في قصص نجاح الشخصيات، عادة ما تكون النهاية معروفة سلفاً، وفي حالة كهذه مطلوب من السيناريست الهروب كثيراً من الطرق التقليدية في عرض القصة متجاوزاً الطرق نفسها في المقدمة والعرض والخاتمة.
وما يشفع لفيلم ما تكون ذروته متوقعة، هو الذروة الجدية، فصحيح أن الحكاية وردت في كتاب “مليونيرات بالمصادفة”، لكن ثمة هالة لازالت تلوح بالسماء حول حياة العبقري الذي اخترع موقع التواصل الاجتماعي “Facemash” قبل أن يصبح اسمه Facebook””.
فيلم “The Social Network” يقدمه السيناريست “Aaron Sorkin” الذي سبق أن كتب سلسلة “West Wing”، بصيغة أقرب إلى إيقاع الحياة اليومية السريعة معتمداً طريقة “فلاش باك”، ويشاطره الإبداع صاحب فيلم “حالة بنجامين بوتين الغريبة” المخرج David Fincher””، وهذه الثنائية تعايش الجمهور 120 دقيقة ضمن تفاصيل حياة الطالب الجامعي مارك زوكربيرغ “Jesse Eisenberg” في “جامعة هارفارد” مخترع الموقع.
تتعقد الحبكة بعرض خلافاته مع زملائه الجامعيين الذين يتهمونه بسرقة حقوق ملكياتهم الفكرية للموقع، فالتوأمان “دوينكلفوس” فضلاً عن ممارستهما لرياضة التجديف وحصولهما على مراتب جيدة في هذا المضمار، إلا أنهما سبق لهما أن أسسا موقعاً مشابهاً على رابط الجامعة نفسها، مهتم بالتعارف، وحين يحاولان أن يضما “زوكربيرغ” إليهما لتطوير موقعهما، يبتدع الأخير فكرة خاصة له بتطوير موقعه، وفي المقابل ثمة زميل له في الغرفة الجامعية في سكن “كيركلاند” اسمه إدوارد سافرين Andrew Garfield””، يدعم الموقع مادياً من جيبه الخاص ويبدأ بوديعة في البنك قيمتها خمسين ألف دولار، يقدم دعوى مع التوأمين كونه سُرق وساعد الموقع مادياً في البداية لكنه الآن مرمي، ويوقّع دون علمه على براءة ذمته من الموقع كلياً، نظراً لثقته الزائدة، لكن “زوكربيرغ” في المحكمة الخاصة يفنّد كل الدعاوي معتبراً نفسه مستفيداً من الأفكار ومطوّراً لها دون أن يسرقها، ويُرضي الأطراف الثلاثة بدفع تسويات مالية لهم بعشرات الملايين من الدولارات، وإعادة اسم صديقه “سافرين” إلى لائحة الشرف كونه أحد المؤسسين للموقع.
ما يطور الموقع أكثر استفادته من أفكار شون بارلو ” “Jastin Timberlakeصاحب موقع آخر يسانده بالأفكار، فيؤسسان ثنائية ناجحة يحصدان أكثر من نصف مليار مستخدم وبقيمة مادية للموقع تبلغ 25 مليار دولار.
فيسبوك.. حكاية صراع وبقاء:
رغم ذلك، الفيلم لا يقدم أي بديل للدعاوي ولا يضع الحق على أحد، هو يفترض أن “زوكربيرغ” مبدع ووحش في الغابة، وتأتي العبارة الأكثر جرأة على لسان المحامية “أنت لست وغداً، لكنك تحاول أن تكون كذلك”، حتى أن المنتج نفسه يستنتج بأنه “لا نستطيع أن نحصد 500 مليون مستخدم بدون عدد قليل من الأعداء”، فالقانون للأقوى ولمقتنص الفكرة الأسرع حسب هذه الفلسفة.
ودراسة شخصية “زوكربيرغ” كفيلة بفهم حاجاته وبالتالي إشباعها، فهو في الواقع نشيط يستنبط الأفكار ومنطقي مستغل جيد لها، وبإمكانه تمييز الأذواق واستغلال الأفكار، فبعد أن كان يسكن مع أصدقائه في السكن الجامعي ينتقل بعد ذلك للعيش في شقق فخمة مع صديقه الثالث “الموسيقي”.
إذاً هو يستفيد من أي كلمة تُقال له ولاسيما فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية وبذلك يحاول أن يؤمن موقعه بما يختلف عن مواقع كانت موجودة مسبقاً أي عام 2003 مثل “My Space” و”Friend Star”، فالموقع مغاير وهو يقدم خدمات التواصل مع الأصدقاء وتبادل الملفات والصور وعرضها.
ورغم بساطته الزائدة، إلا أن الموقع حين وقع في يد المستثمرين كان ثمة سؤال وُجه إلى “زوكربيرغ” عن ذلك الصوت الذي يصدر عنه عند فتحه فأجاب بأنه طرقعة “صوت الحرف الساكن عند نطقه ودلكه بسقف الحلق الطري”.
“لاديزني لاند، لا عري على الهواء”، هو النقاء الذي يقصده “زوكربيرغ” في موقعه، بل ثمة نزوح فلسفي يلعب على الميول الشخصية للأفراد، وبعض من السوسيولوجيا والسيكولوجيا في تحليل الدوافع الإنسانية، وهذا ما يميز فكرة الموقع، بين طلاب الجامعة ريثما ينتقل إلى 207 دولة حول العالم.
وتقول تقديرات إن الموقع تفوق على محرك البحث العملاق “Google” في عدد مستخدميه نظراً لميزاته البسيطة المتعددة ومنها ما يتعلق بالتعارف على أصدقاء جدد والأهم استدعاء الأصدقاء القدامى.
السيناريو الإيقاعي:
هذا كله بموازاة المونتاج الذي لم يقل براعة عن السيناريو حين عولج درامياً بطريقة مبتكرة للغاية وبأسلوب تقني قريب من اللغات الرقمية، فالمونتاج هنا ينتقل بين الأزمنة وهو إذ يضع المشاهد في أجواء الحاضر ينتقل به إلى الماضي بخفة وبقطع تدريجي منتظم، ويعتمد في ذلك على السيناريو الذي يبدأ بالحوار في أول الفيلم ومدته لا تقل عن خمس دقائق، وهذه النقطة حسب السيناريو الأميركي هي الدقائق الخمس الأهم في الأوراق المائة والواحدة والعشرين، إذاً، وعلى ضوئها سيقرر المشاهد إما المتابعة أو عدمها، فكل حوار يأتي برفقة آخر، وكل حوار له نهاية واضحة يقتنص من خلالها “زوكربيرغ” أهم أفكاره منها منطلقاً إلى حيث غرفته “البيئة المكانية” التي لم تكن مناسبة باستثناء إذا كان الشخص نفسه مخموراً ويقوم بعمليات الإبداع مباشرة.
السيناريو والمونتاج لعبا على الجانب السوسيولوجي لـ”زوكربيرغ” أكثر من السيكولوجي إذاً، كون الموقع في الأساس اجتماعي، واستطاعا الدخول ربما إلى أعماق المكتشف أو المخترع الأصلي للموقع، هذا دون إغفال كتاب “مليونيرات بالمصادفة” الذي لم يكن موجوداً والاعتماد فقط على الجانب الشخصي في الشخصية الحقيقية.
في الحالين، يمكن تلمس التفاصيل الكلية في نقل مشاهد حساسة من حياة مبدع وضع يده على أكبر عالم افتراضي في العالم المعاصر، وبالتالي يمكن فك طلاسم بعض الشيفرات السينمائية التي كانت موجودة لدى البعض حول الفيلم، وفي النهاية كنا على موعد مع بعض من الفائدة والكثير من المعلومات والنتيجة فيلم سينمائي بمقاييس فنية عالية الجودة بتكلفة 50 مليون دولار حاصداً ثلاث جوائز أوسكار للعام 2011 هي أفضل موسيقى تصويرية وأفضل مونتاج وأفضل معالجة سيناريو.