[rtl]ترجمة: سعيـد بوخليـط[/rtl]
[rtl]
تلاميذ، أسلاك التعليم الإعدادي والثانوي، الذين ولجوا أبواب مدرسة"بار-سور-أوب" (sur-Aube-Bar)، خلال العام الدراسي 1919، اكتشفوا أستاذاً جديداً لمادتي الفيزياء والكيمياء، اسمه : غاستون باشلار .[/rtl]
[rtl]كان يبلغ من العمر وقتها، خمسة وثلاثين سنة. هو أيضاً، ينحدر من نفس البلدة. الحرب التي جند في إطارها، ضمن فيلق جنود الخيالة لمنطقة "Pont-à-Mousson"، منذ 2 غشت/أغسطس 1914، ألزمته بالبقاء لمدة ثمان وثلاثين شهراً داخل الخنادق [فاستحق وسام صليب الحرب مع تنويه نظام المجموعة]، يفسر في قسم كبير منه، كما الحال كذلك بالنسبة لأبناء جيله، تأخر تعيينه، بحيث لم يغادر الجندية إلا شهرماي 1919.[/rtl]
[rtl]في الأصل، لم يكن باشلار موجهاً لكي يلج المدرسة من أجل التعلم، بل ينتمي إلى ذاك الصنف من التلاميذ "المقتادين إلزاماً"، من طرف الذين سماهم بيغي (Péguy) بـ "جنود الخيالة"، أي مجموعة من الأساتذة "المنخرطين"، في المشروع "اللائكي"، بالتالي تطلع طموحهم نحو تحويل غير المتعلمين داخل المدن والقرى، إلى تلاميذ جيدين يعرفون القراءة والكتابة، كي يصيروا مواطنين مؤهلين. فعلاً، استطاع هؤلاء كسب رهانهم.[/rtl]
[rtl]ولد غاستون لوي بيير باشلار، في منطقة "بار-سور-أوب"، يوم 27 يونيو1884، كان والداه يملكان محلاً لبيع الجرائد والسجائر، وجده امتهن إسكافياً. بعض الصور الفوتوغرافية المؤرخة لتلك الفترة، تظهر أمه وأبوه، بوزرتين بيضاء وزرقاء، يقفان بمحاذاة الشارع الوطني، أمام دكانهما الذي يحمل اسمهما.[/rtl]
[rtl]ساكنة منطقة "بار-سور-أوب"، قاربت وقتها 4636 شخصاً. كنيسة القديس"ماكلو"، تسود القرية بجرسها ومنارتها، ثم نرى وادياً مخترقاً التلال، مداعباً الجسور حين عبوره البلدة.[/rtl]
[rtl]إذن، هذا الجمال الطبيعي، بقي عنصراً جوهرياً دامغاً، محدداً مزاج غاستون باشلار، الذي يقول: «لقد ولدت بين فضاءات بلدة تزخر سواقي وأنهاراً في منطقة شامبانيا (champagne)، توصف بكثيرة الأودية، لأنها كانت كذلك. بالتالي، ستكون أجمل المآوي بالنسبة إلي، وسط مجرى واد صغير، وعلى حافة ماء منساب، ثم عند أحضان ظل قصير لشجر الصفصاف وكذا السوخر، مع حلول شهر أكتوبر، بضبابه على النهر… إن منطقة ''لوفالاج" (le vallage)، بثمانية عشر موضعاً طولاً، واثنتي عشر عرضاً، تشكل عالماً، عجزت عن اكتشافه كلياً، لأني لم أستكشف جميع وديانه».[/rtl]
[rtl]هذا الاستحضار، سيكون بمثابة إيقاع نغمي لكل الوجود: «وأنا أحلم على ضفة النهر، أوجه كل خيالي إلى الماء، ماء أخضر صاف، تخضر به الضفاف. لا يمكنني الجلوس بجانب الجداول، دون أن يستغرقني تأمل شارد عميق، فأحلم بسعادتي». ثم، أخيراً هذه الصورة: «منظر،على تل منطقة "بار-سور-أوب" نسميه بجبل سان جرمان، يقدم عالماً دائرياً صغيراً، مغلقاً جداً، تشكل قبة الجرس، مركزه». باشلار، الطفل الصغير، كان يتوغل وسط الغابات، راوياً بأن: «جده تاه فيها، خلال فترة زمانية ما»، فتكرست لديه «غابة، مرتبطة بالأسلاف«.[/rtl]
[rtl]هذا الحضور السائل للطبيعة، شكل بدون شك، المناخ الحسي لأولى انطباعاته التي التقط عبرها الصور والادراكات المبهرة، وأبقى من خلالها على ذاكرة شعرية مدهشة ويقظة: «تحيى أشجار حافة النهر، وفق بعدين. ينمي ظل جذعها، عمق البِركة. إننا، لانحلم بجوار الماء، دون صياغة جدلية بين الظل والعمق. يبدو، أنه لا نعرف شيئاً عن المواد المتأتية، من عمق المياه، والتي تعمل على تغذية الانعكاس. الطمي، هو مستحضر قصدير مرآة تشتغل، مؤلفاً بين ظلمة المادة وكل الظلال التي تمنح لها. أيضاً يطوي قعر النهر، بالنسبة للرسام، على مفاجآت مذهلة». يأتي كل يوم، بوفرة من الحقائق والأحلام الجديدتين.[/rtl]
[rtl]يبدو ضرورياً لإطار لمسارنا، قبل استحضار شهادات حول حياته البسيطة جداً، استدعاء الذكريات، واستدعاء قوّة الخيال ذاتها، التي ألهمته وحددت أفق مساره.[/rtl]
[rtl]هكذا، يتكفل أبوه كل صباح بمهمة وكذا سحر، أن يوقد النار داخل غرفة غاستون، الذي يستيقظ وعيناه مفتوحتان على شرارات الشعلة، ثم مماتلثه لمشاعره، نحو هذا الأب الساحر، وقوته الهادئة، مع المتعة البروميثوسية التي تكشف الإنسان إلى ذاته.[/rtl]
[rtl]يتأسس تقليد جديد، مثل نوع من القٌداس، بحيث لايفوض الأب ممارسة هذه الكهانة، إلى أي شخص ثان. بالتالي، يتلقى الطفل الصغير، أصول التمتع بالنار التي تنير بطاقتها وإيحاءاتها، شخصيته الشابة، المتوقدة أصلاً. لقد غدا نصيراً للنار، معلنا فيما بعد، عن مايلي: «لم يعرف قط، طفل المدينة، هذه النار الملتهبة بين ثلاث قطع حجرية، ولم يتذوق أبداً فاكهة البرقوق المقلي، ولا الحلزون التي تنساب متزلجة، فوق الجمر الأحمر«.[/rtl]