ويزيِّن له
القبيح، وبقرين من الملائكة يزيِّن له الخير ويدعوه إليه..".

هل الإنسان مخيَّر أم مسيَّر؟

في
الإجابة، يقول: "هذا اللفظ (التخيير والتسيير) لم يَرِد في الكتاب ولا في
السنة. إنَّ الإنسان له مشيئته، ويتصرَّف بها، وله قدرة على أفعاله؛ لكن
مشيئته محكومة بمشيئة الله ("وما تشاؤون إلا أنْ يشاء الله رب العالمين")".

الشيخ
يقف ضد "الإطلاق" فإنَّ من "الباطل" أنْ يُقال إنَّ الإنسان "مُسيَّر" إذا
كان معنى ذلك هو أنَّ الإنسان "مجبور، ولا مشيئة له، ولا اختيار"؛ وإنَّ
من "الحق" أنْ يُقال إنَّ الإنسان "مُسيَّر" إذا كان معنى ذلك هو أنَّ
الإنسان "يفعل ما يفعل بمشيئة الله وتقديره".

وإنَّ من "الباطل"
أنْ يُقال إنَّ الإنسان "مخيَّر" إذا كان معنى ذلك هو أنَّ الإنسان
"يتصرَّف بمشيئته الخالصة المُطْلقة، أي بمشيئته غير المحكومة بمشيئة
الله"؛ وإنَّ من "الحق" أنْ يُقال إنَّ الإنسان "مخيَّر" إذا كان معنى ذلك
هو أنَّ الإنسان "له مشيئة واختيارا، وليس بمُجْبَر".

أمَّا الشيخ
محمد أمين شيخو فيرى أنَّ "العبد مُطْلَق في اختياره، غير مُجْبَر على
الوقوع في فعل من الأفعال؛ لكن الاستطاعة والقدرة بيد الله وحده، فلا حول
ولا قوَّة إلا بالله". ويقول: "إنَّ العبد مخيَّر، يستطيع أن يختار ما
يشاء؛ وعليه يستحق العقوبة أو الثواب".

ويقول شارحاً: "إذا وقع
اختيار العبد المؤمن على القيام بعمل من أعمال البر والإحسان فلا ريب أنَّ
اختياره هذا يُنَفِّذه الله له؛ لكن العدالة الإلهية تقضي بأن يكون
التنفيذ على شخص استحق هذا البر والإحسان. إنَّ الله يسوق المُحْسِن
للمُحْسِن، والطيِّب للطيِّب..".

ويضيف: "أمَّا إذا وقع اختيار
المُعْرِض على القيام بعمل من أعمال الأذى والعدوان فلا ريب أيضا أنَّ
اختياره هذا يُنَفِّذه الله له؛ ويكون التنفيذ على شخص استحق الأذى
والعدوان، فيُساق الظالم لنفسه إلى الظالم لنفسه. إنَّ السارق لا يسرق إلا
ممن سرق من قبل، والقاتل لا يقع جرمه إلا على شخص استحق أن يموت قتلا".

والكلمة
الفصل، على ما يقول، في أمر التسيير والتخيير هي أنَّ الإنسان "مخيَّر إلى
أقصى حدود الاختيار؛ بل له الاختيار كله؛ لكن لا حول له ولا قوَّة، فالحول
والقوَّة لله وحده. الإنسان يختار ويصمِّم، والله يُسَيِّرَهُ لتحقيق
اختياره. الإنسان يختار ويَطْلُب، والله يُطْلِقه ويمده لتنفيذ وتحقيق
طلبه".

وبما يُوافِق منطقهم، أقول إنَّ "المشيئة" هي "الإرادة"؛
ومشيئة الله تعلو ولا يُعلى عليها، ولا مَرَدَّ لها. ومشيئة الله
"مُطْلَقَة"، فكل ما حَدَثَ، ويَحْدُث، إنَّما هو جزء من مشيئة الله. حتى
أعمال الشياطين والكفرة هي جزء من مشيئة الله، فما شاء الله كان، وما لم
يشأ لم يكن. ووجود إبليس مع أعماله (مع شروره كافَّة) لا ينفي، بل يؤكِّد،
أنَّ الله هو "خالق الخير والشرِّ معاً"، فـ "الشرُّ" لا يمكن فهمه إلاَّ
بوصفه جزءاً مِمَّا خلق الله.. الله "الخالق لكل شيء".

وفي سورة "الحجر (الآية 39)"، خاطب إبليس ربَّه قائلا:".. رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ..".

إنَّ
إبليس المُعْتَرِف بربِّه يَنْسِب الظلم إلى الله قائلا إنَّه هو الذي
أغواه. ولا شكَّ في أنَّ إبليس، في موقفه هذا، إنَّما يؤكِّد إيمانه بأنَّ
مشيئته جزء من مشيئة الله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. و"تمرُّد
إبليس" كان مِمَّا شاء الله له أن يكون، ولو لم يشأ لَمَا كان.

