** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
فرزانة ميلاني :فروغ فرخزاد..ثورة شاعرة كشــفُ النّقابِ عنِ الآخر I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 فرزانة ميلاني :فروغ فرخزاد..ثورة شاعرة كشــفُ النّقابِ عنِ الآخر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فدوى
فريق العمـــــل *****
فدوى


التوقيع : فرزانة ميلاني :فروغ فرخزاد..ثورة شاعرة كشــفُ النّقابِ عنِ الآخر I_icon_gender_male

عدد الرسائل : 1539

الموقع : رئيسة ومنسقة القسم الانكليزي
تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 7

فرزانة ميلاني :فروغ فرخزاد..ثورة شاعرة كشــفُ النّقابِ عنِ الآخر Empty
23092018
مُساهمةفرزانة ميلاني :فروغ فرخزاد..ثورة شاعرة كشــفُ النّقابِ عنِ الآخر

فرزانة ميلاني :فروغ فرخزاد..ثورة شاعرة كشــفُ النّقابِ عنِ الآخر 44
 
ترجمة: لميس إسماعيل عمر
حوالي منتصف القرن العشرين نشأ في إيران إرثٌ جديدٌ من شعر النساء، إرث نساءٍ منهمكاتٍ بشدة في عملية التأمل الذاتي والبوح الذاتي وغير مستتراتٍ أو مقيداتٍ بالهوية المجهولة أو الغموض الكامنين في الحجاب، إرثُ نساء لم يكتفين بالكشف عن أنفسهن فحسب بل قمن أيضاً بكشف الستار عن الرجال في كتاباتهن.
وتتضمن القائمة من بين العديدات زاند دوخت شيرازي (1911-1952) وجالة أصفهاني (1921) وبارفن دولاتا بادي (1922) وسيمين بحبحاني (1927) ولوبات فالا شيباني (1930) وماهين اسكندري (1940) وفروغ فرخزاد (1935-1967) وطاهرة سافرزادي (1936).‏
كتبت تلك النساء عن أفكارٍ وأحاسيسَ،”حقائقَ”كانت حتى ذلك الوقت خاصةً وذاتيةً. وبجسدٍ غير متسترٍ وقلمٍ باليد، مضَيْنَ بالقارئ إلى خلف جدرانٍ وأحجبةٍ حيث يكمن عالم الخاص، وناضلن من أجل التسوية بين الجوانب العاطفية والحسية والاجتماعية للذات الأنثوية.
وفي أعمالهنّ، لا يخضع صوتُ الكاتبة لأفكارٍ مبتذلة ولا يتوارى خلف قوانينَ مفروضةٍ ذات بعدٍ نفسيّ واجتماعيّ. فالمشاعر غير خاضعةٍ للعقلنة، والانفعالات غير مشوبة، والعواطف غير سطحية، والتفاصيل غير متجنبة، والرجال غير غائبين. لقد خلقت تلك الكاتبات وبدرجاتٍ متفاوتة نوعاً من الذات المنفصلة عن التعريف التقليدي للأنوثة في إيران، وهي في الغالب ذاتٌ مهددة في مجتمعٍ أصبحت فيه الجدران والأحجبة اعتيادية وغدت مراقبة وسائل الاتصال الموضوعة شغل الناس الشاغل حيث”يهمس الناس حتى خلف الجدران الشديدة الارتفاع”، حسب تعبير الروائي شارنوش بارسيبور.‏
وترفض معظم تلك الشاعرات الرائدات الهمسات الصامتة للمرأة في عزلة المنزل. فبمشاركة قرائهنّ في تجاربهنّ الشخصية والإفضاء عمّا في أنفسهن إلى الورق لا إلى الحجر الصبور (The Patient stone)، هؤلاء الشاعرات يقلن ما لا يقال ويحاولن أن لا يستسلمن إلى الرقابة الخارجية أو الرقابة الذاتية التي تنمو معها، وبعفويةٍ وتميزٍ أيضاً يرفضن مزج أصواتهن مع تصوراتٍ أو طموحاتٍ جماعية.‏
