عقل… من يشتريك؟نام الإنسان العربي عن عقله منذ وفاة الفيلسوف العربي العقلاني الكبير
ابن رشد في 1198م.وجاءت حوادث القرون التالية لتزيد النائم نوما على نوم.
والعقل العربي سادر في نومه.
حتى جاءت ضربات مدافع نابليون بونابرت في مصر في 1798 .
وفركل النائم في حلمه…قليلا…ثم خمد.
وحدثت فركلة جديدة مع قولين جديدين حول "الشعر الجاهلي" و"أصول الحكم في
الإسلام".
ولم يستهلك العقل العربي الإسلامي في قوليه هذين إلا قليلا من الطاقة
والوقت… حتى وقعت الواقعة… و طمس القولان… و خرج الخارجيون الجدد.
وما أدراك ما الخارجيون الجدد.
كتب صاحب كتاب " في الشعر الجاهلي "عن " مستقبل الثقافة المصرية " وغرق
في الوهم.
وصمت تماما صاحب كتاب " الإسلام وأصول الحكم".
وركب العقل العربي عقله الذي قاده إلى أمرين:
— عقل الخارجيين الجدد الذي يقود إلى سؤال: يا عقل من يشتريك؟
— العقل البسيط اللي يقول بأن "اللي يشتري العقل هم أهله".لكن أهل
العقل العربي "هم فين"؟
2- حوار بالأبيض والأسود.الأسود:صدق الأولون الذين قالوا…
الأبيض (مقاطعا): الأولون قالوا …وانتهوا… وانتهى قولهم.
الأسود : لا تنتهي أقوال السلف الصالح أبدا … ولا نشبع من الحكمة التي
فيها.
الأبيض: الحكمة التي تعرقل سير الحاضر يلزم أن نتركها تموت موتها المادي
بعد أن ماتت موتها العقلي.
الأسود: لب العقل والعقلانية هو بناء الحاضر على قاعدة الماضي كما تركها
السلف ويرثها الخلف.
الأبيض: لا بناء إلا على أساس الهدم.
الأسود: هذه عدمية.
الأبيض: هدم المهدوم بالمعنى وبناء المبني بالشكل هما قاعدة الواقعية.
الأسود: هذه فلسفة.
الأبيض: الفلسفة إذا لم تنفعك فهي لا تضرك.
الأسود: الفلسفة تزعزع الإيمان.
الأبيض: الإيمان الذي لا ينطلق من الشك في الوجود وواجب الوجود هو خواء
باطني.
الأسود: هذه عدمية.هذه فلسفة.هذا كفر صراح.
الأبيض: ها نحن قد رجعنا إلى نقطة الانطلاق يا صاحبي: سكوت العقل ونطق
السلف الصالح وغير الصالح.
الأسود: … ….
3-قرآني الكريم.يروى أن رجلا اعتزل الجماعة ، و كلما لاحظ له أحد أنه يفعل ما لم يكن
يفعله السلف الصالح و يقول أقوالا غير مأثورة عنهم،يتحجج ويقول:
— هذا مذكور في قرآني الكريم.
وبلغ أمره قاضي قضاة البلد فاستدعاه وجرى بين الرجلين الحوار التالي:
— أنت يا رجل متهم بأنك لا تقدر أمور الحرام كما ينبغي وتقدم عليها أمور
الحلال.
— هذا مذكور في قرآني الكريم.
— أنت يا رجل متهم بأنك تتساهل مع أمور الشرع كثيرا وتقدم عليها أمور
المصلحة غالبا.
— هذا مذكور في قرآني الكريم.
— -أنت يا رجل متهم بأنك تفرط فيما هو منقول بالإسناد عن ماضي الآباء
والأجداد وتتشبث بأقوال أهل الحاضر الظنية.
— هذا مذكور في قرآني الكريم.
فلم يطق قاضي قضاة المدينة صبرا وانفجر في وجه الرجل المعتزل قائلا:
— فما هو قرآنك الكريم هذا؟ هل هو قرآن آخر غير قرآن الجماعة ؟
— هذا قرآن ربي الذي ينطق بالعقل ولا شيء سوى العقل !
4- من أحلام ابن رشد الخاصة:انتهى فيلسوف العقلانية في الإسلام ابن رشد من كتابة مؤلفه "فصل المقال
في ما بين الحكمة والشريعة من اتصال"، وأخلد قليلا للراحة والنوم، فحلم
حلما غريبا حيث رأى نفسه يتجول في مدينة ليست هي قرطبة السمحاء أو مراكش
الفيحاء، ولكنها مدينة ظالمة وغبراء، فسأل الشيخ الفارابي صاحب "آراء أهل
المدينة الفاضلة" إن كان يعرف لهذه المدينة الغريبة اسما.فرد الشيخ أبو نصر
قائلا:
— هذا نوع من المدن جديد ينبت في كل مكان مثل الفطر بلا تخطيط ولا ملامح
ولا اسم محدد فتلقب في كل مكان بمدينستان.
سأل أبو الوليد:
— ومن يكون أهلها بين الأمم؟
رد أبو نصر:
— قوم يزعمون أنهم الثلث الناجي وباقي الأقوام على ضلال يستحلون باسم
الشريعة أموالهم ونساءهم.
فتنهد ابن رشد وقال:
— يا أيتها الشريعة، يا أخت الحكمة الرضيعة…كم من جرائم ترتكب باسمك !
5- "شذرة المنتهى":ليست "حقوق الإنسان" مجرد فلسفة انبثقت نظريا في سياق تطور الفكر البشري
العام، ولكنها تجربة ومعاناة إنسانية عاشها ،حلما و طوبى، أفراد من لحم
ودم ضمن شروط جماعية بالغة القسوة والمرارة،فدفعوا الثمن الفادح ليتحول
الحلم والطوبى إلى واقع… هو –راهنا- واقع "المشترك إنسانيا".
و قد بدأت هذه التجربة والمعاناة مع أول إنسان انتصب واقفا في وجه
"الهمجية" المهددة والكاسحة لإنسانيته، ونطقت عيناه بالتحدي ونطق لسانه
بالرفض.هنا خرج الفرد البشري من قصور المخلوق الخاضع الخانع واكتسب صفة
الإنسان الحر العاقل حيث الحرية لا تحدها إلا الحرية، والعقل لا يحاكمه إلا
العقل.هكذا تكلم الحكيم كانط بعد أن نقد "العقل الخالص" ونقد "العقل
العملي" ونقد " ملكة الحكم" وأدرك "الدين في حدود مجرد العقل". ولما دق
ملاك الموت بابه قام كانط من فراشه يستقبله طاعنا في السن،مريضا ،شبه
أعمى،ومكث واقفا ،يرتعش من الوهن،يتمتم بكلمات ترحيبية غير مسموعة.فانتهى
الزائر إلى فهم أن المحتضر لن يعود إلى فراشه ويتركه يأخذ روحه ما لم يأخذ
هو ملاك الموت كرسيا يجلس فوقه.ولما فعل ملاك الموت ذلك عاد كانط إلى
التمدد فوق فراشه وهو يتمتم جاهدا من أجل الابتسام:لم يغادرني حس الإنسانية
بعد.