في ذكرى الكومونة، الحلم مازال قائما
22 أفريل 2006
يحيي الشيوعيون وحركة الطبقة العاملة
العالمية وجميع الكادحين ذكرى كومونة باريس التي ما زالت وستظل حية في قلوب
ووجدان كل القوى الديمقراطية والتقدمية، فمنها استخلصت الدروس والعبر في
سيرورة تطور حركة الطبقة العاملة العالمية وأحزابها الماركسية اللينينية
وعلى ضوء هذه التجربة الغنية بالدروس رغم قصر عمرها طور ماركس وأنجلس
ولينين وستالين من بعدهما النظرية الشيوعية العلمية والثورة الاشتراكية.
"إنهم يقاتلون
السماء"على إثر جملة من الإجراءات اللاشعبية التي
اتخذتها الجمعية التي تشكلت في فيفري 1871 بعد إعلان الجمهورية، والتي كان
يهيمن عليها الملكيين والمحافظين، انتفضت الطبقة العاملة والشعب الباريسي
في 18 مارس 1871 واحتل الشوارع هاتفا بحياة الكومونة. وتشكل مجلس الكومونة
الذي يضم الجمهوريين اليساريين وأنصار برودون وباكونين والاشتراكيين أنصار
ماركس أمثال العامل "أوجين فارلان" (Eugène Varlin) وشخصيات مثل الرسام
"كوربات"(Courbet) والكاتب "فاليس" (Vallès)... وهو ما اضطر أودولف
تيير (Thiers 1797-1877) رئيس السلطة التنفيذية للانسحاب والهروب إلى فرساي
لتنظيم صفوفه وإعادة الهجوم.
مثلت كومونة باريس نهاية عصر التمرد الذي
امتد إلى سنة 1848 ودشنت عصر الثورات العمالية. ولقد جاءت الكومونة كنتيجة
لتفاعل ضد الهزيمة التي مني بها نابليون الثالث واستسلامه بدون شروط أمام
القوات البروسية، وضد الاضطهاد الذي أجج مشاعر الحقد إلى حد انفجار حرب
أهلية حقيقية. فبعد هزيمة ثورة جوان 1848 وإرساء امبراطورية القمع
والاضطهاد ازدادت وضعية العمال تعفنا وبمقاييس لا تطاق. ومع بداية
الستينات، وتحت تأثير البرجوازية الصناعية والتجارية، استفاد، نسبيا،
العمال والحرفيون. فبين سنتي 1851 و1860 شن العمال 106 إضراب عن العمل. وفي
فيفري من سنة 1864 أصدر العمــال "بيان الـ60" مطالبين بحرية العمل
والتضامن... وفي أكتوبر من نفس السنة تأسست في لندن الأممية الأولى،
الجمعية العالمية للعمال، والتي اهتمت بشكل رئيسي بالنشاط الاجتماعي
والتضامني وبتنظيم الإضرابات والتضامن بين المضربين... حيث أصبحت مع بداية
سنة 1870 تعدّ أكثر من 000 10 عضو ناشط منتشرين في فرنسا: في باريس،
مرسيليا، ليون... وتضاعفت الإضرابات في عدة قطاعات كالبناء والمناجم...
ونشرت الأممية سنة 1869 وعلى نطاق واسع برنامج "بال فيل" الذي يضم حق
الانتخاب العام وحرية الصحافة والتعبير وتعليم ابتدائي إجباري ومجاني
ولائكي وفصل الكنيسة عن الدولة وإلغاء الجيش الدائم..." وهي نفس النقاط
التي جاءت في برنامج العمل السياسي والاجتماعي الذي اتخذه مجلس الكومونة.
خلال مدة شهرين من 18 مارس إلى 28 ماي سنت
الكومونة عدة قوانين واتخذت عدة إجراءات غير مسبوقة لصالح الحركة
العمالية. فأول إجراء هو تغيير لون العلم من الثلاثي الألوان إلى اللون
الأحمر. واتخذت الكومونة عدة إجراءات ثورية في المجالين الاقتصادي
والاجتماعي مثل تأجيل استخلاص السندات والتخفيض في أسعار الكراء وتأجيل
السداد إلى آجال غير محددة، ذلك أن تيير كان قد رفع في فوائد التأخير عند
تسديد معلوم الكراء. كما قامت الكومونة بإعادة تنظيم بنك التسليف للقضاء
على الاستنزاف المقنع الذي يتعرّض له المواطنون. كما تمّ إلغاء العمل
الليلي في المخابز رغم المصاعب وحالة الحرب، وتم إلغاء ومنع الغرامات
والخصم عن الأجور. كما قامت الكومونة بمحاولة في التصرّف والتسيير العمالي،
وذلك بتشكيل لجان من العمال والمختصين من أجل إعادة تشغيل المصانع التي
تركها أصحابها، الذين فرّ أغلبهم إلى فرساي.
كما اتخذت الكومونة عدة إجراءات أخرى
تربوية وثقافية، إذ تمّ وضع برنامج مدرسي لائكي ديمقراطي يهدف إلى تعليم
شعبيحقيقي، كما فتحت الجامعات والمتاحف مجانا أمام المثقفين... إلا أن هذه
الإجراءات الثورية لم يتسنّ لها الوقت الكافي للتطبيق. فالرجال والنساء،
وخلال شهرين من سلطة الكومونيين كانوا يقضون معظم أوقاتهم فوق المتاريس
دفاعا عن سلطة العمال. وتحولت باريس خلال الستة أيام الأخيرة من سلطة
الكومونيين (من 22 إلى 28 ماي 1871) إلى ساحة حرب دامية وجو من الانتقام
والدماء والنيران المشتعلة حيث قمعت الثورة قمعا أعمى من قبل الدموي
تييرحيث أعدم العديد من المناضلين على حائط المتآلفين في مقبرة "بار لاشاز"
(Père-Lachaise). وأوقف العديد وسجن ونفي العديد إلى كاليدونيا الجديدة
وجيان الفرنسية.
لقد حيى ماركس كومونة باريس كأول سلطة
للعمال وكشكل من أشكال ديكتاتورية البروليتاريا. وأوضح مكامن الضعف فيها.
وخلدت الجماهير الكادحة والطبقة العاملة ذكرى هذه الملحمة التاريخية من
خلال الأشعار والأغاني والرسومات... فبعد شهرين كتب نشيد الأممية وأغنية Le
Temps des Cerises وغيرهم