وقد تنوعت ردة فعل المجتمع تجاه هذا الصوت الأنثوي الجديد وهذه الذات الأنثوية، فبالنسبة إلى المسلمين المتشددين، كان الإخلال بالتقاليد دوماً أكثر بروزاً وأقلّ قبولاً في مجال تحرر المرأة. وكان موقفهم واضحاً تمام الوضوح وراسخاً منذ البداية. فقد ردوا على تحرر المرأة وإلغاء التفرقة بينها وبين الرجل وبصورةٍ خاصة على عدم تسترها الجسدي بغضبٍ وعداء. وبرأيهم إنّ أيّ انحراف عن العلاقات التقليدية بين الذكر والأنثى يدلّ على فسوقٍ ويدمّر الأصالة الثقافية ويبعد الناس عن الإسلام”الحقّ”.‏
وحتى نخبة المثقفين والمجددين الذين ادّعوا أنهم يدعمون التغيير لم تستطع أن تتقبل التغيرات التي تؤثر في وضع المرأة فقد كان يُعتقد أن تغيرات السلوك ذات خطورةٍ لا سيما فيما يتعلق بالسلوك الجنسي والعادات الجنسية. كما حافظت العادات القديمة على سيطرتها حتى لدى نخبة المتحررين الذين دافعوا عن حقوق المرأة. فالكاتب علي شريعتي، وهو كاتبٌ اجتماعي أتمّ تعليمه في الغرب ومعروفٌ بشكلٍ خاص بين صفوة المثقفين، رفض الوضع الجائر للمرأة كما أدان بشدة استعباد الرجال لجنس الأنثى. وفي رأيه:‏
“عامل الرجل المرأة كما يُعامَل حيوانٌ متوحشٌ لا يمكن ترويضه أو تعليمه أو السيطرة عليه. وحاول السيطرة عليها بحبسها.. فكانت المرأة كالسجين الذي لا يُسمَح له بالانضمام إلى المدارس أو المكاتب أو الميدان العام”. إلا أنّ النساء المتطبعات بالطابع الغربي أَثَرْنَ الهلع في نفس شريعتي:‏
“هذه الدمى المصنّعة في الغرب، الفارغة من الداخل، المزيفة والمقنّعة لا تملك مشاعر نسائنا في الأمس ولا ذكاء نساء اليوم الغربيات، إنهنّ دمى آلية لا هي آدم ولا هي حوّاء! لا هي الزوجة ولا هي المحبوبة، لا هي ربة المنزل ولا الموظفة. إنّهنّ لا يشعرن بالمسؤولية تجاه أولادهنّ أو تجاه الناس. لا، لا، لا ولا! وهنّ كالنعامات اللواتي لا يحملن أي ثقل بحجة أنهنّ طيور ولا يطرن بحجة أنهن كبيرات الحجم كالجمال. وهذا نوعٌ هجينٌ من النساء متراكمٌ في سوق الصناعات المحلية مع لاصقٍ كُتب عليه”صناعة أوروبا”.‏
وحنين شريعتي لماضٍ كانت فيه القيم والهوية الأنثوية الأصيلة غير عرضة للشبهة وكانت فيه”النساء نساء”يمثل الشعور بالضياع والانحطاط الذي يسود أعمال الكثير من كتاب منتصف القرن العشرين رجالاً ونساءً على حدّ سواء. هذه الشخصية الأنثوية المغايرة لأصولها التقليدية، هذا التقليد الرديء القادم من الغرب، هذه الصورة المزيفة للنساء الإيرانيات التقليديات، هذا الهجين لم يكتفِ بدحر السلطة والسيطرة الذكرية فحسب بل جسّد أيضاً الخسائر المؤلمة التي تكبّدتها الهوية الثقافية. وكما هو مزعوم، فإنّ انحطاط الثقافة الإيرانية بالنسبة إلى الكثير من الكتاب كانت قد تسببت به هذه المرأة”المتطبعة بطابع الغرب”،”نصف المتعرّية”، أي”غير المحجبة”و”الفاسقة”.‏
