بماذا يمكن أن ينشغل عبد الإله بنكيران، رئيس الحزب المعارض الرئيسي في
المغرب حتى يؤدي يإخلاص أمانة تمثيل ناخبيه في هذا الظرف الدقيق من تاريخ
الأمة المغربية، لا سيما وأنه يلزم نفسه أكثر من غيره بـ"المرجعية
الإسلامية" ويصف إخوانه بـ"أولياء الله" كلما اتهم أحدهم بالفساد؟ السنة
الماضية كنا نتمنى أن ينشغل الرجل وصحبه في البرلمان بذاك البند الخطير في
مشروع قانون المالية الذي يعفي الشركات التي تخرج من البورصة من أداء
ضرائب ثقيلة، لعل خزينة الدولة تستفيد مما كان يمكن أن تدفعه شركات
الهولدينغ الملكي بمناسبة عملية اندماجها وانسحابها من البورصة، غير أن
زعيم الإسلاميين ومن معه استكانوا وصمتوا عن هذا الغبن، وما خفي كان أعظم،
مفضلين إشهار سيوفهم في وجه فنان عالمي اسمه إلطون جون أنكروا علينا
استضافته والاستمتاع بموسيقاه لمجرد أنه مثلي الجنس.
هذه
السنة صمت بنكيران وإخوانه في الحركة الدعوية إياها والحزب الإسلامي
والجريدة الناطقة باسمهم عن كل ملفات الفساد التي فتحت فجأة في عز حروب
الأجهزة وذوي النفوذ، حتى تلك التي يتهم فيها خصم بنكيران المفضل فؤاد
عالي الهمة، صمتا مريبا.
هذه السنة أيضا بلغت "الواقعية
السياسية" ببنكيران وإخوانه حد الصمت التام عن مقدم الفنانة العالمية
شاكيرا إلى الرباط ليرقص على إيقاعاتها الآلاف في مهرجان موازين، بينما
عودنا الرجل على هباته الدائمة لحماية أخلاقنا وهويتنا الطاهرة التي كانت،
(حسب ما نفهمه من خطب بنكيران)، في مهب ريح شاكيرا عرضة لـ"التفسخ"
و"الانحلال"! استبشرنا خيرا لإمساك الرجل عن الخوض في حروب لا يتعدى
مجالها النصف السفلي لأجساد المغاربة، حتى خرج علينا مرغدا مزبدا مهددا
بالنزول إلى الشارع حماية لـ"المرجعية الإسلامية" في الدستور.
في حين
طلعت جريدة التجديد إلى الجبل متحدثة عن "مجلس تأسيسي منتخب" لصياغة
الدستور بدل لجنة المنوني التي لم ينتقدها الإخوان قط قبل أن يتناهى إلى
علمهم أن مسودة الدستور المرتقب عرضه على التصويت تؤكد سمو المواثيق
الدولية لحقوق الإنسان على التشريعات المحلية وتضمن حرية العقيدة.
بالنسبة
لبنكيران ومن معه الأمور في غاية الوضوح: نحن دولة مسلمة لشعب مسلم ويجب
أن ينص الدستور على ذلك وكل من يحاول تقديم الأمور في صيغة أخرى أكثر وفاء
للواقع إنما "يفتح المجال للمخططات الإنجيلية المتطرفة التي تستهدف الوحدة
المذهبية للمغرب والمغاربة" على حد تعبير بيان للمكتب التنفيذي لحركة
التوحيد والإصلاح في حق الجمعيات الحقوقية. أي أننا ببساطة إما مع بنكيران
وإخوانه وإما أننا "ّإنجيلون"! يا لطيف.
لا بأس، قديما قال الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا. يريد بنكيران وإخوانه
مرجعية إسلامية في الدستور تقول بالإسلام دينا للدولة وتنكر علينا حرية
العقيدة لحمياتنا من "الشواذ" و"وكالين رمضان".
ما رأي بنكيران أن ما
يطرحه لا يشفي الغليل. لذلك أقترح عليه بصفتي مسلما من الأغلبية المسلمة
التي يدعي تمثيلها أن يضمن الدستور ما يسمح لي بامتلاك العبيد والجواري.
ألا يبيح لنا الشرع، جوهر المرجعية الإسلامية المفترى عليها، امتلاك
العبيد والجواري؟ ليس هناك ما ينسخ أحكام امتلاك العبيد والجواري غير
الواقع وأحكام التاريخ الذي يكفر به بنكيران.
أملي كبير أن يطالب
الرجل بتعديل أحكام القانون الجنائي التي تعاقب من يمارس الجنس خارج إطار
الزواج بما لا يفوق السنة سجنا نافذا، لينضبط القانون لأحكام "المرجعية
الإسلامية" فنجلد الزناة ونرمي المحصنين منهم في الساحات العامة بالحجارة
حتى يلفظوا أنفساهم ونكون ملتزمين فعلا بـ"المرجعية الإسلامية" ويكف بعضنا
عن المتاجرة بها طلبا لأصوات الناخبين وما وراءها من حطام الدنيا الفانية.
