[size=10]124[/size]
تعتبر سيرورة العولمة بما فيها التطور المتسارع في آلياتها التكنولوجية خاصة في مجال "التكنولوجيا الرقمّية"[1] من الأسباب الرئيسة في ثورة وتمزق قطاعات واسعة من الاقتصاديات والأعمال والصناعات. وتأتي على رأس هذه القطاعات صناعة النقل والمواصلات والإمداد والتجهيز التقليدية التي أصبحت على حافة التمزق والتحطم في المستقبل القريب.
ويقصد بمصطلح "التكنولوجيا الرقمية" حسب التعريف القاموسي المختصر "فرع من المعرفة العلمية أو الهندسية التي تتعامل مع الابتكار والاستخدام العملي للأنظمة والأساليب للأجهزة الرقمية والكمبيوتر وتطبيقات تلك العملية كما في الاتصالات، والأنترنت، والتواصل الاجتماعي وغيرها[2]". - اقتباس :
من المهم في حقبة العولمة الحالية، تتبع تأثيرات هذا التسارع الهائل في التكنولوجيا الرقمية على قطاعات صناعة النقل والمواصلات والإمداد والتجهيز التقليدية
وكما يقول (مارتن موهليسن-مدير الاستراتيجيات في صندوق النقد الدولي) فقد "نتجت الثورة الرقمية أو التحول الرقمي حسب علماء الاقتصاد الذين درسوا التطور العلمي والتغيرات التكنولوجية؛ من "التكنولوجيا الهادفة" القادرة على تحويل نفسها بشكل تطوري ومتشعب إلى داخل كافة القطاعات والصناعات، ومثال على ذلك من التاريخ: المحرك البخاري، المولد الكهربائي، والطباعة. وكان لهذه التحولات فوائد بالغة الأثر على المدى الطويل"[3]. ومعروف الآن، كيف أثرت هذه التحولات الثلاثة في حياتنا اليومية. صحيح أن ثورة التكنولوجيا الرقمية بدأت في مراحلها الأولى؛ لكنها بدأت بتسارع وتغيير كبيرين في المهارات والأعمال. فوفقا لدراسة لمؤسسة "مكينزي العالمية للاستشارات" تبين أن 50 مليون عامل؛ أي ثلث حجم القوى العاملة الأمريكية ستتغير وتتحول، وأن نصف حجم القوى العاملة الأمريكية ستصبح ميكانيكية بواسطة: الروبوت، والذكاء الصناعي، الناتجة عن التطور في التكنولوجيا الرقمية التي تبدو مسيرتها غير قابلة للعودة إلى الوراء وأيّ "جهد لكبحها أو تجاهلها مصيره الفشل"[4]. ولذلك؛ أعتقد بأنه من المهم في حقبة العولمة الحالية، خاصة في عالمنا العربي، تتبع تأثيرات هذا التسارع الهائل في التكنولوجيا الرقمية على قطاعات صناعة النقل والمواصلات والإمداد والتجهيز التقليدية التي أصبحت على حافة التمزق والتحطم في المستقبل القريب.
مجالات استخدام التكنولوجية الرقمية
أريد هنا؛ التركيز على ثورة التكنولوجية الرقمية في مجالات التطبيقات الذكية واتجاهاتها العظمى في قطاعات النقل والتزويد في المستقبل وتأثير هذه التطورات التكنولوجية والنماذج الجديدة لقطاعات الأعمال في المجالات التالية:
1- المركبات المرتبطة أو ذات التحكم الذاتي
2- المواصلات حسب طلب الراكب (مثل شركة اوبير ولفت).
3- التزويد حسب الطلب.
4- الطائرات بدون طيار
5- الذكاء الصناعي
إن هذه المجالات المذكورة أعلاه تمرّ بثورة هائلة في معنى المواصلات والتزويد والإمداد والشحن والتحميل من قطاع إلى قطاع (بي. تو. بي) التقليدي، والتوصيل والتسليم السريع في التجارة الإلكترونية، وإدارة أساطيل الشحن البري والبحري الجوي، وقطاعات الصناعات والأعمال الأتوماتيكية.
والتطبيقات الذكية هي برامج إلكترونية تقدم من خلال الشبكة المعلوماتية، وتكون مصممة لأداء مهام أو وظائف محددة أو أنشطة مترابطة لصالح المستخدمين مباشرة أو لصالح تطبيقات أخرى، وتعمل على الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب اللوحي وغيرها من الأجهزة النقالة؛
في الاتجاه الأول يجب أن نتعلم أن الاستراتيجيات التي يتبعها المُصنعين، ومزودي التكنولوجيا هي: تعلم حقيقة التعليمات الآن؛ ثم التشريعات التي ستتبع؛ واحصل على تصور عن كيف ستتغير البنية التحية للطرق والمواصلات، ثم انظر من سيبرز كفائزين أو خاسرين محتملين.
