ما
الذي يقع بالضبط، في العلاقة التي تجمع الكثير من النخب السياسية،و بدرجة
أكثر حدة،النخب الثقافية ،في علاقة احتكاكها بالقصر تحديدا،و ليس السلطة
بشكل عام؟......تزداد حدة السؤال ألما،حين تكون هذه النخبة مشبعة بفكر
تقدمي حداثي،و ممارسة سياسية تهدف ،في خطابها على الأقل، لبناء دولة
يتساوى فيها الحاكم و المحكوم،و تسود فيها الديمقراطية و العدالة و أساسا
الاحترام المتبادل بين جميع أفراده....
أتذكر
أن أحد الشعراء،الذين بنو مجدهم الأدبي و السياسي من سنوات جمر قضوها في
سجون الملك الراحل،صادف أن قادته شروط المصالحة و بناء الدولة الحداثية
المفترى عليها،ليقرب الدائرة الضيقة من الملك، كيف كان يردد بزهو أن هذا
الأخير ،أي الملك، أعجب بقصيدة كتبها حديثا....أصبح الإعجاب الملكي وشاحا
نقديا يفوق ما يمكن كتابته عن ذات القصيدة، و التي في حدود علمي لم تلق
التفاتا من ناقدين آخرين....
أتذكر كيف أن
السيد عبد الرحمان اليوسفي،و هو بركان غضب و احتقان ، بعد غضبته على اثر
عدم احترام المنهجية الديمقراطية،لم يستطع الصراخ عاليا في وجه القصر ، بل
انزوى غاضبا معزولا، و حتى حين أراد أن يكون وفيا لروحه النضالية، كان ذلك
بأدب و كياسة، في ندوة بروكسيل الشهيرة،مبررا ذلك بكونه رجل دولة من عيار
ثقيل، و لا يسمح له وضعه بالتعبير عن غضبه .....
استحضر
العديد من العلاقات، اقتربت بشكل أو بآخر من هذه الماغما الملتهبة، كيف
غيرت خطابها بشكل كلي، و أصبحت تنظر لوجاهة الدولة و سداد خطواتها، منبهرة
ربما بالطقوس التي تنخرط فيها، و بالإمكانات السوسيو الثقافية المتوفرة ما
وراء الأسوار الملكية،و التي أصبحت تصدر المواقف وفق ما يسمى في الحقل
السياسي المغربي بعلم الإشارات و تشفيرها....
أستحضر
كذلك هذه الملاحظات ، وسط هذا النقاش الدستوري من جهة، و وسط حرارة دم
المواطن كمال العماري الذي لم يجف بعد، و لا زلنا ننتظر جلاء الحقيقة حول
وفاته.....
لم يمر صدور التقرير بشأن
ملابسات وفاة "كمال عماري" و تداعيات الاعتداء على المتظاهرين يوم 29
ماي 2011 بآسفي،الذي أنجزه الوسيط من أجل الديمقراطية و حقوق الإنسان و
المرصد الوطني للحريات العامة،دون ردود فعل، كان أولها للوكيل العام
لمحكمة الاستئناف بآسفي و الذي أكد بأنه كلف فريق من الشرطة القضائية
لتعميق البحث حول هذه الملابسات، و تصريح للسيد ادريس اليزمي ،رئيس المجلس
الوطني لحقوق الإنسان، الذي أكد أن قضية كمال العماري توجد حاليا بين يدي
القضاء....
تصريح وكيل العام لمحكمة الاستئناف متوقع، و ينخرط ضمن آلية اشتغال الدولة مؤسسة و أشخاصا...
تصريح
السيد ادريس اليزمي فيه الكثير من النقاش،و فيه تلك الخصلة التي تصيب بعض
رجال اليسار و هم يقتربون من دائرة القرار، خاصة عبر تبوئهم لمسؤوليات في
مؤسسات عمومية...
في الرجوع للظهير المنظم
للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في فصله الرابع، ينص على "يقوم المجلس برصد
انتهاكات حقوق الإنسان بسائر جهات المملكة.و من أجل ذلك ،يجوز له إجراء
التحقيقات و التحريات اللازمة بشأنها، كلما توفرت لديه معلومات مؤكدة و
موثوق منها،حول حصول هذه الانتهاكات،مهما كانت طبيعتها و مصدرها."
كما
ينص في فقرة ثانية من نفس الفصل على " في هذا الإطار ينجز المجلس
تقارير،تتضمن خلاصات و نتائج الرصد أو التحقيقات و التحريات التي قام بها.
