الكرخ فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 964
الموقع : الكرخ تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
| | الوعي و اللاوعي | |
الوعي و اللاوعي ها إن الناس جميعا أو يكادون، يتفقون على إ**اب كل ما هو نفسي سمة عامة تعبر عن جوهره ذاته، وهذا أمر غريب. هذه السمة الفريدة، التي يتعذر وصفها، بل هي لا تحتاج إلى وصف، هي الوعي. فكل ما هو واع نفسي، وعلى ع** ذلك فكل ما هو نفسي واع. وهل ينكر أمر على هذا القدر من البداهة ؟ ومع ذلك فلنقر بأن هذا الأسلوب في النظر قلما وصّح لنا ماهية الحياة النفسية إذ أن التقصي العلمي يقف ههنا حسيرا، ولا يجد للخروج من هذا المأزق سبيلا. (...) فكيف ننكر أن الظواهر النفسية خاضعة خضوعا كبيرا للظواهر الجسديُة، وأنها على ع** ذلك تؤثر فيها تأثيرا قويا ؟ إن أرتج الأمر على الفكر البشري، فقد أرتج عليه يقينا في هذه المسألة، وقد وجد الفلاسفة أنفسهم مضطرين لإيجاد مخرج، إلى الإقرار على الأقل بوجود مسارات عضوية موازية للمسارات النفسيّة ومرتبطة بها ارتباطا يعسر تفسيره (...) وقد وجد التحليل النفسي مخرجا من هذه المصاعب إذ رفض رفضا قاطعا إن يدمج النفسي في الواعي . كلا، فليس الوعي ماهية الحياة النفسية، وإنما هو صفة من صفاتها، وهي صفة غير ثابتة، غيابُها أكثر بكثير من حضورها. (...) ولكن يقي علينا أيضا أن ندحض اعتراضا. فرغم ما ذكرناه من أمور يزعم فريق من الناس أنه لا بجدر بنا أن نعدل عن الرأي القائل بالتماهي بين النفسي والواعي، إذ أن المسارات النفسيّة الني تسمى لا واعية قد لا تكون سوى مسارات عضوية موازية للمسارات النفسية. ومن ثمّ فكأنّ القضية التي نروم حلها لم تعد إلا مسألة تعريف لا طائل تحتها (...) فهل من باب الصدفة المحض أننا لم نصل إلى إعطاء الحياة النفسية نظرية جامعة متماسكة إلا بعد أن غيّرنا تعريفها ؟ وفوق هذا علينا أن نتجنّب الاعتقاد بأن التحليل النفسي هو الذي جدد نظرية الحياة النفسية هذه .(...) فقد كان مفهوم اللاشعور يطرق منذ أمد طويل باب علم النفس، وكانت الفلسفة كما كان الأدب يغازلانه، ولكن العلم لم يكن يعرف كيف يستخدمه. لقد تبنى التحليل النفسي هذه الفكرة، وأولاها كل عنايته وأفعمها بمضمون جديد. ولقد عثرت البحوث التحليليّة النفسيّة على خصائص للحياة النفسيّة اللاواعية لم تكن قبل ذلك متوقعة، وكشفت بعض القوانين التي تتحكم فيها. ولسنا نقصد من ذلك أن سمة الوعي قد فقدت من قيمتها في نظرنا. فما زال الوعي النور الوحيد الذي يسطع لنا ويهدينا في ظلمات الحياة النفسية. ولما كانت معرفتنا ذات طبيعة مخصوصة، فان مهمتنا العلمية في مجال علم النفس ستتمثل في ترجمة المسارات اللاواعية إلى مسارات واعية حتى نسد بذلك ثغرات إدراكنا الواعي. فرويد " مختصر في التحليل النفسي " *** مهمة الأنا ثمة قول مأثور ينصح الإنسان بألاّ يخدم سيدين في آن واحد. و الأمر أدهى وأسوأ بكثير بالنسبة إلى الأنا المسكين إذ عليه أن يخدم ثلاثة أسياد قساة، وهو يجهد نفسه للتوفيق بين مطالبهم . وهذه المطالب متناقضة دوما، وكثيرا ما يبدو التوفيق بينها مستحيلا، فلا غرابة إذن أن يخفق الأنا غالبا في مهمته . وهؤلاء المستبدون الثلاثة هم العالم الخارجي والأنا الأعلى و الهو، وحين نعاين ما يبذله الأنا من جهود ليعدل بين الثلاثة معا، أو بالأحرى ليطيعهم جميعا، لا نندم على أننا جسمنا الأنا وأقررنا له بوجود مستقل بذاته ، إنه يشعر بأنه واقع تحت الضغط من نواح ثلاث، وأنه عرضة لثلاثة أخطار متباينة يرد عليها، في حال تضايقه ، بتوليد الحصر. وبما أنه ينشأ أصلا عن تجارب الإدراك ، فهو مدعوّ إلى تمثيل مطالب العالم الخارجي ، غير أنه يحرص مع ذلك على أن يبقى خادما وفيّا للهو، وأن يقيم وإياه على تفاهم ووفاق ، وأن ينزل في نظره منزلة الموضوع ، وأن يجتذب إليه طاقته الليبيدية. وكثيرا ما يرى نفسه مضطرا ، وهو الذي يتولى تأمين الاتصال بين الهو و الواقع ، إلى التستر على الأوامر اللاّشعورية الصادرة عن الهو بتبريرات قبل شعورية وإلى التخفيف من حدة المجابهة بين الهو والواقع ، وإلى سلوك طريق الرّيــّاء الدبلوماسي و التظاهر باعتبار الواقع ، حتى وإن أبدى الهو تعنتا وجموحا. ومن جهة أخرى، فان الأنا الأعلى القاسي ما يفتأ يراقبه ويرصد حركاته، ويفرض عليه قواعد معينة لسلوكه غير مكترث بالصعاب التي يقيمها في وجهه الهو والعالم الخارجي . وإن اتفق أن عصى الأنا أوامر الأنا الأعلى عاقبه هذا الأخير بما يفرضه عليه من مشاعر أليمة بالدونية والذنب . على هذا النحو يكافح الأنا، الواقع تحت ضغط الهو و الرازح تحت نير اضطهاد الأنا الأعلى والمصدود من قبل الواقع ، يكافح الإنجاز مهمته الاقتصادية و لإعادة الانسجام بين مختلف القوى الفاعلة فيه والمؤثرات الواقعة عليه . ومن هنا نفهم لماذا يجد الواحد منا نفسه مكرها في كثير من الأحيان على أن يهتف بينه وبين نفسه:" آه، ليست الحياة بسهلة". فرويد " محاضرات جديدة في التحليل النفسي " منهج التحليل النفسي بدل الإلحاح على المريض بأن يذكر شيئا عن موضوع بعينه ، أصبحت أحثه على الاستسلام ل" تداعياته الحرة "، أي ذكر كل ما يخطر بذهنه حين يمتنع عن متابعة أي تمثل واع وكان لا بد مع ذلك أن يلتزم المريض بذكر كل ما كان يمده به إدراكه الباطني ، وبعدم الانسياق وراء الاعتراضات النقدية التي تريده على استبعاد بعض الخواطر بحجة أنها ليست هامة بالقدر الكافي أو أنه لا حاجة إلى مثولها أو كذلك بحجة أنه لا معنى لها إطلاقا، ولا حاجة إلى الإلحاح في التذكير صراحة بمطلب الصدق ، إذ هو شرط العلاج التحليلي . قد يبدو عجيبا أن تكون طريقة التداعي الحر هذه ، المقترنة بتطبيق القاعدة الأساسية في التحليل النفسي ، قادرة على أن تحقق ما ينّتظر منها، أي على أن ترجع إلى الوعي القوى المكبوتة والباقية في حالة الكبت بفعل المقاومات . ومع ذلك ، لا بد من اعتبار أن التداعي الحر ليس في حقيقة الأمر حرا، فالمريض يبقى تحت تأثير الوضع التحليلي ، حتى عندما لا يوجه نشاطه الذهني نحو موضوع معيّن . ويحق لنا أن نفترض أنه ما من شيء يعرض للمريض إلا وله صلة بهذا الوضع ، وتظهر مقاومته ضد عودة المكبوت على نحوين . تظهر أولا في تلك الاعتراضات النقدية التي تتصدى لها القاعدة الأساسية في التحليل النفسي ، ولا يتغلب على هذه العوائق بفضل مراعاة هذه القاعدة إلا وتجد المقاومة عندئذ تعبيرة أخرى، فتمنع المكبوت من أن يخطر أبدا ببال المحلل ، ولكن يحل مكانه ، على سبيل التلميح ، شيء له صلة بالمكبوت ، وكلما عظمت المقاومة، بعدت الشقة بين الفكرة البديلة القابلة للتبليغ و بين ما نبحث عنه بالذات. فالمحلل النفسي الذي يصغي في هدوء و تأمل ، دون إجهاد، والذي له من الخبرة ما يعده للآتي ، يستطيع أن يستخدم المعطيات التي كشف عنها المريض، وذلك في إحدى وجهتين ممكنتين : فإما أن يستدل من التلميحات على المكبوت إن كانت المقاومة ضعيفة؛ أما إن كانت المقاومة اشد: فإنه يقدر على تبيّن نوعها عبر التداعيات التي تبدو متباعدة عن الموضوع ، وإذ ذاك يفسر تلك المقاومة للمريض. إلا أن الكشف عن المقاومة هو الخطوة الأولى في سبيل التغلب عليها، وهكذا، وفي إطار العمل التحليلي ، هنالك تقنية في التأويل لا بد للنجاح في استخدامها من فطنة ومران ، ومع ذلك ليس من العسير اكتساب هذه التقنية، إن طريقة التداعي الحر لها من المزايا الهامة ما تفضل به على الطريقة التي سبقتها، ولا تقتصر على مزية الاقتصاد في الجهد، فهي تتجنب كل ضغط على المريض ، بأكثر قدر ممكن ، ولا تفقد أبدا الصلة بالواقع الحاضر، وتوفر إذن أكبر الضمانات لكي لا يفلت أي عامل يدخل في بنية العصاب ولا يقحم فيها ( المحلل ) أي شيء من انتظاراته الخاصة. وباستخدام هذه الطريقة، نرجع بالأساس إلى المريض لتحديد سير التحليل وتنظيم المعطيات ، الأمر الذي يجعل من المستحيل في التحليل الاهتمام بشكل منظم ومطرد بكل واحد من الأعراض والعقد المعزولة. وعلى الع** تماما مما يجري قي الطرق التنويمية و" التحضيضية "، فإننا نكتشف مختلف القطع المكوّنة للمجموعات في أوقات وأمكنة مختلفة أثناء العلاج . فرويد " حياتي و التحليل النفسي " *** المحتوى الظّاهر للحلم ومحتواه الكامن إن الأحلام كلها غير غريبة عن الحالم ، ولا هي مفهومة لديه ولا واضحة. فلو انكببتم على النظر في أحلام الأطفال الصغار - منذ أن يبلغوا من العمر عاما ونصف العام - لوجدتموها بسيطة جدا، سهلة التفسير، فالطفل الصغير يحلم دائما بتحقيق رغبات أنشأها في نفسه اليوم السابق دون إشباعها. ولا نحتاج إلى كبير تخمين لنتوصل إلى هذا الحلّ البسيط ، بل يكفي أن نعلم ما مر بالطفل في اليوم السابق . [ وقد يعترض بعضهم فيقول :] إن أحلام الكهول لا تفهم في الغالب ولا تشبه إلا قليلا تحقيق الرغبة. فنجيب : ذلك أنها تغيرت ملامحها وتنكرت . والفرق في أن منشأها النفسي مختلف شديد الاختلاف عن الصورة التي تبدو عليها. ولهذا وجب أن نميز بين أمرين : الحلم كما يبدو لنا وكما نستحضره في الصباح غامضا إلى حد أننا نجد غالبا بعض العناء في روايته وترجمته إلى كلمات . وهذا ما سنسميه المحتوى الظاهر للحلم ، هذا من جهة، ثم إن لنا مجموعة التصورات الكامنة للحلم ، التي نفترض أنها تتحكم في الحلم في قرار اللاشعور نفسه ، من جهة أخرى. وعملية التشويه هذه هي نفسها التي تتحكم في نشأة الأعراض الهستيريّة. فتكون الأحلام ينتج إذن عن نفس التقابل الذي بقع بين القوى النفسية عند تكون الأعراض . " المحتوى الظاهر " للحلم هو بديل محرّف من التصوّرات الكامنة للحلم ، وهذا التحريف هو من عمل " الأنا " المدافع عن نفسه . ويتولد التحريف عن عمليات مقاومة تحبر على الرغبات اللاّشعورية تحجيرا مطلقا الدخول إلى حيّز الشعور في حالة اليقظة. لكن هذه القوى - رغم أن النوم يضعفها - ما يزال لها من القدرة ما يجعلها تفرض ، على الأقل على الرغبات ، قناعا يخفيها. وليس الحالم أقدر على فك معنى أحلامه من الهستيري على التعمّق في دلالة أعراضه . فرويد "خمسة دروس في التحليل النفسي " *** الرجة إن اللقاء بالتحليل النفسي يرج رجة هائلة من تكون في الفينومينولوجيا والفلسفة الوجودية وفي سياق التجديد في الدراسات الهيغلية وفي البحوث ذات المنحى اللغوي . إذ لا يتعلق الأمر بالمساس بهذا الموضوع أو ذاك من مواضيع التفكير الفلسفي وإعادة النظر فيها، بل إن كل المشروع الفلسفي هو المستهدف في ذلك . فالفيلسوف المعاصر يلتقي بفرويد غير بعيد عن نيتشه ولا عن مار** ، فيقف ثلاثتهم أمامه أقطاب الظنة وكاشفي الأقنعة. وينشأ مشكل جديد وهو مشكل زيف الوعي ومشكل الوعي باعتباره زيفا. ولا يمكن أن يظل هذا المشكل مشكلا مخصوصا من بين مشاكل أخرى إذ أن ما ينبغي إعادة النظر فيه بوجه عام وجذري إنما هو ما يبدو لنا، نحن معشر فلاسفة الفينومينولوجيا، مجال كل دلالة، وأساسها، بل أصلها، وأعني الوعي . وينبغي أن يبدو لنا ما كان أساسا، في معنى ما، حكما مسبقا، في معنى آخر، هو الحكم المسبق للوعي . وهذا الوضع شبيه بوضع أفلاطون في كتابه : (السفسطائي )، فقد بدأ برمينيديا ، مدافعا عن ثبات الوجود، غير أنه اضطر، بعد ذلك ، بسبب لغز الخطأ والظن الخاطئ ، لا فقط إلى الإقرار باللاوجود باعتباره واحدا من " الأجناس الكبرى " فحسب بل وخاصة إلى التصريح بأن " مسألة الوجود غامضة غموض مسألة اللاّوجود " ؛ إن المرء ليضطر إلى الاكتفاء بمثل هذا الإقرار فيقول : " إن مسألة الوعي غامضة غموض مسألة اللاوعي ". إنما هذا النفس المشوب بالظّنة إزاء ادعاء الوعي معرفة ذاته منذ البدء هو باب الفيلسوف ، يدخل منه ، لينضم إلى الأطباء النفسيين والمحللين النفسيين . فإذا كان لزاما علينا، آخر الأمر، أن نسلم بتلازم الوعي واللاوعي ، وجب قبل ذلك اجتياز صحراء الإقرار المزدوج : " لا أفهم اللاوعي انطلاقا مما أعرف عن الوعي ، و لآب حتى مما قبل الوعي " . ثم مباشرة : " ما عدت قادرا حتى على فهم الوعي " تلك هي المزية الكبرى لما هو الأبعد في مناهضة الفلسفة وما هو الأبعد في مناهضة الفينومينولوجيا لدى فرويد، وأعني وجهة النظر الموضعية و الاقتصادية مطبقة على مجموع نشاط الجهاز النفسي ، كما يبدو لنا في مقاله الشهير المتعلق بالميتابسيكولوجيا وقد خصصه للحديث عن اللاوعي . و لا يمكن أن نتبين مسائل تغدو فينومينولوجية من نوع : كيف علي أن أعيد التفكير في مفهوم الوعي وأعيد صياغته حتى يغدو اللاوعي الأخر بالنسبة إليه ، وحتى يكون الوعي متسعا للأخر الذي ندعوه هنا اللاوعي ، إلا انطلاقا من هذه الحيرة الفينومينولوجية المقضة. أما السؤال الثاني فهو : كيف يمكن ، من جهة أخرى، أن ننقد - نقدا بالمعنى الكانطي -أي التفكير في شروط الصلاحية وفي حدود ها أيضا - ما يتعلق " بالنماذج " التي على المحلل النفسي أن بقيمها وجوبا إذا ما رام البرهنة على اللاوعي ؟ وهذا ما يجعل إنشاء إيبستمولوجيا التحليل النفسي مهمة متأكدة إذ ليس بوسعنا الاكتفاء بالتمييز بين المنهج والمذهب ، كما كان عليه الأمر منذ عشرين سنة، فنحن نعلم اليوم أن " النظرية " في العلوم الإنسانية، ليست إضافة عارضة لأنها " جزء من تركيب " الموضوع نفسه ، بل هي " مكونه الأساسي ". فلا ينفصل اللاوعي بما هو واقع عن النموذج الموضعي و النموذج الطاقي و النموذج الاقتصادي ، وهي النماذج التي تحكم النظرية. " فما وراء علم النفس "، إذا ما استعرنا عبارة فرويد نفسه ، هو المذهب ، إن شئنا، غير أنه المذهب بما هو قادر على أن يجعل إنشاء الموضوع ممكنا. فالمذهب هنا هو المنهج . و السؤال الثالث ، بعد مراجعة مفهوم الوعي التي فرضها علم اللاوعي ، وبعد نقد "نماذج " اللاوعي ، يدور على النظر في إمكانية قيام أنثروبولوجيا فلسفية قادرة على الاضطلاع بجدلية الوعي و اللاوعي . وفي إطار أية رؤية للعالم و للإنسان يمكن تصور هذا الأمر ؟ وما عصى الإنسان حتى يكون مسؤولا عن التفكير تفكيرا سليما وقادرا على الجنون في آن واحد ؟ وحتى يكون مجبرا، بما فيه من إنسانية، على مزيد الوعي وقادرا على أن يندرج في سياق موضعي وفي سياق اقتصادي، من حيث أن " شيئا ما يحركه " فأية نظرة جديدة لهشاشة الإنسان - بل للمفارقة القائمة بين المسؤولية و الهشاشة - يقتضيها فكر ارتضى أن ينزاح عن مركزية الوعي بالتفكير في اللاوعي ؟ بول ريكور " سجال التأويلات" *** إن الأطروحة الفرويدية عن أسبقية الرغبة أساسية من أجل إعادة صياغة الكوجيتو: فقبل أن تتحدد الذات شعوريا وإراديا كانت أصلا محددة في الكائن على المستوى الغرائزي وتعني أسبقية الغريزة هذه بالنسبة للوعي والإرادة أولوية الـ ( أنا موجود) على الـ (الأنا أفكر) وينتج عن ذلك تفسيرا للكوجيتو أقل مثالية وأوثق صلة بالوجود: إن فعل الكوجيتو المحض بوصفه يطرح نفسه بصفة مطلقة هو حقيقة مجردة و خاوية بقدر ما هي دامغة. وهكذا يجب الاضطلاع بيقينية الكوجيتو و بطابعه الارتيابي غير المحدود معا فالكوجيتو هو في آن واحد اليقين القاطع بأنني موجود و سؤال مفتوح بالنسبة لوجودي. إن الوظيفة الفلسفية للفرويدية هي إقامة مسافة بين يقينية الكوجيتو المجردة وإعادة اكتشاف حقيقة الذات العينية وفي هذه المسافة ينزلق نقد الكوجيتو المزيف وتفكيك أوثان الأنا التي تقيم حاجزا بين الأنا وبين أنا ذاتي. بول ريكور *** الإنسان وعي بالذات.إنه وعي بذاته وعي بحقيقته وبكرامته الإنسانية.وبهذا فهو يختلف جوهريا عن الحيوان ،الذي لا يتجاوز مستوى "الإحساس" البسيط بذاته.ولكي يحصل الوعي بالذات فإن على الرغبة أن تتعلق بموضوع غير طبيعي، بشيء يتجاوز الواقع المعطى. إن الرغبة الإنسانية المولدة للإنسان والمكونة لفرد حر وتاريخي وواع بفرديته وحريته وتاريخه تختلف إذن عن الرغبة الحيوانية[المكونة لكائن طبيعي يحيا فحسب ولا يملك سوى الإحساس بحياته] باعتبارها تتعلّق برغبة أخرى وليس بموضوع واقعي و"ايجابي" ومعطى.. وحتى يكون الإنسان حقيقة إنسانية،ولكي يتميز جوهريا وواقعيا عن الحيوان فإنه ينبغي أن تقضي رغبته الإنسانية فعليا على رغبته الحيوانية .بيد أن كل رغبة هي رغبة في قيمة ما.فالقيمة العليا للحيوان هي حياته الحيوانية.وكل رغباته في آخر التحليل هي حصيلة رغبته في البقاء.وبعبارة أخرى، الإنسان لا "يؤكد"إنسانيته إلا إذا خاطر بحياته [الحيوانية] في سبيل رغبته الإنسانية، من خلال هذه المخاطرة وبواسطتها تتأكد أي تنكشف وتتبين ويتم اختبارها وتثبت أدلتها بما هي مختلفة جوهريا عن الحقيقة الحيوانية الطبيعية... أل**ندر كوجيف: مقدمة لقراءة هبغل. *** الأنا لا أعرف بعد ما أنا إياه ، أنا المتيقن من كوني أوجد... لذلك سأنظر في ما اعتقدت أني إياه فما الذي اعتقدت من قبل أني إياه, لقد اعتقدت دون صعوبة أني إنسان و لكن ما معني إنسان ؟ ... سأعتبر أولا أن لي وجها و يدين و ذراعين وكل هذه الآلة المركبة من العظام واللحم مثلما تظهر ضمن جثة وهي الآلة التي أطلق عليها اسم الجسم. و سأعتبر إضافة إلي ذلك أني أتغذى وأمشي وأحس وأفكر و سأرجع كل هذه الأفعال إلى النفس ولكني لا أتوقف مطلقا عن التفكير في ما يمكن أن تكونه النفس... أما بخصوص الجسم فإني ما كنت مطلقا أشك في طبيعته لأني كنت أعتقد في معرفة طبيعته بتمييز قوي إذا شئت أن أعبر عنها... أمكنني وصفها على النحو التالي: أعني بكلمة جسم كل ما يقبل أن يتحدد ضمن شكل ما وكل ما يقبل أن يتضمن في مقر ما وأن يملأ فضاء على نحو يقصي كل جسم آخر, وما يقبل أن يحس إما لمسا و إما إبصارا و إما سماعا و إما تذوقا و إما رائحة, و ما يقبل أن يتحرك و في وجوه عديدة لا بذاته و إنما بواسطة شيء غريب عنه يلمسه أو ينطبع به... و لكن أي كائن أنا... ؟ هل أستطيع أن أكون متأكدا من أن لي هذه الصفات التي أسندتها منذ حين إلي الطبيعة الجسمانية ؟ لقد توقفت للتفكير في ذلك بانتباه و راجعت كل تلك الصفات في ذهني وأعدت مراجعتها ولكني لم أجد أية صفة أستطيع القول أنها أنا... فلنمر الآن إلي صفات النفس و لنر إن كانت بعض الصفات تقبل أن تكون من الصفات الأولى. ذكرت أني أتغذي وأني أمشي ولكن إذا صح أن لا جسم لي فإنه يكون من الصحيح أيضا أنه لا يمكنني أن أمشي وأن أتغذى ثم ذكرت فعل الإحساس و لكننا لا نستطيع أيضا أن نحس من دون الجسم... و ذكرت كذلك صفة أخرى هي التفكير وأني لا أجد هاهنا أن التفكير صفة تنتمي إليه: فالتفكير وحده هو ما لا يمكن فصله عني... لست إذا على وجه الدقة غير شيء يفكر أي فكر أو ذهن أو عقل... لست إذا هذا التجمع من الأعضاء الذي نسميه الجسم الإنساني... و لكن ما هذا الكائن الذي أنا إياه ؟ إنني شيء يفــــــــكر. رونى ديكارت: التأملات الميتافيزيقية *** لقد عودنا التصور الديكارتي على أن ننفصل عن الموضوع. فالموقف التأملي يظهر في الآن نفسه, الفكرة السائدة عن كل من الجسد والنفس, و ذلك بتحديده الجسد على أنه مجموع أجزاء دون عالم داخلي, والنفس على أنها كائن ماثل لدى ذاته المثول كله, دونما بين. إن هذين التحديدين المتلازمين, إذ يرسيان الوضوح داخلنا و خارجنا, يضعاننا أمام شفافية موضوع دون ثنايا, أمام شفافية ذات ليست إلا ما تتصور نفسها عليه. فالموضوع يكون موضوعا والوعي وعيا من جميع الجهات ذلك لأن لكلمة وجود معنيين ليس إلا وهو أن يوجد الشيء باعتباره شيئا أو باعتباره وعيا و على ع** ذلك فإن تجربة الجسد الخاص تكشف لنا نمطا من الوجود المفارق ذلك أني إن حاولت أن أفكر فيه باعتباره جملة من السيرورات منسوبة إلى ضمير الغائب "إبصارا" أو "حركية " أو" جنسانية" اتضح لي أن هذه "الوظائف " لا يمكن أن ترتبط ببعضها ارتباطا سببيا, و إنما هي تتردد على نحو مبهم في مأساة واحدة قد أقحمت فيها إقحاما. فليس الجسد إذا موضوعا, و للسبب نفسه ليس الوعي الذي أحمله عنه فكرا أي أني لا أقدر على تفكيكه وإعادة تركيبه من أجل تكوين فكرة واضحة عنه، ذلك أن وحدته هي دوما وحدة ضمنية ومبهمة. فهو دائما شيئا آخر غير ما هو عليه أو هو دائما جنسانية و في آن حرية, و هو متجذر في الطبيعة في ذات الوقت الذي يتغير فيه بفعل الثقافة, وهو ليس منغلقا أبدا على ذاته ولا متجاوزا. و سواء تعلق الأمر بجسد الغير أم بجسدي الخاص فما من وسيلة لمعرفة الجسد البشري سوي أن أعيشه, أي أن أضطلع بالمأساة التي تتخلله, و أن أمتزج به. فأنا إذا جسدي, على الأقل من حيث أنه لدي م**ب و بالمقابل فإن جسدي هو بمثابة الذات الطبيعية, أو الخطوط العريضة المؤقتة لكياني الشامل هكذا تتعارض تجربة الجسد الخاص مع الحركة التأملية التي تفصل الموضوع عن الذات و تفصل الذات عن الموضوع و التي لا تمنحنا سوي تفكير في الجسد, أو الجسد فكرة, لا تجربة الجسد, أو الجسد واقعا. | |
|