وفي
حديث نبوي رواه الترمذي جاء: ".. واعلم أنَّ الأمةَ لو اجتمعت على أنْ
ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلاَّ بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ لكَ، وإنْ اجتمعوا
على أنْ يضرُّوكَ بشيءٍ لم يضرُّوكَ إلاَّ بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ عليكَ".

و"كَتَبَ"
الله الشيء معناه "قضاه وأوجبه وفرضه (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ). و"المكتوب (المُقَدَّر)" إلهياً
(منذ الأزل) لا مَهْرَب منه مهما أوتي الإنسان من "حرِّيَّة الإرادة
والاختيار"؛ فهل من شيطان يستطيع أن يصبح ملاكاً؟!

وهل من ملاك يستطيع أن يصبح شيطاناً؟!

إنَّ
"الله جعل الملائكة والشياطين ضدين، فالملائكة عباد مكرمون مطيعون عابدون
لربهم، يحبون ما يحبه الله، ويبغضون ما يبغضه، ويدعون إلى مراضيه، يحبون
المؤمنون ويستغفرون لهم؛ والشياطين أشرار يحبون ما يبغضه الله، ويدعون إلى
معاصيه والكفر به، ويحبون الكافرين ويؤذون المؤمنين..". تلك هي صفات
الشياطين، وتلك هي صفات الملائكة، التي أراد لها الله أن تظل هي ذاتها لا
تتغيَّر إلا إذا قضى هو بتغييرها.

كل إنسان، مؤمناً كان أم كافراً،
مسلماً أم غير مسلم، جَعَلَ الله له قرينا من الجن" يوسوس له ويزيِّن له
القبيح"، وآخر من الملائكة "يزيِّن له الخير ويدعوه إليه".

قبل
أن يسرق الإنسان (على سبيل المثال) يدور في داخله صراع، فـ "الجن" يُزيِّن
له هذا القبيح من الأعمال وهو السرقة، أمَّا الملاك فيُزيِّن له عمل
الخير، وينهاه عن السرقة.

ذاك يقول له افْعَل، وهذا يقول له لا
تَفْعَل؛ ثمَّ يختار الإنسان ويُقرِّر، فإذا اختار وقرَّر "السرقة" فإنَّه
في هذه الطريقة يكون قد مارَس "حرِّيَّة الاختيار"، مقيماً الدليل على
أنَّه "مخيَّر إلى أقصى حدود الاختيار، وله الاختيار كله"؛ لكنَّ "اختيار"
السرقة شيء، و"ارتكابها" شيء، فهذا السارق اختار وقرَّر فحسب؛ أمَّا
"الفعل (أو التنفيذ)"، فعل السرقة، فليس من عنده، فـ "العبد مُطْلَق في
اختياره، غير مُجْبَر على الوقوع في فعل من الأفعال؛ لكن الاستطاعة
والقدرة بيد الله وحده، فلا حول ولا قوَّة إلا بالله".

و"إذا ما
وقع اختيار المُعْرِض على القيام بعمل من أعمال الأذى والعدوان فلا ريب
أيضا أنَّ اختياره هذا يُنَفِّذه الله له؛ ويكون التنفيذ على شخص استحق
الأذى والعدوان، فيُساق الظالم لنفسه إلى الظالم لنفسه. إنَّ السارق لا
يسرق إلا ممن سرق من قبل، والقاتل لا يقع جرمه إلا على شخص استحق أن يموت
قتلا".

"السرقة" هي عمل من أعمال الشر، يحضني عليها "جن"، وينهاني
عنها "ملاك"، فإذا اخْتَرْتُ ارتكابها وأنا "العبد المُطْلَق في اختياري،
غير المُجْبَر على الوقوع في فعل من الأفعال" فإنَّني لن أتمكَّن من
ارتكابها (تنفيذها) إلاَّ بفضل "القدرة الإلهية"، فـ "الاستطاعة والقدرة
بيد الله وحده"، و"لا حول ولا قوَّة إلا بالله". أنا "أختار" عمل الشر
(السرقة في مثالنا) بعد، وبسبب، "وسوسة الجن (أو الشيطان) لي"، فـ
"يُنَفِّذ الله ما اخترت"؛ لأنَّ في يده وحده "الاستطاعة والقدرة". وليس
هذا فحسب، فـ "ضحيَّتي"، أي الشخص الذي قُمتُ بسرقة ماله مثلا، هو من
جنسي، أي أنَّه شخص يستحق أن يُسْرَق ماله، فساقني الله إليه، وإلا ما
معنى أن يفتي "العلامة" الشيخ شيخو قائلا: "والقاتل لا يقع جرمه إلا على
شخص استحق أن يموت قتلا"؟!

