ميقاتي يرد على «رسالة طرابلس السوداء»: ما هكذا تكون المعارضة البنّاءة
رصاص الفتنة على الحكومة ... هل يرتد على أصحابه؟
|
أطفال وأمهم نزحوا من مناطق الاشتباكات (غسان ريفي) |
|
|
|
|
|
ما
حصل في طرابلس أمس لم يكن مفاجئا لا لأهل السياسة ولا الأمن. دُبّرت
الجريمة، التي ذهب ضحيتها أكثر من عشرين قتيلا وجريحا، في وضح النهار. كان
القرار سياسيا بامتياز. يريد نجيب ميقاتي أن يحتفل بولادة حكومته وبحصة
طرابلس الخماسية التي لم تسجل من قبل في تاريخ كل حكومات ما بعد
الاستقلال. عليه إذاً أن يعلم أنه حتى لو كانت الحكومة من ثلاثين وزيرا
طرابلسيا، لا مكان له في طرابلس و«هو لا يملك قرارها لا عندما يكون نائبا
ولا عندما يصبح رئيسا للحكومة وإذا أراد اختبار الأرض، فسنكون له
بالمرصاد».
ومن كانوا يتابعون الأمن بالشاردة والواردة، رصدوا ما
يحضر، فذهبوا إلى رئيس الحكومة، وعرضوا عليه الوقائع. الاتصالات. المطابع
التي طبعت فيها بيانات الدعوة للتظاهر بعد صلاة الجمعة ضد النظام السوري.
الواجهة التي تقرر اعتمادها، على الأرض وفي السياسة. الموعد بين الثانية
بعد الظهر وموعد استقبالات فيصل كرامي للمهنئين في كرم القلة عند المغرب.
طلب
رئيس الحكومة تشديد الاجراءات وتحدث مع من يجب أن يتحدث اليهم ليل الخميس
وصباح الجمعة، وقرر أن يتوجه الى طرابلس مهما كانت المخاطر. استقبالات
رسمية مقتضبة في بيروت. ثم انطلق الى طرابلس وهناك أدى الصلاة ظهرا في
المسجد المنصوري الكبير. عبّر عن مخاوفه أمام بعض معاونيه، لكنه بدا
مطمئنا نسبيا الى الإجراءات العسكرية المتخذة.
وعلى «عتبة التهاني»،
وقعت الواقعة. تغير المكان. انطلقت قنبلة وسرعان ما ارتسم من بعدها مشهد
ميليشياوي كان مرسوما بإتقان. انتشر ما يزيد على مئتين وخمسين مسلحا في
التبانة، وسرعان ما استدرجوا انتشارا مماثلا في جبل محسن... وخلال دقائق،
تحولت المنطقة الفاصلة بين أحياء الفقراء والمهمشين، الى ساحة حرب استخدمت
فيها القذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة وانتهت الى سقوط ستة قتلى وأكثر
من عشرين جريحا، بينهم شهيد للجيش وعدد من الجرحى، فضلا عن تسجيل حالة من
الذعر في المدينة وحركة نزوح من التبانة وجبل محسن ومن عدد من الأحياء
المجاورة لهما.
وصلت الرسالة إلى نجيب ميقاتي. أعد له استقبال سياسي
ـ أمني مضمونه أنك «مهما حاولت وناورت لا يمكنك أن تأخذ طرابلس من أهلها
«الأصليين». مهما كبر عدد وزراء طرابلس في الحكومة، فأنتم لا تمثلونها.
الشارع لنا وهذا الدليل.. ولمن يريد المنازلة، بالسياسة، لا يكفي أن يطل
«دولته» عبر شاشة تلفزيونية ويمد يده الى سعد الحريري، محاولا إحداث صدمة
إيجابية عند غالبية اللبنانيين وخاصة الطرابلسيين. لا يكفي أن يعد بإنماء
طرابلس وأن يحاول رشـــوة الأهالي بالمشاريع ظنا منه أنه يحارب بما عجز
غيره عن تنفيذه».
لم يرتبك ميقاتي، كما كان يخطط الفاعلون. قرأ
«الوسطي» الرسالة جيدا.. وقرر أن يتطرف حتى في التعبير: «نفهم أن المعارضة
سلمية وبناءة» عبارة أكثر من كافية، لمن يريد أن يفهم هل تلقى رئيس
الحكومة الرسالة أم لا؟. «يريدون الإيحاء أنني لست صاحب سلطة أولا ولا
أملك شعبية ثانيا».
أعطى ميقاتي وزير الدفاع فايز غصن وقائد الجيش
اللبناني العماد جان قهوجي تعليمات واضحة: «الأمن خط أحمر. لن نقبل بعودة
مشاهد الحرب وزمن الزعران والميليشيات لا في طرابلس ولا في أية مدينة أو
قرية لبنانية. يريدون الاعتراض، فليكن بالسياسة، أما اللعب بالأمن فسيؤدي
الى حرق أيدي كل من تسول له نفسه أن يلجأ الى خيار كهذا. الجيش سيضرب بيد
من حديد، ويخطئ من يظن نفسه أقوى من الدولة والقانون أو أنه قادر على
الإفلات من العقاب، والمهم هو ألا تدفع طرابلس أو أي منطقة لبنانية عزيزة
الثمن»...
تسلح قهوجي بالقرار السياسي الواضح لرئيس الحكومة ووزير
الدفاع، وأعطى أوامره لوحدات الجيش كافة: «المطلوب تجريد حملة عسكرية
وأمنية وإلقاء القبض على كل من يحمل السلاح لأي جهة انتمى... علينا اسكات
كل مصادر اطلاق النار سريعا».
وبالفعل، دفع الجيش بقوات اضافية الى
أرض الاشتباك وسقط له شهيد وعدد من الجرحى. الرد كان عنيفا ومفاجئا. لن
نقبل بعد الآن بتسويات وتبويس لحى. «العين الحمرا» بالأمن أجدى من كل
مشاريع المصالحات التي لا تصمد الا ساعات قليلة. اذا لم نتصرف بهذه
الطريقة هناك من يريد تعميم نموذج التبانة ـ جبل محسن، شمالا وتحديدا صوب
عكار. كانت التقديرات قبل تأليف الحكومة أن «أصحاب البصمات» يحضرون لعمل
أمني كبير في عكار... لكن حصل تعديل في ضوء الولادة الحكومية ـ الصدمة.
الرسالة يجب أن تصل في صندوق بريد قريب جدا من نجيب ميقاتي. لا هو ولا
الوزراء الأربعة ولا التحالف السياسي الجديد الذي يطل برأسه لخوض انتخابات
العام 2013، قادر على تغيير نقطة أو حرف في واقع المدينة «الأزرق».
حسنا تصرف نجيب ميقاتي، وحسنا تصرف الحلفاء ومعهم المؤسسة العسكرية... ولكن ماذا بعد؟
الواضح
أن ميقاتي على عتبة اتخاذ قرار كبير في الساعات المقبلة وسيبلغه لجميع
مكونات الأكثرية الجديدة. الرد حصل بالأمن والجيش حتما سيمسك بالأرض ولن
يكون بمقدور أحد من المطلوبين، أن يسرح ويمرح برعاية من أية جهة سياسية أو
أمنية. الرد بالسياسة بتسريع وتيرة عمل لجنة البيان الوزاري وصولا لإنجازه
في فترة قياسية. الرد أيضا بالسعي الى نيل الثقة النيابية مطلع الشهر
المقبل. الرد أيضا بفتح ملف التعيينات الادارية والأمنية من أجل هز بعض
«القلاع الأمنية» التي يشتم تورطها هذه المرة وبطريقة سافرة جدا في تخريب
الوضع السياسي والاقتصادي والأمني. الرد أيضا بضبط الحدود اللبنانية
السورية، بعدما تراكمت الوقائع الدامغة المتصلة بدور بعض الشخصيات
اللبنانية، ومنها من يملك حصانات من أنواع مختلفة، على خط النيل من
العلاقات اللبنانية ـ السورية وكذلك محاولة النيل من دور المؤسسة العسكرية
وتضحياتها (تفاصيل ص4).
وليلاً تسارعت الاتصالات لاحتواء الوضع ودخول
الجيش إلى التبانة ووقف المواجهات العسكرية والحد من الخسائر البشرية
والمادية الناتجة عن ضراوة المعارك والتي أضيف إليها ليلاً محور جديد هو
منطقة الريفا في القبة.
وعلمت «السفير» أن الرئيس نجيب ميقاتي ترأس
اجتماعاً للأجهزة الأمنية تحضيراً لدخول الجيش إلى مناطق القتال، كما
استقبل وفداً من كوادر التبانة وأبلغهم أن الجيش سيدخل إلى المنطقة
اعتباراً من الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل، وقد أكد الوفد التزامه
بوقف إطلاق النار، كما تمّ إبلاغ عناصر الحزب العربي الديموقراطي بضرورة
الالتزام بهذا الموعد، لكنه ما لبث أن انهار واستمرت المواجهات، فتم تمديد
الموعد نصف ساعة إضافي، ساد خلالها هدوء حذر في وقت بدأ فيه الجيش بالتقدم
نحو المحاور الساخنة.