إهداء: إلى طفلة لا تجيء سوى في أحلامي.. وإلى حبيبة تتذكرني عابراً في الأغاني، وإلى صرختي تكنسها الريح القصية.. وإلى فتاة عدنية ألقمتني نهدتها الشهية.
مفتتح:
للحلم عناء لذيذ..
ولكن قبل ذلك لا بد من أن تسرع في الاقتراب منه،
لأنه سرعان ما يبتعد عنك..
تاركاً خلفه المزيد من اللهاث..
لا معنى لأن تطارده.. فالوقت لا يتسع لذلك..
ولذا لا بد من حلمٍ آخر..
كأن يكون لا بد من قصيدة أخرى إثر كل قصيدة
أو كأن يكون لا بد من سفر آخر وراء كل سفر..
كأن لا بد أن يكون لك أن تذهب نحو عدن مرة كل حنين، كأنها الشيء الذي يعنيك أن تنثر فيه طفولتك، وأن تنتشر شهوتك في أرجائه واضحة كاسمك، وغامضة كابتسامتك التي تتلفها حين تتذكر أنك لست في قلب عدن.
عدن.. هل للشيء ماهية قرب الشيء الذي لا يكفيه معنى في سكونه داخل مدينة واضحة الملامح، غامضة الصدى كأفياء ذاكرة يعطرها صدى البحر الذي يذهب نحو المحيطات البعيدة بأسرار ملكته المتوجة على عرش من نار وصحراء وجبال، وفيضاً من المعاني التي سبحت قريباً منها واضحة..
لماذا نسيت جميع الأغاني وتذكرت مكادي..؟
آه مكادي!
وأنا هناك يعن لي أن أتذكرها، كطفلة سقطت سهوا على مسمعي، فأطلت الغناء متسعاً إليها، وأذهب خلف رعشة صوتها خائفاً ألا يجيئني صوتها مرة أخرى، لكون صوتها يأتي كانتباهة طفلٍ من النوم، ولأن الكلام الذي مر أذني منتشياً بروحها لم يفق بعد من دهشتي، كان عليَّ أن ألملم بعضي وأذهب نحو الجهات النائمة كي أمر في غفلتها وأمارس كل جنوني.
وعادةً ما أكبل وقتي بحريتي فأطلق كل جنوني وأنسى الإله الذي تصنعه الأغنيات، مؤمناً بأغنية ما علمتني الرياح صداها، وأنثر نفسي بهيجاً على ساحة من رقصات كنت أتعلمها سراً لأمارسها سراً، كي لا تدرك أمي أني أتنازل عن عرش أحلامها، وأنام قريباً كي يضيء صوتها حلمي فأذهب نحو عدن متسعاً وغامضاً وشقياً ومليئاً باللعنات.
صغيرة كنت وأنت صغيرون
حبنا بدا بنظرات العيون
قالوا تركونا يحبون
من الظهر لما يكبرون
مثل نجمة والقمر
كبر حبنا وازدهر
في عيونك حبيبي
شفت دروب السهر
لا أدري كيف حضرتني "مكادي نحاس" على مفرق من معنى مدينة عدن النائمة في حلمي سراً مكبلاً بالأمنيات.؟ ولم أفهم كيف تراقصت شقوتي على صوتها الآتي في البال شبيهاً بفتاة أدمنتُ الهطول على شارع بيتها في الشيخ عثمان ممنياً نفسي بمشوار واحد معها، وحين حظيت به كانت الدهشة قادرة على اختصار كل الحقائق التي واجهتها حينذاك، واستحضرتها بعد خمسة أعوام من الخسارات.. أي خمسة أعوام من الشوق لمدينة اسمها عدن.
خمسة أعوام لم تكن شيئاً حين مررت بباب بيتها، وليتني لم أمر، وليتني ما بحثت عن صوت يسلمني للريح ويهتك ما تبقى من طمأنينة شجني للذهاب خلف مشوار وحيد مارست بعده الخيانة خمسة أعوام، ومارست "هبة" بعده الرحيل إلي دون أمل سوى بالهباء.
يعن لي أن أتذكر مشواري إلى الساحل كي يمر الماء بحثاً عن دهشته فينا، ربما انتقاماً من دهشتي فيه أياماً طويلة.
عندما كنت غريباً فأنقذتني "هبة" بمشوار ذهبي
يقف الغريب على حدود الأغنيات يرتب المعنى
ويطلب من فتاة أن ترافقه إلى قلب المدينة
كي يمر العاشون أمام عينيه انبهارا
كان في يده تحيات معبأة ببوح قادم
من قرية منسية بين الضباب كأنها عنب تسربل بالندى
"قلب المدينة ليس أجمل من شواطئها"
تقول له الفتاة وتصمت الكلمات كي تبقى المعاني في أناملها
فيسلمها القياد، ويذهبان إلى خليج الفيل
يغتسلان بالشفق المعطر باصفرار الشمس حين تكاد تصبح برتقالا
غامضاً كالحلم في نوم طويلِ
الأربعاء يوليو 06, 2011 12:17 pm من طرف هند