ولو أخذنا برأي، أو فتوى، هذا الشيخ
العلامة لَمَا جاز لنا أن نقف (دينيا) ضد قتل "النفس البريئة"، فـ
"القاتل" و"المقتول" يجب أن يكونا دائما من الجنس ذاته، فهذا الجندي
الإسرائيلي القاتل لطفل فلسطيني إنَّما ساقه الله إلى هذا الطفل ليقتله؛
لأنَّه يستحق أن يموت قتلا!

الإنسان، بحسب فتوى الشيخ شيخو،
"مخيَّر إلى أقصى حدود الاختيار، وله الاختيار كله"؛ وعليه يستحق العقوبة
أو الثواب. إنَّه، أي الإنسان، "يختار ويطلب ويُصمِّم"؛ لكنَّه لا يملك في
ذاته "القدرة" على تنفيذ، أو تحقيق، ما وقع عليه اختياره، فـ "الله
يُسَيِّرَهُ لتحقيق اختياره. والله يُطْلِقه ويمده لتنفيذ وتحقيق طلبه".
والإنسان لا يختار أن يعمل عملا ما (من أعمال الخير أو الشر) إلا بعد
صراعٍ في داخله، فثمة "جن" يدعوه إلى عمل الشر، وثمَّة ملاك يدعوه إلى عمل
الخير. لكنَّ السؤال الذي لم يجبه الشيخان، ولن يتمكَّنا أبداً من إجابته،
هو الآتي: "هل في مقدور هذا الإنسان، ومهما أوتي من حرِّية الاختيار،
ومهما أنفق من وقت وجهد توصُّلا إلى الاختيار، أن يختار بما يتعارض مع ما
كتبه الله له منذ الأزل؟".

لقد كَتَبَ الله لي منذ الأزل أن أقوم
بهذا العمل، فهل أستطيع أن أختار أنا "المخيَّر إلى أقصى حدود الاختيار
والذي لي الاختيار كله" عملاً غير هذا الذي كتبه الله لي (وما تشاؤون إلا
أنْ يشاء الله رب العالمين)؟!

إنَّ الإنسان لا يملك أبداً أن يختار
إلا ما كتبه الله له منذ الأزل، فمشيئته محكومة دائما بمشيئة الله. وإنَّ
من الضلال أن تسعى في إجابة مختلفة عن ذاك السؤال من خلال تمييز "عِلْم"
الله من "إرادته"، أو "مشيئته"، كأنْ تقول إنَّ الله، ومنذ الأزل، يَعْلَم
عِلْم اليقين أنَّكَ سترتكب هذا الشر؛ لكنَّ ارتكابكَ له لم يكن من مشيئته
أو إرادته، ولم يَفْرِض عليكَ ارتكابه فرضا؛ لأنَّ منطق "العِلْم الإلهي
المُطْلَق" لا يسمح لكَ أبداً بأن تأتي بعمل لم يَعْلَمَهُ الله منذ
الأزل، فالله يَعْلَم، ويريد ما يَعْلَم، ويُنَفِّذ (ولو عَبْر يديكَ)
الأعمال التي شِئت، أو التي تتوهم أنَّكَ شئتها؛ لأنَّ مشيئتك محكومة
بمشيئة الله.

وفي كلمة جامعة مانعة أقول ليس بمؤمِن هذا الذي
يؤمِن بـ "القضاء والقدر" فحسب، فإنَّ عليه، في الوقت نفسه، وفي القدر
نفسه، أن يؤمِن بأنَّ "إرادته الحرَّة" جزء لا يتجزأ من نظام "القضاء
والقدر" نفسه.

هل الإنسان مسيَّر أم مخيَّر؟

هذا السؤال لم
يأتِ من فراغ، بل ولَّدته حاجة الإنسان إلى معرفة واختبار "حدود الإرادة
الحرَّة" لديه، فعجْز الإنسان، المُثْبَت والمؤكَّد، عن أن يكون حرَّاً في
كل أفعاله وأعماله، أي عجزه عن أن يفعل كل ما يريد، وكل ما يرغب في فعله،
هو الذي حمله على إثارة مسألة "التسيير والتخيير".

وأحسب أنَّ
الفهم الخاطئ لمعنى "الحرِّية"، أو "حرِّية الإرادة الإنسانية"، قد خلق
عقبات فكرية عديدة في طريق البحث عن جواب للسؤال، أو عن حل مرضٍ لهذه
المشكلة التي ما زالت تؤرِّقنا منذ زمن طويل، والتي ما زالت تؤثِّر تأثيرا
قويا وجليِّا حتى في حياتنا اليومية، فنحن ما أن تحل بنا مصيبة، كان
ممكناً اجتنابها ودرأها، حتى نعزِّي أنفسنا بقول من قبيل "كانت قضاءً
وقدراً".

"كل شيء مكتوب"، و"لا مهرب من المكتوب"، فسائق السيَّارة،
في تهوُّر وطيش ونزق، صدم بسيَّارته طفلاً، فقتله. لكنه بدعوى أنَّ "كل
شيء مكتوب"، وأنَّ الحادث من صنع "القضاء والقدر"، يفلت من العقوبة التي
يستحق.