و يتولى رفعها للجهة المختصة،مشفوعة بتوصياته لمعالجة الانتهاكات
المذكورة. كما يخبر الأطراف المعنية ،عند الاقتضاء، بالتوضيحات اللازمة."
في
نفس السياق،تنص مبادئ باريس المتعلقة بالمؤسسات الوطنية لتعزيز و حماية
حقوق الإنسان،في فقرتها الأولى من بندها الثالث ،على تقديم فتاوي و توصيات
و مقترحات و تقارير،على أساس استشاري،إلى الحكومة و البرلمان و أي جهاز
آخر مختص،سواء بناء على طلب السلطات المعنية أو باستخدام حقها في الاستماع
إلى أي مسألة دون الإحالة إلى جهة أعلى،بشأن جميع المسائل المتعلقة بحقوق
الإنسان و حمايتها....الخ"
في كل ما
سلف،ليس هناك ما يبرر تذرع رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بكون القضية
لا زالت بيد القضاء،مما يمنعه من الخوض فيها أو نشر تقرير المجلس حول ظروف
حدوثها و تحديد مسؤوليات الضالعين فيها....بل العكس هو الصحيح،إذ أن
القضاء، كجهة مختصة هي من عليها أن تستأنس ببحث و تقرير المجلس الوطني
لحقوق الإنسان..
يزداد الموقف التباسا،حين
نعلم أن المجلس اصدر بيانا يخبر فيه المواطنين بأنه سينتقل لآسفي من اجل
إجراء بحث و انجاز تقرير ، في نفس اليوم الذي أصدرتا فيه الجمعيتين
بيانهما، و بأنهما تواجدا في آسفي في ذات الفترة، و الأرجح أنهما عادا في
نفس الوقت، و استطاعت الجمعيتين،بوسائلهما الضعيفة، انجاز التقرير و عرضه
على الإعلام، و الشروع في مسلسل المرافعة ، في الوقت الذي صمت فيه المجلس الوطني....
لا
مبرر لهذا الصمت إلا ما ورد في بداية هذه الورقة،تحول الفرد الحداثي داخل
الآلة المخزنية، و الرأي السائد هنا هو أن تقرير المجلس لربما جاهز،دون
محاولة التكهن بمضمونه، لكنه ينتظر إشارة الجهات العليا، لنشره أو إقباره،
رغم أن مبادئ باريس، تشدد على "بدون الرجوع لجهات أعلى"....
في
نفس السياق،نشرت بعض المواقع الصحفية على الشبكة العنكبوتية، أن نسخة
الدستور التي سلمت من طرف اللجنة الاستشارية المكلفة بالصياغة و الآلية
الاستشارية المكلفة بالتتبع و المراقبة، لا علاقة لها بالنسخة التي تلاها
المعتصم على "النظارة الكرام" و التي وزعت على وسائل الإعلام و قبلهم
رؤساء الأحزاب و النقابات....
هناك حديث على
تعديلات تمت في دهاليز القصر الملكي، و في جنح الظلام،أفرغت المشروع مما
كان يطبل له من قفزات نوعية، و تغييرات في بنى الدولة و علاقات الحكم....
داخل
هذه اللجان، المكلفة بالصياغة و المكلفة بالمراقبة، شخصيات ذات ثقل ثاريخي
على المستوى المبدئي و السياسي، قبلت بالمشاركة لأنها اعتقدت أن مساهمتها
في صياغة دستور حداثي و متقدم ستمكن البلاد من دخول مصاف الشعوب
المدمقرطة...إفراغ ما قدموه كمنتوج من محتواه، نوع من التخزيق لذكائهم و
شخصيتهم، فلما لا يحتجون؟ لماذا لا ينتفضون ضد تزوير عملهم،و الصدح عاليا
بأن ما كتبوه لا يشبه الذي قدم للمغاربة، دون ذلك هؤلاء المغاربة، سيسجلون
على هذه اللجنة، الحداثية في تركيبتها، أنها صاغت دستورا يؤبد الاستبداد
في البلاد....
أو بالمقابل تكذيب هذه الوسائط الإعلامية التي أوردت الأخبار، مع ما يترتب عن ذلك من مسؤوليات مهنية و أخلاقية...
هي
حالات من ضمن العديد، تحتاج ربما لفرع جديد في علم النفس السياسي،موضوع
اشتغاله،استنفار الألباب فيما بين القرب من المخزن و الارتداد من أسباب...