الرباط ـ 'القدس العربي': شرع البرلمان المغربي في دراسة ومناقشة مشروع قانون المالية للعام المقبل (2010) الذي تعتبره الحكومة مرتكزا على دعم القدرة الشرائية للمواطنين، وتعزيز التوجه والتضامن الاجتماعيين، والنهوض بالنمو الاقتصادي، وتسريع وتيرة الإصلاحات. بينما تصف المعارضة المشروع بأنه 'ميزانية لتصريف الأزمة'.
وتجري مناقشة مشروع الميزانية على خلفية غليان اجتماعي، من أبرز علاماته اتهام النقابات العمالية للحكومة بإهمال المطالب الاجتماعية للأجراء وتهديدها بسلسلة احتجاجات في حال فشل الحوار الاجتماعي، وإعلان النقابات التعليمية خوض 'إضراب إنذاري' يوم الخميس المقبل احتجاجا على تراجع الحكومة عن الاستجابة لمطالب رجال ونساء التعليم المغاربة. وخلال تقديم المشروع أمام البرلمان الأسبوع الماضي، أفاد صلاح الدين مزوار (وزير الاقتصاد والمالية) أنه جرى إعداد مشروع القانون المالي في ظرفية دولية صعبة، شهدت ارتفاع أسعار المواد الأولية، تبعتها مباشرة الأزمة المالية التي زعزعت استقرار النظام المالي، وأدخلت الاقتصاد العالمي في مسلسل من التراجع والانكماش.
ورغم ذلك، سجل الوزير المغربي أنه من المتوقع أن تبقى نسبة النمو في البلاد لهذه السنة في مستوى 5.3 في المئة، في حين لن تتعدى هذه النسبة 3 في المئة في الدول المتوسطية المجاورة.
وأعلن أيضا عن رصد مبلغ 14 مليار درهم (دولار واحد يساوي حوالي ثمانية دراهم مغربية) لدعم 'صندوق المقاصة' (صندوق خاص بالمواد الاستهلاكية المدعومة)، وذلك حرصا من الحكومة على الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين. وأبرز أن التدابير المرتبطة بتخفيف الأعباء الضريبية والزيادة في الأجور برسم سنتي 2009 و2010 ستكلف الدولة ما مجموعه 16 مليار درهم.
كما أعلن وزير الاقتصاد والمالية المغربي أنه من المتوقع إحداث حوالي 23 ألفا و800 منصب عمل، لمواكبة حاجيات القطاعات الاجتماعية لا سيما قطاع العدل. وفي ما يتعلق بالمداخيل، تحدث عن زيادة بنسبة 20 في المئة في مجال الاستثمار العمومي مقارنة مع سنة 2009 .
وأوضح أن نفقات التسيير ستبقى محصورة في مستواها، باستثناء نفقات الأجور التي سترتفع بـ 5.3 في المئة بفعل الزيادة في الأجور وإحداث مناصب عمل، مضيفا أن الحكومة تقترح في إطار دعم القدرة الشرائية للمواطنين، تطبيق الشطر الثاني من إصلاح الضريبة على الدخل. ومن جهة أخرى، قال الوزير إن الحكومة ستواصل تكثيف الاستثمار العمومي قصد تجهيز البلاد وتوفير وتأهيل البنيات التحتية والإنتاجية، مشيرا في هذا الإطار إلى الأوراش الكبرى التي تهم على الخصوص الطرق والطرق السيارة والسدود والماء والصرف الصحي والطاقة والموانئ والسكك الحديدية والنقل الجوي. وأكد أنه سيجري العمل على تعزيز تنافسية المغرب والرفع من قدرته الاستقطابية إزاء الاستثمارات الخاصة، المحلية والدولية.
كما يهدف مشروع قانون المالية إلى تسريع وتيرة الإصلاحات وتطبيق السياسات القطاعية (في مجالات الزراعة والصيد البحري والسياحة والصناعة التقليدية)، بهدف عصرنة بنيات الإنتاج وتنويع مصادر التنمية وتقوية الصادرات المحلية.
وفي الإطار نفسه، أكد نزار بركة (الوزير المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة) أن مشروع الميزانية يراعي القدرة الشرائية للمواطن المغربي، ولذلك لن تكون هناك أية زيادة في المواد الاستهلاكية المدعومة رغم ارتفاع أسعارها في السوق الدولية بفعل تأثير الظرفية الاقتصادية العالمية. وأعطى الوزير مثالا على ذلك بمادة السكر التي قال إن ثمنها سيظل مستقرا. على صعيد آخر، قررت الحكومة زيادة 50 في المئة من الضرائب على الكحول، في حين يطالب الإسلاميون (ممثلين في حزب 'العدالة والتنمية' المعارض) بالرفع من الضريبة على الخمور بجميع أنواعها (الويسكي والبيرا...).
وشرعت أحزاب المعارضة في انتقاد مشروع قانون المالية للعام 2010 حتى قبل الشروع في مناقشته، وبهذا الخصوص نقلت صحيفة 'التجديد' عن النائب البرلماني لحسن الداودي (عن حزب 'العدالة والتنمية') قوله إن هذا المشروع يعترف بالأزمة، بينما رفضت الحكومة الاعتراف بها في مشروع 2009، ولو أخذت الحكومة بعين الاعتبار الأزمة خلال السنة الماضية ما كان المغرب ليصل إلى هذه الوضعية، معتبرا أن سوء التدبير هو أساس تراجع المداخيل. واعتبر أن الرفع من الضرائب على المشروبات الكحولية مجرد ذر الرماد في العيون، وأن الرفع من الضرائب على المحروقات سيؤدي إلى تضرر الأفراد وليس الشركات.
كما نقلت صحيفة 'رسالة الأمة' عن شاوي بلعسال (رئيس فريق حزب 'الاتحاد الدستوري' المعارض في مجلس النواب) قوله إن ميزانية 2010 ميزانية لتصريف الأزمة، لذلك لم تجد الحكومة بدا من الاعتماد على الضرائب لمواجهة التحملات المنتظرة في الميزانية، وأضاف أن الميزانية تضغط بقوة على التوازنات الاقتصادية الكبرى، لأن هناك تعميقا للعجز السنوي الذي سيصل إلى 4 في المئة.
وبموازاة مع تقديم مشروع الميزانية العامة أمام البرلمان المغربي، هددت نقابات عمالية أساسية بتنظيم وقفات احتجاجية بسبب 'عدم جدية الحكومة وتماطلها' في الاستجابة للمطالب الاجتماعية. وأصدرت نقابات 'الفيدرالية الديمقراطية للشغل' و'الاتحاد المغربي للشغل' و'الاتحاد الوطني للشغل' بيانا سجلت فيه 'عدم جدية الحكومة في الحوار الاجتماعي وسعيها لربح الوقت بعد سلسلة من جلسات الحوار الاجتماعي العقيم ومن الاجتماعات الماراثونية المضنية دون الوصول إلى أية نتيجة تتفق عليها كل الأطراف'، واستدل البيان بعدم استجابة الحكومة لمطالب النقابات في الزيادة في الأجور والترقية الاستثنائية وحذف السلالم (الرتب) الإدارية الدنيا والتعويض عن العمل في المناطق النائية والصعبة.
واعتبرت النقابات الثلاث أن فشل الحوار الاجتماعي سيؤدي إلى انعكاسات خطيرة على الأوضاع المادية والمهنية للموظفين والموظفات وكافة الأجراء، وحمّلت مسؤولية هذا الفشل وتبعاته إلى الحكومة التي منحت كل التسهيلات للباطرونا (أرباب المعامل والمؤسسات الاقتصادية) وأهملت المطالب الاجتماعية للأجراء ورغبتهم في العيش الكريم.
وفي السياق نفسه، أعلنت أربع نقابات تعليمية عن قرارها خوض إضراب إنذاري يوم الخميس المقبل، مشيرة إلى أنها اضطرت إلى اتخاذ هذا القرار بعد فشل مساعيها لدى وزارة التعليم خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، إذ فوجئت بغياب أي رد حكومي على مطالبها.