لقد تحدى”تسمّمها بالطابع الغربي”كلّ إيمانٍ بالفروقات الجنسية الثابتة وشوّهت الجنسانية”الطبيعية”والاستقرار الثقافي وهددت النظام الشرعي، وتحدّت التماسك والهوية الحقيقية لكلمة”مذكر”ذات الامتياز الخاص والتي عُرفت تقليدياً بأنها نقيض كلمة”مؤنث”. وبصعوبة السيطرة عليه وتصنيفه وتعريفه وتحديد مكانته، لم يبدُ جنسُ الأنثى هذا أنثوياً على الإطلاق.‏
هذا النظام الجديد الذي جعلت فيه النساء وجودهنّ ملموساً بدا مفتقراً لأيّ نظامٍ كان. فقد شعر كثيرٌ من الناس بقهر الفوارق بين واقع حياتهم أو حياة أولئك الذين من حولهم وبين مثالياتهم التقليدية. ومع أنّهم كانوا مفعمين بالحنين لعالمٍ ونظرةٍ عالميةٍ أكثر تماسكاً ومفتونين بالتغيير والحداثة والديمقراطية، إلاّ أنّهم أظهروا بوادرَ لطموحاتٍ متناقضة لا يحلّ أحدها محلّ الآخر. فعلى سبيل المثال، علي شريعتي الذي رفض وضع المرأة الجائر لم يحمل إلاّ الازدراء لتلك النساء الهجينات،”النعامات”.‏
فقد أسماهنّ”نساء العدم”(Zilch-women)، أي عديمات القيمة وعديمات الفائدة وعبدات الروح التجارية والاستهلاكية الحمقاوات والمهتمات بالمظاهر فقط وإشباع رغباتهنّ التي لا حدود لها. كانت كل إنجازاتهنّ في رأيه صفٌ من الأصفار غير المسبوقة برقمٍ آخر، فقد بلغت هذه الإنجازات اللا شيء (Zilch).‏
ومما هو واضح أنّ شريعتي لم يكن مفتوناً بالمرأة الإيرانية التقليدية ولا بالمرأة العصرية. غير أنّ تصويره للمرأة المثالية فيه التباس، فهو من جهةٍ يلقي باللوم على وسائل الإعلام لأنها لا تعرض للنساء الإيرانيات صوراً لنساءٍ متحرراتٍ ومثقفاتٍ وذكياتٍ من أمثال آنجيلا ديفيس أو لنساءٍ مفكراتٍ بارزاتٍ وشخصياتٍ علميةٍ من الغرب من أمثال مدام كوري. ومن جهةٍ أخرى يقدّم فاطمة الزهراء ابنة النبيّ محمد (ص) كأنموذجٍ مثاليٍّ يُحتذى به. إلاّ أنّ تصويره لفاطمة الزهراء هو تصويرٌ محدودٌ ومقيِّدٌ نوعاً ما فهو يخصّص لها أدوارَ الإحسان والمساعدة ولكن بشكلٍ أساسي يقرنها بأدوار التفاني والتضحية من أجل أفراد عائلتها الذكور: والدها وزوجها وولديها.‏
فالنموذج التقليدي للمرأة كأمٍّ وزوجةٍ وابنة يبقى حجر الزاوية في نظام القيم عند شريعتي. وقد يكون شريعتي مفتوناً بحريّة المرأة واستقلالها وتطوّرها الفكري، بل هو بالفعل كذلك، إلاّ أنّه لا يستطيع أن يستسلم بالتنازل عن القيم العائلية التقليدية المطلوبة من المرأة. بناءً على ذلك فهو يعزو العزلة المتصاعدة في إيران إلى استقلال المرأة وانخراطها خارج دائرة العائلة.‏
