أسانج
يختبر التقاليد الغربية
ساطع نور الدين
الحكم البريطاني على مؤسس موقع ويكيليكس وليام
اسانج الذي يسلي الجمهور العالمي بواحدة من اكبر القصص الاعلامية المثيرة،
جريء وظالم في آن واحد. الحكم بالافراج عنه يعادل قراراً بإخضاعه للإقامة
الجبرية التي تفرض على كبار المجرمين، لكنه يقارب التحدي للدولة العظمى
التي كشف المحكوم بعض اسرار مجالسها ووثائقها الداخلية، ويوازي الاستخفاف
بالدولة المحايدة التي تريد المحافظة على حيادها كما على سمعة نسائها
وحقوقهن الجنسية المفرطة.
الكفالة التي فرضها القضاء البريطاني على اسانج والتي بلغت 380 الف
دولار اميركي، تكاد تكون خيالية بالنسبة الى الرجل الذي كان القاضي يعرف
جيداً انه لا يملك هذا القدر من المال ولا يمكنه أن يجمعه بأي شكل من
الاشكال، لكنه تلقى في جلسة الحكم الاولى الاسبوع الماضي تبرعات فورية من
شخصيات عالمية، بعضها أميركي، تغطي القيمة، وتعلن ان تحدي الحكومة
الاميركية ولو بفضح مدوناتها الداخلية، هو نوع من الفروسية الذي يستحق
التقدير، كما هو واجب سياسي يستدعي الثناء.
أما شروط الكفالة فهي ترقى الى مستوى التعامل مع اسانج باعتباره مجرم
حرب ارتكب جرائم ضد الانسانية، او هو على الأقل تاجر سلاح او مخدرات دولي
يهدد الامن والسلم العالميين، لا مجرد رجل مارس الجنس مع فتاتين سويديتين
من دون ان يستخدم الواقي الذكري، ومن دون أن يبلغهما بالأمر(...)، على ما
جاء في الدعوى السويدية التي لا تهدف كما يبدو الى التحقق من أن اسانج غير
مصاب بالايدز او بأي مرض جنسي معدٍ، بقدر ما هي تركز على «قضية مبدئية»
تختبر اخلاق الرجل الاسترالي الاصل الذي اهمل واجباته الجنسية، كما لم
يفاتح احدى الفتاتين بأنه ضاجع الأخرى في الليلة السابقة.. وترى في الدعوى
إنذاراً شديداً لكي لا يزور رجل السويد ويقع في مثل هذه الأخطاء الإجرائية
الفادحة مع فتياتها!
ولعل السويد التي وضعت نفسها ونساءها في هذا الموقع الحرج، حتى بالنسبة
إلى المعايير الغربية، تشعر بالرضا لأن اسانج باق في الإقامة الجبرية حتى
موعد البت بطلب استرداده في 11 كانون الثاني المقبل، مضطر الى افادة الشرطة
يومياً انه لم يغير مكان إقامته الذي لا يستطيع مغادرته قبل الإبلاغ
المسبق عن مقصده، وفي وقت محدد من النهار وفي مساحة محدودة من لندن، وإلا
فان الطوق الالكتروني الذي يضعه القضاء في معصم او في ساق أخطر المطلوبين،
سيرسل انذاراً إلى أقرب مركز للشرطة البريطانية..
لكن مجرد الإفراج عن اسانج قرار شجاع، يبرهن على ان القضاء البريطاني
يوازن بين حرصه على تطبيق القانون، ولو بشدة بالغة، وبين حياده ازاء
الأجواء السياسية التي تكاد تجعل من مؤسس موقع ويكيليكس المطلوب الاول في
العالم بعد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.. وبين رغبته في الاستجابة
الى كل من يود معرفة المزيد عن سر حصوله على البرقيات الدبلوماسية
الاميركية، ودوافعه لنشرها، من دون المس بنزاهة القضاء وحرية المعرفة
والرأي، حسبما تقتضيه التقاليد الغربية العريقة التي لا يمكن أن يشوّهها
القضاء السويدي!