العرب والمجتمع العالمي وثورة المعلوماتمن
الملاحظ أن العامل الثقافي أصبح مؤثراً في العلاقات الدولية بعد إن كان
مهمشاً، فقد اعتبر المذاهب الواقعية في العلاقات الدولية إن الاتصال
والثقافة عاملان تابعان للبنى السياسية والاقتصادية والتقنية، أما اليوم
وبعد نهاية الأنظمة الشمولية وضمور الايديولوجية فقد تصدرت العوامل
الثقافية العلاقات الدولية حتى أصبح من العسير فصل الاستراتيجية السياسية
عن الثقافة، فلا يخلو اتفاق أو بروتوكول أو معاهدة اليوم من الاشارة إلى
أهمية العوامل الثقافية.. ومن يطلع على الاتفاقية الأوروبية (ماستريش) أو
اتفاقات الشراكة المتوسطية أو الشرق أوسطية، حتى الاتفاقات ذات الطابع
التجاري البحث (الجات) و (نافتاً) و (آسبان) وذات الطابع السياسي
والأمنيمثل الاتفاقات العربية الإسرائيلية سيلحظ المكانة المتميزة للعامل
الثقافي ولأهمية التطبيع وتغيير الأسس المعرفية والتعليمية كقاعدة لهذه
الاتفاقات الاقتصادية أو السياسية أو الاستراتيجية..
ومما لا ريب فيه إن التحولات التي تشهدها المجتمعات الصناعية بثورة
المعلومات قد هيأت بشكل لم يسبق له مثيل وعياً يقافياً عالمياً يجمع بين
الروحانيات والماديات، معيداً للأولى مكانتها التاريخية في حياة الشعوب..
ومحجماً الثانية في حدود توازنها مع الأولى. فهل يتيح مجتمع المعلومات فرصة
المساهمة الفعالة للمجتمعات المهمشة في صناعة المعلومة وبثها عبر الشبكات
الدولية القائمة دون عوائق كبيرة؟.. وفي هذا الصدد يتساءل الأستاذ حميد
مولانا رئيس الرابطة الدولية للإعلام وأستاذ الإعلام في جامعة واشنطن فيما
إذا كان مجتمع المعلومات والاتصالات سينشأ كمجتمع قيمي أخلاقي أو انه سيكون
مرحلة أخرى في التحول الذي من شأنه تكريس الغرب مركزاً والعالم الاسلامي
طرفاً؟ وهل يقدم مجتمع المعلومات العالمي الآن التسهيلات أم يقوم بإعاقة
الاستخدام الاجتماعي للمعلومات والأهداف الاجتماعية الأصيلة للجماعة
الإسلامية؟
ويخلص للقول ان نموذد مجتمع المعلومات ونموذج الجماعة الإسلامية دخلا في
صراع فلسفي استراتيجي له أسس ثقافية ونتائج معلوماتية ـ ثقافية.
ما الذي يمكن أن يخطط له العرب والمسلمون في خضم هذه التحولات ونحن على
مشارف القرن الحادي والعشرين؟ سؤال يجد إجابته في الفرص التي توفرها هذه
التحولات سابقة الذكر، فرص تبدأ بالاطلاع والمتابعة لما يجري ويمهد للعصر
الجديد الذي نعيشه.. فربما يكون هذا مقدمة من أجل المساهمة الفعالة في
إنتاج المعلومة بدلاً من الاكتفاء باستهلاكها.. لقد فاتنا الماضي فلنلحق
بالمستقبل الذي بدأت تكتب اليوم مقدماته.