يا من يصدر الأحكام باسم العدل!
جمال بدومة -
jamalboudouma@gmail.com
أيّها
القاضي، أيّها العادل، يا سيف الحقّ البتـّار، يا صاحب الميزان، يا مالك
الحكمة وملك المحكمة، يا من مهنته ردّ المنحرفين إلى الصراط المستقيم، يا
ضامن الانتقال الديمقراطي العظيم، يا ملاذ المظلوم، يا من يرتعد بين يديه
السفلة والقتلة، يتساوى بين يديه الحاكم والمحكوم ويخافه الشاهد والمتهم،
يا من يحلف ويحلـّف... ها كفـّي مرفوعة أمامك وأريد أن أشهد: لقد رأيت كل
شيء، إنهم سرقوا ويسرقون، إنهم نهبوا وينهبون، إنهم خطفوا ويخطفون، إنهم
قتلوا ويقتلون، إنـّهم أهانوا ويهينون، عرّونا وجوّعونا وشتمونا ووضعوا
أرزاقنا في حساباتهم البنكية، فرّقوا بينهم البلاد وأكلوا خبز العباد
وتركونا نتسول على الرصيف وفي المزابل وفي اليأس ونصرخ أمام البرلمان،
نشعل النار في أحلامنا وفي أجسادنا. يا منصف يا مقتص، أدخلهم إلى السجن هم
أيضا. دعني أصدّق عدلك، ضعهم وراء القضبان. يا منصت يا حليم، أقسم بالحق
ألاّ أقول إلا الحقّ ولا شيء غير الحقّ: كسّروا عظامنا بسياراتهم أمام
الشهود والحشود، وبدل السجن ذهبوا في عطلة إلى أمريكا. يدهسوننا كل يوم
مثل حشرات، ونكتشف كم هي رخيصة أرواحنا في المحاكم، نكتشف أن حريتهم
مقدّسة وأعمارنا لا تساوي بصلة. يفوّتون الصفقات إلى بعضهم البعض ويمنحون
أرفع المناصب للأقرباء والعشيقات، ينصبون أولادهم الأغبياء السمان مسؤولين
في الوزارات والشركات، ويوظـّفوننا حراسا أمام أبوابهم وعسسا على مرائبهم
وطباخين في بيوتهم و«خماسين» في ضيعاتهم، يسرقون عمرنا وفرحتنا ويضحكون،
يفرّقون حبات عرقنا في ما بينهم. إنهم يأكلون أرزاق اليتامى، يشربون دم
الفقير. يا ملاذ الضعفاء، ضعهم وراء القضبان. إنهم يحصون الضحايا ويكافئون
الجلاّد. خطفوا شرفاء البلاد ودفنوهم في حفر جماعية، ومازالوا يحملون على
أكتافهم النياشين ويلعبون بمصائرنا. يا من يصدر الأحكام باسم العدل، اجعل
أصواتنا تصرخ في نهاية الجلسة: «يحيا العدل». يا عادل يا منصف، عاقب من
ضحكوا على أبناء الشعب الفقراء، خذ قصاصنا ممن يأكلون رزقنا. يا من يحكم
بالعدل بين ثلاثين مليونا، باسم الله وباسم الملك، يا من بجرّة حكـْم ينصف
المظلوم ويفرّق المجرمين على السجون. يا مالئ الزنازين الرطبة بالقتلة
والسارقين الصغار. يا من عنده الزنازين وعنده المفتاح، لسنا نحن بل هم،
ليس الشاهد بل القاتل، ليس الفضّاح بلْ مرتكب الفضيحة، ليس الأصبع التي
تشير إلى الحفرة بل الذي حفر الحفرة ويريدنا أن نهوي فيها، ليس من يهتف
«اِقبضوا على السارق» بل السارق