نحن "أحرار"، ونحن "مقيَّدون"، في الوقت نفسه؛ ولسوف
نستمر في هذه الحال المتناقضة إلى الأبد، وليس من معنى للحرية، أي "حرِّية
الإرادة الإنسانية"، إلا إذا فهمناها على أنَّها "ثمرة وعي الضرورة
(الطبيعية والتاريخية)".

هل أنا حرٌّ في تحضير كوب من الشاي؟

الإجابة
هي "نعم" و"لا" في الوقت نفسه، فأنا، ومهما كنتُ حرَّاً، لا أستطيع أن
أُحضِّر كوبا من الشاي إذا ما "رفض" الماء أن يغلي عند تسخيني له، أو إذا
ما "رفضت" مادة الشاي أن تنحل في الماء المغلي.

إنَّني أستطيع أن
أفعل ما أريد، أي أن أكون حرَّاً في أفعالي وأعمالي، إذا ما أخذتُ
بالأسباب، ووعيتُ "الضرورة (الطبيعية والتاريخية)" الكامنة في الفعل الذي
أريد، فالفعل، في حياتنا الاجتماعية والتاريخية، نصفان: نصفه منِّي (من
وعيي وإرادتي..) ونصفه من "الواقع وقوانينه الموضوعية"؛ وينبغي للنصف
"الذاتي" أن يطابق ويوافق النصف "الموضوعي" وإلا ذَهَبَتْ التطورات
بالتوقُّعات، وحبط سعينا.

ويكفي أن نستمسك بهذا الفهم حتى ننتقل
إلى "السؤال السليم".. سؤال "كيف ندرأ عن أنفسنا هذه الكارثة المحدقة
بنا؟"، فالتاريخ ليس بالشيء المصنوع سلفاً. إنَّه شيء قيْد الصنع.

كل
الجهد التأويلي الذي بُذِل ويُبذل لم ينجح، ولن ينجح، في التوفيق بين
"التسيير" و"التخيير". ونوضِّح ذلك في المثال الآتي: في هذا المكان، وفي
هذا الزمان، سوَّلت لي نفسي "الأمَّارة بالسوء" الإتيان بـ "فاحشة".
و"الفاحشة"، أي القبيح الشنيع من قول أو فعل، تُغْضِبُ "الخالِق"، الذي
سيُعاقبني على هذا الذنب الذي اقْتَرَفْت "يوم الحساب". سيُعاقبني؛
لأنَّني خالفْتُ ما نهاني عنه، فـ "الخالِق" حرَّم الفواحش ما ظَهَر منها
وما بَطَن.

والسؤال الذي يُوَلِّدَهُ هذا المثال، والذي ينبغي لهم إجابته، هو الآتي: هل أنَّني "فاجَأْتُ" الخالِق إذ أتيتُ بهذه "الفاحشة"؟

إنَّكَ
لا "تُفاجأني" إذا أنتَ أتيْتَ بفعلٍ كنتُ "أَتَوَقَّع" أن تأتي به، أو
كنتُ "أَعْلَمُ عِلْمَ اليقين" أنَّكَ ستأتي به في هذا المكان، وفي هذا
الزمان.

ولا ريب في أنَّ "الخالِق" كان "يَعْلَم عِلْم اليقين"
أنَّني سأرتكبُ هذا "الذنب"، منذ "الأزل"، أي قَبْلَ خَلْقي، وقَبْلَ
خَلْق السماوات والأرض، فإنَّ من صفاته "العليم"، و"علاَّم الغيوب"، فهو
العالِمُ بما كان وما يكونُ قَبْلَ كَوْنِه, وبِمَا يكونُ ولَمَّا يكُنْ،
قَبْل أنْ يكون. وهو لم يَزَل عالِماً ولا يَزالُ عالماً بما كان وما
يكون, ولا يخفى عليه خافيةٌ في الأرض ولا في السماء، أحاطَ عِلْمُه بجميع
الأشياء، باطِنِها وظاهرِها، دقيقِها وجليلِها.

إنَّ إتياني بتلك
"الفاحشة" كان في عِلْمِهِ منذ الأزل. وأنا، في ذلك المكان، وفي ذلك
الزمان، أي حيث أتيتُ بـ "الفاحشة"، ليس في وسعي أن آتي بما يُخالِف هذا
"المعلوم"، فمخالَفَة ما نهاني "الخالِق" عنه، أي إتياني بتلك "الفاحشة"،
هي كل ما في وسعي أن أفْعل.

لقد أرَدَتُ الإتيان بتلك "الفاحشة"،
فهل أملكُ من "حرِّية الإرادة" ما يمكِّنني من أن أريد غير ما أراده
"الخالِق"، أو ما يُخِالِف ويضاد إرادته؟!

