وائل غنيم في مدرسة المشاغبين.. الشاذلي ودموع التماسيح وأديب يشق صفوف الثورة!
لينا أبو بكر
2011-02-09
ربما كان مشهد المرأة المعلقة في غرفة التعذيب، هو
أكثر المشاهد إثارة للنقمة والدهشة معا، لأنها المرة الأولى التي تعرض
فيها قناة عربية صورة لامرأة تحت التعذيب في معتقل سياسي، وهذه جرأة غير
مسبوقة بتاتا ولا متوقعة حتى إن كانت الجزيرة هي التي عرضتها... لن تعتبر
بالطبع هذا الأمر انتهاكا للخصوصية، بقدر ما ستحترم جرأة استثنائية تتجاوز
التحفظات الاجتماعية التي ليس هذا محلها، طالما أن الواعز الإنساني هو
المحفز الأخلاقي الأهم لتعرية الجريمة وعدم التستر عليها مهما كان السبب.
لن
أسمي الثورة ظرفا كما يفعل معتز الدمرداش على قناة المحور في برنامجه 90
دقيقة، ولن أسميها أزمة كما تصر منى الشاذلي على تسميتها، وهي تريق دموعها
تعاطفا مع أهل الشهداء، في ذات الوقت الذي لم تزل فيه حائرة أمام مسمى واضح
لهذا الحدث، الذي لم يرقَ من وجهة نظرها إلى ثورة، هي في واقع الحال معمل
للبطولة الإعلامية، ودليلك الجزيرة التي لم تضطر للقيام بدور المتسول الذي
يستجدي الشارع التواصل معه وإمداده بمواد جاهزة للعرض ـ وهو ما قامت به
العربية على سبيل المثال بعد نفاد مؤونتها ـ وما ذكره وائل غنيم تماما في
لقائه مع الشاذلي على دريم عن لجوء الشارع لفضاء بديل، وقد خونهم إعلامهم
وشقلب ثورتهم إلى ثورة الـ'كنتاكي' لأنه جهاز للتضليل الوطني، وتلك جريمة
تفوق الخيانة العظمى، طالما أن تلفزيون النظام لا يستطيع في أقل تصور أن
يعطي تقديرا منطقيا ومعقولا عن أعداد المتظاهرين في الشوارع، ويحصرها في
عشرات متناثرة، طبعا الشاذلي أكدت وجهة نظره ووافقته في ما أدان به
الإعلام، وهو سبب احتجابها عنه لأيام معدودات، واستعين بما صرح به أحمد
شفيق في مقابلة مع قناة 'بي بي سي' العربية لتتأكد من هذا الخسف، بل التقزم
أمام الملايين، ولما سأله محاوره : تغيرون الوزارة وتقيلون الحزب وتقبضون
على الحيتان من أجل المئات فقط؟ لن أكتب جواب شفيق 'يا راجل'، لانه لم يجب
رغم تأتأته، أما سخريته من افتراش ميدان التحرير ونيته تحويله إلى 'قهوة'،
في تحد سافر للثوار، فها هو الشارع يرد عليه بثورة لها قدمان وليست كسيحة،
ولو هرول إعلام النظام بعجلات دفع رباعي لن يدركها.
وائل غنيم إذن يعطي
المبرر للشعب المصري بإلغاء إعلامه، وهذه نتيجة طبيعية لإن الإعلام نفسه
يقوم بهذا الدور مع الشعب، فإن كانت كل تلك الأعداد المليونية بالنسبة
للحكومة هي عشرات فهذا يعني أن الشعب كائن غير مرئي للنظام، حتى بوجود كل
عدسات التصوير والشاشات التي لاحصر لها! مسكين أيها الشعب، السلطة ليست
عمياء لكنك لم تكن موجودا قبل 25 يناير أصلا! لا تبك يا وائل غنيم وقد أقدر
أن للشاذلي قلب بشر ودموع تماسيح، لكن للجزيرة السبق في عرض صور شهداء مصر
ونواطير مصر تنام عن ثعالبها وعلى شهدائها، فلمن تستفيق إذن؟
فضائح السر والعلن
هذه
هي الفضيحة الكبرى لتلفزيون مصر وتلفزيونات المعارضة المشبوهة، على طريقة
الإخوان المسلمين والوفد ـ رفض الشارع والمواطن المصري للتلفزيون هو أهم
مظاهر تلك الثورة، لأن تضليل الشعب وتشويه الحقيقة مهمة خسيسة لا يمكن
التعاطي معها على أنها منهج إعلامي تعمل به القناة، بل تصبح ساحة أو جبهة
لا بد من مواجهتها وإحباط دورها المعطل، وهو ما قاله أحد الشباب 'خريج
إعلام ' من الذين أجرى الدمرداش معهم حوارا في برنامجه، وبرهنوا على
تجاوزهم إعلامهم ونظامهم وإعلامييهم بمراحل لم يكونوا ليتوقعوها، وهم
القائمون بدور 'ممرض التخدير' في غرف العمليات التابعة لجهاز أمن الدولة!
