الدراسات عن السلام وحل النزاعاتشهدت
مرحلة ما بعد الحرب الباردة تسارع الدراسات عن تطوير السلام وحل النزاعات،
وقد طُوّرت المجالات الأكاديمية رداً على مشكلات إجتماعية رئيسة، وكانت
كارثة الحرب العالمية الأولى دافعاً لخلق مجال العلاقات الدولية.
وظهرت الدراسات عن السلام وحل النزاعات رداً على المشكلات الإجتماعية
الحرجة في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة، كما اشتدت أكثر
فأكثر عشية الحرب الفيتنامية عندما دعت الحاجة إلى تقديم وجهات نظر جديدة
عن الإشكالات العالية.
وفي هذا المجال، نجد أنّ الدراسات عن السلام وحل النزاعات الدولية تكمّل
دراسة العلاقات الدولية. ومهما يكن من أمر، فثمة اختلافات متميزة هامة بين
موضوع السلام وحل النزاعات من ناحية، وبين الموضوع الآخر ذي الطابع
التقليدي الأشد المتمثل في أسلوب دراسات القوة والأمن القومي المستخدم من
أجل العلاقات الدولية. وبالرغم من أنه لا يوجد تعريف وحيد للسلام وحل
النزاعات، فوجهة النظر المقبولة عموماً تقول عنه إنه: مجال أكاديمي متشابك
الموضوعات يحلل أسباب الحرب، والعنف، والقمع المنتظم، ويكتشف العمليات أو
الإجراءات التي يمكن استخدامها لإدارة النزاعات والتغيرات على نمو يُمكّن
من الصيانة القصوى للعدالة، ومن التقليل إلى أقصى حد من العنف.
ويشمل هذا المجال دراسة الأنظمة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية في
المستويات المحلية، والقومية، والعالمية، إضافة إلى الأيديولوجيا،
والثقافة، والتكنولوجيا من حيث علاقتها بالنزاعات والتغيرات.
إنّ السلام وحل النزاعات يتطوّر ويتحرّك خارج المفهوم التقليدي للدراسات عن
القوة والأمن القومي. وإذ نقرّ أن الحاجة إلى الدفاع ضد التهديدات
العسكرية هي حاجة مشروعة لإهتمامات الأمن القومي، فإنّ السلام وحل النزاعات
يقرّ، بدوره، أنّ الجوع، والفقر، والإستغلال هي أيضاً أسباب مولدة للعنف،
وبالتالي فهي تشكل تحدياً هاماً للأمن القومي، وللأمن العالمي على حد سواء.
وعموماً، فإنّ السلام وحل النزاعات يركز على أمن النظام العالمي كلّه. وإنّ
النظام العالمي الراهن، ذا الإعتماد المتبادل في ما بين الدول، يحمل الوعد
بالأمن الذي سيكون مستمراً، وقابلاً للحياة، وليس مجرد ذلك الأمن المراوغ
الذي اعتدنا عليه في السابق. وعموماً، فإنّ الأمن المعزز لدولة ما يتطلب
أمناً محسّناً لكل الدول أيضاً. وبالتالي، فإن مفهوم الأمن المشترك الذي
يشترط وجود مصالح مشتركة، يؤدي إلى أمن متزايد الأهمية للدول كلها. وهكذا،
فإنّ المحافظة على النظام ككل تصبح إحدى أفضليات السياسة القومية.
تُغطي دراسات السلام وحل النزاعات مجالاً كاملاً من النشاط السلمي، والنشاط
المتسم بالعنف (اعتباراً من الفرد إلى الجماعة وحتى مستوى العالم)، مع
التشديد بصورة رئيسية على مستويي الجماعة والعالم، عوضاً عن التركيز على
العلاقات بين دول معيّنة. ويُلحظ في أسلوب الإقتراب من السلام وحل النزاعات
الإرتباط والإستمرارية في الزمان والمكان، كما يشمل هذا الأسلوب مرحلة من
الجغرافية والتاريخ أكبر مما تتضمنه الأساليب الأخرى ذات الطابع التقليدي
الأشد في التعامل مع العلاقات الدولية. وعموماً، فإنّ هذه المرحلة تُغطّي
الفترة الزمنية التي بدأت منذ ظهور نظام الدولة الأمة أو الدولة القومية في
العام 1648، واستمرت حتى الآن.
ولا تتسم مسألة السلام وحل النزاعات بكونها ذات عمق تاريخي أكبر فحسب،
ولكنها تتحرك أيضاً نحو الأمام عبر دراسة معيارية منتظمة للمستقبل. وإن
مسألة السلام وحل النزاعات تبحث في مجموعة أوسع من الأنظمة العالمية
البديلة المحتملة.
وإذا كانت العلاقات الدولية تنظر إلى السياسة والثقافة بوصفهما موضوعين
منفصلين أحدهما عن الآخر، فإنّ مسألة السلام وحل النزاعات ترى في السياسة
نشاطاً سياسياً وترى في السياسة العالمية نوعاً من الإتصال الثقافي. ولكن
وجهة النظر التي تطرحها مسألة السلام وحل النزاعات تشمل تنوعاً أكبر ضمن
العلوم الإجتماعية، والعلوم الإنسانية، والعلوم الطبيعية والفيزيائية،
بينما تميل العلاقات الدولية إلى أن تكون محدودة بدرجة أكبر في ما يتعلق
بالعلوم الإجتماعية، وخاصة عندما تأخذ شكل العلم السياسي.
وكذلك، فإذا كانت العلاقات الدولية تميل إلى تفعيل الوصف والشرح، فإنّ
مسألة السلام وحل النزاعات تسعى على نحو أوضح إلى الأخذ بالتنبؤ، الذي
يُعتبر الأخذ به أمراً مقصوداً في السياسة.
وأخيراً، فإنّ الأمر الأكثر إثارة للجدل هو القيمة المتسمة بالوضوح لمسألة
السلام وحل النزاعات، والمتمثلة في أنها تفضل السلام (حل النزاعات دون
اللجوء إلى العنف) على العنف والحرب، وتشمل، على نحو يتسم بكونه أكثر
سهولة، العدالة الإجتماعية والإقتصادية والتوازن البيئي، بوصفها أهدافاً
لها.