إنَّني لا أستطيع أن أكون "مؤمناً" إلاَّ إذا آمنتُ بأنَّني لا أستطيع أن أُريد إلا ما أَرادهُ "الخالِق".

إتياني
بتلك "الفاحشة" إنَّما كان في "عِلْمِهِ" منذ "الأزل"، كما كان من
"إرادته"، فليس لـ "المخلوق" أن يريد شيئاً لم يُرِدْهُ "الخالِق"، أو
يُخالِف إرادته ويعارضها. حتى تمرُّد "إبليس" على "الخالِق" كان في عِلْم
"الخالِق" ومن إرادته، ولو شاء "الخالِق" لظلَّ "إبليس" على طاعته له.

وغني
عن البيان أنَّ إدراج "الفاحشة" التي ارْتَكَبْت في "عِلْم" و"إرادة"
الخالِق يعني أنَّ إتياني بها هو "أمرٌ قرَّره الخالِق"، وليس لي أن
أُخالِفَ، في قولي وفعلي، وفي كل ما يدور في خلدي، "قرار" الخالِق، فأنا
كنهرٍ لا يملكُ تغييراً لمجراه.

وهذا "القرار الإلهي" هو ما
يسمَّى "القضاء والقدر". وعلى كل من يؤمن بـ "القضاء والقدر" أن يؤمِن،
أيضاً، بأنَّ "إرادته الحرَّة" هي جزء لا يتجزأ من هذا "النظام الإلهي"،
أي من "القضاء والقدر". ويكفي أن نؤمن بأنَّ "إرادتنا الحرَّة" جزء لا
يتجزأ من "القضاء والقدر" حتى ينتفي "التخيير"، ويسود "التسيير" سيادة
مطلقة.

في دفاعهم عن "التخيير"، يأتون بالمثال الآتي: أنتَ
تَعْرِفُ ابنكَ جيِّداً، و"تتوقَّع"، من ثمَّ، أن يأتي بفاحشة الزِّنا"،
فيأتي بها. أنتَ لم تكرهه أو تجبره على الزِّنا. أنتَ كنتَ "تتوقَّع"؛
لأنَّكَ كنتَ "تَعْلَم" الحقائق السلوكية لدى ابنكَ.

في هذه
الطريقة يحاوِلونَ إقناعِكَ بأنَّ "الخالِق" يَعْلَم، منذ الأزل، الفواحش
التي سنأتي بها، لكنَّ عِلْمَهُ هذا لا يعني أنَّه قد أكرهنا أو أجبرنا
على الإتيان بها.

هذه المحاوَلة لا بدَّ لها من أن تفشل؛ لأنَّ
أصحابها لن ينجحوا في أن يجيبوا إجابة مقنعة عن السؤال الآتي: إذا كان
"الخالِق" يَعْلَمُ عِلْم اليقين، منذ الأزل، أنَّني سأرتكبُ هذا الذنب،
فهل أستطيع أن أمنع نفسي من ارتكابه؟!

المثال الذي جاؤوا به ليس
بالمثال الموفَّق، فهذا الابن قد يُفاجئ والده، أي قد يمتنع عن الزِّنا،
ويَذْهَب، من ثمَّ، بـ "توقُّع" والده. لكنَّ الإنسان لا يستطيع، أبداً،
الإتيان بما يذهب بـ "توقُّع" الخالِق، أو يُخالِف "عِلْمَهُ".

و"خالِقُ
كل شيء"، وحتى تظلَّ عبارة "خالق كل شيء" محتفِظَةً بمعناها، لا يمكن أن
يكون خالِقاً لـ "الخير" و"الأخيار" فحسب، فهو يجب أن يكون، أيضاً، خالقاً
لـ "الشرِّ" و"الأشرار"، ولكل ما يأتي به البشر من فواحش.

ويقولون
أيضاً: إنَّ الإنسان قد يفعل ما لا "يرضي" الخالق، أي ما يُغْضب الخالِق،
لكنَّه لا يستطيع أبداً أن يفعل ما يُخالِف "مشيئة" الخالِق، فالخالق
أعطانا "الحرِّية في عصيانه"، لكنَّه لم يُعْطِنا "الحرِّية في أن نعلو
على مشيئته (إرادته)"، فـ "مشيئتنا ضمن مشيئته".

هذا هو "اللغو"
بعينه. إنَّ إتياني بـ "فاحشة" كان بـ "مشيئتي"، أي بـ "إرادتي".
و"مشيئتي"، مهما كانت، لا بدَّ لها من أن تكون "ضمن مشيئة الخالِق"؛ لأنَّ
غير ذلك معناه أنَّ لديَّ "الحرية في أن أعلو على مشيئة الخالِق"، وأنَّ
الخالِق ليس بـ "خالِقٍ لكل شيء"، فهو خالِق، فحسب، لكل ما يُعدُّ
"خيراً"، بحسب المعايير الدينية.