كيف تقنع من سبق وعيهم عقل إعلام الضلال؟ ربما هذا الذي دفع التلفزيون لأن
يصر على حملة وثقافة التضليل ليقينه بأن مواجهته مع الوعي ستكون خاسرة فعمل
بالتضليل أو التأمر على الثورة، لكن النتيجة كانت عكسية، وقد اتجه الشعب
إلى الجزيرة ليس كتعويض عن جهاز إعلامي فقد شرعيته قبل مصداقيته بمجرد سقوط
نظامه، بل كمنظومة متكاملة تتبنى وجهات النظر تحللها تناقشها تدرسها
وتمتلك القدرة الكاملة والإرادة الحرة على الإيمان بها ودعمها، وفي لقاء
مديرة التلفزيون المصري سابقا مع ستوديو القاهرة على العربية، خير دليل على
ذلك حيث كشفت أسرارا لبلطجية الإعلام لم تكن لتجرؤ على كشفها قبل هذا
المفصل التاريخي، عداك عن أن إعلاميين كثرا توجهوا إلى منابر مفتوحة يزيحون
الغطاء عن صناديقهم المغلقة 'أسرارهم'، منهم الإعلامية هالة فهمي على
دريم، حيث فضحت ثقافة التملق والمصلحة والطبطبة، وكشفت خبايا خيانات وطنية
لقضايا إنسانية كبرى، فلطالما عانت من توجيه اتهامات قاسية لها بإقحام
السياسة في برامج الأطفال الذين كانوا يعبرون فقط عن تضامنهم مع الأطفال
الشهداء في فلسطين، فما الذي تقوله بعد؟
الآن ومع الجزيرة لا حاجة
للإعلام الوطني في البلاد العربية، على شعوب هذا الوطن الممتد من المحيط
إلى الخليج التظاهر لإسقاط الكراسي الإعلامية أولا، رافعين شعار 'قاعدين
ليه ما تقوموا تروحوا' هذا زمان الجزيرة، يا شباب وليس زمان الإعلام بتاع
سيادة الناظر! لأن الشعب ليس رزمة تلاميذ 'عايزين فلقة'، ولا الوطن مدرسة
مشاغبين! وما يعتبره أحمد شفيق 'تمردا للأبناء على الآباء' هو اعتبار مهين
للشعب المصري، لأن الأب لا يمكن أن يكون قاتلا، وإن كان فأبوته لن تكون
عاصما له من العقاب والقانون، وتواطؤ الأسرة مع جريمة القتل لا يعتبر
تماسكا أسريا بقدر ما هو مشاركة في القتل وتكوين أسرة قوامها المجرمون أو
الضحايا! كان على الثوار الذين لبوا دعوة التلفزيون المصري لهم بالحوار أن
يذكروا كل 'ممرض تخدير' بثقافة سيادة الناظر في المدارس المصرية، وأن
يذكروهم بجرائم التعنيف والضرب التي أدت إلى القتل وتواطأ معها ناظر
المدرسة، بحجة أن' الأستاذ مش قصده، ده كان عايز يربي العيال'.