أملي أكبر أن يتحلى بنكيران والحمداوي وإخوانهم بما يكفي من
الشجاعة، بمناسبة هذه المعركة الحاسمة حول "المرجعية الإسلامية"، ويطالبوا
بدسترة الجهاد في سبيل الله، باعتباره واجبا دينيا تكفله "أحكام قطعية
معلومة من الدين بالضرورة"، لم ينسخها شيء من القرآن ولا من السنة ولا من
عمل الصحابة.
أتمنى أن يكون بنكيران ومن معه مخلصين في دفاعهم عن
"المرجعية الإسلامية" فيطالبوا بدسترة "الجزية" ليدفعها "الذميون" من
اليهود والنصارى المقيمين بيننا "عن ذل وهم صاغرون".
أتمنى أن لا
يخاف بنكيران في دفاعه عن "المرجعية الإسلامية" لومة لائم فيطالب بدسترة
عقوبة الإعدام المنصوص عليها شرعا في حق مثليي الجنس مصداقا لحديث الرسول
"أما من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به" كما رواه
عكرمة عن ابن عباس عن الرسول. (السيد سابق، فقه السنة)، ونعفي بذلك أنفسنا
من انتظار أن ينظم أحدهم "عرسا للشواذ" حتى ندعوا الناس لقتله، ونهنئهم
على "هبتهم لتغيير المنكر"، كما قال ممثل حركة التوحيد والإصلاح حرفيا
لسكان القصر الكبير بمناسبة افتتاح الحملة الوطنية للأخلاق سنة 2007،
هؤلاء الذين حاول بعضهم اغتيال مواطن اتهم بـ"إقامة عرس للشواذا" رميا
بالحجارة لولا تدخل الأمن.
يروى أن الخلفية عمر بن الخطاب، رضي الله
عنه، كان يكثر من ترديد دعاء عزيز على قلبه يقول فيه "اللهم اجعل علمي كله
صحيحا ولوجهك خالصا". أتمنى أن يكون بنكيران "مخلصا" لله تعالى في دفاعه
عن المرجعية الإسلامية لا يحركه في ذلك طمع ولم يغوه غاو، فالوزارة زائلة
وكل من عليها فان ولا يبقى سوى وجه ربك ذي الجلال والإكرام. وعلى كل ليس
ما سبق ذكره سوى غيض من فيض المرجعية الإسلامية التي يريدها لنا بنكيران
والحمداوي ومن معهم مرسمة في الدستور، حتى يباهوا بنا الأمم المتقدمة في
حماية وتفعيل هذه المرجعية مثل السعودية وإيران والصومال وأفغانستان
وباكستان.
أما إذا تحجج بنكيران بـ"مقاصد الشريعة" و"المصالح
المرسلة" و"أسباب النزول" والتدرج في تنزيل الأحكام... وغير ذلك من
المبررات الفقهية لتعطيل الحكم بما أنزل الله، فنخبره أن "لا اجتهاد مع ما
فيه نص". أو ليس هكذا يكون الجهل فوق جهل الجاهلينا؟
وأما إذا أراد
هؤلاء الإخوان الذين نصبوا أنفسهم وسطاء بيننا وبين الخالق عز وجل، لغة
العقل، فنذكرهم أن أبا بكر وعمر، وما نظنهم أحرص على دين الله من هذين
الصحابيين الجليلين المبشرين بالجنة، أوقفا تطبيق حكمين شرعيين قطعيين
باسم المصلحة العامة ومراعاة لتبدل الظروف، دون أن يضيع الإسلام أو تنال
منه "المخططات الإنجيلية" بل مكن الله لعباده ونشروا كلمته في ما شاء من
بلاد الدنيا. (أبو بكر أوقف منح الزكاة للمؤلفة قلوبهم خلافا لما يأمر به
اللله في محكم كتابه وعمر أوقف قطع يد السارق مؤقتا خلافا لأحكام الشرع).
هكذا فعل الصحابة بعيد وفاة النبي وانقطاع الوحي، فماذا يتبقى اليوم من
"المرجعية الإسلامية" غير أحكام العبادة الخالصة لله وقد
بات يفصلنا عن وفاة الرسول أربعة عشر قرنا؟
من
حق بنكيران وصحبه أن يكفروا بكالفان ولوتر وماكيافيل وفلاسفة الأنوار
وحقوق الإنسان والشاطبي والأفغاني وعبده وخليل عبد الكريم والعروي وأركون
وغيرهم كثير ومن حقهم أن ينكروا الواقع والتاريخ وليوطي بجرة قلم... لكننا
نرجوهم أن يراجعوا سنة هذين الصحابيين الجليلين وقد أمرنا الرسول باتباع
سنته وسنة "الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين من بعده"، وأن يتذكروا
الناسخ والمنسوخ من القرآن لعلهم ينظرون كيف يراعي الخالق عز وجل منطق
تبدل الزمان والأحوال في تنزيل الأحكام الشرعية، مناط ما يسمونه اليوم
"المرجعية الإسلامية".