إنَّ مشكلة "التسيير والتخيير" لا
تُحل بقول من قبيل إنَّ الخالِق قد خَلَق للإنسان "عقلاً" حتى يُميِّز به
"الصواب" من "الخطأ"، و"الخير" من "الشرِّ"، و"الحق" من "الباطل"،
وأرْسَلَ الأنبياء والرُسُل مُبشِّرين ومُنْذرين حتى يَعْرِف الإنسان
"الحلال" من "الحرام"، وما "يرضي" الخالِق مِمَّا "يغضبه".

هذا
القول لا يحل تلك المشكلة؛ لأنَّ الإنسان ليس حرَّاً في "المفاضَلة"، فـ
"مفاضلته" ستنتهي، دائماً، إلى أن يشاء ما شاء الخالِق، فمشيئته ستظل ضمن
مشيئة الخالِق، ولن تعلو عليها، أو تُخالِفها، أبداً، فالخالِق لا
"يَعْلَم" فحسب، وإنَّما "يُريدُ ما يَعْلَم".

والخالِق لا
"يُريد" فحسب، وإنَّما "يفعل ما يُريد". إنَّ الخالِق هو الذي "خَلَقَ كل
شيء".. وهو، من ثمَّ، الذي خَلَق "إرادة" البشر و"أفعالهم جميعاً".

قد
ترمي، لكن ما رميتَ إذ رميتَ ولكنَّ الخالِق رمى. هنا يكمن لغز "القضاء
والقدر"، وهنا يكمن حله أيضاً، فالإنسان يفعل ما يشاء؛ لكنَّ "مشيئته تظل
ضمن مشيئة الخالِق"، لا تنفصل عنها، ولا تعلوها، أبداً.

لقد كان
كرمويل يؤمن بأنَّ نتيجة كل حرب يخوضها هي من صنع مشيئة الله، فاندفع، من
ثمَّ، في حروبه كافة غير مكترث للعواقب والنتائج، حاشداً للحرب من القوى
المعنوية ما يفوق أضعافاً مضاعفةً القوى المادية والعسكرية.

والمحارب
المسلم كان يُظْهِر في ساحات القتال ما قلَّ نظيره من الشجاعة والجرأة
والإقدام والاستبسال، فصورة الموت، في معتقده الديني، كانت تمنحه قوة
معنوية هائلة.

الموت، في معتقده الديني الراسخ فيه عقلاً وشعوراً
ووجداناً وسلوكاً، إنَّما هو من صنع الإرادة الإلهية فحسب؛ فالإنسان، ولو
أحدقت به قوى الموت من كل حدب وصوب، يمكن أن ينجو ويظل على قيد الحياة ما
دام الله لم يُرِدْ له أن يموت في هذا المكان وفي هذا الزمان. ويكفي أن
يتمكن هذا المعتقد الديني من عقل الإنسان حتى يذهب إلى القتال ويقاتل
وكأنَّه ذاهب إلى مباراة رياضية، متفرجاً أو لاعباً.

هذا هو "التسيير والتخيير" في معناه الديني، فهل من معنى "لا ديني" له؟

لنتخيَّل
أنَّ لدينا ذرَّات أُوكسجين "مفكِّرة"، وأنَّ ثلاثاً منها "أرادت" أن
تتَّحِد لتؤلِّف، باتِّحادها، "جزيء ماء"، فهل تأتي "نتائج" فعلها
متَّفِقة مع ما "أرادت"؟

الجواب هو: ستفشل، حتماً، في "فِعْلِ ما تريد"، فتكوين "جزيء الماء" يحتاج إلى ما هو أهم بكثير من "إرادتها".

إنَّه
يحتاج إلى أن تتَّحِد كل ذرَّة من ذرَّات الأُوكسجين الثلاث مع ذرَّتي
هيدروجين. أمَّا لو "أرادت" ذرَّات الأُوكسجين الثلاث أن تتَّحِد لتؤلِّف،
باتِّحادها، غاز "الأُوزون" فسوف تأتي "نتائج" فعلها متَّفِقة تماماً مع
ما "أرادت".

على هذا النحو فحسب يمكننا، وينبغي لنا، فهم "إرادة"
الإنسان و"نتائج" الفعل الذي أراد، فـ "حرِّية الإرادة الإنسانية" لا
تَظْهَر وتتأكَّد، ولا تقوم لها قائمة، إلا عندما تأتي "النتيجة"، أي
"نتيجة الفعل الإنساني"، متَّفِقَة مع "التوقُّع"، أي عندما تأتي "نتيجة
الفعل الذي أرَدَت" متَّفِقَة مع "ما أرَدَت".

عباس بن فرناس رغب
في الطيران كالطيور وأراده، فحاوَل؛ لكنَّ محاولته باءت بالفشل، كما فشلت
ذرَّات الأُوكسجين الثلاث "المفكِّرة" في أن تصنع، باتِّحادها، "جزيء
ماء". ولم ينجح البشر حيث فشل عباس بن فرناس إلا عندما اكتشفوا القانون
الطبيعي للطيران، فصنعوا، بما يتَّفق معه، وسائل الطيران.

