محللون يتحدثون عن 'تسييس' الكرة و'تكوير' السياسة .. والجزائريون يحبسون أنفاسهم والمصريون يصومون
مواجهة كروية مشحونة بين مصر والجزائر ومخاوف من امتداد العنف لشوارع باريس ولندن
13/11/2009
الجزائر ـ لندن ـ 'القدس العربي' من كمال زايت وتوفيق رباحي: تلقي الاجواء المشحونة بظلالها على المواجهة بين المنتخبين المصري والجزائري اليوم السبت في ستاد القاهرة الدولي التي ستحدد هوية المتأهل منهما الى نهائيات كأس العالم بكرة القدم، وذلك اثر الاعتداء الذي تعرض له لاعبو الجزائر في الحافلة التي كانت تقلهم من المطار الى الفندق مساء الخميس.
وأُصيب الجزائريون باستياء كبير بعد ورود أخبار الاعتداء، وتحوّلت الاستعدادات للفرحة الكبرى بالتأهل الى غضب على المناصرين المصريين الذين ارتكبوا هذا الاعتداء وعلى قوى الأمن المرافقة التي يقول الجزائريون انها 'تواطأت' مع المعتدين أو على الأقل لم تمنع اعتداءهم.
وعبر جزائريون كثيرون عن غضبهم الشديد واستنكارهم لما لحق بلاعبيهم من 'استقبال' في القاهرة، وذكر بعضهم بالمعاملة الجيدة التي تلقاها الفريق المصري بالجزائر في مباراة الذهاب.
وفي القاهرة تجمهر الجمعة عشرات الآلاف من المواطنين المصريين بالقرب من استاد القاهرة وعدة نواد أخرى ومشاعر الغضب تتملكهم بسبب ما وصفت بـ'الخديعة' الجزائرية لتلطيخ سمعة المصريين.
ويحاصر عدد كبير من المواطنين فريق المنتخب المصري حيث قرر هؤلاء النوم في الشوارع والمناطق المحيطة.
كما قرر الكثيرون الصوم السبت على أمل أن ينتصر المنتخب المصري على الجزائر.
واتهمت الصحف المصرية اللاعبين الجزائريين بتلفيق الحادثة على حافلتهم، كي يوتروا الأجواء قبل المباراة.
وقالت صحيفة الاهرام ان اللاعبين الجزائريين هم من الحق الضرر بالحافلة. وكتبت 'قام بعض اللاعبين بتهشيم زجاج الحافلة مدعين انهم استهدفوا بالحجارة'.
رسميا، دانت الجزائر الاعتداء واستدعت الخارجية السفير المصري بقصد طلب توضيحات. لكن الموقف الرسمي حاول إبقاء الاعتداء في 'سياقه الرياضي'، كما ظل يلح وزير الرياضة، الهاشمي جيار، الموجود بالقاهرة.
من جهتها نقلت الصحف الجزائرية أمس تصريحات محمد راوراوة رئيس الاتحاد الجزائري الذي حمل الأمن المصري المسؤولية.
وقالت صحيفة 'الخبر' (خاصة) ان الأمن المصري سمح للمتظاهرين بالاقتراب من بعثة المنتخب الجزائري بشكل غير مقبول، وان رجال الأمن اعتدوا على صحافيين وإعلاميين جزائرين. وأشارت الصحيفة إلى أن نجل الرئيس المصري جمال مبارك توجه رفقة رئيس الاتحاد المصري سمير زاهر واعتذر للوفد الجزائري عما حدث، مشددة على أن اللاعبين رفضوا قبول تلك الاعتذارات.
وكان لاعب المنتخب الجزائري يزيد منصوري صرح الجمعة للقناة الرياضية التلفزية الفرنسية 'ليكيب' قائلا ان السلطات المصرية لم توفر الحماية اللازمة للاعبين، وسمحت لسيارات المناصرين المصريين بالاقتراب من حافلة المنتخب الجزائري بشكل غير مقبول، قبل أن تتوقف الحافلة على بعد 200 متر من الفندق بدون سبب وتبدأ الحجارة في التهاطل على من فيها فأصابت عددا من اللاعبين.