Mobility on Demand (uber, lyft) وفي الاتجاه الثاني الحركة حسب الطلب
فإن من أهم من يمثل هذا الاتجاه الآن الشركات العملاقة مثل (أوبر ولفت) وغيرها. والشركات الجديدة التي ستدخل السوق، ويجب فهم ماذا يريد المستخدمون المستهلكون من هذه الخدمات، ثم في نفس الوقت كيف سيتكيف ويتعامل مزوّدو الخدمة مع هذه الطلبات؛ إضافة إلى ضرورة تعلم وإدراك التحديات والفرص التي ستجلبها بيئة التغير السريع في الأنظمة والتشريعات.
تخلق هذه الاتجاهات فرصاً استثمارية هائلة. مثال ذلك الاستثمار السعودي في شركة (أوبر)، حيث أعلن كل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذراع الاستثماري السيادي للمملكة للاستثمارات طويلة الأمد، وشركة أوبر، عن استثمار للصندوق في أوبر بقيمة 3.5 مليار دولار أمريكي وذلك وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية 2016م.
تجارب عربية - الأردن مثالاً
بعد أكثر من عام من الجدل الذي شهده قطاع النقل العام في الأردن حول خدمات التطبيقات الذكية للنقل، وخصوصا تطبيقا "أوبر" و"كريم" الأكثر شهرة، والنقاش حول آلية تنظيم عمل هذه التطبيقات في المملكة، صدرت أخيرا وبشكل رسمي تعليمات أسس وشروط ترخيص هذه الخدمات، ونشرت -هذه التعليمات - رسميا في العدد الأخير من الجريدة الرسمية وسميت بـ "تعليمات أسس وشروط ترخيص خدمة دعم وتسهيل نقل الركاب باستخدام التطبيقات الذكية لعام 2017"، والصادرة بمقتضى الفقرة أ/ 7 من المادة السابعة من قانون هيئة تنظيم النقل البري رقم "4" لسنة 2011، ليعمل بها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية[5]. وجاء النظام لغايات تنظيم نقل الركاب من خلال استخدام التطبيقات الذكية، وإخضاع هذه الخدمة إلى خدمات هيئة تنظيم النقل البري وترخيص الشركات التي تقدم هذه الخدمة.
ويذكر أن عدد سيارات التاكسي العاملة في الأردن يبلغ نحو 16 ألف مركبة و10 آلاف مركبة وباص نقل عام (سيارات سرفيس، حافلات متوسطة وكبيرة)، بحسب هيئة تنظيم النقل البري. ويوجد في العاصمة عمان أكثر من 11 ألفا و500 تاكسي، وحوالي 4 آلاف سيارة سرفيس، وما يقارب 6 آلاف حافلة متوسطة.
- اقتباس :
فرضت تكنولوجيا الحرب والمعدات القتالية والابتكارات المستمرة، مخاوف عالمية من إمكانية استغلالها من قبل التنظيمات الإرهابية، في شن هجمات إرهابية
وتعرف خدمة نقل الركاب من خلال استخدام التطبيقات الذكية على أنها نقل الركاب مقابل أجر من خلال استخدام التطبيقات الذكية. وبموجب النظام يحظر على شركات نقل الركاب من خلال استخدام التطبيقات الذكية العمل إلا بعد الحصول على الترخيص والتصاريح اللازمة من هيئة تنظيم النقل البري وتقديم شهادة تسجيل الشركة لدى دائرة مراقبة الشركات.
ويتضمن النظام الشروط الواجب توفرها في مقدم الخدمة، منها أن يكون أردني الجنسية، ولائقا صحيا بموجب شهادة من الجهات الرسمية، وحاصلا على رخصة قيادة أردنية سارية المفعول منذ مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا يتجاوز عمره 60 عاما، وأن يكون حسن السيرة والسلوك، وغير محكوم بأية، جناية أو جنحة مخلة بالشرف والأخلاق والآداب العامة، كما يشترط النظام أن لا تقل سعة محرك السيارات العاملة بالبنزين والسيارات العاملة بالكهرباء والسيارات الهجينة عن السعة المحددة في التعليمات الصادرة لهذه الغاية، وأن لا يتجاوز عمر السيارة خمس سنوات، وأن تحمل ملصقا خاصا تحدد مواصفاته بموجب تعليمات تصدر لهذه الغاية.
