ويكيليكس انقذ حياة الملايين
رأي القدس
2010-12-14
شكل موقع ويكيليكس علامة فارقة في تاريخ الاعلام وحرية المعلومات من خلال كشفه عن العديد من الوثائق السرية الامريكية، ولهذا ليس غريبا ان تتصاعد المحاولات لاغلاقه، واطالة أمد فترة اعتقال صاحبه جوليان اسانج خلف القضبان.
بالامس مثل اسانج امام محكمة بريطانية تنظر في امكانية تسليمه الى السويد حيث يواجه تهمة الاغتصاب، وسواء افرجت عنه المحكمة بكفالة ام ظل رهن الاعتقال، فان 'التسونامي' السياسي والاعلامي الذي اطلقه، وهز العالم، سيستمر في تحطيم اسوار الدبلوماسية الامريكية الحصينة، ويميط اللثام عن الجوانب التآمرية لها في اكثر من منطقة في العالم.
لا نعرف الكثير عن طبيعة التهم الموجهة الى اسانج من قبل المحكمة السويدية المختصة بالنظر في دعوى الاغتصاب الموجهة اليه، ولكن ما تسرب يكفي لاستخلاص العبر منها، وابرزها ان الرجل يحاكم سياسيا رغم نفي محاميه وجود دوافع سياسية حول مطاردته قانونيا.
فعندما يصرح اكثر من مسؤول امريكي بان الرجل انتهك قوانين السرية الامريكية، وعرض حياة مواطنين امريكيين وغير امريكيين للخطر، فان هذا يعني وجود قوى عظمى تطالب برأسه والانتقام منه، باي صورة من الصور.
وربما يجادل البعض بان وثائق ويكيليكس لا تكشف عن الكثير من الاسرار، خاصة تلك المتعلقة بمنطقتنا، فكل ما جرى تسريبه كان معروفا، وهذا ينطوي على الكثير من الصحة، ولكن نظل بحاجة الى وثائق ومن قبل دولة بحجم الولايات المتحدة، لكي يتم التأكد من المعلومات.
لا شك ان هناك معلومات اكثر خطورة ينتظرها المتابعون لهذه التسريبات، كل لاسبابه، وقد يكون الرجل تعرض لمساومات عديدة من قبل اجهزة امنية، مرفوقة باكثر من عصا واكثر من جزرة، لحجب بعضها، خاصة ان هناك اكثر من اربعة ملايين وثيقة ما زال مضمونها حبيس اجهزة الكمبيوتر، والمأمول ان لا يتم الرضوخ لهذه المساومات والضغوط المرافقة لها.
ندرك جيدا كم هو صعب الصمود أمام اساليب التعذيب النفسي التي يواجهها شخص مثل اسانج خلف القضبان، مثلما ندرك ايضا حجم الاحباط الذي يسيطر عليه، وهو يطارد من قبل المحاكم بتهمة طالما نفاها، واكد بطلانها. وهو في النهاية انسان له طاقات محدودة على التحمل.
يبدو غريبا بالنسبة الينا ان تكون التهمة الخطيرة بالاغتصاب التي يواجهها اسانج تنحصر في ادعاء احداهن انه مارس معها الجنس دون التجاوب مع طلبها بارتداء الواقي الذكري، اي ان ممارسة الجنس بارتداء الواقي عمل مرحب به، ولا يرتقي لمستوى التهمة المذكورة.
كثيرون هم الذين تضامنوا مع صاحب موقع ويكيليكس في مختلف انحاء العالم، لانه تحدى المؤسسة الحاكمة لكل العالم، وقرر فضح الدولة الاعظم وصفقاتها السرية، ومن المؤكد ان الحكومات الرسمية، والعربية منها على وجه الخصوص، ليست من بين هؤلاء المتضامنين.
اسانج، وبغض النظر عن المصير الذي سيواجهه، ولا نستبعد ان تطول اقامته خلف القضبان، هذا اذا لم يفارق الحياة مقتولا او مسموما، سيدخل التاريخ كرجل أحدث ثورة عالمية في ميادين الدبلوماسية وحرية وصول المعلومات الى من يستحقها اي المواطن العادي البسيط.
وما يستحق التحية ايضا تلك الصحافة الحرة المستقلة التي نشرت الوثائق دون خوف او تردد رغم الضغوط العديدة التي تعرضت لها، ونخص بالذكر صحيفة 'الغارديان' البريطانية.
وثائق ويكيليكس حفظت ارواح الملايين بضربتها الاستباقية هذه، واظهار 'الكارت' الاحمر في وجه الحكومات المتعطشة للمؤامرات وخوض الحروب، وقتل الابرياء. فقد ادركت، اي الحكومات، ان المواطن والمؤرخ والباحث لن يحتاج الانتظار ثلاثين او خمسين عاما ليعرف الحقائق. انه ردع اعلامي ربما لا يقل اهمية عن الردع النووي، لما يمكن ان يترتب عليه من كبح جماح الاستكبار، ولجم خفافيش الظلام المتعطشين لسفك الدماء من خلال دبلوماسياتهم السرية.