وزادت هذه الحادثة من حدة الاحتقان، لكنها أيضا أيقظت مزيدا من مشاعر التعاطف مع هذا الفريق برزت في مئات الاف الأعلام الوطنية التي غطت بنايات وشوارع العاصمة والمدن الجزائرية الأخرى.
قبل ذلك، منذ أسابيع، توقف كل شيء بالجزائر تحسبا للمباراة المرتقبة اليوم السبت.
بعد 20 سنة بالتمام.. التاريخ يعيد نفسه، المنتخب الجزائري يواجه نظيره المصري في ملعب القاهرة. ويبدو أن ما حدث في تلك المباراة التي جرت يوم 14 من مثل هذا الشهر وتأهل المنتخب المصري لمونديال ايطاليا هو أحد أسباب هذا الاحتقان.
رغم المخاوف، يبدي الجزائريون تفاؤلا بالتأهل لأسباب عدة منها حيازتهم على فريق شاب وعنيد، وكذلك تصدرهم المجموعة بـ13 نقطة وفارق الأهداف.
هذا ما يشدد عليه اللاعب الدولي في الثمانينات، جمال مناد، الذي قال لـ'القدس العربي' ان الجزائر لم تكسب فريقا بمثل هذه القوة منذ 20 سنة.
ورغم ذلك، أوضح مناد أن الفريق المصري أكثر انسجاما ويضم هو الآخر لاعبين ممتازين متعودين على اللعب معا.
وككل الجزائريين، توقع مناد أن يكون التأهل من نصيب الجزائر في الأخير.
ويرى رشيد مخلوفي نجم الكرة الجزائرية في الخمسينات والستينات، أن 'الخضر' ليس لديهم ما يخسرونه، 'بل إنهم في موقع قوة لأنهم متقدمون بثلاث نقاط، وفارق الأهداف'، مشيرا إلى أن 'أصدقاءنا المصريين يحاولون زعزعتنا، ولكن الفوز سيكون من نصيبنا'.
واعتبر مخلوفي، وهو أحد مدربي الفريق الجزائري في مونديال 1982، أن التنافس بين الجزائريين والمصريين في الكرة ليس جديدا، مشددا على أن ذلك الأمر لا يجب أن يخرج عن حده، لأنها مباراة كرة قدم ولا يجب أن تؤثر على العلاقات التاريخية والسياسية والأخوية بين البلدين.
وتشغل المباراة حتى الساسة والمسؤولين. ويقول وزير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الجزائر مصطفى بن بادة انه يترقب أيضا موعدها بشغف.
وقال بن بادة لـ'القدس العربي' ان 'الخضر' لم يكونوا على مقربة من التأهل منذ فترة طويلة'، مضيفا أن الشعب الجزائري 'متعطش للتأهل ولعب نهائيات كأس العالم (..) نحن في حاجة إلى أفراح وانتصارات'.
وانتقد بن بادة التراشق الإعلامي 'الذي أخرج المباراة عن إطارها الطبيعي'. وتوقع أن تنتهي المواجهة بتعادل أو بخسارة 'الخضر' بهدف وحيد، معربا عن ثقته في التأهل.
وذكر الوزير أن الحكومة أيضا مشغولة بالمباراة، قائلا 'ان الوزراء يتحدثون عنها على هامش اجتماعاتهم الرسمية'.
ويسترسل الجزائريون في سرد خصال فريقهم، منها انه يتكون من مهاجرين لا 'علاقة يومية' لهم بالوطن ولا تعنيهم الضغوط النفسية والسياسية المحيطة بالمباراة. وهذا في حد ذاته ايجابي ولصالح اللاعبين وليس ضدهم.
وقال الصحافي الرياضي الجزائري قدور حباري انه فاجأ معلقين مصريين بالقاهرة بالقول ان اللاعبين الجزائريين 'خارج كل هذه الهالة' لأن أغلبهم محترفون يقيمون بالخارج، لا يفهمون العربية ولا يقرأون صحفا ولا يشاهدون تلفزيونات عربية وما تبثه عن المباراة.
