خبرة مئير هي فصل رؤوس العرب عن اجسادهم
الوف بن
2010-12-08
عندما تم تعيين مئير دغان رئيسا للموساد قبل ثماني سنين، كان صدام حسين يحكم العراق، وكان ياسر عرفات سجينا في المقاطعة، ودرّس محمود احمدي نجاد الهندسة في جامعة العلوم والتكنولوجيا في طهران. كافحت اسرائيل آنذاك موجة عمليات الانتحار، وهدد الجهاز الاقتصادي بالانهيار وكانت الروح المعنوية في الحضيض.
إن اريئيل شارون، الذي عرف دغان من الجيش، عيّنه على رأس الجهاز السري كي يُعيد اليه الروح الهجومية. تُنسب الى شارون مقالة، 'خبرة مئير هي فصل رؤوس العرب عن أجسادهم'. برز دغان طوال عمله باستعداده للمخاطرة وقدرته على اقناع المسؤولين عنه بأن يثقوا به. هذا ما أراده شارون، وكانت المهمة الرئيسة التي ألقاها على دغان احباط المشروع الذري الايراني. قدّر دغان أن المهمة غير ممكنة، فقد قال لسناتور امريكي في 2005، في حديث كشفت عنه وثائق 'ويكيليكس': 'قررت ايران الحصول على القدرة الذرية ولن يوقفها أي شيء'. تُبيّن الوثائق المسربة ان المواجهة الاسرائيلية الايرانية لا تدور على الذرة فقط. فهي مواجهة عقائدية شاملة، ويُعلمنا التاريخ أن صراعات كهذه تنتهي فقط عندما يكون أحد الطرفين مُلقى محطما. هذا ما حدث بين ستالين وهتلر، وبين الرأسمالية الامريكية والشيوعية السوفييتية وبين الصهيونية والناصرية. يصرح رئيس ايران علنا بأن 'النظام الصهيوني' يوشك أن ينهار. ويَحْذَره زعماء اسرائيل علنا لكن في أحاديث ليست للنشر يُسمَعون مثل احمدي نجاد لكن بالعكس. ففي لقاء في صيف 2007، عرض دغان على الامريكيين سياسة شاملة لاسقاط نظام الحكم في طهران.
وهو يبدو هذه المرة أشد تفاؤلا: 'تستطيع اسرائيل والولايات المتحدة تغيير نظام الحكم في ايران.. نستطيع جعلهم يؤخرون المشروع الذري. وتستطيع ايران أن تكون دولة طبيعية'. بدا دغان مناصرا بارزا لاستراتيجية توفير القوة واستعمال الحيل لاستنزاف العدو. فقد اقترح تثوير طلاب الجامعات والأقليات في ايران واستغلال الازمة الاقتصادية لتهديد بقاء نظام الحكم وإحداث صدوع فيه وتنفيذ 'عمليات سرية' لم يتم تفصيلها.
بلغ دغان ذروة تأثيره في فترة ولاية ايهود اولمرت رئاسة الحكومة. فقد قدّر دغان تقديرا صحيحا الوضع في حرب لبنان الثانية، وبرغم أن اقتراحاته تم رفضها، تعلم اولمرت الاعتماد عليه. تقول مصادر اجنبية ان دغان أتى اولمرت بالمعلومات المؤثِمة للمفاعل الذري الذي بُني في سورية، ومكّن من تدميره بقصف جوي. بعد ذلك باشهر اغتيل في دمشق مسؤول حزب الله الكبير عماد مغنية. أعادت هذه العمليات وأشباهها بناء الروح المعنوية الوطنية، وثم من يزعمون انها أسهمت في تأخير البرنامج الذري الايراني عدة سنين، وهو الذي واجه ضغطا دوليا مزدادا وصعابا تقنية.
لكن العمليات السرية مهما تكن جريئة لم ترجح الميزان الاستراتيجي في المنطقة. فقد استمرت ايران بالاستقواء برغم الصعاب. ومنحت استراتيجية توفير القوة لاسرائيل هدوءا أمنيا ونموا اقتصاديا وقرّبت اليها الدول العربية المعتدلة التي تخشى ايران. لكن هذا لم يكن كافيا للنصر في المواجهة الكبيرة.
بشّرت عودة بنيامين نتنياهو وايهود باراك للحكم خفوت دغان. تقول وثائق 'ويكيليكس' ان نتنياهو وباراك يؤمنان بأن العمليات الصغيرة غير كافية، وأن الانتصار على ايران يقتضي استعمال قوة عسكرية. فبعد كل شيء، تم القضاء على المفاعل السوري بقصف من الجو لا بعملية اغتيال جراحية أو بضغط دبلوماسي. تدل وثائق 'يشاي ليكس'، التي نشرتها وزارة الداخلية على أثر الحريق في الكرمل، على أن اسرائيل استعدت 'لتصعيد أمني' في الصيف الماضي. واعتقد دغان اعتقادا مخالفا، اذا أردنا الحكم بحسب تحذيراته في حرب لبنان، الى أن دُفع الى الخارج.
إن اغتيال محمود المبحوح في دبي، الذي نُسب الى الموساد أقض مضجع دغان. منذ ذلك الحين نُسب الى الموساد 'الدودة' التي أضرت بحواسيب البرنامج الذري الايراني والاغتيال الناجح لكبير علماء الذرة الايرانيين وجرح رفيقه في الاسبوع الماضي. اذا افترضنا أن يد دغان شاركت في ذلك، فقد برهنت العملية في قلب طهران على أن الجرأة والقدرة لم تذهبا سُدى في دبي. كانت هذه نهاية كريمة لولاية دغان الطويلة وإن لم تُستكمل مهمته الرئيسة.
هآرتس 8/12/20