وقد اضطررت إلى اقتباس عبارات مطولة نسبيا من
كلمة حرم الرئيس حتى أشرك القارئ معي في محاولة استيعاب ما استعصى على فهمي
المتواضع ، لأني تصورت وللوهلة الأولى عندما قرأت الخبر أن هذا المؤتمر
يعقد في بعض عواصم أمريكا اللاتينية أو وسط أفريقيا مثلا أو حتى في بعض
عواصم أوربا الشرقية حيث تنشط عصابات روسية وبولندية وغيرها في ما يعرف
بالاتجار بالبشر ، أما عقد هذا المؤتمر في مصر وتهتم به كل هذا الاهتمام
حرم رئيس الجمهورية فهو أمر غريب ومدهش جدا ، ويصعب علي استيعاب مبرر هذا
الاهتمام إلا من باب الوجاهة الاجتماعية ببعدها الدولي ، وإلا فهل يمكن أن
تدلنا السيدة حرم الرئيس على مظاهر الاتجار بالبشر في مصر في ظل عهد الرئيس
مبارك الذي دام ثلاثين عاما ، وكيف عجزت جميع الحكومات التي مرت طوال عهد
الرئيس مبارك عن حل قضية خطيرة مثل انتشار الاتجار بالبشر في مصر ، وكيف
تجاهلت المجالس التشريعية العديدة في عهد الرئيس مبارك انتشار قضية بهذا
القدر من الخطورة في مصر، وكيف فات السيدة سوزان أن مصر تعاني هذه الآفة
الخطيرة طوال ثلاثين سنة ولم تنتبه لها إلا هذا العام فقط ، وإذا كانت
السيدة سوزان قد وجهت الشكر إلى كل هذه الشخصيات "الأجنبية" التي لا نعرفها
ولم نسمع بها من قبل ، فهل يمكن أن توجه الشكر إلى أي حكومة في عهد الرئيس
مبارك على جهودها في التصدي للإتجار بالبشر في مصر أو ـ على العكس ـ أن
تلومها على التقصير ، الحقيقة أن الموضوع كله غير مفهوم ، كما أن من حق
المصريين أن يعرفوا من تحمل تكاليف استضافة هذه الوفود الضخمة ومرافقيهم
والانتقالات والإقامة والرحلات والترفيه وخلافه ، وفي المحصلة أتصور أن
السيدة سوزان تعرف أن في مصر من المآسي والأحزان وما يدمي القلب في دلتا
مصر وصعيدها من حصاد الفقر والمرض والفساد وسوء الخدمات والبنية الأساسية
التي لا تناسب حيوانات فضلا عن بشر ، هي أولى بكل تأكيد بعنايتها وجهودها ،
إن كان ولا بد من جهودها ، من أجل خدمة الوطن وإنسانه ، بدلا من هذه
الجهود الإعلامية والاحتفالية والبهرجة والبذخ التي لا تليق ببلد مثقل
بالديون والهموم والإرهاق كمصر .