الكرخ فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 964
الموقع : الكرخ تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
| | Post اللعنة | |
شعرت بجسدها ثقيلاً كروحها تماماً، فأرخت بثقله على صديق قديم لها، لا يمل أنينها يشاطرها ألمها، ويكتم بين ضلوعه أحزانها.. ففيه تشتم رائحة عطر معتق بأقبيته . تقلبت كثيراً. أشواك كثيرة مغروسة في داخلها. لم يستطيع الزمن أن يقتلعها، تسللت بعمق إلى ذاتها ، رأتها متشابكة ،مدت أناملها لتقتلعها .. عميقة جداً جذورها، غائرة في حنايا الروح ، غاصت أكثر وأكثر، وغابت في دهاليز الزمن. تراءى لها كل شيء بوضوح تام ، لوحات تلمع في سماء نبيذية اللون، وقيثارات ما زالت تتقن فن العزف على الجروح. أرشيف يختزن آلاف الصور والمواقف، لمحطات تسارعت في حياتها . كاميرات مجهزة للعرض المباشر. جثت على ركبتيها وابتدأت المشاهد تتوالى : عروس بفستان أبيض، زوج كبيرالسن، ووالد يضحي بها على عتبة عيده ، تنهمر دموعها وهي تساق كالنعجة فتلطخ ثوبها.. زجرها والدها : ابتسمي لتبتسم لكِ الحياة.. فابتسمت كعصفورلاكته القضبان ، وانساقت إلى منزل الزوجية ، وقرع الطبول تباركهما.هناك وعلى عتبة المنزل تجمع الكثيرون ، وأطلقوا الأغاريد فقد تم الحدث السعيد ، ورحلوا إلى غير رجعة .
تململت ، واقتربت أكثر من اللوحات تتأمل خطوطها وألوانها ، ووجوه ما زالت محفورة فيها . اشتد العزف وضعت أصابعها في أذنيها، كي لا تسمع ذاك الصوت الهادر من التسلل وهو يكيل الشتائم ، ما زال صداها يرن في أذنيها ، وجه بريء يختبئ خلف غلالة رقيقة ، تمتد يد جبارة لتصفعه بقوة، فتتمزق الغلالة ،وصوت يرتفع إلى السماء: " اللهم احرمه ذريته واجعل ولده عاقاً مثله " . بركان تأجج بداخلها جعل كل ما فيها يصبح رماداً. صرخات توالت: " حرام عليك لقد جنيت علينا ". ما ذنب الورود الحمراء التي لونت حياتنا؟؟ !!! ما ذنب طفلي الوحيد؟؟!!! وتاهت صرخاتها في غطرسة، رجل باع ضميره لإرضاء امرأة ساقطة سلمها زمام أمرهم .بدأت اللعنة تلاحقهم وتحصد ما تحصد وتساقطت الأوراق والورود تباعاً. أمام تلك المصائب السوداوية التي جلبها االطاغية لعائلته، لم يستطيع هذا الزواج الصمود، تلك الصخرة تفتت في واد سحيق.لقد رحلت تلك المرأة بحصاد عمره إلى البعيد، وبقيت هي وطفلها تغرقان في لجة لعناء، ليس لهما يد فيها .. تأوهت بمرارة ، ودنت من لوحة ، ثم تسمرت أمامها ، مدرسة داخلية كبرى ، طفل يتدلى من الطابق الرابع بواسطة أغطية موصولة ببعضها ، من النافذة يطل وجه الناظر مرتعباً يستطلع ما يجري . الأرض تزأر بقوة تحته .. يتساءل هل من زلزال ضرب المنطقة ؟؟ أم هو صليل جان ؟؟ ثم يمسك بيديه الأغطية المتدلية ويتضح اللغز ..عند أقدام الباب الخارجي ،طفل له قرنا شيطان، يطلق ساقيه للريح. وعندما أعادته والدته المبتلاة به ، قال لها ناظر المدرسة :" يا أنا يا هو في هذه المدرسة " . حزنت على الجميع ،وخاصة على الناظرالمسكين الذي عاشر اللعنة، فكاد الخوف يخطفه كما خطف آخرين غيره، قفلت عائدة به ، تصب جام غضبها عليه بشتى ألوان الشتائم، وصدى كلمات الناظر تلاحقهما " خذيه لدكتور نفسي أو عضوي أو شيخ، ولكن لا تدعيه هكذا ..هكذا .. انتابها صمت، وألم ، وهي تشعر بوخز تلك الكلمات .أفكار كثيرة تزاحمت في رأسها، أيقظت حواسها ،جعلتها تتساءل : أوَ نعاقب على ذنب لم نقترفه ؟ اختلطت عليها الأمور ، فعادت تتساءل، وتقارن ما بين القدر واللعنة ، فبدت لها الحقيقة لأول مرة "كفلق الفجر" ماثلة أمامها " لا تزر وازرة وزرَ أخرى ، وإن ما أصابها لم يكن ليخطئها.وبأن اللعنة رحلت يوم رحل صاحبها . | |
|