جنون فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 2121
الموقع : منسقة و رئيسة القسم الفرتسي بالمدونات تاريخ التسجيل : 10/04/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
| | أزمنة متصدعة.. الثقافة والمجتمع فـي القرن العشرين | |
أزمنة متصدعة..الثقافة والمجتمع فـي القرن العشرين عبدالله العليان يعتبر كتاب (أزمنة متصدعة.. الثقافة والمجتمع في القرن العشرين)، من المؤلفات الهامة التي تؤرخ للتحولات الفكرية والسياسية للعصر الحديث في أوروبا، منذ الثورة الفرنسية، حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، ولا يشذ عن عنوان هذا الكتاب كما تقول المترجمة/ سهام عبد السلام” أزمنة متصدعة” عن هذه القاعدة،فهو يشير إلى عالم تهاجمه تناقضات العولمة،عالم مشغول بالوعي بأزمة الهوية، فهوبرباوم يقول في استهلال هذا الكتاب إن الناس يعيشون في عصر”فقد ملامحه وتطلع في السنوات الأولى من الألفية الجديدة إلى مستقبل غير معروف،بلا إرشادات ولا خريطة هادية. وقد انتابه قدر من الحيرة المشوبة بالاضطراب”. فالكتاب كما يتناول أساساً فشل عالم يتصدع،وهو كما يراه أحد المعلقين مرثية لفشل القوة، وافن، والحداثة. في القسم الأول من الكتاب(مأزق الثقافة الرفيعة) يرى هوبرباوم إن أول أسباب هذه الأزمة اعتماد الفنون على الثورة التكنولوجية، وهو أمر فريد من نوعه تاريخياً. وإذا كان بعض الفنون قد صمد وحافظ على موقعه لأنه أسهل وأكثر عملية في القراءة، ولأن الوسيط الورقي أكثر متانة وأطول عمراً من الوسائط المتقدمة تكنولوجياً. أما فن المعمار فصمد وسيصمد لأنه ضرورة وليس ترفاً. لكن الموسيقى تأثرت بالتكنولوجيا، فقد صارت مستقلة عن مواهب الفنان الفرد بعد دخول الإلكترونيات عليها. لذلك تراجع إنتاج الموسيقى الكلاسيكية، ولم يعد لها الدور نفسه الذي كان لها في الحياة الثقافية. والنحت صار أيضاً فناً مهجوراً. أما فنون تصوير اللوحات فهي أكثر الفنون تضرراً من التقدم التكنولوجي، إذ نافسها التصوير الفوتوغرافي الأكثر دقة في تمثيل الواقع، وربما كان هذا سبب صعود المذهب الطليعي في الفن، والفن المفاهيمي، لأنهما يقدمان صوراً تتجاوز قدرات الكاميرا. فالبشر هم من يملكون أفكاراً وليس العدسة أو جهاز الكمبيوتر. وهذه المذاهب لا تهدف للوصول إلى الفن الجميل، بل إلى تدميره. فمفهومنا التقليدي عن الفن في طريقه إلى الاندثار. السبب الثاني للأزمة سيادة الحضارة الاستهلاكية في عالم اليوم، التي رُقّي الترفيه تحت ظلها إلى مرتبة الثقافة، وهدم الجدار الفاصل بين الثقافة الرفيعة والحياة اليومية العادية. ويرى هوبزباوم من جهة أخرى أن الحضارة الحالية ليست استهلاكية وحسب، بل معولمة أيضاً. وقد ساعد على عولمتها كم الحراك الجغرافي غير المسبوق، الذي يتخذ ثلاثة أشكال: السفر في الداخل وإلى الخارج للعمل والمتعة. والتهجير والهجرة، وحالة عبور القوميات. والعولمة لا تعني التنميط والقضاء على التنوع الثقافي؛ فالعولمة لا تزيح الثقافات القومية بل تمتزج بها فينتج خليط من الثقافتين. يضرب هوبزباوم مثلاً على ذلك هنود الأوتافالينيوس المتحدّرين من أصل إكوادوري؛ فهم يرتدون الجينز الأمريكي لكنهم يصففون شعرهم في ضفائر كأسلافهم مثلاً، فهم لم يتأمركوا، بل صبغوا التأثير الأمريكي بصبغة الأوتافالينيوس، وبذلك أتيحت لهم فرص جديدة لإبراز خصوصياتهم الثقافية. ويختم هوبرباوم هذا القسم من الكتاب، بنظرة على علاقة الثقافة والفنون بالسياسة والسوق في الوقت الحاضر، ويراها علاقة يحكمها ثلاثة لاعبين: السياسة، والسوق والإلزام الأخلاقي. ويقارن هوبرباوم هذه العلاقة بعلاقة السياسة بالأبحاث العلمية البحتة كي تتضح صورة وضعها الحالي ؛ فالسلطات السياسية لم تضع رقابة على الأبحاث الأساسية في العلوم الطبيعية لأنها كانت ضرورية للقابضين على زمام السلطة السياسية منذ بدايات القرن العشرين، في حين لم تكن العلوم الإنسانية أو الفنون تتمتع بالضرورة نفسها، إذ كانت العلوم الطبيعية أسياسية للحرب. تنعكس هذه العلاقة على أهم قضية حاسمة لحياة الفنون أو موتها، ألا وهي قضية تمويل الفنون، وهي مشكلة خاصة ببعض أشكال الفنون البصرية والموسيقية، وليست مشكلة عامة، إذ إنها لا تنطبق على الأدب ولا على العمارة من بين الفنون القديمة، ولا على الفنون الجماهيرية الأساسية التي ظهرت في القرن الماضي مثل الصور المتحركة والتسجيلات التي يعاد إنتاجها آليا. فيها مسألة القومية، فهو يرى أنه لا يوجد مكان ترتبط فيه الجغرافيا بالأيديولوجيا والسياسة برباط لا ينفصم أكثر مما في وسط أوروبا. كما يرى أن سبب هذا أن هذه المنطقة ليست لها حدود مقبولة أو محددة ؛ لأن المفهوم السياسي الأولي لأوروبا الوسطى يرتبط بتاريخ الوحدة القومية الألمانية و التوسع الإمبريالي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. ويتعمق هوبزباوم في تحليل هذه الفكرة، ضارباً أمثلة شيقة لا شك في أنها ستحظى باهتمام القراء. ثم يشرح كيف قوضت القومية ثقافة أوروبا الوسطى، لأنها كانت مرتبطة أساساً بلغة واحدة، و انفصلت بلدان عن بعضها وتعددتا لغاتها مع نهوض القومية. ومنذ الحرب العالمية الثانية سحقت الثقافات القديمة لوسط أوروبا تحت وطأة ثلاثة من التطورات الكبيرة : طرد جماعات كبيرة من الناس أو ذبحها لأسباب عرقية، والربط بين انتصارات الثقافة الجماهيرية المصطبغة بالصبغة التجارية واللغة الانكليزية بوصفها لغة لا يرقى إليها الشك للتواصل العالمي، وذلك بفعل انتصار صورة من الثقافة الجماهيرية الأمريكية المصطبغة بالصبغة التجارية، و الهجرة الجماعية لبعض الأقليات القومية والثقافية ( و أبرزها اليهود والألمان ) التي أبدلت بالبلدان متعددة القوميات مثل بولندا، و تشيكوسلوفاكيا، ويوغوسلافيا، ورومانيا بلداناً ذات قومية واحدة. ينتقل الكاتب بعد ذلك لإلقاء الضوء على عنصر آخر مميز لسياق الأزمة، هو علاقة الثقافة بالنساء. يقدم المؤلف مسحاً لمشكلة العلاقات العامة والخاصة بين الجنسين في الثقافة البرجوازية بين عامي 1870 و 1914، ويضرب أمثلة دالة عليها، مثل كم ونوع النساء اللاتي ورد ذكرهن في كتب من هي أو من هو بين الناس ؟ ويضرب مثالاً دالاً آخر هو المعرض الأنكلو – فرنسي الذي أقيم في عام 1908 في لندن واحتفى بالنساء بوصفهن فاعلات فرديات منجزات للعمل، لا بوصفهن مجرد كائنات حية أو تروس ذات وظيفة خدمية محدودة في آلة الأسرة و المجتمع. ويشير إلى أهمية دعم الأقارب الذكور لقريباتهم في مساعيهن لتحقيق ذواتهن، وأثر تعليم النساء في تحقيق المساواة والتحرر لهن، خصوصاً في الطبقة البرجوازية. ومن مظاهر مدى تغيير دور النساء البرجوازيات بالفعل الاعتراف بالنزعات والحياة الجنسية المستقلة للنساء البرجوازية. وهنا يقدم هوبزباوم مقارنة مهمة بين دور نساء الطبقة العاملة والنساء البرجوازيات بوصفهن حاملات للثقافة. كانت نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حقبة صارت فيها الثقافة علامة أكثر أهمية لتحديد الطبقة لمن كانوا ينتمون إلى الشرائح البرجوازية في أوروبا، أو يتمنون الانتماء إليها. وفي غضون الحقبة المبكرة من تحرر النساء البرجوازيات، حصلت النساء حقاً على الحق في الثقافة الرفيعة. يبقى في اللقطة العامة لسياق الأزمة ركن فيه كومة من بقايا الثقافة الرفيعة،وفنونها، يقترب هوبزباوم ليلقي عليها الضوء ويكتشف علاقتها بعنصر سبق عرضه، ألا وهو القومية. يتساءل المؤلف: ماذا بقي من الثقافة البرجوازية الكلاسيكية؟ ما لذي ظل في الذاكرة من إرثها وما الذي ما زال صالحا للاستخدام منها؟ ويتلمس الإجابة قائلاً إن الثقافة” الرفيعة” آلية لإنتاج منتوجات دائمة في شكل أشياء يمكن حفظها على مر الزمان، مثل المباني، واللوحات، والكتب. . . الخ:، وأيضا لإنتاج مجموعة متنوعة من الأفعال المتدفقة التي غير دائمة على مر الزمان بحكم طبيعتها، والتي يمكن أن نسميها” عروض أداء”، مثل الغناء،والتمثيل،والرقص. . . الخ:،الرغم من إمكان حفظها بفضل تكنولوجيا القرن العشرين في شكل تسجيلات، وأفلام،وأقراص صلبة أو مرنة. لكن لا يمكن تجنب المشكلات الصعبة للهوية الثقافية المرتبطة بهذه الثقافة. في القسم الثالث من الكتاب يصحبنا الكاتب إلى المشهد الأول(بطولة النخبة) حيث يعرض هوبزباوم مخاوفها من الإخطار التي تهدد الهوية، ويقارن بين رعبها من هذه الإخطار وتحمل الجماهير لها دونما جزع، وذلك من خلال عرضه لكتاب العصر المريض لريتشارد أوفري الذي يتناول حالة أوروبا بين الحربين العالمتين. يقول هوبزباوم إن الدراسات التي تتناول الذاكرة التاريخية ليست عن الماضي أساساً، بل هي نظرة استرجاعية تلقي من حاضر ما على ما حدث في ذلك الماضي. ويرى هوبزباوم أن كتاب أوفري قدم مدخلاً غير مباشر للتركيب الانفعالي للماضي، عن طريق التنقيب عن ردود الفعل الشائعة التي عاصرت ما كان يحدث في حياة الناس ويدور حولها في ذلك الوقت. رأى أوفري أن النخبة هي التي أحست بخوف وقلق مرضي في فترة ما بين الحربين العالميتين، لم تشاركها فيها جماهير عامة الشعب. لا يرى أوفري أن هذه المخاوف ردود فعل على تجارب واقعية ومخاوف واقعية، على الأقل في بريطانيا العظمى، حيث يتفق الجميع على أنه لا السياسة ولا المجتمع إنهارا بين الحربين، ولم تمر الحضارة بأزمة. يرى هوبزباوم أن كتاب العصر المريض يفكك الخيوط المعقدة لمختلف التوقعات الكارثية، مثل موت الرأسمالية، والخوف من التدهور السكاني، وخيبة الأمل الاجتماعية، والخوف من الحروب، وهو يفعل هذا أساساً من خلال الكتابات العامة والخاصة لمن يملكون الكلمة والسلطة، وهم لدى أوفري نخبة مختارة من المثقفين البرجوازيين والمفكرين من الطبقة السياسية. ويعرض المؤلف علاقة العلم بتغير العالم من خلال سيرة اثنين من العلماء : عالم البلّورات جون ديزموند برنال، وعالم الكيمياء جوزيف نيدهام. هذان العالمان يشتركان مع هوبزباوم في أنهما بريطانيان، من الجامعة نفسها ( كمبردج )، لهما اهتمامات بتخصصات متعددة ولا يقتصران على تخصصهما الأكاديمي الضيق، وهما ماركسيان يدينان بالولاء للحزب الشيوعي البريطاني. يبدأ هوبزباوم ببرنال، ويبرر اختياره له بأنه وقف عند نقطة التقاء الثورات العلمية، والاجتماعية – السياسية والثقافية في القرن العشرين، بآمالها وأحلامها المتشابكة عن المستقبل. برز برنال بين عامي 1927 و 1939 بوصفه مثقفاً شيوعياً. والحق أنه كان في الحقبة ما بين 1939 و 1946 خارج المؤسسة الأكاديمية بالفعل، إذ كان فرداً في صفوف الحشد الناجح بما يفوق المعتاد للعلماء البريطانيين في الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أنه كان أهم الملهمين بـ” بحوث العمليات ” وكان أحد مبدعيها، لكن يبدو أنه لم يكن له ارتباط بمشروع القنبلة الذرية، ظل العلم والسياسة، والنظرية والتطبيق شيئاً واحداً لدى برنال لبضع سنوات ؟ أما بعد عام 1945 فقد صار منا لصعب على برنال أن يعيد بناء موقفه الذي كان قبل الحرب، وذلك بسبب نشاطه السياسي. وحين وصل الوضع الدولي إلى نقطة التأزم، تعرض برنال لهجوم سياسي وأيديولوجي من الخارج، تلخص حلم برنال المأمول في تقدم البشرية و تحريرها من خلال مزيج من الثورة السياسية، والعلمية، والشخصية، وكان بوصفه عالماً على وعي حاد بالعيش تحت ظل أزمة التقدم. ثلاثة أعمدة فقط هي التي ظلت تسند معبد التقدم وتمنعه من الانهيار : مسيرة العلم إلى الأمام، والرأسمالية الأمريكية، والأمل الذي قد تجلبه الثورة الروسية. انهار النموذج الأمريكي في الأزمة الاقتصادية العالمية، وبدا الطريق الوحيد إلى المستقبل أمام المؤمنين بالتقدم شبيهاً بمجتمع اشتراكي جديد قائم على التخطيط. ومنذ تولى هتلر مقاليد السلطة في ألمانيا صار العلماء مجد أوروبا، لكونهم مدافعين عن مستقبل الحضارة. وفي هذه اللحظة المهمة، أدت الحصانة الواضحة للاتحاد السوفييتي ضد الكساد العظيم إلى الإضرار بسمعة اقتصادات السوق،و جعلت التخطيط يبدو داءاً اجتماعياً فورياً معجزاً. بعد ذلك ينقلنا الكتاب إلى مشهد آخر من (بطولة المثقفين) كما يرى هوبزباوم حيث أدى صعود التعليم الابتدائي العام،والتوسع الهائل في التعليم الثانوي والجامعي بعد الحرب العالمية الثانية إلى خلق مخزون هائل ممن يجيدون القراءة والكتابة والمثقفين المتعلمين، أكبر بكثير مما نتج منهم قبل ذلك على الإطلاق. وتمتع هؤلاء المثقفون بقدرة أكبر بكثير لكسب العيش من عملهم مثقفين مستقلين أحراراً، إذ توفرت لهم وسائل جديدة لكسب عيشهم عن طريق الصناعات التقنية والعلمية الجديدة، ومؤسسات إنتاج العلوم والثقافة، والجامعات، ومجالات الصحافة، والدعاية والإعلان. كان المثقفون الأحرار يعتبرون جماعة ثانوية من البرجوازيين. أما ما جعلهم يبدون جماعة جديرة بالاعتراف بها فهو جمعهم بين النشاط الذهني والتدخل في السياسة. كما أن ظهور كتلة كبيرة من جماهير القراء، والقدرات الكامنة للوسائط الجديدة في الدعاية، وفر إمكانات غير متوقعة لبروز مثقفين مشاهير يمكن حتى للحكومات أن تستخدمهم. تقع فترة مجد المثقفين ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وانهيار الشيوعية. أما الآن فقد تراجع هذا العصر الذي اعتُبر فيه المثقف الوجه العام للمعارضة السياسية. يجد الناشطون الآن أن المثقفين أقل فائدة من موسيقي الروك أو نجوم السينما المشهورين عالمياً في إلهام الناس بالقضايا الطيبة، في مجتمع لا يتوقف فيه الترفيه الجماهيري. ولا يرجع هبوط نجم المثقفين المحتجين العظماء إلى انتهاء الحرب الباردة وحسب، بل إلى إبعاد المواطنين الغربيين عن الاهتمام بالسياسة في حقبة من النمو الاقتصادي وانتصار المجتمع الاستهلاكي والعولمة. يرى هوبزباوم أن العولمة نجحت جزئياً في تقليص نطاق تدخل الدولة في الحياة العامة. لكنه يرى عنصراً آخر حدد شكل العصر الجديد، هو أزمة القيم والمنظورات التقليدية، مثل التخلي عن الإيمان القديم بالتفسير العقلي للأمور، والعلم، وإمكان تحسين أحوال البشر. وتراجعت قيم التنوير منذ سبعينيات القرن العشرين، في مواجهتها لقوى المحلية والقومية المضادة للكونية، والميول الرجعية الراديكالية التي تنمو في مختلف ديانات العالم. وفي المشهد التالي التي ناقشه هوبزباوم هو الدين. ويقول: لا شك في وجود إعادة إحياء سريعة ومؤثرة للدين منذ ستينات القرن العشرين، وفي أنه صار بصراحة قوة سياسية كبرى. هذا النمط من تدخل الدين في السياسة نمط جديد خاص بالقرن العشرين. يضرب هوبزباوم أمثلة على ذلك بالثورة الإيرانية، وسياسات الشرق الأوسط التي صارت مستندة إلى الكتب المقدسة، والصهيونية، وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية، والقتل باسم الردة في مصر، وظهور تنظيم القاعدة، وابتعاد تركيا عن النظام العلماني وانضوائها تحت مظلة حزب إسلامي سياسي جماهيري، وإنشاء حزب هندوسي في عام 1980 قلص تعددية الهندوسية إلى مذهب واحد. ويسهب هوبزباوم في تناول نمو التعصب الديني بين المسيحيين في سرعة توسع طوائف البروتستانتية الإنجيلية والخمسينية/ الكاريزمية المسيحية في الأمريكتين وغيرهما من أصقاع الأرض. اعتبر هوبزباوم النهوض الذي لا شك فيه لوجود الدين في المجال العام تفنيداً للرأي الذي تمسك به الناس طويلاً والقائل بأن الحداثة والعلمانية قُدَّر لهما التقدم معاً، فأصحاب هذا الرأي أهملوا تأثير قطاعات محافظة في المجتمعات مثل النساء والفلاحين، وهي قطاعات أكثر تمسكاً بالدين وتشدداً فيه. وإذا تركنا السياسات جانباً، نجد أن العقليات الشعبية في الغرب وأساليب حياتها قد اصطبغت تماماً بالعلمانية عبر مسار القرنين التاسع عشر والعشرين. لا يعني هذا أن الناس فقدت إيمانها أو تقواها، بل يعني أن حدود الحياة المجتمعية والمحلية، التي كانت تحكمها السلطة الدينية، والطقوس، وتحدي التقويم الديني للوقت قد تفتتت بالحراك وازدياد الفردية، وظهور مجالات ثقافية وترفيهية لا علاقة لها بالدين، وهدامة لسلطته. يرى هوبزباوم أن من العبث الافتراض بأن عملية العلمنة المستمرة هذه، بل وربما المتسارعة، ستؤدي إلى اختفاء العبادات الدينية والطقوس المرتبطة بها، أو أنها ستؤدي إلى تحول الجماهير بأعداد كبيرة إلى الإلحاد. ما زال الناس متدينين، لكن الدين لا علاقة له بالعمل، فمبرمج الكمبيوتر مثلاً يؤدي وظيفته بالكفاءة نفسها بغض النظر عن ديانته. لكن المؤلف يرى أن السياسات المتحولة إلى الديمقراطية أعطت وزناً أكبر للجماهير التي استمر الدين في ممارسة دور كبير في حياتها، أكبر كثير مما يمارسه بين النخب من الناشطين. وقد كشف التحول الديمقراطي للسياسات النقاب عن الصراع بين الدين الشعبي للجماهير والحكام العلمانيين. لم يكن من المرجح قط أن يأتي التحول الديمقراطي بمثل هذا التصاعد القوي المفاجئ لدين الجماهير المتسربل بالسياسة في الغرب المتقدم الذي يطبق العلمانية، وفي المناطق الشيوعية. لكن السبب الأساس للتحذير من صعود دين مسّيس ليس ظهور كتلة من الناخبين المتدينين في عالم فيه حق اقتراع فعال، بل هو صعود أنواع اللاهوت الراديكالية، والتي تغلب عليها أيديولوجيات الجناح اليميني داخل الدين، ويلحظ منها المسيحية البروتستانتية، والإسلام التقليدي. وتدخلت عوامل سياسية عدة عقَّدت موضوع إحياء الإسلام الراديكالي، منها وجوده على أرضه في مكة، وشعائر الحج التي جعلت المملكة العربية السعودية بؤرة الإسلام في العالم كما يرى هوبزباوم. ولقد اتضح الآن أن صعود السياسات القائمة على أساس الراديكالية الدينية وإحياء الفعلي للدين الشخصي كان كلاهما ظاهرة مميزة لنهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين. ومن مفارقات الأصولية الدينية التي أعيد إحياؤها أنها نبعت من عالم يعتمد فيه بقاء البشرية على مؤسسات تكنولوجية علمية لا تتلاءم مع هذه الأصوليات، لكنها تظل لا غنى عنها حتى للأتقياء. وعن الأضواء التي أثارتها الثورة الشيوعية وأثرها على الفنون، فيرى هوبزباوم القوى الثورية اليسارية الجديدة تعطفت مع حركات الفن الطليعي في ثمانينيات القرن التاسع عشر وتسعينياته، وظهرت حركات فنية حملت أسماء مختلفة ومتداخلة مثل التكعيبية، والمستقبلية، والتكيعبية المستقبلية، والفن التجريدي الهندسي. . الخ، وكان الفنانون أصحاب هذه الحركات ذوي آراء هدامة عن الفن، أو كانوا ذوي طموحات كونية ( كما في روسيا مثلاً )،أو صوفية، ولم يكن لهم في البداية اهتمام بسياسات اليسار. من جهة أخرى، لم يثق الاشتراكيون في البدع غير المفهومة لهؤلاء الطليعيين الجدد. لكن طليعي وسط أوروبا وشرقها تحولوا إلى اليسار الثوري بأعداد كبيرة في ما بين عامي 1917 و1922. ووضعت الثورة طليعي روسيا في موضع فريد تمتعوا فيه بالقوة والتأثير. لقد صار في الإمكان الآن تحقيق حلم دمج الفن بالحياة، والمبدع بعامة الجمهور بشكل لا انفصام بين عراه، بل اتحاد بفضل انخراط الطرفين في الثورة. استغرقت الحركة الطليعية في التلذذ بفن الشارع، وتصوير الشعارات والصور على الجُدُر، بالإضافة إلى تزويد الاحتفالات الثورية بالأعمال الفنية. لكن هذه الأعمال تركت القليل خلفها. وبعد انتهاء الحرب الأهلية، هاجم المشجعون المتعصبون للحزب الشيوعي الحركة الطليعية، وتضاعفت الروابط التي ربطت بين روسيا السوفييتية والغرب من خلال ألمانيا في معظم الأحوال وانتقل كثير من الفنانين الطليعيين لسنوات عدة بسهولة جيئة وذهاباً عبر الحدود الأوروبية. وكانت الإنجازات الإبداعية الكبرى التي بقيت الحركة الطليعية الروسية عموماً من إنجازات منتصف عشرينات القرن العشرين. ولم يحدث أي هجوم جاد على الحركة الطليعية في روسيا حتى أواخر عشرينات القرن العشرين، وقد حافظت الفنون على امتيازاتها بين عامي 1929و1935، لكن ستالين أرغمها على قبول الخضوع التام للسلطة في ما بعد. وسرّع هذا الوضع الثقافي القاسي بنهاية الحركة الطليعية الروسية التي ازدهرت منذ عام 1917 ؛وصارت الواقعية الاشتراكية إجبارية. أما بطل المشهد التالي، فذو وجه قبيح كما يقول المؤلف، هو الدكتاتوريات الحاكمة مثل النازية والفاشية والستالينية. فلقد زُعم بثقة لمدة قرن قبل الحرب العالمية الأولى أن أوروبا كانت تسير في اتجاه الليبرالية السياسية، والحقوق المدنية، والحكومة الدستورية ذات السلطات المنتخبة، على الرغم من أنها لم تكن بالضرورة جمهوريات. باختصار، كانت الديمقراطية تحقق تقدماً سريعاً حتى قبل عام 1914 بوقت قصير. والمقصود بالديمقراطية هنا أن الحكومة تأتي بتصويت جميع الذكور الراشدين. وصارت أوروبا بعد انتهاء الحرب مكونة من نظم برلمانية من نوع أو آخر، ما عدا روسيا السوفييتية الثورية التي مزقتها الحرب. لكن اتجاه التطور السياسي يكاد يكون قد انعكس رأساً على عقب فوراً. ومن السمات المشتركة بين الفاشية والنظم الشيوعية في تلك الحقبة أنها لم تر أن دورها هو صيانة مجتمعاتها، أو إصلاحها، أو تحسين أحوالها،بل اعتبرت دورها وسيلة لتحويل هذه المجتمعات وإعادة بنائها. كان من تولوا حكم هذه المجتمعات قادة مطلقي اليد في الحكم. وقد ألحت سلطات هذه النظم الشمولية الحاكمة على الفن لتقديم الكثير لها، كما وجد الفّن أيضاً صعوبة بل استحالة في الهرب من مطالب السلطات السياسية منه وتحكّمها فيه. وعلى الرغم من حياد إريك هوبزباوم في رؤيته العامة، ونقده الشديد للكثير من تاريخ أوروبا المعاصرة،وسلبيات التحولات الحديثة في الغرب، وما نتج عنها من تصدعات فكرية وثقافية وفلسفية، إلا أن هوبزباوم تعاطف مع اليهود في القسم الأول من الكتاب، ووصف وضعهم “بعد القرن الثامن عشر، الذي منحهم حياة تليق بالبشر بعد عزلة طالت كما قال. وهذا الوضع الذي رآه هوبزباوم( يليق بالبشر لليهود)،كان على حساب شعب آخر، وهو الشعب الفلسطيني، حيث يعيش قسم كبير من هذا الشعب، في وضع لا يليق بالبشر! http://www.nizwa.c
| |
|