ثورة مع وقف التنفيذ
في
لقاء برنامج 'واحد من الناس' مع عمرو أديب على دريم، استعرض أديب عضلاته
الإعلامية، مادام النظام هو المخ والإعلام هو العضلات، حسب فنان الزعيم،
وأكد لمحاوره أن المواطنين المصريين ليسوا عبيدا، ووا الله ' أسمع كلامك
يعجبني أشوف عمايلك أستعجب'! فكيف يؤكد على انتفاء العبودية وهو يكرس
إليها، لأنه في طول عرض البرنامج كان يتداول الروشيتات الإعلامية ذاتها
التي يتبناها أحمد شفيق والتي قوامها المحافظة على 'مصر النظام'، كل هذا
الكلام لم يعد مجديا لأن الاستراتيجية الثانية بعد التضليل، التي يعتمدها
الإعلام المصري هي استراتيجية التآمر على الثورة وإحباطها عن طريق وقف
تنفيذها، فأديب يطالب بـ'stop' مادامت المكتسبات مقنعة كما يرى هو، وإن لم
يتحقق للثورة ما تريد تستطيع أن تعود مرة أخرى للشارع، وهي حجة مريبة لأن
الثورة لا يمكن ان تكون على جرعات فهي ليست كورسا علاجيا يختبر مفعوله،
وليست حكما قضائيا يقضي بوقف تنفيذه، ولا هي حصة مدرسية أو فسحة تنتهي
بمجرد أن يقرع سيادة الناظر الجرس 'وخلاص يا عيال خلصت الفسحة'. لم يع أديب
بعد أن كل ما يقدمه للنظام والإعلام من وصفات تآمرية قد تؤتي أكلها لوقت،
ولكنها لن تدوم أبدا، فها هو النظام استجاب لدعوته بفتح حوار صريح
وديمقراطي على تلفزيون مصر، لأنه تألم لما رأى الشعب يلجأ للجزيرة مباشر
يطلب منهم العون ويشكي لهم حاله، ولكن ما نتيجة دمقرطة الإعلام التآمري؟
فتنة كما قال أحد الشباب، ومواجهة حامية الوطيس لا يمكن لإعلام تربى على
قمع الرأي أن يحتملها أو يطيق معها صبرا، فحوارات خيري رمضان كانت كيدية
وتخوينية ومستخفة بمن تحاورهم، لا بل إنها تعمد إلى تشويه الثورة بكل ما
أوتيت من قوة، لصالح من؟ لصالح أنفسهم قبل نظامهم، فالثورة كشفت عورات
وسوءات لم يكن ليخطر ببال بشر أن تكون عرضة للفضح، وما حرب الإعلام على
الثائرين سوى مقاومة للفضيحة، بل كان الأشرف لهم ألا يلجأوا لاتهام الثورة
بشق الصفوف، لأن الثورة انقلبت على فتنهم وشقت صفهم قبل أن يفعلوا هم ذلك،
وربما كان أجمل ما عبر عن هذا هو حديث السيدة ميرفت رئيسة التلفزيون المصري
السابقة عندما قالت: 'أشفق على من اضطروا لتغيير جلدهم'!
الغريب أن
مذيعا واحدا من الناس سأل أديب سؤالا من حيث يدري ولا يدري كان فخا عندما
قال له: 'هل تتعهدون بعدم ملاحقة المتظاهرين بعد عودتهم لمنازلهم' قال نعم
نتعهد. بصفته ماذا يسأل هذا السؤال ويتعهد بتنفيذ إجابته؟ على الشعب المصري
أن يحذر إعلامييه لأنهم أول من يحرصون على الفتك بفضيحتهم التي هي الثورة،
يتسلقون عليها لأنهم طلاب مناصب وقد غمز أديب للنظام طالبا مكافأته
'بمنصب وزير الإعلام' مدعيا ترفعه عنه، وإن كان يستحقه فليس لأن الفضل يعود
له بفتح الحوار الحر مع الشباب المتظاهر، إنما الفضل له بالتأمر عليهم من
خلال فتح باب الفتنة، وليس أشد ما يبكيك إلا أعظم ما يضحكك: العبارة القفلة
لكل حوار تآمري في برنامج 'مصر النهارده': 'هو ده تلفزيون مصر'! 'كدبوا
الكذبة وصدقوها' دخلوا في الدور! ولو كان هذا هو تلفزيون مصر فلماذا لم
يستوعب الدرس جيدا من المتظاهرين حينما سخر أحدهم من المذيع رمضان لما سأله
عن مصدر عبارة: 'لو تركنا الميدان بنحفر قبرنا بايدينا' قال الشاب: ممعيش
الكود بتاعها أما أعرفه أقلك'! شباب 25 يناير سبقوا النظام والإعلام
وتفوقوا بأسلوب المحاورة والفهم والوعي والتهكم والعناد.. قد أتى الطوفان
في وقته تماما وسيادة الناظر لن يقرع الجرس لأن الثورة درس وليست فسحة!
ومضات
ـ
هذه الفضائية ترفع شعارا ولا أروع : ثورة مصر نهضة الأمة، لذا على الأمة
أن تهب لنهضتها وتفتديها ولنرفع شعار كلنا اليوم مصريون من أجل الأمة.
أفرج
عن المهندس محمد الأشقر من حركة كفاية بعد مناشدة الأستاذ محمد عبد الحكم
دياب السلطات المصرية عبر الجزيرة بالإفراج عنه ، ولتكن هذه دعوة لكل مثقف
وإعلامي وقانوني بالعمل على سن قوانين تعاقب المجرمين بحق هذا الشعب العظيم
وثورته، وعلى رأسهم بلطجية الإعلام الذي أدخل البلاد في غرفة إنعاش لم
تخرج منها سوى بحالة طوارئ حولتها إلى معتقل!