ولم يكن شريعتي وحيداً في تحليله. ففي كتاب”الهوس بالغرب”Westomonia الأكثر حظوة وذي الطابع الجدلي يعتبر جلال الأحمد تحرر المرأة أحد”الشروط الضرورية”لـ”الهوس بالغرب”، ففي رأيه:‏
“نحن الإيرانيين رضينا بنزع النقاب عن وجوههنّ وإنشاء عددٍ من المدارس من أجلهنّ. ولكن ماذا بعد ذلك؟ لا شيء… إذاً ما أعطيناه للمرأة بالفعل هو حقّ استعراض أنفسهنّ أمام الملأ لا غير. لقد اجتذبنا النساء، صائنات التقاليد والعائلة وأجيال المستقبل إلى الفراغ والتسكع. لقد أجبرناهنّ على التفاخر والعبث وعلى أن يجددن مظهرهنّ كلّ يوم فيجرّبن زياً جديداً ويأخذن بالتجوّل. ماذا عن العمل والواجب والمسؤولية الاجتماعية والسيرة الحسنة؟ بعد الآن لا يوجد إلاّ القليل جداً من النساء المهتمات بأمورٍ كهذه”.‏
وبصورةٍ ضمنيةٍ وفي بعض الأحيان صريحةٍ تماماً، تمّ إلقاء اللوم في أمراض المجتمع جميعها على اتصالات المرأة الجنسية غير الشرعية والتي كُتِب عليها أن تصبح بسرعة مرادفةً لتحرر المرأة. فإحدى الفقرات المأخوذة من مقالٍ نُشر في”صحيفة العمل”Kar وهي الصحيفة الناطقة باسم حزب”فدائيي خلق”الأكثر يسارية (وهو حزب الأقلية) تدّعي أنّ:‏
“نساء وطننا الكادحات يعلمن جيداً أنّ التحرر الذي يعد به مؤيدو البرجوازية، أولئك الخانعون للإمبريالية ونظام الشاه المعادي للشعب ليس إلا سماحاً باستغلالٍ أكبر لبيع الإمبرياليين المترفين بضائع على حساب الكادحين المسلوبي الحقوق.‏
إنها ليست إلا نشراً لتغلغل الثقافة الإمبريالية المنحطة. دفاعهم عن تحرر المرأة يعني دفاعاً عن البغاء والإدمان على المخدرات وإنشاء بيوتٍ للرذيلة والآلاف من المظاهر الأخرى للثقافة الرأسمالية”.‏
وليس بمحض الصدفة أن يلجأ كتابٌ معاصرون بارزون إلى استقاء صورٍ من عذرية المرأة عندما يريدون تصوير نهب بلادهم على يد قوىً خارجية. ذاك أنّ فقدان العذرية يمثل فقدان الشرف والموارد الوطنية. وكلّ من”بارفن ابنة ساسان”بقلم صادق هداية”وداندل”بقلم سعيدي مثالٌ على ذلك. الفكرة الأساسية للكتاب الأول هي نضال الإيرانيين البطولي ضدّ العرب واستحضار لحظات مقاومتهم الأخيرة؛ فرغم أنّ موقف الإيرانيين الراسخ باء بالفشل إلاّ أنّه حظي بالتمجيد، وساحة قتالهم التي تشكل فرضاً المعقل الأخير للتصدي في وجه ثقافةٍ غازية حظيت بدرجةٍ عاليةٍ من التبجيل.‏
غير أنّ لحظة السقوط تأتي عندما يتمّ اغتصاب بارفن بطلة المسرحية على يد عربي.‏
أما”داندل”فهي قصةٌ قصيرةٌ جدلية كتبها الكاتب المسرحي البارز سعيدي وقد نُشرَت في عام 1968 وأصبحت ممنوعة لدى نشرها، ولها حبكةٌ بسيطة. تُؤخذ عذراء تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً إلى بيتٍ للبغاء في حيٍّ أحمر (الحيّ الأحمر: منطقة تكثر فيها المواخير) في بلدةٍ صغيرةٍ تدعى داندل.
وعندما تبحث صاحبة الماخور عن زبونٍ ثري لبضاعتها التي اقتنتها مؤخراً يشير رجلُ الشرطة المحلي إلى ضابطٍ أمريكي”يكون قادراً على إنفاق المال بجنون شريطة أن ينال بعض التسلية”. يلقى الزبون الثري الذي ينشد التسلية استحسان الجميع وفي يوم وصوله يتدفق الداندليون إلى الشارع تملؤهم الرهبة والتوقعات؛ إلا أنّ البهجة لا تلبث أن تتحول إلى اشمئزاز والدهشة إلى رعب. فلدهشة الجميع سرعان ما يغادر الأمريكي حتى دون أن يؤدي الأجر المتعارف عليه. وبذلك يصبح على الداندليين الخائبي الأمل والذين لا حول لهم ولا قوة أن يواجهوا كابوساً: فقد ضاعت عذرية الفتاة وضاع معها شرفهم أيضاً.‏
لقد خلقت مطالبات المرأة بحقوقها الشخصية واستقلالها مشكلاتٍ لم يسبق لها مثيل في مجتمعٍ بقيت فيه القيم القديمة جدَّاً والمتمحورة حول الذكر، لا سيما في مجال الجنس، محافظةً على وجودها. فالحد الفاصل بين العالم الذكري والعالم الأنثوي أصبح الآن غير واضحٍ ومعه أصبح أيّ شعورٍ بالاستقرار مشوشاً. كما أمسى الفرق الواضح بين الذكورة/ الأنوثة، المسموح/ المحظور، الطهارة/ الدنس، الشرف/ العار فرقاُ مثلوماً. وغدتِ النساءُ التحدي الحقيقي لشعور الرجل بالرجولة، فقد شكّكن بهذه الرجولة وفرضن عليها باستمرار أن تثبت نفسها وقدرتها على الاحتمال وقوتها وسيطرتها. في الواقع، لقد تمّ تسليط الضوء على المرأة في كلِّ شكوك المجتمع حول نفسه وحول الحداثة وحول التغيير.
بما أنّ النساء يخضعن لمشاعرهنّ المختلطة فقد أصبحن أيضاً خاضعاتٍ لأعراضٍ مختلطة. فهن منغمسات في لجة قيم سلوكية متضاربة؛ إذ تراهُنَّ حريصات على صون الكثير من المثل التقليدية على الرغم من افتتانهنّ بالتغيير، وهنّ يتأرجحن ذهاباً وإياباً بين القديم والحديث. يقول السفير الأمريكي في إيران ريتشارد هيلمز:‏
“هنا ستجد سيداتٍ مرتدياتٍ أزياءَ باريسية ومتزيناتٍ يلعبن البريدج، ولكن قبل أن يقمن برحلاتٍ إلى الخارج كنّ يسافرن إلى مدينة مشهد [المقدسة] مرتديات البراقع لطلب الحماية”.‏
هذه الحالة الفكرية المتضاربة عند مفترق الطرق بين الاستمرارية والتغيير والتي يتقاسمها الرجال والنساء على حدّ سواء تتلخص في الحياة الأدبية لفرخزاد. فالأثر الأدبي الذي تركته وراءها ليس وحده الشاهد الكلاسيكي على مطامح متضاربة بل إن النقد الذي أثاره أيضاً مدهشٌ بتناقضه أيضاً. أياً كان موضوع النقاش يبدو أنّ اتجاه النقد الأساسي قبل أو بعد وفاتها يدور حول الطبيعة الجنسية – الشهوانية لأعمالها الأدبية. فالكثيرون ترجموا وما زالوا يترجمون بحثها عن الاستقلال والتطور والحب إلى تعابيرَ جنسية في الغالب، وهم يتجاهلون كفاحها من أجل تغيير عالمها كما يتجاهلون دورها فيه مفضّلين على ذلك الموضوعات المصورة للحب الشهواني في قصائدها.

