عزيزة فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1394
تاريخ التسجيل : 13/09/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
| | آدم شاف : إشكالية لسانيات الفلسفة في الخطاب المادي | |
كتبه الأزمنة · 2015 - 06 - 19[size=18][size=18]تأليف : آدم شافترجمة: أنوار طاهر– باحثة من العراق- مختصة في حقل الدراسات الفلسفيةإشكالية لسانيات الفلسفة في الخطاب المادي* أصبحت الإشكالية اللسانية linguistique problématique احد أهم الانشغالات المركزية، إن لم تكن الرئيسية، خاصة في الفلسفة غير الماركسية في القرن العشرين. فمجمل القضايا والمشاكل التي يدرجها النقد الماركسي عادة تحت مسمى » الفلسفة الدَّلالية philosophie sémantique » تؤسس لظاهرة شديدة التعقيد والتنوع للغاية، على خلاف ما تبدو عليه في الظاهر. ولغرض التثبت من ذلك، يكفي تتبع الاتجاهات الفلسفية السائدة كما نلمحها في كل من: النزعة الرمزية لمدرسة الفيلسوف الألماني إرنست كاسيرر والمرتبطة بتيار الكانتية الجديدة؛ والنزعة التجريبية المنطقية لحلقة فيينا المقترنة بتيار الوضعية المنطقية؛ والنزعة الذرية المنطقية للفيلسوف الانجليزي برتراند راسل ومدرسته التي تجمع بين المدرسة التجريبية الانجليزية وبين النزعة الأفلاطونية على حد سواء؛ أضف إلى تلك التيارات أيضا، كل من: الفلسفة اللسانية لمدرسة أكسفورد المعاصرة والمستندة على طروحات الفيلسوف النمساوي فيتجنشتاين؛ وكذلك تيار التحليل الدَّلالي لمدرسة لفوف-وارسو Lvov et de Varsovie البولونية التي تعود في أصولها إلى كل من الفيلسوف الألماني النمساوي فرانز برنتانو والى المذهب الوضعي…الخ من الاتجاهات الفلسفية الأخرى الشائعة، والتي طرحتُها على سبيل المثال لا الحصر، منتخبا منها ما هو فلسفي وما هو حامل لخاصية ولتوجه لساني بالمعنى الدقيق للكلمة، واضعا على حدة، الاتجاهات المتعددة المعبر عنها في علوم المنطق والجماليات والسوسيولوجيا…الخ. كان لتلك الاتجاهات الفكرية والفلسفية الأثر البالغ في تأسيس فرضيات الفيلسوفة الأمريكية سوزان لانجير Suzanne Langer، والمطروحة في كتابها الموسوم: Philosophy in a new key (Harvard University Press, 1942) ،حيث وجدت في النزعة الرمزية symbolisme الثيمة/أو السؤال الجديد الذي سيغلب على انشغالات الفلسفة المعاصرة، ويحقق فيها تغييرا جذريا.ونلاحظ في الوقت نفسه، أن هناك مقداراً كبيراً من المنشورات المكرسة حول المظاهر المختلفة للإشكالية الفلسفية في اللغة، لدرجة تحولت فيها إلى ظاهرة مثيرة حقا ويتعذر قياسها تقريبا، حيث بتنا نشهد بأستمرار تأسيس حقولا علمية جديدة تدرس تلك المشاكل من جوانب متعددة ووفق وجهات نظر مختلفة. لكن الملمح الكمي ليس هو العامل الأساسي والمهم في دراستنا هذه.بالطبع، إن إشكالية اللغة –وكما هو معروف– ليست بالإشكالية الجديدة في تاريخ الفلسفة. فمنذ العصور القديمة، والهندوس والصينيون نجدهم قد شددوا على أهمية تلك الإشكالية، أما الإغريقيون فقد منحوها مكانة عظيمة. بعدها، أخذت تلك الإشكالية بالظهور على مدار تاريخ الفكر الفلسفي بوصفها موضوعا للتأمل حول قابلية اللغة على إنتاج « ما هو خاطئ » في المعرفة الإنسانية. رغم ذلك، نلاحظ أن التوسع/الانفجار الهائل في دراسة الإشكالية اللسانية من جانب الفلسفة، لم يحصل إلا في القرن العشرين وذلك لعدة أسباب. ليس في النية هنا تحديدا، المضي قدما نحو إجراء تحليل شامل لتلك القضية، ومجمل ملاحظاتي المعطاة سوف لن تتعرض لتلك الأسباب في صورتها الكلية، ولن تكون أيضا مرتبة ضمن نظام محدد مسبّقا من التسلسل والتتابع الهرمي. بل سينصب جلّ اهتمامي نحو غاية تكمن في محاولة تقديم عرض لبعض تلك العناصر التي ساهمت وبشكل اكبر، حسب رأيي الخاص، في إحداث ذلك الانفجار.وسنبدأ مع إكتشاف « مبدأ المتناقضات » في نظرية التعددية والمفارقات الدَّلالية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. فالمفارقات من نوع (مفارقة برتراند راسل) والتي تشتمل على « نظرية المجموعات، التي لا تحمل عنصرها الخاص الصائب بديهيا »؛ أو تلك التي من نوع « مفارقة الكاذب » (وهي إحدى الحجج التي قارع بها الفيلسوف اليوناني اوبوليدس الملطي الفيلسوف ارسطو)، مثلّت في مجملها تهديدا لأسس المنطق الشكلاني وعلم الحساب، وأظهرت ما تتضمن عليه من تناقضات مستعصية الحل. ومنذ ذلك الحين، صار العلم أمام خيارين: إما أن يرفض نظام المنطق القائم؛ أو عليه البحث والتقصي لغرض العثور على أصل وقوع الخطأ الذي يؤدي إلى حصول مثل تلك التناقضات الأكثر تنوعا. وبالطبع، وقع الاختيار على الشق الثاني من الاختيارين، وذلك من اجل الوصول إلى النتيجة الراهنة والتي تستند على البرهان في انه في كلا الحالتين ( أي في نظرية التعددية والمفارقات الدَّلالية) تحصل المتناقضات نتيجة الاستعمال غير المسموح به للغة (كالمشاكل المتأتية من استعمالنا لكلمات مثل « كل واحد chaque » و « جميع tous » …الخ، مثلما هو الحال عليه مع التمييز اللازم بين اللغة langage التي نتكلم بها؛ وبين اللسان langueالذي نتداوله يوميا). بهذه الطريقة حصلت عملية نشأة تحليل اللغة وتطور أدواتها الرمزية التي تتركز وظيفتها في عدم السماح لا بأرتكاب الأخطاء النحوية ولا بإساءة استعمال اللغة على حد سواء. وبذلك، أصبح هذا العمل الذي عمد إلى تشييده علماء المنطق بشكل خاص (والمتمثل في إعداد مختلف النظريات عن الأنماط types وعن المقولات الدَّلالية…الخ، والتي من خلال إنتاجها لمجمل أشكال التقييد المناسبة في استعمال اللغة، سيتم بالضرورة تدارك وعلاج كل ما هو ملتبس وغامض المعنى في مقولات اللغة اليومية، أي إلى كل ما يؤدي إلى تشكيل مثل تلك المتناقضات المذكورة أعلاه)، أصبح هو أحد المعارف العلمية الثابتة والراسخة، بل وصار لزاماً تمييزه عن التأويلات الزائفة وتعميماتها المتشكلة في وقت لاحق. مع ذلك، أدت صيرورة التحولات في المناهج التحليلية إلى الوصول إلى هذه النتيجة العامة والأكثر أهمية، وهي أن اللغة ليست أداة للأبحاث وللتحقيقات investigationsالفلسفية فحسب، بل هي موضوع دراستها أيضا. وهذه الأطروحة هي من دفعت في المقام الأول، حسب رأيي الشخصي، نحو تعزيز موقع الإشكالية اللسانية في الفلسفة في القرن العشرين، وفيها يكمن على الأقل جوهر عقلانية ذلك الإعلاء من شأن تلك الإشكالية.فمن بين أهم تلك العوامل التي ساهمت أيضا في تعميق أهمية الإشكالية اللسانية ومنحها دورا ومرتبة أعلى ضمن السلم الهرمي للمشاكل الفلسفية، هو ما حصل من ثورات في العلوم الطبيعية، تجلت خصوصا في التغييرات التي أحدثتها النظرية النسبية ونظرية ميكانيكا الكم في الجهاز ألمفاهيمي الخاص بعلم الفيزيقا الكلاسيكي. حيث كان لزاما على علماء الطبيعة والفلاسفة أن يعملوا على إعادة التفكير حول الأهمية التي تغلف مبدأ الدقة في الجهاز ألمفاهيمي لغرض بناء النظريات؛ وحول دور اللغة العلمية في بناء النظريات – خاصة عقب إضفاء قيمة إطلاقية absolutisation لهذا الدور – المستندة في حالات كثيرة على استعمال مصطلحات أمثال: « في نفس الوقت simultanément « ، ضمن نطاق كل من: المعنى الكلاسيكي ومعنى النظرية النسبية. أفضت تلك العملية بالضرورة إلى إطلاق العنان للنزعة التوافقية الممتثلة للتقليد conventionnalisme [والمستندة على ما هو متعارف ومتفق عليه من المسلمات والمبادئ العلمية المثمرة والنافعة، وليس على معطيات التجربة التي ترتكز عليها النزعة التجريبية، ولا على حقائق منطقية قبلية واضحة في ذاتها، ولا على أفكار فطرية] (ومثلّها فلاسفة العلم الفرنسيون بوتروكس E. Boutroux– بوانكاريه H. Poincaré –دوهيم P. Duhem ) وبعدها على التوالي إلى التأسيس أيضا لنزعة توافقية راديكالية.مع ذلك، اتخذت فاعلية العلوم الطبيعية في تعزيز مكانة فلسفة اللغة philosophie du langage طريقا آخر أكثر التزاما إلى حد كبير، بهدف تحويل ذلك إلى ممارسة عملية فعّالة. وبدأ ذلك بشكل واضح مع موقف الريبة وعدم التيقن لدى علماء الطبيعة تجاه الإشكالية الميتافيزيقية اللفظية المحضة. ومن المناسب هنا، أن لا يتم الخلط بين مقاصد intentions العلماء وبين النتائج المغلوطة والمؤسفة التي توصلوا إليها، بسبب نفيهم التام لدور الفلسفة. لهذا نراهم يقعون ببساطة في الاعتقاد الدوغمائي بأكثر الفلسفات زيفا، حسبما تنبأ بذلك الفيلسوف الألماني أنجلز. لكن، ينبغي علينا أن لا ننسى أن جينالوجيا الميتافيزيقا المثالية-الذاتية لمذهب الوضعية الجديدة، توضح وبشكل جليّ ذلك الميل عند ابرز ممثلي العلوم الطبيعية ( الذين يمثلون الجزء الأعظم من مبدعي ومؤيدي ذلك المذهب ) في مناهضة ميتافيزيقا الفيلسوف الألماني هايدغر وأمثاله، والمؤسسة على نزعة اللغو العقيم. فالمسار الذي كان ممثلا بالفيلسوفين الأمريكيين تشارلز بيرس وبيرسي بريجمان Bridgman والفيلسوف الألماني موريس شليك (دون ان نَعقُد مماثلة بين كل من بيرس والفيلسوف وليم جيمس الذي حاول تعميم صياغة بيرس لتعريف مصطلح الدلالة signification ولكن بتحويله إلى تعريف لمفهوم الحقيقةvérité ) بحث من خلال التأمل حول قضايا اللغة والتمييز بين ما هو منطقي وصائب وبين ما يفتقر لأي معنى ( فهناك تعبيرات محض لغو فارغ وغير حقيقية)، ومن ثمة، أدى ذلك إلى إنكار ورفض كل ما هو ميتافيزيقي يتطابق مع النزعة اللفظية verbalismeالخالية من المعنى. بقي علينا أن نعرف فيما إذا كان أصحاب تلك الفرضيات البارزة، هم أنفسهم من الكُتاب الذين وقعوا هم أنفسهم أيضا في فخ الميتافيزيقا. من أجل عدم إلغاء أي بعد تاريخي، ينبغي علينا التمييز بين كل من مصطلحي: المقصد والتفكير السليم، تلك المصطلحات التي كانت هي الأصل في إتباع مثل ذلك النهج والوصول إلى مثل تلك النتائج غير المثمرة. فمهما يكن، لابد من القول أن العلوم الطبيعية عملت بلا شك على تحفيز علم اللسانيات، ولو كان بشكل غير مباشر، أي من خلال البرهان على أهمية التحليل اللساني في الدراسات الفلسفية.إضافة إلى ذلك، تدين الأبحاث اللسانية في نهضتها إلى العلوم الاجتماعية. فعلم الثقافات المقارن éthnologie وما يُدعى بعلم الانتربولوجيا الاجتماعية anthropologie sociale عملوا أيضا على إبراز دور اللغة، أو بمعنى أدق، النزعة الرمزيةsymbolisme في الحياة الاجتماعية، لان وظيفة الرمز هي بالتأكيد ما نعمل على دراستها في الأديان والأساطير لدى المجتمعات التي يُطلق عليها « بدائية ». حيث تُعد النتائج الأكثر قيمة وأهمية تلك التي جرى الوصول إليها عقب الأبحاث المكرسة من اجل دراسة السُن تلك المجتمعات، وتأثير الأنظمة اللسانية المختلفة على طريقة التفكير وعلى صورة العالم أيضا. فأبحاث العالم الانتربولوجي والسوسيولوجي الفيلسوف الفرنسي ليفي-بريل Bruhl- Lévy وعالم الانتربولوجيا الثقافية السوسيولساني مالينوفسكي Malinowski والتي تركزت في مجملها على مدى الاستعداد اللغوي لدى المجتمعات الأصلية في التعبير التجريدي عن العالم، سلطت الضوء حول تلك المشاكل. لكن، لم تظهر الأهمية القصوى لتلك الأبحاث من ذلك النوع، إلا مع فرضية كل من العالم الانتربولوجي واللساني الأمريكي ادوارد سابير Sapir – والعالم الانتربولوجي واللساني الأمريكي وورف Whorf التي أشاروا فيها إلى عدم استقلالية تشكل صورة العالم عن النظام اللساني الذي هو نتاج لوسط محدد ولشروط وجود يفترضها ذلك النظام اللساني. هذه الفرضية ومجمل آثارها الفلسفية المهمة، تأسست على تحليل الالسُن التي تتحدث بها القبائل الأمريكية الأصل amérindiennes، وهي فرضية عملت المدرسة الأمريكية لوحدها فقط على تطويرها (بأستثناء بعض الأعمال المكرسة في جزء منها نحو اللغة الصينية).وتجدر الإشارة هنا إلى تنامي اهتمام علماء السوسيولوجيا بإشكالية اللغة بوصفها وسيلة للتواصل communication بصفة عامة، وللتواصل ذو الشرعية السارية المفعول على وجه الخصوص الذي تجري بناء عليه ليس عملية تبادل الفهم المشترك لدلالات الكلمات فحسب، بل وأيضا للاعتقادات الراسخة والمرتبطة مدى شرعيتها بالعبارات الصائبة منطقيا. فما هو ذلك العامل اللغوي الذي يعزز أو يعيق مثل ذلك التواصل؟ هنا تقع بالضبط المشكلة العقلانية لما يُدعى بعلم الدَّلالة العام sémantique générale (ويعود لمؤسسه عالم الرياضيات والفيلسوف البولوني الفريد كورزيبسكي Korzybski) هذا العلم الذي يجرى جزافا الخلط بينه وبين علم الدَّلالة المنطقي sémantique logique. وهنا – اي ضمن مجال هذا التيار السائد « علم الدَّلالة العام » الذي كان مثار نقد بسبب افتقاره لصرامة التفكير العلمي الدقيق- يمكننا بالتحديد أن نستوضح في الفكر العقلاني مدى الأهمية المنسوبة لوظيفة اللغة في عملية processus المعرفة، ومن ثمة، ضرورة البحث الفلسفي حول اللغة. وذلك لأن هذا الفكر العقلاني يرتبط إرتباطاً وثيقاً بدراسة أسس نظرية الدعاية propagande théorie de la، وهذا ما يفسر لنا النجاح الذي حققه علم الدَّلالة العام على المستوى الاجتماعي، في حقبة صعود النظام التوتاليتاري الهتلري حيث كان يسعى إلى أن يُظهر، من خلال الوقائع والأحداث، إلى أي درجة يمكن فيها أن يكون استعمال الدعاية ذات التوجيه السياسي القصدي الواعي، سلاحا قوياً وخطيراً في آنٍ واحد.وعلينا أن نشير ، في النهاية، إلى أن تطور علم اللسانيات الرياضية ونظرية المعلومات théorie de l’information شكل مقدمة تمهيدية في طريق الأبحاث حول اللغة بواسطة استعمال مناهج العلوم الصرفة، وفتح بذلك أفاقاً جديدة في هذا المجال البحثي كما نجده في التحليل الفلسفي لوظيفة اللغة في عملية التواصل الإنساني.[/size][/size] | |
|
الثلاثاء فبراير 23, 2016 11:50 am من طرف عزيزة