III- العقبات أو العوائق الثقافية
IV- بناء مفهوم حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر
حقوق الإنسان: مفهوم حديث؛ لأن مفهوم الإنسان ذاته حديث. وهذا يعني أنه لم يكن معروفا في الإسلام الأول، ولا حتى في ضحى الإسلام، يوم نشطت الحياة العقلية في الثقافة الإسلامية، ولكن كان الكلام عن حقوق الله، وحقوق العباد كما وصّى بها الله. فكيف يمكن الحديث عن حقوق الإنسان -الذي هو مفهوم ولد من رحم الفكر الأوروبي الحديث- ضمن كيان ثقافي قديم هو الثقافة العربية الإسلامية؟
هذا السؤال لا يشي بحيرة كاملة، بل يُبطن نصف جواب، وهو كذلك؛ لأنه يتمسك بإمكانية طرح قضية حقوق الإنسان من داخل الثقافة الإسلامية نفسها، ولا يتساءل إلا عن الكيفية التي يمكن بها تحقيق هذا الطرح. وفي الحقيقة، هذه مسألة يكاد ينعدم فيها الخيار، إذ أن عملية تجديد الفكر في الإسلام أمر محتم، هذا إذا ما أردنا الانخراط في المعاصرة بقوة وثقة، ومن دون شعور في الآن نفسه بالانبتات عن الهوية الثقافية المتجذرة بعمق في وجدان المسلم على مر الأحقاب إلى اليوم.
قبل الشروع في المهمة الرئيسة لهذه الورقة المتمثلة في اقتراح بعض المداخل النظرية لبناء مفهوم حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر المتصالح مع الهوية الثقافية للمجتمعات العربية؛ يجدر بنا قبل ذلك البدء بتقييم المنجز النظري العربي في هذا المجال، وإن بشكل سريع، ثم لنا وقفة بعد ذلك مع بعض المقدمات المنهجية التي نراها ضرورية لإنجاز البناء المشار إليه؛ فتحديدا لجملة العوائق التي تعيقه، وصولا إلى الغاية المرجوة من هذا العمل، وهي الإسهام في بناء مفهوم حقوق الإنسان وترسيخه في الوعي العربي المعاصر بتوظيف الرصيد الثقافي الإسلامي ذي العلاقة.