بابه الواسع.
فالحكومة، لكي تكون سياسية ومتفاعلة مع محيطها، لابد لها من أن تقوم بما يجعلها قوة إصلاحية، اقتراحية ومبادرة..
في هذا الباب، يمكن أن تقوم الحكومة بتأكيد وجودها وتبريره بمسايرة الإصلاحات، بطفرة نوعية، وباقتراح ذلك على ملك البلاد.
لقد كان المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي واضحا في هذا الباب عندما ربط بين جدوى قيام الحكومة الحالية وبين قدرتها على عقد برنامج إصلاحي دستوري سياسي، تعرض مبدأه على عاهل البلاد.
وهي المرة الأولى التي ستقوي الاغلبية نفسها وتعطي لوجودها مبررا أخلاقيا وسياسيا للاستمرار على نهج الإصلاح، الذي تنادي به أحزابها، كل على حدة.
كما ستكون قد ثأرت لنفسها من كل الظروف التي رأت فيها النور، ولكل ما يرتبط بتقوية التدبير التقنوقراطي على السياسي، وتفصيل الوزارات على مقاسات لا ترتبط بالضرورة بالسياسة، كما أنها تعيد لنفسها القوة السياسية الضرورية لتبرير قيامها.
إننا نذكر أن الشروط ليست مناهضة لهذه الخطوة، بل هي تذكيها: هناك الحديث والسعي إلى تطوير الجهوية، الإصلاح مجددا ، تطبيق مقررات هيئة الإنصاف والمصالحة، بالإضافة إلى خلق جو جديد بتعيين مؤسسات وطنية مرتبطة بذلك، أضف إلى هذا مؤسسات دستورية أخرى رأت النور بعد سنوات..
كما أن تمرين الحوار الوطني عشناه على الأقل ثلاث مرات، وبقوة مؤسساتية عالية.
فقد تابعنا الحوار الوطني حول الجهوية، والذي تولته اللجنة الاستشارية الملكية حول الموضوع، وساهم فيه الجميع، بالإضافة إلى الحوار الوطني الذي عشناه حول القضاء، والذي شاركت فيه ما لايقل عن 80 هيئة سياسية ونقابية وجمعوية ومدنية، بالإضافة إلى أطوار الحوار الوطني حول الإعلام..
ونعتقد بأنها شروط داخلية، طبيعية تدخل ضمن تطور ذاتي، غير متأثر بالأجواء العامة في المنطقة. وإذا أضفنا إليها التفاعلات، ذهنيا وسياسيا وعمليا مع سقف الثورات الجديدة في العالم العربي، سنجد، ولا شك، كل عناصر الإقناع بأن الخطوة مناسبة تماما، وتأتي في سياقها الطبيعي والإرادوي المغربي بامتياز.
ليس هناك أي تعسف في أن تطالب القوى السياسية، وعلى رأسها الأغلبية، بالدعوة إلى حوار وطني حول الإصلاحات جميعها، وعلى رأسها الإصلاحات الدستورية.
ومهما كان ضعف الحكومة أو سوءها، الحقيقي والمفترض، فإنها تكون أحسن من غياب الحكومة كليا أو انمحائها.
ولعلها فرصة تاريخية للأحزاب المكونة لها، لكي تعيد القوة الاعتبارية لذاتها من خلال التجاوب مع مطامح الشعب المغربي اليوم.
إن المعادلة في الواقع هي بين أن تكون الحكومة قائدة الإصلاح وشرطا من شروط الإسراع بوتيرته، نظرا لتاريخها، على الأقل بالنسبة للتي حملت مطالب الإصلاح الدستوري كمدخل سياسي لكل إصلاح، أو يكون انتفاؤها وغيابها هو شرط الإصلاح، أي أن يكون ذهابها مدخلا إجرائيا لهذه الإصلاحات، وعلينا أن ننظر كيف أن الحكومات دوما سقطت هي الأولى في الأسبوع الأول من التحركات الشعبية في العديد من الدول.
والأحزاب إما تبرر وجودها في الحكومة بالإصلاح، أو تبرر خروجها به.
وإما أن تكون سياسية أو لا تكون؟
هل كانت منذ بدايتها؟ ولماذا لم يتم الإلحاح على الأمر من بداية التأسيس؟
إن مثل هذه الأسئلة يمكن أن يطرحها الماسح العابر لما يقع، أما بالنسبة للاتحاد الاشتراكي، فقد كان مؤتمره الوطني الثامن واضحا وصريحا حول القضية، كما كانت مجالسه الوطنية بعده على نفس الوتر والوتيرة.
ولكن مع ذلك، فإن الوضع الراهن يضع معنى آخر، فالسياق كما يقال يخلق المعنى..
واليوم مازال بإمكان الجهاز التنفيذي أن يكون قويا بالسعي إلى الإصلاحات.
والحكومة مطالبة بأن تدبر تخوفاتها وعادتها القديمة منذ عهد مضى، وأن تنتقل إلى أفق آخر.
أفق يطالب به المجتمع برمته، بمن فيه مناضلي هذه الأحزاب الذين يبحثون عن تكريس ثقافة أخرى لتطوير المعنى السياسي.
إن الأحداث الأخيرة في المغرب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تظل في العتمة، بعيدا عن التحليل السياسي بالتنقيص أو الاختزال أو التعويم، بل هي معطى قائم وقوي، لعل الأسلم والأكثر نجاعة هو التعامل معه بصدق ونزاهة، وإذا كان في أدبيات السياسة أو الحكومة ما قد تفقدها شعبيتها أو حتى ثقة الناس فيها، فإن الأصعب، أحيانا، هو ألا تعطي لنفسها الفرصة لكي تثق هي في شعبها.
وهناك قوى وكيانات سياسية يمكنها أن تدعم هذا المسعى الحكومي، لأن المطلوب هو أن تكون الكيانات السياسية الموجودة داعمة وقادرة، بناء على تاريخها وتراكماتها، أن تقترح ما هو مطلوب بدقة ونفس متقدم وجريء.
ولا نعتقد بأن هناك اليوم ما هو في وضع الضرورة، كما هي الحكومة، لاعتبارات يعرفها مناضلو الأحزاب المشاركة فيها، كلهم، كما يعرفها الرأي العام الوطني بكل أطيافه.
إن الإصلاح هو الفن السياسي الوحيد الذي يمكن للحكومة أن تنتجه، وبدون ذلك، فإنها لن تفيد في أية فنون أخرى.
ولا يمكن أن نعتبر مطالب الرأي العام، ، بسقفها العالي، قوة ضعف، بل بالعكس إنها نقطة قوة كبرى وتاريخية، لأنها تمهد الطريق للتاريخ، بعيدا عن أشياء كثيرة ألفناها واعتبرناها من صميم السياسة، والحال أنها في الواقع نتيجة لعيوب في السياسة، كما مارسناها في واقعنا المركب والمتشابك.
إن الحكومة لا يمكنها أن تستمر وتبقى الا باعتماد ما كان وراء وجودها، وهو هنا الاصلاح!