اردوغان والابتزاز الاسرائيلي
رأي القدس
2010-12-10
شهدت مدينة جنيف لقاء بين وفدين تركي واسرائيلي بهدف تسوية الخلافات بين الجانبين، وبما يؤدي الى استئناف العلاقات بالشكل الذي كانت عليه قبل المجزرة التي ارتكبتها قوات كوماندوز بحرية اسرائيلية على ظهر سفينة تركية كانت تحمل ناشطين ومواد طبية ضمن قافلة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة.
الاتراك اصروا على تقديم الحكومة الاسرائيلية اعتذارا واضحا لا لبس فيه او غموض عن هذه المجزرة، وتقديم تعويضات مالية الى اسر الضحايا الذين يبلغ تعدادهم تسعة اشخاص، كانوا عزلاً لا يحملون اي اسلحة وقتلوا بدم بارد.
الاسرائيليون عرضوا صيغة مخففة تعبر عن اسفهم لحدوث الهجوم، مع استعداد لدفع التعويضات شريطة عدم اقدام تركيا على اي ملاحقات قانونية لاحقاً، وعودة السفير الاسرائيلي الى مقر عمله في انقرة.
الهوة بين الجانبين مازالت واسعة، وقد تزداد اتساعاً بعد التصريحات التي ادلى بها داني ايالون وكيل وزارة الخارجية الاسرائيلية، واعترض فيها على تقديم اي اعتذار، بحجة ان القوات الاسرائيلية المهاجمة تصرفت من منطلق الدفاع عن النفس.
السيد رجب طيب اردوغان الذي اثار اعجاب مئات الملايين من المسلمين عندما تصدى لاكاذيب شمعون بيريس رئيس اسرائيل الحالي اثناء مشاركتهما في ندوة في اطار منتدى دافوس الاقتصادي واصراره على رفع الحصار الحالي المفروض على قطاع غزة، من الصعب ان يقبل بأي تسوية لا تتجاوب مع الشروط التركية.
قبل يومين صرح السيد اردوغان بان مياه البحر الابيض المتوسط كلها لن تغسل دماء الشهداء الاتراك الذين سقطوا برصاص القوات الاسرائيلية، وهذا التصريح هو الرد الاقوى على الابتزاز الذي تمارسه الحكومة الاسرائيلية ضد تركيا.
اموال التعويضات مهما كبر حجمها لن تعيد الشهداء الى ذويهم، كما ان اي اعتذار مهما بدا قوياً في عباراته لن يهدئ من غضبة الشعب التركي تجاه الاسرائيليين ليس فقط بسبب قتلهم تسعة من ابنائهم، وانما بسبب تهويدهم للقدس المحتلة، وحفرياتهم تحت المسجد الاقصى، وقبل هذا وذاك حصارهم المفروض، ومنذ اربعة اعوام، على مليوني فلسطيني في قطاع غزة.
الحكومة التركية يجب ان تأخذ ملف الارهاب الاسرائيلي ضد سفنها وناشطيها الى المحاكم الدولية المتخصصة في جرائم الحرب، لملاحقة كل الذين ارتكبوا هذه المجازر او اصدروا الاوامر بارتكابها وانزال العقوبات بحقهم، اسوة بمجرمي الحرب الصرب، والمجرمين النازيين من قبلهم.
فالعلاقات التركية الاسرائيلية دخلت في مرحلة تأزم غير مسبوقة، ومن الصعب ان نرى اي تحسن لها بعد الجرائم الاسرائيلية في قطاع غزة وفوق سفن الحرية، وبعد ان بدأت الحكومة الاسرائيلية في تحريض دول الجوار التركي ضد حكومة انقرة.
ففور حدوث تدهور في العلاقات، كثف المسؤولون الاسرائيليون زياراتهم لدول مثل قبرص واليونان وبلغاريا ورومانيا، بهدف فرض حصار امني خانق على تركيا، ومحاولة احياء الخلافات القديمة بين تركيا وهذه الدول وصب المزيد من الزيت على نارها لاشعالها مجدداً وبصورة اقوى، تماما مثلما فعل هؤلاء، اي الاسرائيليون، عندما ذهبوا الى دول منابع نهر النيل لتحريضها ضد مصر باعادة النظر في اتفاقات توزيع حصص المياه وبما يقلص من حصتي كل من السودان ومصر.
تركيا اردوغان اصلب من ان تخضع لاساليب الابتزاز الاسرائيلي، خاصة في الوقت الحالي، الذي يضيق فيه العالم ذرعاً بالغطرسة الاسرائيلية التي تتجلى في ابشع صورها من خلال رفض تجميد الاستيطان ونسف العملية السلمية بالتالي، وزيادة حدة التوتر في المنطقة باسرها، نتيجة لذلك.