** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 التوحيد من النزاعات المذهبيَّة إلى نشأة الحاكميَّة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نعيمة
فريق العمـــــل *****
نعيمة


عدد الرسائل : 360

تاريخ التسجيل : 14/04/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

التوحيد من النزاعات المذهبيَّة إلى نشأة الحاكميَّة Empty
09042018
مُساهمةالتوحيد من النزاعات المذهبيَّة إلى نشأة الحاكميَّة

التوحيد من النزاعات المذهبيَّة إلى نشأة الحاكميَّة 5aa7e0f0a7c5d1021032127


نحاول من خلال هذا البحث دراسة التحوّلات التاريخيّة التي شهدها مفهوم التوحيد انطلاقاً من الجهود النظريّة التي قام بها كتّاب الفرق، ثمّ باستدعاء هذا المفهوم في ظلّ عصر النهضة وما طرحه على بعض المفكرين من أسئلة التراث والمعاصرة وشروط مواجهة الاستعمار، وأخيراً ندرس تحوُّل مفهوم التّوحيد إلى الحاكميّة.
وليست مقاصد هذه الدراسة مجرَّد إظهار ما طرأ على مفهوم التّوحيد من تطوّر، وإنَّما محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء تلك التطوّرات. فقد ارتبط مفهوم افتراق الفرق والنزاع على الحقيقة الدينيّة بتبنّي تصوّرات مختلفة حول الذات الإلهيّة جعل غاية كلّ فرقة الإقناع بأنَّها صاحبة الحقّ المطلق وأنَّ سائر الفرق من الهالكين. ثمَّ أضحى مفهوم التّوحيد في عصر النهضة وسيلة لمواجهة المشاكل التي فرضها الواقع الاستعماريّ وما كان يهدّد الهويّة من أخطار خارجيّة. أمَّا مفهوم الحاكميّة، فهو نتيجة منافسة رمزيّة بين أنظمة مختلفة، خلفيَّات أصحابها سياسيّة بالأساس. وقد سوّق له دعاته في إطار مشروع الإسلام السياسيّ الذي أوّل الدّين تأويلاً سلطويَّاً، فجعل من أهم أولويّاته الوصول إلى السلطة باعتبارها الوسيلة الأقوى لنشر الإسلام وتطبيق الشريعة. ولكنَّ تلك الدعوة لم تكن تخلو من إهدار لأبعاد أنطولوجيّة للدّين، وصراع صداميّ مع المختلفين سياسيّاً باعتماد التّكفير والعنف.
1- التوحيد وافتراق الفرق:
كان النّزوع إلى الاختلاف هاجس كلّ فرقة إسلاميّة، وإن تقاطعت بعض الآراء وتشابهت. فالاختلاف كان مقصداً في حدّ ذاته يضمن للفرق التمايز بين بعضها بعضاً. وكانت الغايات السّلطويّة جليّة. فقد حاول كلّ فريق فرض تأويله على سائر الفرق من خلال محاولة الإقناع بأنَّه يمتلك الحقيقة المطلقة والنهائيّة. إذْ اعتبر الأشعريّ (ت 330هـ) مثلاً أنَّ الفرقة النّاجية هي التي تقول إنَّ الله على عرشه ولا تجسّمه، وأنْ لا يقال إنَّ أسماء الله غير الله، وأن تثبت مشيئة الله، وأن لا يشرك في قدرته وخلقه بأحد، وهو صاحب القضاء والقدر، والإقرار بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنَّ المؤمنين دون غيرهم يرون الله يوم القيامة بالأبصار، ولا يكفّرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه، ويقرّون بشفاعة النبي وبعذاب القبر والحوض والصراط والبعث والمحاسبة والوقوف بين يدي الله، ويقرّون بأنَّ الإيمان قول وعمل، وأنَّ الله ينزل الناس حيث شاء ثواباً وعقاباً، وينكرون الجدل والمراء في الدّين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل، ويتبعون الثقات من العلماء، ويقرّون بفضل جميع الصحابة دون الخوض فيما شجر بينهم، ويصدّقون ما رُوي عن النبيّ من أحاديث وبفضل الأئمة، ولا يخرجون عليهم بالسيف، وأن لا يقاتلوا في الفتنة، ويؤمنون بتفاصيل البعث كما تصوّرها السنّة، ويكفّرون السحرة ومسائل أخرى...[2].
وانطلاقاً من هذا المبدأ حاول علماء الكلام الإقناع بأنَّ من شروط التّوحيد اتّباع نهج الفرقة الناجية في تصوّرها للذات الإلهيّة. ورغم أنَّ كلّ الفرق تتّفق في وحدانيّة الإله، فإنَّها تفترق حول تصوّره تشبيهاً أو تجسيداً أو تجريداً أو تنزيهاً، وتتجادل حول صفاته[3]. ولذلك فقد كان الوجه الآخر للتوحيد تكفير المخالفين واعتبارهم مارقين وهالكين، من ذلك مثلاً أنَّ الغزالي (ت 505هـ) شمل الفلاسفة بالتكفير سواء الدهريّون والطبيعيّون والإلهيّون على أساس إخلالهم بشروط التوحيد. واعتبر أنَّ أصل الإيمان هو الإيمان بالله واليوم الآخر. وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر، وإن آمنوا بالله وصفاته. فوجب تكفيرهم وتكفير شيعتهم من المتفلسفة الإسلاميّين كابن سينا (ت 427 هـ) والفارابي (ت 339هـ) وأمثالهما[4]. وقد ظلّت ثنائيّة التّوحيد والتّكفير أو النّجاة والهلاك تحكم علم الكلام على اختلاف المذاهب فيه اعتزاليّة أو أشعريّة أو شيعيّة إسماعيليّة أو صوفيّة. وقد اعتبر الغزالي مثلاً أنَّ "الصوفيّة هم السّالكون لطريق الله تعالى خاصّة، وأنَّ سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيّروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلاً، فإنَّ جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوَّة، وليس وراء نور النبوَّة على وجه الأرض نور يستضاء به"[5].
لقد أسّس التّوحيد بفعل الجدل الكلامي بين الفرق للاختلاف والتكفير أكثر ممَّا أسّس للائتلاف واتّحاد المؤمنين. وهو مفهوم تاريخيّ تأثّر بالتيّارات الفكريّة التي انفتح عليها العقل الإسلاميّ مثل الفلسفة اليونانيّة والإرث اليهوديّ والمسيحيّ. وكان للنزاعات السياسيّة أثر في التوحيد. فقد قضت الفتن السياسيّة بنظريّات متباينة يتصوّر فيها كلّ فريق نفسه صاحب السلطة التأويليّة على النصّ القرآني والحامل للصّورة المثاليّة للإله. وإنَّ الطابع الجدليّ الذي انتهجه علماء الكلام كان يؤدّي وظيفتين: الأولى دفاعيّة في علاقة العقائد الإسلاميّة بالدّيانات التي مثّلت تهديداً للتوحيد مثل العقيدة الثنويّة والتثليث، والثانية البحث عن اكتساب شرعيّة الدّفاع عن الإسلام واكتساب لقب الفرقة الناجية. فقد كان من آثار الانتصار الرمزيّ على التصوّرات الأخرى فرض السلطتين العلميّة والسياسيّة للفرقة الناجية، إذ لم تكن المكاسب الرمزيّة تنفصل عن المكاسب الماديّة. والمقولات الكلاميّة في مسألة التوحيد، وإن نزعت إلى التجريد والاقتراب من تخوم التفكير الفلسفيّ في مستوى الآليّات، فقد كانت في جدل مستمرّ مع الواقع. وليس أدلّ على ذلك من أنَّ من عدّوا من الفرق الهالكة على حدّ عبارة الإسفرائيني (ت 471هـ) هم المعارضون لحكم أهل السنَّة والجماعة. إلّا أنَّ ارتباط الخلاف حول مفهوم التّوحيد بقضايا الواقع لا يعني أنَّه كان انعكاساً آليّاً له، فقد مثّل الصراع حول صورة الإله وجهاً من وجوه الصراع الوجوديّ للإنسان ضدّ قوى القهر والعدم، وكان آليّة فعّالة لتحقيق الحرّيَّة الفكريّة. فالله في نهاية الأمر هو مرجع القيم التي تتصارع حولها الفرق، إذ أنَّ وراء تصوّراتها اختلافات في فهم المنزلة الإنسانيّة وعلاقة البشر بالإله. ولئن تفاوتت تلك الأبعاد الوجوديّة لمفهوم التوحيد بين فرقة وأخرى، إذ طغى الطابع السياسي على رؤية الخوارج، فإنَّه قد صار يمثّل وسيلة لمنح مفهوم الإمامة في الفكر الشيعيّ قوّة رمزيّة مستمدّة من قوّة الإله، ويمثّل الإمام الشيعي ذروة قداستها الناسوتيّة المقترنة بالجانب اللّاهوتيّ. أمَّا التوحيد في الفهم الاعتزاليّ، "فهو وحده الذي قام من أجل تحقيق معرفة موضوعيّة بالعالم في حدود الأطر المعرفيّة المتاحة قديماً، وتمثّل أخلاقيّ إنسانويّ للرسالة الدينيّة التي وجد المعتزلة أنفسهم يعيشون في كنفها، أي الإسلام"[6]. ولذلك فقد كانت الحريّة الإنسانيّة وتعالي الصورة الإلهيّة من أهمّ المقوّمات الفكريّة لرؤية اعتزاليّة مثّلت الجانب العقلي للدّين الذي قد لا يجد صداه عند العامّة، ولكنّه أقدر على الصمود أمام المقاربات النقديّة العالمة.
2- التوحيد من منظور ابن تيميّة:
شهد التوحيد مرحلة من الركود التي شملت العلوم بأسرها. فدخل الفكر الإسلاميّ عصور الشروح والتعليقات وضعف حظّ الإبداع، ولم تعرف بعد القرن السادس الهجري محاولات رائدة في تجديد مفهوم التوحيد أو نظريّات جديدة من شأنها أن تكون منافساً رمزيَّاً للتيَّارات والفرق الكبرى التي ظهرت منذ القرن الأوّل وتواصل إشعاعها في القرون الهجريّة اللّاحقة، لتولّد جدلاً فكريّاً مثّل ميراث علم الكلام وخلاصة المواقف الإسلاميّة من التوحيد. ولكن ظهرت رغم ذلك بعض النظريّات التي كان لها تأثير في التيّارات السلفيّة التي وظّفت التوحيد لصياغة مفاهيم جديدة ذات طابع سلطويّ، تتّصل بالجهاد ومواجهة التهديدات الخارجيّة والاستعمار. ونتناول في هذا السياق موقف ابن تيميّة (ت 728هـ) من التوحيد. والحقّ أنَّ ابن تيميّة لا يضيف جديداً في تأويل مفهوم التوحيد. فكلامه استعادة لمواقف أهل السنَّة. وقائمة الكفّار هي ذاتها التي أجمع عليها علماء تلك الفرقة[7]، مثل الباطنيّة الذين اعتبرهم من الملاحدة لتأويلهم الصلوات الخمس بأنَّها الاطلاع على أسرارهم وتأويلها، والصيام بأنَّه كتمان أسرارهم، والحجّ بأنَّه السفر إلى شيوخهم[8]. وقد أقرّ ابن تيميّة مبدأ التفويض بديلاً عن التأويل في المسائل التي اعتبرها مستعصية على الفهم البشري، وعدّها من الجوانب الغيبيّة التي يكتفي فيها المؤمن بترديد ما وصف به الله دون السؤال عن الكيفيّة. "ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض ـالذين يوجبون فيما نفوه، إمَّا التّفويض وإمَّا التأويل المخالف لمقتضى اللفظ - قانون مستقيم"[9]. وإنَّ شرط استقامة الإيمان والتوحيد أن يصدّق المؤمن بما جاء في الكتاب والسنَّة، "وإن لم يفهم معناه، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمّة وأئمّتها، مع أنَّ هذا الباب يوجد عامّته منصوصاً في الكتاب والسنّة، وهو متّفق عليه بين سلف الأمّة. وما تنازع فيه المتأخّرون نفياً وإثباتاً، فليس على أحد، بل ولا له أن يوافق أحداً على إثبات لفظه أو نفيه، حتّى يعرف مراده. فإذا أراد حقّاً قبل، وإذا أراد باطلاً ردّ، وإن اشتمل كلامه على حقّ وباطل، لم يقبل مطلقاً، ولم يرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ ويفسّر المعنى"[10]. وتبدو خطورة هذا الموقف في كونه يعتبر الحقيقة الدينيّة مكتملة، وأنَّ على المؤمن أن يؤمن بميراث السلف بكلّ علله وتناقضاته، وأن يستقيل عقله، فالإجماع كفيل بالإجابة عن كلّ أسئلته، وأنَّ كثيراً من الأسئلة لا بدَّ أن تتوارى أمام اللفظ. فما وصف الله به نفسه هو ما يجب أن يؤمن به المسلم سواء عليه أفهم أم لم يفهم المقصود. ولذلك فلا غرابة أن يؤدّي هذا التصوُّر إلى دخول العقل الإسلاميّ عصور الانحطاط وجمود مفهوم التوحيد عند فعل محاكاة لفظيّة لأقوال أئمّة السنَّة تسليماً وإهداراً للبُعد النقدي والعقليّ، وأن يكون ميراث التوحيد مجرَّد عداء لسائر التأويلات التي لم توافق إجماع علماء الفرقة النّاجية. أمَّا عن الإسلام، فهو الدين الذي لا يقبل الله ديناً غيره، لا من الأوّلين ولا من الآخرين. والدين هو الطاعة والعبادة[11]. وخلاصة تصوُّر "ابن تيميّة" للتوحيد أن يقوم على أصل أوَّل وهو توحيد الإلهيّة القائم على العبادة والتوكّل والخوف والتقوى، والإيمان بالقدر والصبر على المقدور. أمَّا الأصل الثاني، فالتوحيد في العبادات المتضمّن للإيمان بالشرع والقدر جميعاً. وبذلك فلا بدَّ في عبادة الله من أصلين: "أحدهما إخلاص الدين، والثاني موافقة أمره الذي بعث به رسله"[12].
لقد مثّل "ابن تيميّة" تتويجاً سلطويَّاً لانتصار العقائد السنيَّة التي اعتبرها أصحابها شرط النجاة والحقيقة الدينيّة المطلقة والنهائيَّة. ولذلك فقد اكتملت معه آخر شروط الأرثوذوكسيَّة السنيَّة التي جعلت من التوحيد مفهوماً سلطويَّاً يعني طاعة الله ورسوله، وهي في الحقيقة طاعة عمياء لمن اعتبروا علماء شرعيّين وإقرار دغمائيّ بتأويلاتهم للذات الإلهيَّة وتصوُّراتهم الفكريَّة، وبالمقابل هي تأبيد لفكر صداميّ لا يعترف بحقّ الآخر في تأويل التوحيد، وإنَّما يعتبره ضالّاً وكافراً، ولذلك فلا غرابة أن ترتبط مفاهيم التوحيد بالتكفير وتشريع العنف المادّي والرمزيّ ضدّ من عُدّوا من الهالكين.
3- التوحيد في عصر النّهضة:
لعلّ من أهمّ الأسئلة التي يطرحها علينا اشتغال الفكر الإسلاميّ المعاصر بالتوحيد هو البحث عن علّة النظر في المسألة ومقاصده. فالفكر الإسلاميّ الحديث أعاد صياغة تصوُّره للتوحيد وسط تنوّع كلاميّ وإرث خلافيّ يحتاج إمَّا للاصطفاف ضمن خانة من الخانات الطّائفيّة التي تؤمن بأنَّ تأويل الفرقة النّاجية للتوحيد هو التأويل المثاليّ للحقيقة الدّينيّة المؤدّي إلى الفوز في الدنيا والآخرة، أو هو صياغة لرؤية حداثيّة تسعى إلى التوفيق بين الرؤى المتنازعة على الحقيقة الدينيّة، أو إبداع مفاهيم جديدة قد تمثّل وجهاً من وجوه التجديد في الخطاب الدّيني.
لقد ساهم محمَّد عبده (ت 1905 م) من خلال تعريبه لرسالة السيّد جمال الدين الأفغاني (ت 1897 م) في الردّ على الدهريّين. وهي رسالة تعكس اهتمام المفكّرين المسلمين منذ أواخر القرن التاسع عشر بأثر انتشار المذاهب الطبيعيّة الملحدة الواردة من الغرب في تقويض الإيمان التقليديّ، وكانت غايتها إثبات قيمة الدّين وضرورته للإنسان وأثره في رقيّه وأثر الإلحاد في انحطاطه[13]. وقد حاول الأفغاني في هذه الرسالة إثبات أنَّ الإنسان أشرف المخلوقات، ويرسّخ يقين المؤمن بأنَّ أمّته أشرف الأمم، ويعتقد أنَّ حياة الإنسان رحلة نحو عالم أرفع ودار أوسع[14].
وجد جمال الدين الأفغاني منافسات رمزيَّة للتوحيد الإسلاميّ من النظريّة الداروينيّة والاتجاهات المادّيَّة، وأنَّ التهديد الأكبر يمكن أن يصيب الأخلاق العربيّة الإسلاميّة. ولذلك كان استدعاء مفهوم التوحيد لمواجهة أخطار تهدّد الإسلام باعتباره منظومة أخلاقيّة ترتكز على مفهوم التوحيد.
وقد حاول محمّد إقبال (ت 1938م) تجديد الفكر الديني وصياغة تصوُّر حداثيّ للتوحيد، فاعتبر أنَّ الذات الإلهيّة لا نهائيّة في الكيف لا في الكمّ، في القوّة لا في الامتداد... والأركان المهمّة الأخرى في تصوير القرآن للذات الإلهيّة من الوجهة العقليّة البحتة هي: الخلق، والعلم، والقدرة، والقدم. وقد بيّن أنَّه لا يوجد خلق بمعنى حادث. فالعالم لا يمكن أن يعدّ حقيقة مستقلّة الوجود مقابل الذات الإلهيّة، لأنَّ ذلك يؤدّي إلى القول بانفصال الكون عن الذات الإلهيّة. ودعا إقبال علماء الإسلام إلى "أن يعيدوا بناء النظريّة العقليّة البحتة، وأن يحكموا الصلات بينها وبين العلم الحديث الذي يظهر لنا أنَّه متّجه في الاتّجاه نفسه"[15].
لقد كان هدف محمَّد إقبال من وراء تجديد مفهوم التوحيد إزالة الفهم الانفصالي بين الذات الإنسانيّة والإله. "فالذات الأولى لا يصدر عنها إلّا ذوات، ونشاطها الخالق وفيه العلم هو عين العلم يفعل كوحدات ذوات. فالعالم بكافّة جزئيّاته من الحركة الإلهيّة في ما نسمّيه ذرّة من المادّة إلى حركة الفكر الإنسانيّ الطليق من كلّ قيد، ما هو إلّا تجلّي الآنيّة العظمى أو العلى الأعلى. وكلّ ذرّة من ذرّات القوّة الإلهيّة، هي روح أو ذات مهما ضؤلت في ميزان الوجود، على أنَّ هناك درجات في تجلّي الرّوحيّة أو الذاتيّة وتجلّي هذه الرّوحيّة يرتقي في سلّم الوجود درجة درجة إلى أن يبلغ كماله في الإنسان، وهذا السرّ في تصريح القرآن أنَّ الله أو الذات القصوى أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد ونحن كاللؤلؤ نحيا ونكتسب الوجود في فيض الوجود الإلهيّ الدائم"[16].
لقد استلهم محمَّد إقبال من المتصوّفة كثيراً من تصوُّراتهم، ولكنَّه وظّفها من أجل تجديد الفكر الديني وتجاوز هنات الفصل بين الذات البشريّة والإله. فكلُّ الكائنات والأعمال هي ذرّات في الكون الإلهيّ، وإن اختلفت درجات التمايز بينها. وإنَّ فاعليّة الإنسان في الوجود وتجديد آليّاته العقليّة ركن من أركان الذات الإلهيّة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

التوحيد من النزاعات المذهبيَّة إلى نشأة الحاكميَّة :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

التوحيد من النزاعات المذهبيَّة إلى نشأة الحاكميَّة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الدراسات عن السلام وحل النزاعات
» محاكمةُ الأكراد عربيّاً أو الابتزاز بماضي النزاعات الكرديّة\الأرمنيّة والسريانيّ
» الأطفال يتوقعون لمن تكون الغلبة في النزاعات
» السّيادة في الفكر السياسي الحديث: قراءة في نشأة مفهوم
» برهان رياضي عن عدم أحتمالية نشأة الكون بواسطة كائن مطلق القدرة..

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: