نشوة الشراء
سلوى ياسين -
seloua.yassine@gmail.com
لا
يمكن لأحد منا أن ينكر النشوة التي تعترينا بامتلاك الأشياء، سواء بمقابل
مادي أو بدونه، لأن الامتلاك جزء من فطرتنا الإنسانية الدفينة. لكن ماذا
لو أن هذا الاقتناء تحول إلى حمى دائمة غير مفهومة، تدفعنا إلى اقتناء
أشياء لا نحتاج إليها آنيا، ماذا عن محاولة التخلص من الأشياء التي لم يمر
على شرائها سوى أيام معدودة، بل لم نستعملها بتاتا؟ ماذا عن تكديس الأدوات
المنزلية التي لا تستعمل إلا لماما، وألبسة تتدهور حالتها مع مرور الوقت،
ماذا عن الكثير من الأحذية والحقائب التي لا تحملها أيدينا سوى في
المناسبات على قلتها؟ هذه السيطرة، التي تبسطها داخلنا الأشياء المعروضة
والتي تجعلنا نقتنيها دون تردد، جزء من عالم يفيض ببضائع لا نحتاجها
بالضرورة. ورغم أننا نعيش في عالم تنفتح فيه الشعوب المختلفة على بعضها،
فإن ذلك لا يعني أننا نتشابه في احتياجاتنا ومقتنياتنا.
الشراء مثل كل أنواع الإدمان الأخرى، يتحول إلى تهديد لنا، حين يمنحنا
الشعور بالراحة ولو لفترة قصيرة.. مثل سيجارة أو أي نشاط قد ننفث فيه
إحساسا غير مريح ونتخلص به من هموم طارئة، وقد يضر بدرجات متفاوتة
باستقرارنا المادي أو، على الأقل، قد يجعل أموالنا تضيع في بضائع
استهلاكية لا تدوم أو غير ذات أهمية مقارنة بمقتنيات أخرى.
إدمان التسوق يبدو أنه يضرب النساء بقوة، وربما قد يكون شكل الإدمان
الوحيد الذي تتفوق فيه النساء على الرجال. الإنفاق على شراء أشياء لا حاجة
إليها.. المداومة على ارتياد الأسواق والمحلات تعتبر اليوم من التهم التي
توجه إلى النساء باستمرار، خصوصا من طرف الأزواج الذين يرددون دائما أن لا
داعيَ إلى ترسانة الأواني والأدوات الكهربائية والملابس والعطور التي قلما
تستعمل، في حين تعتبر النساء مقتنياتها خطا أحمر ليس من حق أحد الاقتراب
منه. التسوق غالبا ما يمنح المرأة فرصة لبسط سلطتها على الأشياء، ويمنحها
نشوة حقيقية لا مجال لنكرانها.
قد يخفف الخروج للتسوق من الإحساس بالاكتئاب الذي ينتاب النساء كما قد
يخفف من الإحساس بالفراغ، لكنه يشكل في نفس الوقت هروبا من الأسئلة
الحقيقية التي يجب أن نطرحها على أنفسنا عن السبب الحقيقي في ما نشعر به
من أحاسيس الضيق والقلق. فأغلب الناس اليوم، في عالم يمتلئ بالبضائع دون
توقف، أصبح مفهوم السعادة لديهم مرتبطا بما يراكمونه من ممتلكات.
إن هوس الشراء لا يستثني محدودي الدخل الذين نعرف كم مرة يسقط الكثير منهم
تحت سلطة القروض الصغرى التي تربك ميزانيتهم المحدودة. لا يتحمل
المستهلكون كل المسؤولية في هذه الصيحة الجديدة من الإدمان، لأن لا أحد
منا يمكنه أن يفلت من التأثير المستمر الذي تمارسه الإعلانات التي
تحاصرنا جميعا وفي كل مكان، حيث تحرضنا بشكل منتظم على الشراء، في عالم
يسرع ولا يمنحنا فرصة كي نتأمل، ولو قليلا، حتى نتبيـَّن ما إن كان ما نحن
بصدد اقتنائه بالأهمية التي تحاول أدوات الإشهار إقناعنا بها