كما يشترط أن تكون السيارة مرخصة ومؤمنة تأمينا إلزاميا وفقا لأحكام نظام التأمين الإلزامي للمركبات النافذ، بالإضافة إلى تأمين مسؤولية يغطي المسؤولية عن الأضرار التي تلحقها السيارات المرخص لها بتقديم خدمة النقل للركاب من خلال استخدام التطبيقات الذكية يزيد عن التغطيات التأمينية التي يوفرها نظام التأمين الإلزامي للمركبات النافذ والتعليمات الصادرة بمقتضاه. ويلاحظ هنا كيف أثرت عملية دخول هذه الخدمة على متوالية من الإجراءات والأنظمة في القوانين والقطاع الاقتصادي والتأمين الخاص بالمركبات.
التكنولوجيا الرقمية وتهديد الإرهاب
فرضت تكنولوجيا الحرب والمعدات القتالية والابتكارات المستمرة، مخاوف عالمية من إمكانية استغلالها من قبل التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لهم، في شن هجمات إرهابية واستهداف مدنيين.
وفي هذا المجال؛ حذرت لجنة تابعة لمجلس اللوردات البريطاني، من أن الدول الداعمة للإرهاب والإرهابيين قد يحصلون "في المستقبل القريب" على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي القاتلة، خاصة استخدام الطائرات بدون طيار.
وأشار نائب رئيس قسم البحوث في شركة "تال" الفرنسية العملاقة في مجال شؤون الدفاع، التي تزود الجيش البريطاني بطائرات استطلاع موجهة ألفين ويلبي، إلى زيادة احتمال شن هجمات باستخدام "أسراب" من الطائرات الصغيرة الموجهة التي تستطيع اختيار أهداف محددة من خلال مدخلات بيانات محدودة من البشر، وصرّح أمام لجنة الذكاء الاصطناعي بمجلس اللوردات بأنّ "التحدي التكنولوجي لزيادة هذه الأسراب وأشياء من هذا القبيل لا يحتاج إلى أية خطوة ابتكارية"، مضيفاً أنّها "مسألة وقت وتوازن وأعتقد أنه واقع ينبغي لنا أن نقلق بشأنه."
وقال نويل شاركي الأستاذ الفخري في مجال الذكاء الاصطناعي وأجهزة الروبوت في جامعة شيفيلد، إنّه يخشى من امتلاك جماعات إرهابية مثل؛ تنظيم "داعش" مجموعة من "النسخ السيئة للغاية" لهذه الأسلحة دون تجهيزها بوسائل الحماية لمنع القتل العشوائي.
وأضاف شاركي في اجتماع لجنة الذكاء الاصطناعي لمجلس اللوردات أنّ ذلك يزيد القلق بشأن امتلاك الدكتاتوريين المستبدين لهذه الأسلحة، التي لن يحملها جنودهم لقتل السكان.
وأكد شاركي أنّ تنظيم "داعش" يمتلك بالفعل طائرات بدون طيار موجهة كأسلحة دفاعية، على الرغم من أنها تعمل حالياً بتوجيه بشري عن بعد.
وقال شاركي إنّ الطريقة الوحيدة لمنع هذا السباق الجديد للتسلح هي "وضع قيود دولية جديدة لذلك"، وهي خطوة يروج لها في الأمم المتحدة بوصفه عضواً في اللجنة الدولية للسيطرة على أسلحة الروبوت.
واستمعت لجنة مجلس اللوردات، التي تحقق في تأثير الذكاء الاصطناعي على الأعمال والمجتمع، إلى مجالات التطوير في الذكاء الاصطناعي التي يجريها القطاع الخاص، على النقيض من العصور السابقة، التي كان يقود فيها الجيش طرق تطوير التكنولوجيا، ما يعني صعوبة وقوعها في اليد الخطأ. علماً بأن القوات المسلحة البريطانية لا تستخدم الذكاء الصناعي في الأسلحة الهجومية، وقالت وزارة الدفاع إنه لا يوجد لديها أي نوايا لتطوير أنظمة ذاتية بالكامل[6]. وكانت مؤسسات أمريكية للأبحاث، ومجلة فورين أفيريز 5-12- 2017م حذرت من أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الصينية وتطويرها قد يشكلان تهديداً للتوازن الاقتصادي والعسكري للقوى العالمية وتحدٍّ للقوة الأمريكية.
في الخلاصة؛ تخلق هذه الاتجاهات فرصاً استثمارية هائلة للأفراد والشركات والدول؛ لكنها تخلق بنفس الوقت تحديات خطيرة وصعوبات كثيرة، والفائز هو من يتمكن من سرعة التكيف والتأقلم مع هذه التحديات، أما الخاسرون فإنهم يتعرضون لهجمات الإرهاب، أو يخرجون من السوق.