إنْ أردنا الحديث عن النّسويّة من حيث هو تيّار يدافع عن حقوق النّساء[1]، فلنا في التاريخ نماذج لعلّ أبرزها الكاهنة البربريّة[2]. وإنْ أردنا الحديث عن "نسوية إسلاميّة" فلن تسبق أحد تلك التي احتجّت عن غياب خطاب قرآنيّ مباشر من الله للنّساء، وكانت سبباً في نزول آية تسوّي بين الجنسين[3] سواء كانت أمّ سلمة أم امرأة أخرى من نساء المسلمين[4]. إلّا أنّ هؤلاء المذكورات كنّ نسويّات قبل وجود فكرة "النّسويّة". ذلك أنّ مصطلح "النّسويّة" وليد القرن العشرين، نشأ للتّعبير عن اللّاتي يدافعن عن المساواة بين المرأة والرّجل وإلغاء الفوارق بينهما في كلّ المجالات[5]. وقد انتشر هذا التّيّار وتفرّع في مختلف أنحاء العالم بفضل "مناضلات" آمنّ بالفكرة وطوّعنها في إطار ما سُمّي بالنّسويّة متعدّدة الثّقافات الكونيّة (multicultural) (Global féminism)[6] أو الهويّة النّسويّة (féminism identity)[7]. فنشأت تيارات متعدّدة من بينها النّسويّة الليبراليّة liberal feminism))، والنّسويّة الجذريّةradical féminis) ) والنّسويّة الاشتراكية Social feminism))، (والنّسويّة السّوداء (الإفريقيّة والأمريكيّة) Black féminism)[8]). - اقتباس :
مصطلح "النّسويّة" وليد القرن العشرين، نشأ للتّعبير عن اللّاتي يدافعن عن المساواة بين المرأة والرّجل وإلغاء الفوارق بينهما في كلّ المجالات.
في هذا الإطار لم تجد النّسويّات الإسلاميّات[9] حرجاً في إرساء "فكر نسويّ يطمح إلى أن يكون "إسلاميّاً" لا بدّ من أن يتّخذ من الإسلام إطاراً مرجعيّاً"[10]. وقد اخترنا في هذا المقال دراسة هذا الفكر النّسوي الإسلاميّ، فنظرنا في تعريفه ودرسنا أبرز قضاياه ومنهجه، وخصصنا الجزء الأخير لنقده والوقوف على حدوده. 1- الفكر النّسوي في عيون ممثلاته
أجمعت النّسويات الإسلاميّات[11] في أعمالهنّ على فكرتين أساسيّتين اعتبرنها حجر الأساس الذي يجب أن تبنى عليه كلّ نسويّة تريد أن تكون "إسلاميّة". وهما "النّسويّة" و"الإسلاميّة". فهي "نسويّة" لأنّها حركة فكريّة نشأت دفاعاً عن حقوق النّساء المهضومة وردّاً للظلم الذي تتعرّض له بنات جنسهنّ باسم الإسلام، وسعياً إلى تصوّر مجتمع تشارك المرأة في وضع لبناته بشكل فعّال ومباشر[12]. وهي إسلاميّة لأنّهنّ جعلن من القرآن والسّنّة مرتكزات لفكرهنّ ومرجعيّة له. أي أنّ هؤلاء النّسويّات لا يرين في الإسلام ما يهدّد حريّتهنّ الشّخصيّة، بل يجمعن على أنّ "الإسلام لا يشكّل مشكلة للنّساء بل يمنحهنّ الحقوق والامتيازات. وتبعاً لذلك فإنّ هدفهنّ الأعمّ يتمثّل في نشر التّعريف بتلك الحقوق والعمل على احترامها وتطبيقها من قبل الجميع، بمعنى آخر فإنّ سبب معاناة النّساء لا يكمن في الإسلام ولكن في الجهل به وفي التّفسيرات الخاطئة له". أي أنّ هؤلاء النّسويّات يرين أنّ الدّفاع عن حقوقهنّ يتجسّد أساساً في استرجاع ما منحهنّ الإسلام، لا في البحث عن حقوق أخرى قد لا تنطبق على خصائص مجتمعاتهنّ، خاصّة أنّهنّ يعتبرن أنفسهنّ "مفكّرات يجمعن بين الوعي النّسوي والمنظور الإسلامي"[13]. ومن هذا المنطلق ميّزت النّسويّات أنفسهنّ عن الإسلاميّات وعن العلمانيّات. أمّا الإسلاميّات فهنّ المنتميات إلى تيّار سياسيّ معيّن يسعى إلى ما يسمّونه "تقوية أسلمة الدّولة"[14]، وأمّا العلمانيّات فهنّ اللّواتي يؤمنّ بخطاب حقوق الإنسان ويتجنّبن الخطاب الدّيني إسلاميّاً كان أم مسيحيّاً"[15]. ولا يتجلّى هذا التّمييز في الاسم فقط أو في المرجعيّة والثّوابت، بل جعلن لخطابهنّ مقوّمات تجعله "واضح المعالم"، هي ثلاثة كأثافي القدر "تنزيه الإسلام" و"المشاركة المشروطة" و"ثنائية المساواة والتكامل".
فأن تكون الباحثة "نسوية إسلاميّة يعني أن تؤمن بأنّ معاناة النّساء راجعة إلى الجهل بالدّين وإنكار حقوق النّساء الموجودة فيه والتي يجحدها ممثّلو الثّقافة الذّكوريّة. ذلك أنّ الدّين مكّنهنّ من التّواجد مع الرّجل في الفضاء الخارجيّ جنباً إلى جنب. لكنّ هذا التّواجد لا يمكن أن يكون إلّا إسلاميّ الطّابع، أي أنّهنّ مطالبات "شرعاً" بالمشاركة الفعّالة في المجتمع ولكن بشكل "لائق دينيّاً"، وقد ارتأين في هذا المجال "الحجاب الإسلاميّ ممارسة تكفل حماية النّساء تتيح لهنّ المشاركة في الحياة بصورة آمنة ومحترمة[16]". والقول بالمشاركة المشروطة راجع إلى إيمان النّسويّات الإسلاميّات بنظريّة التّكامل بديلاً عن المساواة. ونظريّة التّكامل لدى المنتميات إلى النّسويّة الإسلاميّة مرجعها قصّة الخلق الأولى، إذ يميّزن بين خلق الجسد وخلق النّفس. فالرّجل سابق في الخلق الجسدي والمرأة سابقة في خلق النّفس استناداً إلى الآية "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ"[17]. وهذا ما يفسّر - في نظرهم - "قوّة البعد النّفسي عند المرأة وعمقه في مقابل قوّة البعد الحسيّ والجسماني للرّجل"[18] . - اقتباس :
أن تكون الباحثة نسوية إسلاميّة يعني أن تؤمن بأنّ معاناة النّساء راجعة إلى الجهل بالدّين وإنكار حقوق النّساء الموجودة فيه والتي يجحدها ممثّلو الثّقافة الذّكوريّة.
انطلاقاً من تفسير خلق الإنسان هذا استنتجت النّسويّات أنّ المرأة والرّجل متكاملان لا متماثلان. والقول بالتّكامل دون التّماثل يختصر مفهوم المساواة والعدل بالمفهوم "الإسلامي"[19]. وأكّدت جولي بروزان جورجيسين[20] أنّ العديد ممّن أجرت معهنّ المقابلات أكّدن أنّ "الإسلام يمنح حقوقاً مساوية لا مماثلة لحقوق الرّجل. فالإسلام يرى أنّ الرّجال والنّساء متكاملون لا متساوون ومتماثلون، كما يخصص لكلّ فريق أدواراً وإمكانات والتزامات متباينة، على سبيل المثال يعول الزّوج أسرته بينما تقع على الزوجة مسؤولية تنشئة الأطفال"[21]. بل من هؤلاء الباحثات من ترى أنّ القول بالمساواة بين المرأة والرّجل فكرة غربيّة تهدم الأسرة المسلمة، وأنّهنّ مستعدات للتّخلي عن حقوقهنّ متى وجدن أنفسهنّ على شفا مخالفة ما يرونه مطابقاً للشّريعة[22]. أي أنّ هؤلاء النّسويّات إن أردن أن يكنّ إسلاميّات مجبرات على إيجاد "تسوية بين التزامهنّ بالمساواة بين الجنسين وعقيدتهنّ الدّينيّة"[23]. فهنّ بشهادة بعض النّاشطات "يخضن تجربة صعبة في خضمّ سعيهنّ إلى صياغة خطاب خاص بهنّ يجمع بين جوانب الواقع المعيش والدّينيّ والحقوقي[24]". وهذا ما يكشف أنّ عمل النّسويّات الإسلاميّات "توفيقيّ"، أي أنّه يسعى إلى تحقيق معادلة صعبة بين مختلف هذه الجوانب من أجل إيجاد حلول وسطى تجمع الواقعيّ بالدّينيّ والحقوقي. فما الواقع الذي تدرسه ممثّلات هذا التّيّار؟؟ بحكم مرجعيّتهنّ الدّينيّة تنحصر حقوق النّساء على تلك المذكورة دينيّاً، والتي يرفض الرّجال منحهنّ إيّاها، أو تلك التي تثبت أنّ أفضليّة الرّجل على المرأة أفضليّة منزّلة من السّماء، مثل قصّة الخلق الأولى أو القوامة أو الحجاب أو التّعليم أو الزّواج أو العمل السّياسي. وقد اقتصر عمل النّسويّات في هذه المجالات على إعادة قراءة الآيات المتعلّقة بهذه المسائل قراءة تثبت أنّ للنّساء حظّاً دينيّاً منها. ولعلّ أشرطة الفيديو التي ساهمت جلّ المشاركات في مصدرنا[25] في إنجازها تختزل نظرة "النّسويّات الإسلاميّات" إلى هذه المسائل. وانقسم تصوّر هذه الأشرطة ـ التي تناولت الميراث والقوامة والزّواج السّياحيّ والعمل السّياسيّ والتّحرّش الجنسيّ ـ إلى ثلاثة أقسام: مقطع (في شكل رسوم متحرّكة) يصوّر المسألة ثمّ يتدخّل شيخ أزهريّ الزيّ إمام جامع ليعطي الرّأي الشّرعيّ في المسألة مصحوباً بالـ "موعظة الحسنة"، ليختم الشّريط باقتناع جميع الأطراف بالرّأي الدّيني وتسترجع المرأة حقّها الّذي منحها إيّاه الله.
وللوصول إلى هذه النّتائج التزمت النسويّات بمنهج معيّن يقوم على "الاستقراء والاستنباط، التّحليل البنيوي الوصفي ثمّ المقاربة النّقديّة"[26]. أمّا الاستقراء والاستنباط فهما في نظرهنّ عمليّتان متلازمتان. فهنّ يخترن المسألة، ثمّ يستقرئن النّصوص ويستنبطن منها ما يلائم مرجعيّاتهنّ، ثمّ يحلّلننها بنيويّاً ووصفيّاً، رافضات أيّة قراءة حرّة لامتناهية للنّص[27]. وبعد أن يستقيم المعنى في أذهانهنّ يدرسنه نقديّاً سعياً منهنّ إلى "كشف المكوّن الانحيازي الذّكوريّ في البناءات الفكريّة والاجتماعيّة والإنسانيّة، وذلك بغية الوصول إلى صيغ أكثر إنسانيّة وأقلّ عدائيّة وانحيازاً ضد المرأة"[28]. كما يتوجّهن بالنّقد إلى خصم ثانٍ، هو ممثّلو الفكر النّسويّ الغربيّ الذي لا يفهم ولا يتفهّم المرجعيّات الثّقافيّة للنّسويّة الإسلاميّة[29]. فهنّ ـ حسب ما ورد في أعمالهنّ ـ يأخذن من النّسويّة الغربيّة ما يجدنه صالحاً لفكرهنّ وينقدن ما يعتبرن أنّه لا يتماشى وذهنيّة المجتمعات الإسلاميّة. وممّا أخذته النّسويّة الإسلاميّة عن النّسويّة الغربيّة "الجندر". فقد فرض الجندر نفسه باعتباره أداة تدرس أثر الثّقافة والمجتمع في تشكيل الجسد، وهذا ما يتماشى مع أهداف النّسويّات اللّواتي يسعين إلى مراجعة كلّ ما هو ثقافيّ اجتماعيّ. فأخذنه بكلّ حذر وراجعن المصطلح من باب ما أسمينه "ميتافيزيقا الجندر"، ليبحثن في مدى مطابقته لمرجعيّتهنّ الدّينيّة. فاستنتجن أنّ في القرآن ما يعبّر عن هذا التّمييز الثّقافيّ والاجتماعيّ بشكل رأينه أكثر ملاءمة لأفكارهنّ. ويتجلّى ذلك أساساً في مصطلح "الزّوجين" بديلاً عن ثنائيّة "الجنس" و"النّوع". ويوحي مصطلح الجنسين باختصار بالتّكامل الوجوديّ والعضويّ والوظيفيّ والاجتماعيّ للذّكر والأنثى، كما ينطوي على نوع من التّسوية أو المعادلة بينهما في التّكوين الإنسانيّ والاجتماعيّ. وهذا ما قادهنّ ـ في محاولة لأسلمة مصطلح النوع / الجندر ـ إلى القول إنّ نظريّة الزّوجية الإسلاميّة خالية من الصراع بين الذّكر والأنثى الذي تقوم عليه أغلب المدارس الغربيّة.
انطلاقاً ممّا سبق يمكننا ترجيح كون هذا التيّار مخضرم منذ نشأته، يسعى إلى التّوفيق بين طرح غربيّ معاصر وبين ما يرونه ملائماً لمرجعيّتهنّ الدّينيّة. فاتّهمن في حالات عدّة بإقحام "إيديولوجيّة غربيّة علمانيّة وذات نزعة فرديّة على الأسرة المصريّة"[30]. وفي هذا ضرر كبير على المجتمع الشرقي[31]. ويقودنا الحديث عن كيفيّة توظيف النّسويّات الإسلاميّات مكتسبات النّسويّة الغربيّة إلى الحديث عن حدود ونقائص هذا الاتّجاه.
2- الفكر النّسوي بعيون نقديّة:
تُعدّ عمليّة "تهذيب" الجندر التي أشرنا إليها أولى حدود الفكر النّسوي. فـ "النّوع" كما تحدّثن عنه في مقالاتهنّ مختلف عمّا ورد في أمّهات كتبه الغربيّة. ولتوضيح ذلك ارتأينا مقارنة شاهد يلخّص موقف "النّاشطات الإسلاميّات" عن الجندر بما ورد في مصادره المنظّرة له.
تقول جولي في تعليقها على الشّهادات التي جمعتها "يمكننا أن نضع النّاشطات الإسلاميات على سلسلة تمتدّ بين هؤلاء اللّاتي يعتبرن العلاقات بين الجنسين أمراً خاضعاً للصّياغة الاجتماعيّة، وهنّ اللّواتي يدعون في الوقت ذاته إلى المساواة بين الجنسين، وهؤلاء اللّواتي يعتبرن فكرة النّوع / الجندر مبنيّة على الحتميّة البيولوجيّة، ولهذا نجدهنّ يدعون لمجرّد التّكامل بين الرّجال والنّساء[32]". يظهر لنا هذا الشاهد وجود خلط كبير لدى مجموعة من النّسويّات[33] بين مصطلحي "الجنس" و"الجندر". فالجندر مقولة ثقافيّة تاريخيّة تقوم على التّمييز بين الجنس باعتباره معطى بيولوجيّاً، وبين الجندر وهو البناء الثّقافيّ والاجتماعيّ للجنس"[34]، أي أنّ الجندر هو "الجسد الذي صنعته الثّقافة"[35]، و"أوامر الثّقافة واللاوعي هي التي تملي لغة الجنس وتعريفه للجسد الأنثوي واختلافه عن الجسد الذّكوري"[36]. تبيّن لنا هذه الشّواهد إذن أنّ الإسلاميّات لم يتعمّقن في مفهوم الجندر كما قاله أصحابه، ولم يقفن على خصوصيات الجنس والجندر بقدر ما ماثلن بينهما، وهذا راجع أساساً ـ في نظرنا ـ إلى أنّ جلّ الباحثات يتوجّسن خيفة من كلّ دخيل غربيّ فلا يدرسنه في ذاته بل يبحثن عمّا يمكن أن يشرّع له في المرجعيّة المعتمدة. وهنّ في ذلك متقلّبات بين المطرقة والسّندان. أمّا المطرقة فهي تطوّر الدّراسات النّسويّة الغربيّة مقابل عدم ابتداعهنّ لأساليب نقديّة خاصّة بهنّ. أي أنّ هؤلاء النّسويّات حريصات على الالتزام بهويّتهنّ في المضمون فقط، أمّا في الشّكل والأدوات فيطبّقن ما تجود به الدّراسات المتقدّمة بطريقتهنّ الخاصّة ممّا يجعلها في حالات متعدّدة قاصرة على تقديم الإضافة المرجوّة.
وهذا القصور المنهجيّ يؤثّر حتماً على المضمون. فالنّسويّات لا يتناولن إلّا المسائل التي يسمح لهنّ بها. ولذا التزمن منذ البدء بأنّهنّ سينقدن الاجتهادات التّفسيريّة والفقهيّة دون "نقضها"[37]. وبالتّالي فإنّهنّ يحاربن من أجل افتكاك حقوق هي في بلدان أخرى مثل تونس من تحصيل الحاصل مثل مجلّة الأحوال الشّخصيّة أو حقّ المرأة في التّعليم أو الميراث أو العمل السّياسي. ففي الوقت الذي ضمنت فيه المجلّة المذكورة للتّونسيّة حقّها في الزّواج الأحاديّ المنظّم، وأعطت للمرأة الميراث المنصوص عليه، وتحارب من أجل المساواة، ما زالت النّسويّات الإسلاميات يحاربن من أجل تنظيم الحد من الزواج المبكر وتعليم الفتيات وتوريث النّساء والسماح لهنّ بخوض مجالات تُعدّ ذكوريّة. ونرى أنّ قوّة المؤسّسات الدينيّة وأثرها على المجتمع[38] يشكّلان عائقاً كبيراً أمام سعي النّسويّات لتحسين حالة بنات جنسهنّ. بل لعلّنا نذهب إلى أكثر من ذلك عندما نقول إنّ النّسويّة الإسلاميّة ذاتها قد سجنت نفسها بسياج سمّته الآيات قطعيّة الدّلالة.[39] والحال أنّ عمر بن الخطاب ـ على سبيل المثال ـ أبطل العمل ببعض هذه الآيات لتغيّر الزّمن ولمصلحة المسلمين. وهذا الإيمان بـ "قطعية الدلالة" من شأنه أن يضيّق باب الاجتهاد. ونضرب على ذلك مثلاً تفسير القوامة[40]، حين ربطها المفسّرون بالإنفاق وجعلوا الرّجل حامي المرأة والمسؤول عن إطعامها دون الإشارة إلى باب الشّراكة في الإنفاق في عصر خرجت فيه المرأة إلى سوق العمل. وبذلك لم يلغوا مفهوم "القوامة" ولم يغيّروه بالشّراكة ولم يعترفوا بكونه مفهوماً كان صالحاً لزمان ومكان معيّنين وغير صالح لحياتنا اليوم بما فيها من تعقيدات. وقسْ على ذلك كلّ المسائل الأخرى. أي أنّ النسويّة الإسلاميّة تسعى إلى انتزاع حقوق من السّلط الدّينيّة الذّكوريّة دون السّعي إلى تغيير عقليّة المجتمع ذاته وغرس قيم الحداثة فيه. ولعلّنا نرجع ذلك إلى عاملين أساسيّين: أمّا الأوّل فهو الضغط المسلّط على كلّ محاولة دفاع عن حقوق المرأة من قبل المؤسّسات الدّينيّة والقوى الإسلاميّة الأخرى السّاعية إلى أسلمة المجتمع. وأمّا الثّاني فيتمثّل في غياب إرادة سياسيّة حداثيّة غايتها نصرة قضايا المرأة ممّا جعل جهد الباحثات محدود النّتائج. - اقتباس :
تشكل قوة المؤسسات الدينية وأثرها على المجتمع عائقاً كبيراً أمام سعي النسويات لتحسين حالة بنات جنسهن.
ختاماً نقول إنّ هذا العمل الذي أردنا من خلاله التّعرّف على النّسويّة الإسلاميّة قضايا ومنهجاً وحدوداً ليس إلّا مشروع عمل يمكن أن ينخرط فيه باحثون بمختلف جندرهم وأعراقهم وتيّاراتهم وانتماءاتهم الدّينيّة من أجل تطوير أدوات ومناهج أنجع للنّهوض بالمجتمع رجالاً ونساء وأطفالاً ومهمّشين، ورفع الظّلم الاجتماعيّ والثّقافيّ الواقع على كلّ من لا يخضع للسلطتين السّياسيّة والدينيّة.