صدمة القضاء
محمود سلطان |
03-12-2010 21:14 الصدمة لم تكن في حجم التزوير الفج والفاضح، حتى لو كان بحجم هزيمة يونيو العسكرية عام 1967 كما وصفها لـ"المصريون" البدري فرغلي.. الصدمة الحقيقية كانت في هذه الجلافة في التعاطي مع أحكام القضاء!.
شئ لا يصدق إن لم يكن من غرائب الدنيا.. أن يصدر 1300 حكم قضائي بشأن الانتخابات، منها 300 حكم بات ونهائي ولا تقبل منها جهة إدارية "اللجنة العامة للانتخابات" إلا 15 حكما فقط!.. إنها "إهانة" حقيقية ليس فقط للقضاء المصري وإنما لما تبقى لمصر من كرامة.
الكل يحفظ عن ظهر قلب مقولة الزعيم البريطاني الأسطوري "تشرشل" : لأن تهزم بريطانيا في الحرب خير لها من أن يذكر التاريخ بأن تشرشل لم ينفذ حكما قضائيا".. ولعل الدهشة تأخذنا كل مأخذ، إذا علمنا أن الحكم الذي تحدث عنه تشرشل كان يتعلق بشكوى مواطن بريطاني للمحكمة بأنه يشعر بالانزعاج وقلة الراحة من أصوات الطائرات الحربية البريطانية التي كانت تهبط وتنطلق من مطار عسكري قريب من بيته، أثناء الحرب العالمية الثانية.. فقضت المحكمة لصالحه!
المستشار أحمد مكي قال لـ"المصريون" إن عدم احترام أحكام القضاء يقضى على مفهوم الدولة ذاتها.. الفقيه الدستوري ابراهيم درويش قال للزميل جابر القرموطي: فى مصر الحكومة والافراد العاديين وأيضا اللجنة العليا للانتخابات لا تحترم أحكام القضاء!
منذ تعليق جريدة الشعب بقرار إداري من مجلس الشورى في مايو عام 2000، حصلت الصحيفة على 14 حكما قضائيا بعودتها.. كانت الحكومة تتصرف حيالها ـ في كل مرة ـ مثل الزوج قليل الدين والأخلاق الذي يهرب من قضايا النفقة بالاستشكال أمام دوائر غير مختصة!!
منذ شهور قليلة، خالفت القيادة السياسية حكما قضائيا، واعادت "مدينتي" إلى هشام طلعت مصطفى مجددا رغم ما تضمنته حيثيات الحكم من تفاصيل تشير إلى وجود فساد مروع ومفزع في بنود عقود البيع!
في مايو عام 2006، سحلت الشرطة القاضى محمود حمزة في شارع "شامبليون" بعد اختطافة من أمام نادي القضاة وحبسته في مقر محافظة القاهرة.. وأثناء تلك الأزمة اتصل بي القاضي المعتدى عليه المستشار حمزة، وقال لي إنه لن يتحدث معي في تفاصيل كثيرة لأنه "مراقب" !
لن نتحدث هنا عن إهانة القاضي الشريف المستشار وليد الشافعي الذي اعتدى عليه ضابط مباحث البدرشين واعتقله داخل اللجنة عقابا له على منع التزوير.. لكننا نتحدث عن هذا الاذلال الجماعي للقضاء المصري، والذي تجسد في إهانة 1200 حكم قضائي والاستعلاء عليها والتعاطي معها وكأنها محض ورق لا قيمة له!
اتمنى من قضاة مصر، ومن المؤسسات التي تمثلهم ولا سيما مجلس القضاء الأعلى أن يدافع عن هيبة قضاته وعن حجية الأحكام التي يصدرونها.. وإن لم يكن من أجل ما تبقى للبلد من كرامة .. فليكن من أجل كرامتهم.