نابغة فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1497
الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي
تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | اصمتوا.. الشعب السوري يُقتل | |
نقد ودراسات | الثلاثاء, 07 نيسان/أبريل 2015 19:58 | | أحداث كثيرة وخطيرة، جرت الأسبوعين الماضيين. وقد يضيع على المتابع، أي تلك الأحداث هي الأهمّ. وأي منها سيكون تفصيلاً أساسياً في تاريخنا الحديث وفي مستقبلنا المسربل بالسواد والملبّد بالغيوم. ها نحن نقف على أعتاب سنة أخرى، يفرح بعضنا، كثير منا، يضحك، تدمع عيناه، تتدفق قشعريرة أمل من مساماته، يردّد في سرّه طويلاً “تحرّرت إدلب”. يردّدها حتى تصبح صدى يرافقه ذلك المساء وصباح اليوم التالي. تحرّرت المدينة التي قاسى أهلها طويلاً من القصف والبراميل ومجازر الكيماوي والكلور، التي عاشت قراها سنوات ثلاث بأكملها بلا دقيقة كهرباء واحدة وبلا ماء ولا طعام ولا تدفئة. المدينة التي اضطر أهلها إلى قطع أغلى ما يملكون (شجر الزيتون) ليشعلون أغصانه كي لا يموت أولادهم من البرد. ثم ينغّص ذلك الفرح، مشهد رجال ملتحين يعلنون النصر حاملين أعلاماً خفّاقة، هي أعلام سوداء. يحاول ذلك البعض الكثير منا، أن يتجاهل العلم الأسود ويروح يقول إن هذا الملتحي كان حليق الذقن قبل أسابيع أو أشهر، وإنه مثلنا، وإنه يردّد عبارات ظلامية كي ينجو، وإنه يتكتك إذ يرتدي عباءة الدين والشريعة الإسلامية. ثم ألاحظ أن خبر التحرير لم يأخذ حيّزاً من نقاش الأصدقاء السوريين في بيروت على الأقل. نكتب عنه في صفحات “الفيس بوك”، لأن العبارة التي نكتبها هناك في العالم الافتراضي، لا تتطلّب أكثر من جملة، لا تحتمل الكثير من النقاش، لا تجبرنا على النظر في أعين بعضنا البعض. ثم يتسلّل إلى ذلك الفرح، إحساس بالغبن والخيبة. تلك المدينة سورية، ننتمي إليها وتنتمي إلينا. هي جزء من وطننا، قطعة من أرضنا، من أرواحنا، وذاكرتنا ومستقبلنا. هناك، على تلك الأرض، وقف الملتحون بذقونهم متفاوتة الطول. يروح بعضنا يحدّق بتلك الذقون، يحاول أن يميّز بين ذقن وأخرى، هذه الذقن الطويلة تبدو طبيعية على الموضة، وتلك أطول بقليل وتبدو مثقلة بجهد صاحبها على تدليلها على عكس رفيقه الذي تبدو ذقنه مهملة وطالت في ضيق الوقت وصعوبة الظروف. ثم ماذا؟ ثم يتحول الفرح إلى قلق وخوف. ثم يستفيق ضمير ما، قد يكون ضمير الجماعة، ليقول لبعضنا: “ليس من حقكم أن تفرحوا للتحرير أو تمتعضوا منه!”. نعم. ألم تخرسنا زعاريد نساء إدلب العظيمات؟ ألا تذلّل أصواتهن العذبة الصاخبة بالسعادة والفرج، كل الأفكار التقدمية أو المتعالية أو النخبوية؟ ألم يشعر بعضنا بالخجل أمام سعادتهن بتحرير منطقتهن؟ هل عاش بعضنا هذا معهم وبينهم وقاسى ما قاسوه؟ مهما قرأنا وحزنّا وبكينا، هل تصلنا رائحة الغاز السام؟ هل تستوي معاناة من هرب بنفسه وبعائلته، مع من لم تتح له الظروف المعيشية أن يبتعد ولو بضعة كيلومترات عن الموت؟ أليس من حقهم تقرير مصيرهم؟ ألم يحن الوقت ليتخلّى بعضنا الكثير عن خطابه المدروس والعقلاني والمتعالي؟ ثم هل ننسى أننا شعب الـ”23 مليون”؟ كم يبلغ عدد بعضنا هذا؟ مليون؟ مليونين؟ ثلاثة ملايين؟ وماذا يعني أن تكون واحداً من ثلاثة ملايين في بلد يعيش فيه 23 مليون؟ أليست ثورة؟ ألا تستحق الثورة بعضاً من الجرأة والمواجهة والاعتراف بحقيقة أن البعض المعارض الذي عانى بشكل أو بآخر من الظلم والتعذيب والسجن والنفي، استفاد أيضاً من دون أن يقرر الاستفادة من سياسة النظام القمعية والاستبدادية التي منعت كثير من المواطنين المحافظين عن التعبير عن محافظتهم أو تطرّفهم. نعم لقد استفدنا من سياسة النظام “العلمانية” الكاذبة والمدعية. من كان يجرؤ على التعبير عن تطرّفه أو تديّنه؟ فقط الأبواق التي احتلت مبنى الإذاعة والتلفزيون وبعض الحلقات الدينية التي يفتتحها النظام ثم يغلقها بحسب مساره السياسي والظروف المحيطة بسورية. وبينما كان يستفيد بعضنا من تلك السياسة، كان ثمة 20 مليون سوري مقموع، يعيش مع 3 ملايين مواطن سوري على طريقتهم وكما يحبّون. وأقل ما يطلب ممن استكبر التحرير على يد إسلاميين، أن يتخيل يوم إدلب بلا تحرير. قتل ودمار وهمجية. ثم هل تساءل أحد لماذا تحفّظ النظام السوري يوم التحرير عن رمي البراميل؟ أين هو الطيار “البطل” و”المغوار” الذي يمتطي طيارته ويرمي أهل بلده بالغاز والموت؟ هل تزامنت إجازته مع التحرير؟ مسكينة هي سورية ومسكين هذا الشعب المحكوم بالموت والمتروك من السوريين أنفسهم قبل أن يتركه العالم. شعب يموت وبعضنا يشرب القهوة ويدخن وينظّر له وعنه وعن ثورته. ثم يحكى أن مستشارة القصر الجمهوري لونا الشبل، اجتمعت بشباب من السويداء وهدّدتهم بـ”داعش” إن لم يلتحقوا بالجيش مباشرة ونقل على لسانها عبارة تشبهها: “ستقاتلون دفاعاً عن سورية ورجلكم فوق رقبتكم”. النظام الذي يقصف الشعب بيد، يستقبل “داعش” في مخيم اليرموك بيده الأخرى. يستقبلها في داره ويمنحها جنوب المدينة كما منحها الرقة وكما منح فصائل أخرى إدلب وبصرى الشام. فهو إن لم يستطع إحراق البلد وحده، سيستعين بـ”داعش” كما استعان بإيران و”حزب الله”. وهل يظنّ أن الجنوب سيبقى جنوباً؟ ألن يمتد الجنوب إلى قصر الموت زحفاً بالسكاكين؟ وقبلها بأيام، دخلت “داعش” إلى السلمية وذبحت وأحرقت سوريين! ليخرج بعض “أعداء” الشعب السوري ويقول إن “داعش” أعدمت شبيحة النظام في السلمية! شبيحة؟ هل بات الأطفال والنساء والشيوخ شبيحة فقط لأنهم ينتمون إلى الطائفة العلوية أو الاسماعيلية؟ والأنكى أن البعض راح يتساءل عن طائفة الضحايا قبل أن يتخذ موقفاً من الذبح والحرق! هم إما ضحايا سنّة حتى لو كانوا موالين وعملاء للنظام، أو شبيحة علويين واسماعيليين حتى إن كانوا معارضين وشرفاء وأصحاب ضمير. “السنّة ضمير الأمة والعلويون هم خذلانها”. هذا هو عنوان المرحلة ولا مكان للعقل أو التأمل في هذه الرقعة من الأرض، هذا هو العدم. ثم يتسرّب خبر عن اتخاذ أساتذة الجامعة جثث ضحايا التعذيب كعيّنات لدراسة التشريح في “كلية الطب البشري” في العاصمة دمشق. جثة رجل سوري كان حيّاً قبل أيام أو أسابيع أو أشهر. رجل كان يمشي على قدميه فاعتقل وعذّب بهمجية لم يشهدها التاريخ لا على يد النازيين ولا على يد الصهاينة، تمزّق جسمه واقتلعت عيناه وأطفئت السجائر بما تبقى من جلده المتفسخ، وصلب وذبح ولا يسعفني خيالي المتعب على المزيد، ثم يرمى في براد المشفى العسكري في منطقة “الشيخ سعد” في المزة، ثم يؤخذ إلى الجامعة ليلمسه طلاب الطب السوريين أيضاً! عندما قيل إن الضحايا السوريين ليسوا سوى أرقام، لم نتخيل أن ثمة أبشع من أن يكونوا مجرّد أرقام. لقد صاورا عيّنات تدرّس في الجامعات. فليصمت العالم وليصمت بعضنا الكثير.. الشعب السوري يقتل وحيداً والكل يلهث للمشاركة في قتله. |
| |
|