وقال حباري وهو رئيس تحرير قسم الشرق الأوسط بـ'وكالة الاخبار العالمية' (الرياضية) بلندن وتوجه الى القاهرة الأسبوع الماضي، ان هذا الكلام أصاب مستمعيه بنوع من الذعر والاستغراب.
لكن الباحث في علم الاجتماع، ناصر جابي، لاحظ أن الهجرة كان لها دائما دور مهم في تاريخ الجزائر، موضحا ان 'هذا هو الأمر الذي لم يفهمه أشقاؤنا المصريون'.
وذكر أن أول حزب نادى باستقلال الجزائر عن فرنسا تأسس في المهجر، كما أن الحركة الطلابية والنقابية تأسست أيضا في الخارج، مشددا على أن العلاقة بين المهاجرين الجزائريين ووطنهم مميزة، لأن هؤلاء يعتبرون أنفسهم في كثير من الأحيان جزائريين أكثر من الذين يعيشون فوق التراب الجزائري.
وقال جابي ان المنتخب كان وراء مصالحة الشباب مع مفهوم 'الوطنية'، مؤكدا أن علاقة الشباب مع وطنهم تحسنت بفضل 'الخضر'، فلأول مرة منذ عقود نجد جزائريين يعبرون عن فرحتهم وعن سعادتهم بالانتماء إلى وطنهم بهذه الطريقة. لكنه نوه الى ان هذه 'المصالحة' هي مع الوطن وليست مع السلطة.
ولا يتوقف تعلق الجزائريين بفريقهم على الداخل، بل أثبت جزائريو الشتات تعلقا غير مسبوق بهذا الفريق الذي 'اعاد مصالحتنا مع بلدنا'، كما قال جزائري مقيم بلندن.
وقد توافد على القاهرة مناصرون جزائريون من بريطانيا وفرنسا وكندا.
وفي لندن يعتزم جزائريون كثيرون الالتقاء في منطقتي ادجور روود وفنزبيري بارك (شمال) كما يتجمع المصريون اليوم في نفس المكان لمتابعة المباراة مع بعضهم البعض. كما يتوقع ان تنتشر قوات الشرطة البريطانية في المكان لتحول دون مواجهات بين مناصري الفريقين.
كما انتشرت أخبار ودعوات عبر مواقع الكترونية، بينها فايس بوك، عن 'مُشاهدة جماعية' من خلال شاشة ضخمة بوسط العاصمة باريس، يذهب ريعها الى جمعيات الأطفال مرضى السرطان.
من جهته يرى الكاتب السياسي عابد شارف أن تأهل الجزائري يعني هدنة جديدة لصالح الرئيس بوتفليقة... لا كلام عن الفقر والبطالة والهجرة السرية وحتى الارهاب. بالمقابل، يقول شارف، وفي حالة عدم التأهل سنعود بسرعة إلى المآسي اليومية: الإضرابات والهجرة غير الشرعية والرشوة والإرهاب. وشدد على أن انعكاسات الإقصاء ستكون كارثية في البلدين، والعكس صحيح، منوها بأن تأهل مصر قد يعني أن الرئيس حسني مبارك يعلن توريث الحكم لنجله في الليلة نفسها ولا أحد يعترض.
بدوره انتقد الصحافي ياسين معلومي رئيس تحرير صحيفة 'الشباك' (رياضية خاصة) الدور السلبي الذي لعبته وسائل الإعلام في الجزائر ومصر، التي قال انها سعت لأن تبيع أكبر عدد من النسخ وتبارت في تصعيد لغة الكراهية.
ويرى معلومي أن المنتخب الجزائري أوفر حظا من المصري، لأن أمامه أربعة خيارات، إما الفوز، أو التعادل أو الخسارة بفارق هدف واحد، وفي كل هذه الحالات سيتأهل للمونديال، وتبقى أمامه فرصة رابعة بأن يخسر بفارق هدفين، وهنا يلعب مباراة فاصلة في السودان، أما المنتخب المصري فليس أمامه سوى خيارين، إما الفوز بفارق 3 أهداف والتأهل، أو هدفين ولعب مباراة الفصل.
الأربعاء ديسمبر 02, 2009 3:20 pm من طرف حياة