من طرف واحد
دائماأراكِ بين النجوم .. أتطلع إليك
مليا .. ما أشبهك بالقمر وسط هذه اللجة المضيئة المتلألئة .. ولكنك أكثر جمالا من
القمر .. فهو يضيء فقط .. أما أنت فتضيئين ، وتضحكين .. يفتر ثغرك عن أسنان هي
باللؤلؤ أشبه .. بل بالسنا أقرب .. أراك كل ليلة حين أتطلع إلى السماء .. أبحث عنك
.. أتوسل ظهورك وإطلالك .. أراك تزيحين النجوم برقة وحنان ، وتنظرين من خلالها ..
وكأنك تبحثين عني ، وتتفقدين حالي ـ أو هكذا أتخيل ـ إلى أن يطمئن بالك وتهدأين ..
فتبعثين بابتسامة أعزب من القبلة .. وأرق من النسيم .. طالما كنت أتساءل ما إذا
كنت ترينني كل يوم كما أراك .. أراك في كل خطوة اخطوها .. أراك في الليل .. في
الماء .. في كوب الشاي الذي أرتشفه .. في الكتاب الذي أقرأه .. في الورق الذي أخط
عليه خلجاتي .. في السماء وقد ازدانت بالنجوم والقمر .. في الرمال .. وسط النخيل
.. بين السراب .. في الأفق .. أراك في حضن الشمس وهي تغرب وتودع يومها الحافل
لتختفي بك عند الأفق .. أشعر بها تنظر إلىَّ ساخرة عند شروقها .. أحقد على الشمس
التي تأخذك مني وقت الغروب .. أحقد على النجوم التي تخفيك عني خلف أستارها المتلألئة
كي لا أراك .. أحقد علي أي شيء يذكرني ببعدك عني أو يواريك عني .. كنت دائما أحصي
الساعات والدقائق التي تمر وئيدة كأنها تتعمد تعذيبي .. قررت أن أبحث عنك وأجدك ..
قررت أن أسعى إليك .. انتظرتك على الناصية .. تكرر انتظاري بلا جدوى .. كنت أعود
لمنزلى بخفي حنين .. أصعد إلى السطح .. أتطلع للنجوم .. لا أدري لماذا اختفيتِ هذه
الأيام .. يكاد الشوق يقتلني .. ولكني لم أقلع عن انتظارك على الناصية ، لم أكن
أدري لماذا هذه الناصية بالذات .. ربما إحساسا دفينا في أغواري .. ربما لأنها
قريبة من مكان عملك .. كنت قد رأيتك مرة في هذا المكان صدفة .. وتلاقت أعيننا ..
أسكرتني نظرتك وانتشيت .. كأنني تجرعت كأسا مترعة بالخمر .. همت في أحلام وخيالات
سرمدية .. لم أفق منها إلا وقد اختفيتِ .. لا أدري أين اختفيت .. ولا من أي طريق
ذهبت .. ولا وراء أي أستار تواريت .. ولكنك تركتِ روحك تحلق في خيالي .. تبثني
مشاعر شتى متلاطمة .. تعصف بي بغير هوادة .. لم يتكرر هذا اللقاء ، ولكنك في خيالي
كل ليلة .. حين أخلو إلى نفسي بين النجوم والقمر .. أحاورك .. أبثك أشجاني .. أهيم
معك في أحلامي .. كنت على أمل أن ألقاكِ مرة أخرى .. لتنقلب النظرة إلى ابتسامة ..
ثم لقاء .. ثم نعيم وحب .. لم أفقد الأمل .. وأخيرا حدثت المعجزة .. كنت أقف في
نفس المكان .. على نفس الناصية .. فوجئت بك تقبلين وتقتربين .. حتى طالعني وجهك
السمح الجميل .. اعترتني قشعريرة .. انقلب كياني رأسا على عقب .. اختلط الأمر على
.. لم يكن الحال كما كنت أراه في أحلامي وخيالاتي .. لم يكن اللقاء كما كنت أتمنى
.. أحسست بشيء كالوهج يلفح جبهتي .. يكاد يحرقها .. شعرت بكرامتي وقد أهينت ..
وبدمي يكاد يغلي في عروقي .. وبالدنيا تميد بي وكأنها ستهوي بي لمكان سحيق .. لقد
تجاهلتِني تماما .. لم تحاولي مجرد النظر تجاهي .. كأنني فراغ .. نكرة .. لم
تبتسمي أو تبشي .. بل وكأنك لم تشعري بوجودي بالمرة .. لم تستجيبي لنظراتي الظمأى
لمرآك .. ولا لرجفة يدي العطشى لمصافحتك ، وملامسة أناملك الرقيقة .. لم تشعري بي
.. تحاملت على نفسي بعناء شديد .. خنقني كبريائي .. ثارت كرامتي .. نهرت قلبي الذي
لا يزال يخفق ويشتاق .. نعته بالضعف والخزلان .. كانت معركة شرسة بين قلبي وعقلي
.. بين الواقع والخيال .. بين الضعف والجلد .. بين العزة والمهانة .. كانت حربا
شديدة الأوار وحامية الوطيس .. خرج منها القلب جريحا مهزوما .. والعقل منتصرا أبيا
.. وانتصبت كرامتي شامخة مترفعة وهي تنصت للعقل وهو يلقي حكمته .. بأنه أفضل للحب
أن يموت في مهده إذا ولد مشوها .. أو من طرف واحد ....
ـــــــــــــــــــــــ
السبت نوفمبر 14, 2009 5:01 am من طرف هشام مزيان