صحيحٌ أن موضوعات الحب تشكل باستمرارٍ نواة شعر فرخزاد، لكنّ معالجتها ليست شهوانية حصراً. فشعرها يستلزم إعادة تنظيمٍ جذريةً للقيم ويعترف بمحدوديات الحب التقليدي وفشله في إرضاء الشاعر ويخصص حقلاً معرفياً تواصلياً وشخصياً جديداً كانت النساء قد حرمت منه فيما مضى. ففرخزاد تستكشف الذات ضمن حدود علاقات الحب بين الجنسين وما وراءها في آنٍ واحد وهذا لا يتطلب ولا يحدث إنكاراً لعلاقاتها العاطفية مع الرجال بل على العكس فإنه يوسع طاقتها العاطفية، وبالفعل ففي بعض قصائدها نجدُ أنّ حاجتها للصداقة والاتّصال والتطور مشبعة بنفس درجة الحاجة الجسدية. هذا التبادل الفكري، هذا الالتزام بالتوسع بإمكانية العلاقات قلما وُصِفَ في الشعر الفارسي الحديث قبل فرخزاد فكما تقول:‏
“قلما عرف الشعر الفارسي الحديث معنى أن تحب بصدق، فالحب فيه مبالغٌ به جداً وكئيبٌ جداً ومتألمٌ جداً لدرجة أنه لا يناسب الدروب المضطربة والسريعة لحياة هذا العصر. أو أنّه بدائيٌّ جداً ويفيض بألم الامتناع عن الزواج بحيث أنه يذكر المرء تلقائياً بالقطط الذكور في موسم التزاوج على السطوح المشمسة. فالحب غير محتفىً به كأجمل وأنقى شعور لدى البشرية، واتحاد وامتزاج جسدين الذي يشبه بجماله التسبيح والدعاء قد انحط بمستواه إلى مجرد حاجةٍ بدائية”.‏
إنّ حصر التحليل النقدي لشعر فرخزاد في استغراقٍ وحيدٍ بجانبٍ واحدٍ للحب، ألا وهو الجنسي بصورةٍ رئيسية، ليس إلا تتفيهاً لشعرها وإهمالاً لميزاته الأخرى الكثيرة.‏
وإحدى النتائج الدقيقة لهذا الإفراط في تصوير الحب الجنسي هو رفض شعرها من قبل بعضهم بوصفه”عاطفياً و”شهوانياً”وبالتالي”غير مهم”. فعندما قمت باختيار دراسة”نسوية”لشعرها كموضوعٍ لأطروحتي في منتصف السبعينات دُهِشت تماماً لردة فعل الناس. وقد تراوح الجدل ضد ذاك الخيار بين السلطوي المحض والجنساني الصارم.‏
فبعضهم كان قلقاً بالفعل بشأن مستقبلي المهني، بينما أراد آخرون بدهشةٍ واهتمام أن يعرفوا فيما إذا كان بالإمكان منح درجة الدكتوراه لأطروحةٍ مكتوبةٍ عن شاعرةٍ امرأة هي نفسها لم تستطع أن تنال حتى شهادة الثانوية العامة وتحدثت فقط عن شهواتها الجسدية ومغامراتها. وكان العالم الهندي غيردهاري تيكو أيضاً قد واجه تحدّياًٍ”على سبيل المزاح”بسبب اختياره لشعر فرخزاد كموضوع بحثٍ جدي:‏
“عندما عدتُ إلى الولايات المتحدة في خريف عام 1965 قرأت مقالاً عن شعر فرخزاد في اجتماعٍ للجمعية الشرقية الأمريكية في فيلادلفيا وأعلنت فيه أنها أحد أهم شعراء إيران في القرن العشرين، وقد أظهر الراحل جوزيف شاخت من جامعة كولومبيا والذي كان محرراً لـ”ستوديا إسلاميكا”آنذاك اهتماماً بمحاضرتي ودعاني لكتابة مقالٍ عنها لمجلته. لكن هذا يتناقض كلياً مع التعليقات التي، ولو أنها جاءت على سبيل الدعابة، أطلقها صديقٌ وزميلٌ إيراني سيبقى اسمه مجهولاً كان قد سألني لماذا اخترتُ خائناً من بين الأنبياء(1) ذلك أن النقاد التقليديين الذين يُعدُّ زميلي واحداً منهم لم يمنحوا شعر فرخزاد درجةً عاليةً من التقدير”.‏
بحثاً عن الاستقلال وبالوقت نفسه تمسكاً بالمثل التقليدية للأنوثة، شقت فرخزاد طريقها بين صراعاتٍ من الداخل وتناقضاتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ من الخارج. لقد كتبت في جوٍ من التشجيع والإعجاب ممزوجٍ بالنقد اللاذع وحتى الازدراء. وبالفعل قلما ترك شعرها القراء الإيرانيين متجردين من ردة فعلٍ. فقد كان يثير إما افتتاناً قوياً أو نفوراً شديداً، فبينما أدانه بعضهم لعدم أخلاقيته ولدفاعه عن الاختلاط، احتفى به آخرون للصوت الأنثوي المتميز فيه والذي يتحدى القيم السائدة في ثقافتها. لكن عموماً طالما قدم عدد كبير من القراء المتلهفين والمتحمسين تأييدهم الصادق لهذا الشعر. فبطبعاته العديدة، يُعد عملها الأدبي من بين الأعمال الأكثر شهرة في الأدب الفارسي الحديث. والإقبال الشديد على كتب فرخزاد قد اذهل النقاد لعقودٍ عديدةٍ من الزمن الآن.‏
***‏
ولدت فوروغ فرخزاد في الخامس من كانون الثاني من عام 1935 من عائلةٍ كبيرةٍ وهي الثالثة بين سبعة أولاد. وبعد تخرجها من مدرسة الأحداث العليا2 انتقلت إلى مدرسةٍ فنية لدراسة الرسم والخياطة ولم تنهِ المرحلة الثانوية. كانت تبلغ السادسة عشرة عندما تزوجت من بارفيز شابور، أحد أقربائها البعيدين وهو حفيد خالة والدتها. وخلافاً لما هو الحال عند ابنتي الجيل السابق طاهرة قرة العين وبارفن اعتصامي بزواجهما التقليدي، تزوجت فاروغ فرخزاد من رجلٍ وقعت بحبه. وبعد عام ولد طفلهما الأول والوحيد وهو صبي أسموه كاميار. صدرت مجموعة فرخزاد الشعرية الأولى تحت عنوان”الأسيرة”The Captive عام 1955 وتحتوي على أربعٍ وأربعين قصيدة تتحدث عن قصة امرأةٍ محبطةٍ وعن شعورها بالقيود في حياتها. وعنوان المجموعة بحد ذاته يشير إلى إحساسها بالتورط واليأس. شخصية”الأسيرة”الشعرية هي امرأة شابة مضطربة تقضي وقتاً مريراً تصوغ فيه هويةً لنفسها وتقع بحيرةٍ بين مطالب المرأة -الزوجة والأم التي، على ما يبدو، أنها تتناقض مع مطالب الشاعرة المستقلة:‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

فرزانة ميلاني :فروغ فرخزاد..ثورة شاعرة كشــفُ النّقابِ عنِ الآخر :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

فرزانة ميلاني :فروغ فرخزاد..ثورة شاعرة كشــفُ النّقابِ عنِ الآخر

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: تـــــــــاء التأنيث الـــــمتحركة زائر 745-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: