** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
جماليات الرمز في رواية خويا دحمان I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 جماليات الرمز في رواية خويا دحمان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تابط شرا
فريق العمـــــل *****
تابط شرا


عدد الرسائل : 1314

الموقع : صعلوك يكره الاستبداد
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

جماليات الرمز في رواية خويا دحمان Empty
27072010
مُساهمةجماليات الرمز في رواية خويا دحمان

ممارسات القرائية المتعددة، بحيث تدع للقارئ حرية
التأويل وتطبيق المنهج الذي ينسجم والنص.
ولعلي استحسن -في هذا المقام- تتبع الجماليات الرمزية، في المتن، لما لها
من سعة حرية تنأى بالقارئ والعمل من الإسقاطات المباشرة على وقائع اجتماعية
أو تاريخية معينة بشكل وثائقي، لأن المبدع يعبر عن معاناة وهمّ إنسانيين،
ولا يؤرخ لوقائع يومية.
ولعل من الأمانة العلمية الإشارة – هنا – إلى أن ثمة رسالة ماجستير عنيت
بهذا العمل الروائي، أعدها الباحث علي محجوب، وهي موسومة بـ"بنية الشخصية
وعلاقتها بالمكان الروائي في رواية "خويا دحمان" لمرزاق بقطاش، قسم اللغة
العربية وآدابها، كلية الآداب واللغات، جامعة الجزائر، 2002- 2003م وقد
كانت من المراجع التي افاد منها البحث، في اعداد هذه القراءة.
وانطلاقا مما تغيته هذه القراءة فقد اهتمت بالمهمين في الرواية -(من عتبات
وشخصيات واماكن)- باعتباره "متن المتن" وبقية العناصر تنويع عليه. وقد
انتظمت في ثلاثة أقسام متبوعة بقائمة المصادر والمراجع، ناهيك عن المقدمة
والخاتمة.
عني القسم الأول منها برمرية العتبات من خلال صورة الغلاف وصفحته الرابعة،
والعنوان، وتتبعها في المتن من خلال تعالقها معه وتشظيها فيه.
وتناول القسم الثاني، رمزية الشخصيات، واكتفى منها بالشخصيات الثلاث
المحورية الهامة (دحمان، ووالده، وابنه) التي مثلت رموزا مركزية في هذا
العمل. وكذا العلاقة الرابطة بين هذه الشخصيات.
أما القسم الثالث فقد حاول استجلاء رمزية المكان الرئيسي في الرواية،
فتناول فضاء البحر من حيث هو رمز للحياة كلها وميدان لكل الصراعات ناهيك عن
أنه مثل في هذا العمل فضاء الإصرار والتحدي بامتياز فكان البطل الاول فيه.
كما تناول ارتباط الشخصية الرئيسية به.

1- رمزية العتبات
أ – صورة الغلاف:
تعد صورة الغلاف من العتبات الدلالية الهامة التي توجه القارئ إلى
استكناه مضامين المتن وفك مغاليقه، بما تقدمه من دلالات استباقية تكثيفية
لمضامين النص اللاحق، وكما يرى البعض بأنها "تعيد تمثيل الموضوعات المطروحة
في النص الروائي"(2) سيما إذا أتقن اختيارها وكان عبر ذائقة فنية تدرك
مضمون العمل إدراكا دقيقا.
ولذا فان القارئ يجد بأن صورة الغلاف في رواية "خويا دحمان"(3) قد انتقيت
بعناية فائقة لتصبح إحدى عناصر هذا العمل الروائي، تتماهى معه وتؤازر رؤيته
الشاملة، منذ أول جملة فيه، حتى آخر فقراته المكتوبة على غلافه الأخير ومن
هنا فإن أول ما يستوقفنا في هذا النص هو إحالة صورة الغلاف على فضاء معين،
وهو البحر ، من خلال تسميتها المباشرة "بحرية "(4) ناهيك عن عناصرها
ومكوناتها الرامزة إلى مدلولات شتى تغري المتلقي إلى تتبعها عبر المتن
الروائي، ومعرفة أبعادها الدلالية.

تعالق الصورة مع النص:
تتعالق صورة الغلاف هذه مع النص اللاحق دلاليا وتركيبيا من زوايا متعددة إذ

تبدو وكأنها ثورة من الغيوم والأمواج والأعاصير التي تشبه الحياة التي
يخوضها (دحمان/ الجيل) في سبيل الخروج من بوتقة الذل والاحتلال، وتبدو
الغيوم في أعلى هذه اللوحة مسودة وكأن الرياح الهوجاء تعصف بها وهي تلامس
أعالي أشرعة الزوارق المتأرجحة داخل دوامات من الأمواج يمنة ويسرة.
ولعل اللافت في هذه الزوارق حالة الفراغ التي تخيم عليها، إنها خالية من
البشر الأمر الذي يستدعي إلى الذاكرة، الأحداث التي مر بها دحمان وهو يهفو
إلى امتلاك زورق منذ نعومة أظافره، حتى امتلكه، وحين امتلكه لم يستطع
تسجيله بإسمه، بل سجله باسم أخته (حنيفة) وتمضي به الأيام، ويدخل السجن إثر
مشادات بينه وبين جنود الإحتلال في المرفأ، ليخرج منه ويجد الزورق معطلا
ويحتاج إلى ترميم وصيانة ويبقى فارغا لفترة طويلة حتى يتمكن من ترميمه.
ويبدو أن هذا الفراغ يمثل رمزا لنكوص مرير، يمهد للتحول السياسي،
والاجتماعي، الذي سيأتي به النص فيما بعد، سيما إذا أدركنا أن الزوارق كانت
في زمن الاستعمار ملأى بالجزائريين، يستخدمونها لاستخراج أرزاقهم منه،
وكذا استقدام الأسلحة للثوار- فان الوضع قد تغير فيما بعد وأصبح يتحتم على
كل من يملك زورقا أن يخضع للمساءلة وتقديم تقرير شهري عن ما يتحصل عليه من
رزق. لذا فإنها كانت تمثل أملا ممتلئا بالمستقبل لكنها غايرت المؤمل حينما
جاء هذا المستقبل، وأصبح الأخوة يتقاتلون فيما بينهم، فغدت هذه الزوارق
تمثل خيبة أمل لديهم وانكسارا مريرا، وأفرغت من محتواها، فظل دحمان طوال
حياته الباقية يتوق إلى استعادة الزمن المفقود.
ولعل هذا الفراغ بوصفه غيابا يمثل المعادل الرمزي لغياب مرير ظل يثقل ذاكرة
دحمان طوال حياته، وهو غياب لثلاث شخصيات عزيزة عليه، اثنتين منها غيبها
الموت (والده، وزوجته). والأخرى (ابنه) غيبها الاغتراب، فظل حياته يحن
إليها كزورق يحن إلى صاحبه.
ولذا فإن هذه اللوحة قد أصبحت في هذا العمل جزءا لا يتجزأ من معمارية النص،
وعلاقتها به " ليست علاقة ثانوية ، وإنما هي علاقة تفاعلية تكاملية
تساعدنا على الحفر داخل النص لفهمه وفهم محيطه"(5) الذي تمثله خير تمثيل
وتتمثل به.

ب- العنوان:
وإذا كانت صورة الغلاف من أهم العتبات المفتاحية لهذا النص، فإن
العنوان لا يقل أهمية عنها من حيث هو "وسم وتسمية تتناسل بموجبه المعاني
والدلالات التي أراد [المبدع] خلقها والتعبير عنها في لحظات الإبداع
المفلتة من الزمن"(6) لذلك فإن أول ما يطالعنا –كتابيا – في هذا العمل هو
عنوان الرواية الذي يعتمد المباشرة والوضوح والاقتصاد اللغوي عبر هذه
الجملة الأسمية التي تتوزع على مدار المتن وتتشظى فيه وتغدو المرتكز
الرئيسي الحي المتحرك في ثناياه.

تعالق العنوان مع النص:
إن هذا العنوان هو اسم للبطل الرئيسي في الرواية، والشخصية
المحورية التي يدور حولها الحديث، بل الشخصية الأولى المتلقية للرواية من
السارد ، من حيث أنها تؤدي دور المستمع للسارد الذي يدير دفتي الحـكي عبر
الاستذكار، وسرد الأحـداث التي مضت وإعـادتها علـى ذاكرة خويا دحـمـان.
فالسارد مرسـل، والبطل/خويا دحمان متلق، لا يصنع شيئا سوى الاستماع، لما
صنعه في الزمن الغابر، فهو مروي له يستمع مأساته عبر السارد الذي يروي ولا
يشارك في الأحداث، واستماعه هذا استماع غير فاعل أي انه في صمت ومناجاة
مستمرة لاتنتهي.
وقد جاءت الرواية مكتفية بهذا العنوان الرئيسي، مترابطة الأقسام والفصول
بدون عناوين داخلية، تنهمر على البطل المحوري كما تنهمر على المتلقي من
الذاكرة بحرارة متدفقة وبتلقائية تجعل الأحداث تنتقل من حدث إلى آخر بأسلوب
استطرادي، عبر العديد من الجمل الاسترجاعية الواقعة في بداية الفقرات مثل:
" تذكر ياخويا دحمان"(7)
"أمازلت تتذكر أم نسيت"(8)
"إيه ياخويا دحمان، هيا استذكر أيامك الخوالي"(9)
ومن ثم تتنامى الأحداث والتأزمات عبر استذكارها سردا في لحظات محددة زمنيا
وهي لحظات انتظار ابن خويا دحمان القادم من الغربة.ولعل في تداعي الذاكرة
هذا مايبرر غياب العناوين الداخلية للمتن.
ولذا فان هذا العنوان قد اكتسب بالمتن وفيه مدلولا أوسع من أبعاد الاسم
المجرد، فغدا خويا دحمان رمزا، يتجاوز المدلول الشخصي الفردي ليمثل جيلا
بأكمله –كما سنرى– ولذلك كان إصرار الذات اللاواعية لمرزاق بقطاش على
إظهار التسمية لهذا الرمز منذ الغلاف ليكون هو الآخر مهيمنا على شخصيات
الرواية كما هيمن البحر على أمكنتها منذ الغلاف أيضا.

ج- صفحة الغلاف الرابعة:
وتعد صفحة الغلاف الرابعة – كذلك – إحدى العتبات الدلالية التي لا
تقل شأنا عن العتبات الأخرى المحيطة بالنص، فهذه الصفحة تتركب من وحدتين
دلاليتين الأولى خاصة بنص مستل من المتن الروائي بدقة، تتداخل فيه الدوال
الرئيسية التي تتشظى في المتن كله منذ صفحة الغلاف الأولى التي يعمل –أي
هذا النص- على ترجمتها وإظهار عناصرها، فرجوع خويا دحمان إلى زورقه يعني
انه كان فارغا، ناهيك عن اصطخاب الأجواء السياسية أيضا كاصطخاب الغيوم في
فضاء اللوحة، ولنا أن نتأمل في مضمون هذا النص الذي يقول: "ورجعت إلى
زورقك، ياخويا دحمان. تلقي بشبكتك في البحر وتزم فمك في نفس الوقت حتى أن
أصحابك تساءلوا في كل مكان: ماذا دهى أخينا هذا؟ ولما كنت اكتويت بنار
الخديـعة فانك التزمت الحدود كما يقـال. السياسة تخبط خـبط عشواء في كل جهة
من جهات الوطن، وأنت ترفض أن تدلي بدلوك فيها، لا عن خوف وإنما لأنك لم
تفهم ما الذي يحدث في بلادك. ظننت كما يظن الناس كلهم أن الأمور ستسير على
أحسن ما يرام بعد انتزاع الحرية والاستقلال، وإذا بها تنعكس وتنقلب انقلابا
كليا"(10). فنجد بعد تأمل هذا النص أنه يؤدي ثلاث وظائف هامة:
الأولى : تكثيف النص، واختزال محمولاته الدلالية، واختصار دواله التركيبية
ليصبح بذلك مجمعا يصب فيه المتن كله.
والوظيفة الثانية: هي إبراز الدور التراجيدي الذي يقوم به البطل الروائي في
حياته منذ البداية، بشكل مكثف من خلال تصوير عودته إلى زورقه ،واكتوائه
بنار الخديعة السياسية، وخيبة الأمل التي صدم بها بعد الاستقلال، إثر
انعكاس الأمور وانقلابها انقلابا كليا.
أما الوظيفة الثالثة: فهي توجيه عملية القراءة، من خلال إبراز أهم العناصر
المفتاحية، مكثفة ومختزلة، تغري المتلقي بالبحث عن تفاصيلها داخل المتن.
ولذا فإن العلاقة تبدو وشيجة بين نص الغلاف الرابع، والمتن الكلي للرواية،
فهو رمز ونواة له. من حيث أنه يقدم أهم المفاتيح التي تسهم في فك مغاليقه
الداخلية، ولا تتوقف عند مستوى المعنى المعجمي المتمركز في هذا النص المحيط
فحسب.
أما عن الوحدة الثانية فإنها خاصة بنص ذا تمظهر حدثي، خاص بترجمة لمرزاق
بقطاش، كتاريخ ومكان الميلاد والمؤهل، والعضويات الحاصل عليها وكذلك بعض
مؤلفاته.

2- رمزية الشخصيات الرئيسية والعلاقة بينها
أ – رمزية الشخصيات:
وإذا كان الإصرار من السارد على اظهار تسمية البطل منذ غلاف
الرواية، فإنه يثبتها لكل شخصيات الرواية الرئيسية منها والثانوية،
باستثناء الأب الذي يذكر صفته فقط إمعانا منه في تثبيث الهوية الرمزية لها
وجعلها أكثر تكثيفا للدلالة وتحديدا للوظيفة المنوطة بها.
فخويا دحمان يمثل رمزا لجيل الثورة، الذي صارع صراعا مستميتا، منذ حداثة
سنه حتى اشتد عوده، فلم يهادن ولم ينحن لعاصفة ولم يخش من سجن ما، ولم يرض
بأن يكون عبدا لاحد مهما يكن سوى لله- كما تحيل بذلك تسميته (دحمان)
الحاملة لصفة العبودية المحددة للرحمن فقط، وقد عاش باحثا عن رزقه وحريته
راغبا في التخلص من قبضة الاحتلال حتى تحقق حلمه، وقد فقد في سبيل ذلك أعز
ما يملك وهو زوجته التي أصيبت بصدمة عقب إحدى حوادث القبض عليه من قبل جنود
الاحتلال(11)
وبالمقابل فإن أبا دحمان يمثل هو الآخر رمزا لجيل ما قبل الثورة الذي كان
عاجزا عن فعل شيء، سوى التمني بقيام الثورة وتحقيق الاستقلال نتيجة لما ضرب
حوله من ظلم وقسوة من قبل الاحتلال، فلم يستطع أن يصنع ما صنعه دحمان بعد
ذلك، فأضاع حياته مشردا متنقلا على صواري السفن بين المرافئ، وجدران
السجون، ولعل هذا الضياع المتعلق بهذا الجيل تختزله الصفة أو التسمية التي
كان يطلقها عليه أصحابه إذ إنهم كانوا يسمونه بـ "الزاوش" أي الطائر"(12)
أوالمطيار كما كانت تسميه زوجته، ويكتب له بأن يمحى ويضيع خبره بعد أن يموت
في ديار الغربة، ولا يعلم أهله وأصدقاؤه أي بحر التهمة، وتنسج حول ذلك
الأقاويل، وتتعدد التأويلات حول مصيره الغامض. ولذلك يعمد السارد إلى طمس
معالم هذه الشخصية واسمها والإبقاء على صفتها فقط.
وتأتي الشخصية الثالثة القريبة من هاتين الشخصيتين وهي شخصية (محمد) ابن
خويا دحمان الرامزة إلى جيل ما بعد الثورة وهو جيل الصراع المرير بين
الأخوة. وهذا الجيل/محمد يظل مرتبطا بالغربة، وهاجس الرحيل ونجده يذهب إلى
الغربة لهدف محدد وهو طلب العلم في حين كان أبوه وجده يذهبان إليها بحثا عن
الأمان وهربا من الجحيم الذي يحيط بهما واللافت إن طلب العلم هذا يكون في
بلد المحتل مما جعل خويا دحمان يخاف على مستقبل ابنه من احتلال آخر غير
مباشر، احتلال مغاير للاحتلال الذي تفلت من أغلاله، هو وجيله، وطردوه إلى
غير رجعة، ولأنه كان يعقد الأمل به في تغيير الوضع بعلمه، فقد تمثل خوفه من
أن يتزوج هذا الابن من فرنسية وظل شغله الشاغل منذ وصول رسالته الأخيرة
إليه، والتي لم يفهمها، حتى وصول ابنه، ليتضح له بأن ما كان يخشاه شيئا آخر
غير ذلك، أي أنه وجد ما كان يخشاه سيارة لا امرأة.

ب- العلاقة بين هذه الشخصيات / الأجيال:
يتضح من ذلك أن العلاقة بين هذه الأجيال الثلاثة تقوم على الاتصال
والانفصال كما يبدو من خلال العلاقة الرابطة بين دحمان وأبيه فهي شبه
منفصلة منذ أن جاء إلى الحياة، حيث ولد وأبوه في الغربة، لأنه لم يكن يقضي
في البيت إلا يوما أو يومين وبقية الأيام في البحر، وحينما يكبر دحمان
يحاول تذكر صورة الأب ولكنها تهرب منه، إنها علاقة مطموسة بين هذين
الرمزيين وليست هذه القطيعة بإرادتهما إنها قطيعة إجبارية، ناتجة عما يصنعه
الاحتلال المقدر عليهما كالموت بلا رحمة. إنها صورة تحيل على بشاعة وقبح
الآلة الاستعمارية وما تخلفه من ضياع وتشتت اجتماعي قاهر.
أما العلاقة بين دحمان وابنه، فإنها تبدو أكثر حميمية فهي علاقة قائمة على
الاتصال في كل الظروف، من حيث أن دحمان يظل إلى جواره وقريبا منه، حتى وإن
سافر فهو سفر قريب فنجده يحاول تعويضه بما لم يجده في أبيه وما لم يجده في
نفسه، ليطمئن بأنه لن يقول له على – الأقل- "مطيارا".
ويتعمق هذا الاتصال بينهما بعد الاستقلال فيعلمه ويهيئ له سبلا شتى، حتى
يذهب للدراسة في خارج الوطن، فيظل الارتباط والتواصل بينهما وهو في ديار
الغربة حتى يعود.
وثمة رابط آخر، أكثر قسوة، يربط بين هذه الأجيال الثلاثة، وهو الحرمان،
والتشرد، وعدم معرفة الاستقرار، والحرب المتواصلة، التي بدأت ضد الاحتلال،
ثم بحثا عن لقمة العيش، لتستقر بين الأخوة على كراسي الحكم، الأمر الذي
يختزله السارد في قوله لدحمان:
"من حرب إلى حرب ، يا خويا دحمان هيا ، قتر على نفسك تقتيرا كغيرك من الناس
الآخرين حرك نفسك ثانية هل تعرف العيش في أمن وأمان؟ العيش الآمن الكريم
حاجة غير معروفة بالنسبة لك ولأبناء جيلك– بل إن الجيل الذي جاء بعدك لا
يعرف هو الآخر ما معنى العيش الآمن"(13)
فالخيبة وعدم الاستقرار في الفترات الثلاث لم يزل هو المهيمن إذن، وقد ظل
دحمان شاهدا على هذه الفترات الثلاث بعد أن خبرها وأدرك أنها لم تنتج شيئا
سوى الضياع المتواصل.

3- رمزية البحر وارتباطه بالشخصية الرئيسية

أ- رمزية البحر:
لقد ارتبط البحر في الثراث بالجهاد والفتح والصراعات الإنسانية والأسطورية،
إضافة إلى العطاء والانفتاح حتى أصبح رمزا للحياة بكل صخبها وهدوئها.
ولعل هذا الفضاء الجغرافي/الرمزي لم ياأت اعتباطا أو جزافا في هذه الرواية،
الذي يشكل البحر فيها " كفضاء روائي قيمة مركزية .... فهو يهيمن على أجزاء
الرواية بكافة تفاصيلها، إنه الفضاء المفتوح على المغامرة والمعاناة
والصراع وهو بمثابة أهم أمكنة الانتقال"(14) و "هو المكان الأول الذي
تتمظهر به الرواية منذ واجهة غلافها، وهو عتبة النص التي تكون فضاءه الكلي،
بل هو البطل الحاضر المهيمن على هذا العمل الإبداعي"(15) حيث تدور حوله
معظم الأحداث الروائية وتتمحور فيه الشخصيات الرئيسية والثانوية وتتماهى
معه. ويغدو رمزا للحياة والموت معا، من حيث انه كان قد التهم الاب، وغيبه
الى غير رجعة، وهو المتنفس الوحيد والفضاء الرحب، الذي يأوي إليه خويا
دحمان، كلما ضاقت به الفضاءات الأخرى.
لذلك لم يعد مكانا جغرافيا يتحدد بأسماء أو أبعاد محددة، بل نجده انسانا،
ووطنا، وحلما، ورمزا، وفلسفة، فهو رمز للحرية وهو المنقذ من الرتابة
والجمود والهادف إلى نزعة التجديد والتغيير، وهو المنفذ الذي يطل منه
الإنسان الجزائري -الذي كبله الاحتلال- على المكان الآخر، وهو التوق إلى
الانعتاق، لذلك فهو يغري الشخصيات ويغويها ويفجر فيها الحنين إلى السفر نحو
الأمان، بغية الخروج من قبضة المحتل الذي حول الوطن كله إلى سجن، فأصبح
البحر هو المعادل الرمزي الذي يمثل النجاة، سيما وقد ارتبط بالسفر،
والرحلات التي كان يقوم بها دحمان على غرار أبيه، والتي تستبطن التوق للهرب
من الواقع والحنين للحرية حتى أن بعض أصحابه يغضبون من إحدى سفراته "لأنهم
كانوا على علم بأن فجر الجزائر يوشك أن يطلع"(16) وتغضب منه أخته حنيفة
خوفا عليه من كثرة سفراته، مما يجعله يحلف لها أمام ضريح سيدنا عبد الرحمن
بأن لا يعاود السفر مرة أخرى إلا أنه يتوق إلى البحر ويقرر السفر ويحنث
بيمينه، فتدعو عليه حنيفة حينها بألا يرده الله إليهم.

ب-ارتباط البحر بالشخصية الرئيسية:
وقد ارتبطت هذه الشخصية المحورية/خويا دحمان، بالبحر ارتباطا
عميقا، فتماهت معه، وتجذرت فيه، وأصبحت جزءا منه وأصبح هو جزءا منها وإحدى
مكوناتها، حتى أن هذه الشخصية لم تعد قادرة على الفكاك، والتفلت من أغلاله،
فتظل في حاجة ماسة إليه يوميا إلى الحد الذي دعا السارد بأن يتساءل: "ما
الفرق إذن بينك وبين حبة من المحار أو قوقعة من القواقع البحرية"(17) وهو
ما جعل هذه الشخصية تطلق ألقابا وأسماء ذات سيادة على البحر ، والأشياء
المتعلقة به، دلالة على تملك البحر وتسلطه القاهر عليه، فهو حينما يناجي
البحر يدعوه بسيدي بحرون، وحينما يخاطب الصناجة يقول لها يا سيدتي ، ويطلق
على الزورق اسم "سلطانة" مما يشي بالعلاقة الوطيدة التي تربطه بهذه
الكائنات الحبيبة إلى قلبه.
ولعل معظم هذه الأدوات المتعلقة بالبحر أمثلة على ممارسة الرجل
المجاهد/دحمان، لدوره وصراعه مع الحياة بل إنها في عمقها تمثل نكوصا إلى
زمن الحيوية، زمن الحركة والنشاط، الذي يمثل لديه زمن الذكريات الجميل الذي
يتوق إليه، سيما وقد شاخ ولـم يعد يمارس طقوسه مع البحر بعد أن كانت
علاقته معه مـنذ شبابه تقوم على خصام لذيذ، فلم يكن يدخل معه في لحظات
قطيعة إلا ويعود إليه كالابن الضال، إنها لحظات المحارب المليئة بالتوق إلى
زمنه المفقود المنفصل عن اللحظة الحاضرة.
ولتلازم هذه الشخصية بالبحر ومكوناته نجد في الوقت الذي شاخ فيه البطل
الروائي شاخت أدوات البحر أيضا، فا الـ "صناجة" مثلا كانت إحدى الشهود على
ما حدث وعلى كيفية تسريب دحمان للسلاح واخفائه فيها في زمن عنفوانها ، حيث
كانت مستودع سره حين لم يدر بذلك السر حتى أقرب المقربين إليه. غير أنها قد
أصبحت عجوزا ومخروفة الآن بل إنها ميتة الأمر الذي جعل السارد يسأل دحمان
بمرارة حينما رآه يعيد ترميمها:
"هل أنت صادق في عزمك على ترقيع هذه الصناجة ياخويا دحمان ؟وهذه الأسلاك
التي جئت بها، أتراهما تنفع في إعادة الحياة إليها؟ إنها مليئة بالثقوب
السمك الذي يدخلها من الفتحة العلوية قد يتسرب من هذه الجهة أو تلك عد إلى
رشدك ياخويا دحمان، ودعها ترقد رقدتها الأبدية"(18)
وعليه فإن البحر قد غدا الشخصية الرئيسية وأصبحت الشخصية الرئيسية هي البحر
، فيهما تدور الأحداث ومنهما تنطلق ، وحولهما تدور الشخصيات الأخرى وتتجمع
الأمكنة .
الخاتمة
تخلص هذه الدراسة إلى النتائج التالية :
- إن العتبات المحيطة في هذا المتن، قد أصبحت جزءا لا يتجزأ منه، تتعالق
معه وتتشظى فيه، تمثله وتتمثل به، وتقدم مفاتيح هامة تسهم في إعادة إنتاجه
دلاليا، ناهيك عن أنها تختزله، وتكثف محتواه، وتعطي المتلقي انطباعا أوليا
عنه.
- إن الشخصيات الثلاث المحورية في النص قد مثلت رموزا مركزية، ذات أبعاد
متعددة، لثلاثة أجيال متعاقبة، هي جيل ما قبل الثورة، وجيل الثورة، وجيل ما
بعد الثورة، وتقوم العلاقة فيما بينها على الاتصال والانفصال، ويربط بينها
الضياع والاغتراب وعدم الاستقرار لما ضرب حولهما في زمن الاستعمار وبعده.
- وقد مثل البحر رمزا للحياة وفضاء للإصرار والتحدي والتجاوز، فنجده يتجاوز
معناه المعجمي الجغرافي فيتحول إلى وطن، ويغدو إنسانا، فلا يتحدد بأسماء
أو أبعاد محدودة، ولذلك فقد مارس غواياته وإغراءاته مع الشخصيات وزرع
الحنين فيها إلى الرحيل عبره بحثا عن الأمان المفقود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

جماليات الرمز في رواية خويا دحمان :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

جماليات الرمز في رواية خويا دحمان

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: