اوباما خان مبارك
عاموس جلبوع
2011-02-08
ما إن بدأت الأحداث في مصر حتى أسرع كثيرون الى اتهام
الاستخبارات بأنها لم تتنبأ بالأحداث، واقتبسوا من كلام رئيس الموساد
التارك ورئيس 'أمان' الداخل لبيان أنهما لم يتوقعا هذه التطورات في الدولة،
بل اتهم أحد مُدعي الحكمة الاستخبارات بأنها لم تتنبأ بأن يخون اوباما
مبارك. هذا الشأن مبدئي وقد تحدث امور مشابهة في المستقبل ايضا ولهذا اليكم
ثلاث ملحوظات أساسية في هذه القضية للاستخبارات وانتفاضة الجماهير.
الاولى
هي درس من تجربة شخصية. في ربيع 1977 عقد رئيس الحكومة اسحق رابين مباحثات
في وضع ايران. شاركت فيها كل القيادات الأمنية والصناعية. وكان هدفها: هل
نستمر في الاستثمار في ايران؟ وماذا نفعل بالاستثمارات الكثيرة الموجودة؟
عرض سفير اسرائيل في ايران لذلك العهد الصورة الاستخبارية. وقد عدّ على نحو
منهجي معلل جميع عناصر استقرار نظام حكم الشاه واحدا واحدا، وما الذي
يحثها وما الذي يعوقها، وانتهى الى استنتاج مفاده أن مصير نظام الشاه قد
قُضي.
بعد ذلك بدأت المرحلة الثانية من المباحثات بعرض جملة استثماراتنا
العسكرية والمدنية في ايران التي كانت ضخمة. آنئذ توجه رابين فجأة الى
السفير وسأله: متى سيسقط نظام الشاه بالضبط؟ وهل الحديث عن سنة أو سنتين؟
وأجاب السفير بعد تفكير بشيء ما في هذه الصيغة: 'لا، لا! سيحدث هذا في
تقديري في الثمانينيات فقط لكن من المؤكد ان يحدث'. ورابين الذي حمل آنذاك
جملة من المشكلات الحزبية والشخصية، فكر للحظة وأجاب على هذا النحو على وجه
التقريب: 'اذا كان الامر كذلك فلنوقف المباحثات. سنتابع 'الاعمال كالعادة ،
ونراقب الوضع بسبع عيون'. مر نحو سنة ونصف سنة وسقط نظام الشاه.
كان
ذلك درسا استخباريا لي من الدرجة الاولى، ازداد حدة بعد ذلك بأحداث مشابهة
اخرى. وكان أساسه أن قدرات الاستخبارات على تجميع المعلومات وعقول ناس
التقدير فيها جيدة من اجل تحليل عوامل عدم الاستقرار في دول الجوار. لكنها
عاجزة (إلا اذا شايعتها معجزة) عن معرفة مدة نضجها لتصبح انفجارا، ومتى ومن
وأين سيُشعل الثقاب الذي يُشعل الحريق الكبير المفاجىء، لان الحديث عن
تيارات عميقة كتيارات الحمم البركانية في أعماق جبل بركاني.
والملحوظة
الثانية: انه رغم أهمية قضية استقرار نظم الحكم، والانقلابات والانتفاضات
الجماهيرية في الأساس، فان هذا الشأن ليس في مقدمة ترتيب أولويات
الاستخبارات. أما شؤون مثل الانذار على اختلاف أنواعه، والمعلومات
الاستخبارية لبناء القوة والاستعدادات والتخطيطات، والمعلومات الاستخبارية
من اجل السياسة فان كل ذلك هو المفضل. إن وزارة الخارجية الاسرائيلية،
كمحيط معاهد البحث الاكاديمية على اختلاف باحثيها ومحلليها، هي التي تستطيع
أن تُسهم في قضية الثورات هذه. ومن يعلم، ربما يوجد ذات يوم الطراز العجيب
الذي يتنبأ على نحو دقيق بزمان وكيفية انفجار الحمم البركانية الثورية.
والملحوظة
الثالثة. في اطار الردع، يكون عمل الاستخبارات أن تقدم إنذارا استراتيجيا
بعيد الأمد بتحولات سلبية يتوقع حدوثها في دولة عربية لنا معها علاقات
سلام، أو أن تبشر بتحولات ايجابية متوقعة في دولة معادية. من مزيد المفارقة
أن الحظ ناصرنا الآن، وأن الأحداث في مصر زودتنا بإنذار استراتيجي بتحول
سلبي في الدولة. إن احدى الخطوات المُلحة الآن لدولة اسرائيل أن تصوغ
تقديرات استخبارية جديدة مهما كلف ذلك من مال.
معاريف ـ 8/2/2011