"الحرِّية"
هي أن "أفعل" ما "أُريد"، وأن يتمخَّض فعلي هذا عن "النتائج التي أُريد
وأتوقَّع". قد أُريد، أو أَرْغب في، اجتياز هذا النهر؛ لكن هذا "العامل
الذاتي" لا يكفي، وحده، لحل مشكلة "الحرِّية"، فما نيل المطالب بالتمني.

ينبغي لي أن أبدأ "الفعل"، وهو عبور النهر. قد أُريد، أو أرغب في، اجتيازه "مشياً على الأقدام"، فهل أنجح؟

كلاَّ،
لن أنجح، فإذا أنا حاولت فسوف أَغرق. فشل هذه المحاولة سيقنعني بأنَّني
لستُ "حرَّاً" بَعْد، فإرادة الإنسان وحدها لا تكفي لجعله قادراً على
إنجاز مهمة ما، أو عمل ما، ولجعله، من ثمَّ، يشعر بأنَّه "حرٌّ".

لاجتياز
النهر، ينبغي لي (وعبارة "ينبغي لي" فيها معنى "الاضطرار" وليس فيها نزر
من معنى "الاختيار") أن أتعلَّم السباحة، أو أن اتَّخِذَ شيئاً (جذع شجرة)
وسيلةً لاجتياز النهر. وقد أصنع زورقاً من أجل ذلك.

ما معنى هذا؟

معناه
أنَّ ثمَّة "قوانين"، لم أخلقها لا أنا ولا البشر، لا بدَّ لي، أوَّلاً،
من اكتشافها ومعرفتها. وبَعْدَ "وعي" هذه "الضرورة الطبيعية" أبحث عن
"الوسائل والطرائق"، التي تسمح لي بـ "السيطرة" على "القانون الطبيعي
الموضوعي" في طريقة تمكِّنني من اجتياز النهر. وقد ابْتَكِر أو اخْتَرِع
بعضاً من تلك الوسائل والطرائق.

قَبْلَ، ومن أجل، أن أكون
"حرَّاً"، ينبغي لي أن "أعي (وأكتشف)" هذا "القانون الموضوعي"، وأن أعمل،
من ثمَّ، بما يتَّفِق معه، فأنا "أَخضع له" قَبْلَ ومن أجل أن "أُخْضعه
لي"، و"أُسيطر عليه". هذا "القانون" لم أخْلقهُ إذ اكتشفته، ولن ألغيه إذ
تحكَّمتُ فيه وسيطرتُ عليه.

الآن، والآن فحسب، أستطيع أن "أفعل
ما أُريد"، أي أستطيع أن أكون حرَّاً في هذا المعنى فحسب، وفي هذه الناحية
فحسب. إنَّ "القانون الطبيعي" يشبه وحشاً مفترساً، فإمَّا أن يفترسكَ
وإمَّا أن تروِّضه؛ وغني عن البيان أنَّ ترويضه لا يعني قتله.

"فيضان
النهر" كان، قديماً، من الوحوش المفترسة، فلم ينجح البشر في ترويض هذا
الوحش؛ لأنَّهم لم يعرفوا الطريق القويم إلى ترويضه، فتوهموا أَنَّهم
يستطيعون ذلك بـ "قوَّة" بعض "المعتقدات الدينية". وقد ظلَّوا عبيداً
للنهر وفيضانه، يَحوِّلون عجزهم عن فهم الفيضان والسيطرة عليه إلى مزيدٍ
من الاعتقاد بالمعجزات، حتى "وعوا" هذه "الضرورة الطبيعية"، وعرفوا كيف
يسخِّرونها لهم من خلال بناء "السدود".

"القانون الطبيعي الموضوعي"
نراه، دائماً، في "نتائج" كل فعل إنساني، أكانت هذه النتائج تنطوي على
معنى"النجاح" أم على معنى "الفشل"، فـ "النجاح" هو أن تأتي "النتيجة"
متَّفِقة مع "التوقُّع". وحتى تأتي "النتيجة" متَّفِقة مع "التوقُّع" لا
بدَّ لـ "الفكرة" من أن تُوافِق "الواقع الموضوعي". وهذا التوافق يَظْهَر
ويتأكَّد في حال واحدة فحسب هي أن تأتي "النتيجة" متَّفِقة مع "التوقُّع".


أمَّا "الفشل" فمعناه أنْ تذهب "النتيجة" بـ "التوقُّع". على أنَّ
هذه "النتيجة السلبية"، أي النتيجة التي رأَيْنا فيها معنى "الفشل"، لم
تَظْهَر عرضاً أو مصادفةً، فـ "الضرورة الطبيعية (أو القانون الطبيعي
الموضوعي)" هي التي جاءت بها، فهذه الضرورة كامنة في كل أفعالنا، وفي كل
ما يتمخَّض عن أفعالنا من نتائج، أكانت هذه النتائج "نجاحاً" أم "فشلاً"
بمعيار "التوقُّع".

من يَعْلَم "القانون الموضوعي" ويعمل بمقتضاه
ينجح، أي يتوصَّل إلى "نتائج" تُوافِق "توقُّعه". ومن يجهل هذا القانون
(ولا يعمل، من ثمَّ، بمقتضاه) يفشل، أي يأتي عمله بـ "نتائج" تذهب بـ
"توقُّعه".

وهنا يكمن الفرق الجوهري بين "الحرِّية" و"العبودية"،
بين "التخيير" و"التسيير". و"الحرِّية"، كما "المعرفة"، هي "سلَّم" يصعده
الإنسان (البشر) درجة درجة، ولن يصل أبداً إلى نهايته (درجته العليا) لأن
لا نهاية له.

والإنسان، الذي لا يُوْلَدُ حرَّاً على غير ما
يتوهَّم كثيرون، لن يملكَ من "الحرِّية"، و"المعرفة"، أكثر مِمَّا ورثَ
وأنْتَجَ، ولسوف يظل في صعود أبدي لا نهاية له من "العبودية" إلى
"الحرِّية"، ومن "الجهل" إلى "المعرفة". هذا الإنسان الذي خرجَ توَّاً من
رحم أُمِّه إنَّما هو "العبودية القصوى" و"الجهل الأقصى".

"الضرورة"
تكمن في كل الأشياء والظواهر التي "نراها"، فما نشأ، أو ظَهَرَ، إنَّما هو
ما اجتمعت "أسباب" وجوده، فوُجِدَ. أي شيء لا بدَّ له من أن ينشأ ويَظْهَر
إذا ما اجتمعت وتهيَّأت أسباب وجوده.

هذه هي "الحتميَّة" التي لا
ريب فيها، ولا يُشكِّك فيها إلا كل أعمى بصر وبصيرة؛ فالشيء الذي كان
ينبغي له أن يُوْجَد؛ لكنَّه لم يُوْجَد إنَّما هو الشيء الذي لم يستوفِ
أسباب وجوده التي لا يمكننا أن نحيط بها كلها عِلْماً، فبعضها اكتشفناه،
وبعضها لم نكتشفه بَعْد.

والشيء الذي كان ينبغي له أن يُوْجَد؛
لكنَّه لم يُوْجَد إنَّما هو الشيء الذي أجْهَضَتْهُ "قوى وأسباب طارئة"،
نسمِّيها "المصادَفة"، فهذه الشجرة كان ينبغي لها أن تُثْمِر عن قريب؛
لأنَّ أسباب إثمارها كادت أن تكتمل؛ لكنَّها لم تُثْمِر؛ لأنَّ ريحاً
عاتية قد اقتلعت جذرها. هذه الريح هي المثال الذي فيه يكمن معنى
"المصادَفة".

"قوى المصادَفة"، أي تلك الريح، هي التي حالت بين
الشجرة وبين إثمارها الحتمي إذ اقتلعت جذرها؛ لكنَّ الريح نفسها كانت من
نسج "الحتميَّة" ولم تكن من نسج "المصادَفة"، فقد اجتمعت وتهيَّأت أسباب
وجود هذه الريح فوُجِدَت. و"هلاك الشجرة نفسه" مع "الطريقة التي هلكت
فيها" هو، أيضاً، من نسج "الحتميَّة"، فليس من "واقعة" لا تكمن فيها
"الضرورة".

ونفي "الضرورة" إنَّما هو نفسه نفي "العِلْم"، فنفي
"الضرورة" يفضي، حتماً، إلى القول بأنَّ "كل شيء ممكن"، فالماء في غليانه
يمكن أن يتبخَّر، أو يتجمَّد، أو يتحوَّل إلى معدن الذهب، أو إلى كائن حي.
وغليانه نفسه يمكن أن يَنْتُجَ من أي شيء. يمكن أن يَنْتُجَ، مثلاً، من
"ثلج" نضعه في الماء.
[/b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

-حُرِّيَّة الإرادة- بين -الدِّين- و-العِلْم-! :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

-حُرِّيَّة الإرادة- بين -الدِّين- و-العِلْم-!

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الجابري: الدِّيمقراطية والعقلانية بفصل الدِّين عن السِّياسة
» الإرادة الشعبيّة
» الشجاعة هي قوة الإرادة - زهير الخويلدي
»  الدِّين الشديد: صعود الأصوليَّات حول العالم الأصوليَّة كظاهرة واحدة، معقَّدة ومتغيِّرة في آن
»  الدِّين الشديد: صعود الأصوليَّات حول العالم الأصوليَّة كظاهرة واحدة، معقَّدة ومتغيِّرة في آن

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: