تناقضات الحدث: ماذا تبقّى اليوم من حدث أيار/ ماي 68؟
[size=40]03فبراير 2016بقلم خالد طحطحقسم: الفلسفة والعلوم الإنسانيةحجم الخط
-18
+للنشر:[/size]
من أكبر التحوّلات، التي عرفتها الدراسات التاريخية المعاصرة، التي تهتمّ بـ«الحدث»؛ الانتقال من النظر في الأسباب والعوامل إلى استشراف الآثار والمآلات[1]. وقد عَبَّر عن هذا التطور الحاصل في المفهوم، بشكل واضح، الفيلسوف المتخصّص في علم اللاهوت ميشيل دوسيرتو، عندما علّق بالقول على هامش حدث ماي (1968م): «الحدث هو ما يؤول إليه»، وفي اعتباره، دائماً، «ما سيؤول إليه»، يجعل من «غير الممكن التحكّم في امتداداته»؛ فالحدث، بهذا المعنى الجديد، هو في حركة انبعاث مستمرّة، ولا يمكن، أبداً، تحديده، أو التحكّم في صيرورته. وهو، بذلك، ينفلت من الحتمية التاريخية التقليدية؛ إذ يكثف معناه في لا المتوقع، فهو المفاجئ، أو المذهل، كما عبَّر الفيلسوف مارتن هايدغر؛ لأنه يُلغي المألوف، فظهوره انبثاقي يثير الانتباه. وليس أفضل من تعبير ميشيل فوكو، في هذا السياق، الذي اقترح تعريفه المميز للحدث، فهو دائماً تشتُّت، هو ما يحدث هنا وهناك، إنه متعدد الرؤوس، إنّه مثل المخادع بروتيوس (Proteus) القادر على التكيُّف مع الأوضاع المختلفة لطبيعته المتغيّرة باستمرار. أكد الفيلسوف جيل دولوز، بدوره، الطبيعة الخلاقة للحدث، باعتباره الأصل في ذاته؛ فحدث، مثل الثورة الطلابية لسنة (1968م)، لم يكن ممكناً التنبّؤ به قبل وقوعه. ومثل هذه الأحداث غير المتوقعة، منذ البداية، مثّلت تحدياً للتصوّرات، وللاستعمالات التقليدية للتاريخ، وهو ما حصل، أيضاً، في نظرنا، بالنسبة إلى ظاهرة الثورات العربية؛ فالأمر فاجأ الجميع، بمن فيهم المؤرّخون وعلماء الاجتماع في الغرب، وفي العالم العربي، على حدٍّ سواء؛ إذ كانت المجتمعات العربية تُعَدُّ مجتمعات راكدة، وعصيّة على التغيير، بالنظر إلى بنيتها الاجتماعية والقبلية القابلة للانقسامية والتجزئة. وقد كانت صحيفة نيويورك تايمز السبّاقة إلى تناول هذا السؤال في ملفٍّ خاص عنونته بتساؤل عريض: لماذا لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من توقّع الانتفاضات العربية؟[2]. لا شكّ في أنّ الحدث مثل الجذمور، الذي ينتشر بسرعة بين الأشجار، دون أن يكون محكوماً بمركز ما؛ فقد انطلقت الشرارة من تونس، وامتدت إلى مصر، واليمن، وليبيا، وسورية، وهي، في تصورنا، على وشك أن تتوقّف كظاهرة، على مستوى الأمد المتوسط، في المنطقة، بالنظر إلى ما انزلقت إليه الأمور في المنطقة، ولا يمكن، بتاتاً، التنبّؤ بما سيحصل على الأمد البعيد. ونستبعد أن تتكرّر «سيناريوهات» معيّنة. وكل ما قيل، أثناء المقارنة بحدث من قبيل الثورة الفرنسية، التي مرت بأطوار متعدّدة قبل أن تستقرّ، إنّما هو مجرد أوهام؛ فالفجوة بين المقدّمات والنتائج هائلة جداً، والقول إنّ الحدث على مستوى الأمد الطويل ستكون له نتائج إيجابية ربّما هو قول غائي يجانب الصواب؛ إذ علينا، باحثين ومؤرخين، الابتعاد عن الإسقاطات، غير المبرّرة، المستندة إلى المقولة الخاطئة: «التاريخ يعيد نفسه»، فمن طبيعة الحدث أنّه لا يخضع لأيّ مسار، أو خطة مسبقة، فهو من طبيعته غير غائي، ولا سطحي؛ لذا ليس من الضروري أن نجد لكلّ حدث مرجعاً وسوابقَ، ولا يجب تناوله في إطار كرونولوجي بحت؛ بل يجب تقديمه كتوليف وتحوّل، باعتبار أن الزمن يظلّ مفتوحاً، دائماً، على مآلات مختلفة، وغير متوقعة، كما عبّر المؤرّخ الفرنسي فرانسوا دوس في كتابه (انبعاث الحدث: تحدي المؤرّخ بين أبي الهول والعنقاء)[3]. فإذا أردنا، اليوم، أن نقوم بفحص دقيق لحدث ماي (1968م) في علاقته بالحاضر، وكيف يشتغل في الذاكرة، وما يُمثّله بالنسبة إلى المستقبل، فإنّنا سنجد أنفسنا أمام حَدَث مُعقّد بشكل كبير، بالنظر إلى مفارقات منطلقاته ونتائجه؛ فهو يمثّل أكبر احتجاج في تاريخ فرنسا ككلّ، لكن من المستحيل منحُه صورة موحدة؛ إذ هناك انقسام متنافر بشأنه؛ فهذا الحدث مَثّلَ انتفاضة شبابية طلابية، انطلقت من المؤسسات الجامعية، ومن المدارس، حيث تُعَشِّشُ أفكار تيارات «تُجسّد راديكالية الاحتجاج»، على حدّ تعبير إدغار موران، فقد هزّت هذه الانتفاضة «التصنيفات الاجتماعية» المتداولة. وهو ما شَكَّلَ مفاجأة غير متوقعة آنذاك، فالمعروف أنّ حركات الاحتجاج كانت تنطلق من المؤسسات العمالية ذات التأطير النقابي المحكم.
لقد اخترقت الحركة الاحتجاجية في ماي (1968م) الشوارع العامّة، على غير المتوقع، انطلاقاً من أسوار الجامعات، وانضمّ إليها، بعدئذٍ، العمّال، والعديد من الفلاسفة والمثقفين، أمثال: جيل دولوز، وفيليكس غاتاري، وبول سارتر، وإيفي مونتان، وألان توران.
لقد انطلقت الثورة الطلابية من جامعتي نانتير والسوربون، إثر حدث عادي، حيث تسبّب توقيف طالب، وعرضه على المجلس التأديبي للجامعة، إلى انتشار شرارة انتفاضة غير مسبوقة، فالشوارع امتلأت بما قدره خمسة ملايين محتجّ؛ أي ما يعادل نسبة (20%) من الشعب الفرنسي آنذاك، ولهذا اعتبرها ألتوسـيـر «أكبر إضراب في تاريخ الرأسمال».
رُفعت خلال انتفاضة ماي (1968م) شعارات جيل جديد من الرافضين لكلّ شيء؛ للرأسمالية، وللشيوعية للتقليدية، وللمؤسسات. إنها ثورة شعار «المنع ممنوع»، لكن ماذا بشأن مآلاتها؟
لقد كشف مسار الانتفاضة عن حقيقيتين متنافرتين؛ ففي المشهد الأول، ومع بداية الثورة، تكاد تختفي الهيئات السياسية، وسلطة الدولة؛ وفي المشهد الثاني؛ أي بعد انتهاء الحدث، يُعاودان الظهور ثانية، وينتصران، وكأنّنا انتقلنا من مسار يسعى إلى «هدم بنية» نحو مسار يُعِيد «البَنْيَنَة»[4]. عبَّر المتظاهرون، خلال ثورة ماي، عن رفضهم المطلق لشكل النظام القائم، وللمنطق السياسي السائد؛ بل خرجوا عن الشَّكْل المتعارف عليه في طريقة الاحتجاج؛ فقد كانوا ضد تراتبية العمل، وضد تراتبية السلطة، وضد الهيمنة النقابية على الحركات، وفي كلّ لحظة كانت تُطلق مبادرات –اعتُبرت- فوضوية. كان هناك، بشكل خاصّ، رفض جذري للديمقراطية التمثيلية، للإطار البرلماني المؤسساتي، فالشعار البارز لـ (ماي 68) كان: «الانتخابات فخّ الأغبياء». إنّها رؤية تشاؤمية، ثورية، ضد كلّ شيء. لكن ما الذي حصل بعدئذ؟ لقد اختفت آثار الحدث.
ففجأة بدأت حدّة الاحتجاجات في التراجع تدريجياً بعد خطاب رئيس الجمهورية شارل ديغول (1890-1970م)، الذي دعا الجميع إلى الاحتكام لصناديق الاقتراع، ثمّ ما لبثت أن توقّفت، ثمّ حصلت انتخابات. وماذا كانت النتيجة؟ مفاجأة جديدة غير متوقعة، وجد الفرنسيون أنفسهم أمام أكثر البرلمانات رجعيّة في تاريخهم. هُنا، يكمن وجه المفارقة، في كون أزمة ماي لم تنته إلى ثورة اجتماعية، أو سياسية.
لقد مثّلت حركة (ماي 68) ثورة من نوع آخر، فعلى الرغم من قوتها البشرية، لم ينتج عنها تغيير لنظام الحكم، ولم يَتَسَلَّم الثوار مقاليد السلطة؛ فعن أيّ ثورة نتحدّث إذاً؟
لقد طرح الفيلسوف بول ريكور، في حواره الأخير قبل وفاته، سؤالاً؛ ماذا حدث فعلاً آنئذٍ؟ لا شيء أم الكثير؟ أَكان الأمر لا يعدو كونه حلم يقظة كبيراً، أم نّه نوع من اللعب، كما كان يذهب إلى ذلك ريمون أرون، أم أنّ شيئاً مُهمّاً حصل لم يتمكّن من إيجاد تصريف سياسي ملائم، ولم يتمّ تدبيره بشكل ناجح؟[5]؛ بل إن الثورة، في تقدير آلان توران، أحد أكبر المتخصصين في تدريس الحركات الاجتماعية، مَثَّلت ردَّ فعل الطلاب ضد سيطرة التكنوقراط، الذين هيمنوا على الجامعة، وهم بحركتهم الاحتجاجية، إنّما عبّروا عن تحديهم السافر للنسق السياسي، وللأبنية الفوقية، دون تخطيط مسبق، أو رغبة في اغتصاب السلطة، أو الاستيلاء عليها، وقد ظلّ يُنظر إلى حركة (ماي 68)، بوصفها قوّة فاعلة في التغيير. غير أنه دُهش، بعد ذلك، من الجمود الذي أصاب الطلاب الفرنسيين بعد الحدث الشهير. وهناك من تحدث عن ثورة من نوع مختلف؛ ثورة ثقافية، وفكرية، وفنية؛ ثورة مجتمعية طالبت بإعادة النظر جذرياً في النمط الاستهلاكي للمجتمعات الصناعية، وفي قضايا التربية والتعليم، والسلطة، والمرأة، والجسد، والحب. فريكور أكّد أنّ الأحداث في جامعة نانتير، مثلاً، لم تكن وراءها أسباب تتعلق بالتدريس، وإنما تقف وراءها أمور أخرى، من قبيل تأكيد الذكور حقّهم في زيارة الإناث في أماكن إقامتهن، لقد كانت «الثورة الجنسية» -حسبه- هي الشرارة التي فجّرت الأحداث؛ لذا فـ ماي (1968م)، بهذا المعنى، حمل معه تحولات في العادات، وفي الحريات الفردية والجماعية، كما برزت إلى السطح، بشكل قوي، الفئة الشابّة ذات الطموحات والأحلام الطوباوية. لقد قاد الحدث إلى بروز دور أكبر للحركة النسائية التحررية، ثم إلى ظهور حركة المثليين، وحقّهم في التعبير عن أنفسهم؛ بل هناك من عدّ هذا الحدث بداية لسيطرة البنيويين على حقل العلوم الإنسانية، بعد حقبة من هيمنة الوجودية بزعامة بول سارتر، وتُعدُّ كتابات دولوز وغاتاري، ولاسيّما (ضد أوديب)، و(الرأسمالية والفصام)، نتيجةً مباشرةً لتأثرهما بأحداث ماي؛ فقد تجاوزا، بشكل قاطع، أفكار جاك لاكان في التحليل النفسي، وهاجما «الآلية الأوديبية»، باعتبارها آلية قمعية، فَتَمَّ الترويجُ لفكرة الانتصار الثقافي، في ماي، بَدَلَ استخدام كلمة نصر سياسي. تمت إعادة النظر في حدث ماي مجدّداً في عام (2008م)، وذلك بعد مرور أربعين سنة على وقوعه؛ فقد كُتِبَت حوله مقالات وكتب عديدة، وخصّصت له برامج تلفزيونية، ونقاشات ساخنة. فلماذا كل هذا الصخب حول (ماي 68)، وبشكل مبالغ فيه؟ أهو نوع من الاحتفاء بحدث انتهى إلى الأبد، أم هو، على العكس من ذلك، نوع من الاحتجاج والتمرّد على الواقع الجديد؟ وما الذي يُمثّله هذا الحدث، اليوم، من دلالة بالنسبة إلى الفرنسيين؟ وأيّ شيء تَغَيَّر بعد أكثر من أربعين سنة من وقوع الحدث؟
لم يكن هناك اتفاق بين المناقشين حول حدث ماي؛ فهناك من عدّه مجرد هيجان كرنفالي للشباب داخل مجتمع رأسمالي، وهناك من عدّه ثورة مجتمعية حقيقية؛ بل هناك من ذهب إلى أنّ الأمر لا يعدو أن يكون مجرد «افتعال لقصة ثورة»؟. من هذا المنطلق، يمكننا الحديث، اليوم، عن ثورة، وفي المقابل، يمكننا الحديث عن لا شيء.
نسجّل، من وجهة نظرنا، أنّ ثورة ماي لم تكن ظاهرة فرنسية خالصة؛ بل وقعت -وفي الوقت نفسه- انتفاضات شبابية في بعض جامعات أمريكا اللاتينية، وأوربا، وآسيا، ما يجعلنا أمام سياق داخلي وخارجي؛ إذ يمكن القول: إنّ هذا التمرّد، في حينه، مثَّل ظاهرة عالمية، وما تشترك فيه هذه الانتفاضات، جميعاً، هو اقتباس مفاهيمها وشعاراتها من الحقل الدلالي الشيوعي، وأيضاً، كانت تشترك في ظاهرة الانفجار الديموغرافي السريع غير المتحكّم فيه. لكنّها لم تكن منسجمة في أمور كثيرة؛ إذ ستحدث صراعات داخل حركة الإضراب، كما هو واضح في فرنسا، وهي صراعات عقيمة وحادّة، جرت بين الحركة اليسارية الجديدة واليسار الكلاسيكي، وكذلك بين التيار التروتسكي، والتيار الماوي، والتيار الفوضوي. فمن كان يتحكّم في الحركة الاحتجاجية؟ يصعب الحديث عن حركة منسجمة، أو موحّدة، بقدر ما كان الحدث غلياناً متناقضاً، وكأنه كان يحمل بذور موته في بدايته. فعند نهاية (ماي 68)، كانت الراية الحمراء تُرى في نوافذ شقق يسكنها البرجوازيون؛ فهناك العديد من الذين انضموا الى الحركة الاحتجاجية من دون أيّ تأطير، لكن من أجل ماذا؟ إنّ الغالبية لا تعلم ما الذي يحصل، وما الذي يجري؛ فالجمهور مُتفاعل، ومُنبهر، ومتحمس، ومنساق، غير أن أكثريتهم لم تعرف، بالضبط، ماذا تريد حقّاً[6]؟ شاهدنا بأنفسنا ذلك، في الصور التلفزيّة، في حالة الثورة المصرية تحديداً. في حدث ماي تبدو الطبيعة المتنافرة للحدث؛ إذ يمكن -حسب آلان باديو- التمييز بين ثلاثة مكونات، وبين ثلاثة أمكنة، وبين ثلاثة أنواع من الرموز والخطابات، ومن ثمّ ثلاث حصيلات مختلفة. يتعلق الأمر، بالنسبة إلى الطلبة، بجامعة السوربون المحتلّة، وبالنسبة إلى العمال؛ يتعلق الأمر بالمعامل الكبرى في بلانكور، وبالنسبة إلى ماي التحرري؛ يتعلّق الأمر باحتلال مسرح الأوديون. فعن أيّ ماي يمكننا أن نتحدّث اليوم وغداً؟
يحقّ لنا، اليوم، أن نعود إلى سنة (1968م)، لنسائل الحدث من جديد: ماذا بقي منه اليوم؟ فيومذاك كانت أفكار سارتر، ودولوز، وغارتاري، وفوكو، هي الرائجة بين الشباب. وفي سنة (2008م)، وبالضبط بعد مرور (40) سنة، شهدنا عودة قويّة لليمين، من خلال نجاح ساركوزي. أليست هذه من مفارقات وتناقضات نتائج الحدث[7]؟ الأمر نفسه يمكن تمثّله بالنسبة إلى مآلات أحداث ثورات الربيع العربي، التي لا يمكن، بأيّ حال، منحُها صورة موحدة؟ أكنّا، بالفعل، إزاء ربيع حقيقي، كما اصطُلِح عليه، أم أنّ الأمر يتعلّق بشيء آخر مختلف، تماماً، عن التسمية المستوردة؟ أين تبخرت، فجأة، أحلام المحلّلين، والمثقفين، والإعلاميين، الحالمين من العرب وغيرهم؟ لقد اختفت، فجأة، شعارات الديمقراطية، والحرية، والانتقال السلمي للسلطة، وعوّضتها مفردات على النقيض تماماَ. أليس هذا، بدوره، من مفارقات نتائج الحدث الآني بعد مرور خمس سنوات، فحسب، من وقوعه.
إنّ التبجيل، الذي رافق الحدث أثناء بزوغه، من قبل المفكرين، والإعلاميين، والسياسيين المعارضين، اختفى أمام النتائج المرعبة للحدث (الحرب الأهلية، والتهجير القسري والاضطراري، والفوضى، وتدمير الدولة...)، وهو ما يجعلنا نعيد عقارب الساعة إلى الوراء بشأن التساؤلات والخلاصات المكرسة، حيث إنّه، خلال البدايات الأولى، تركّز الحديث عن قرب بزوغ فجر الإصلاح الديني، وتنامي العلمنة؛ إذ بدا، وكأن الحدث سيفتحنا، بالفعل، على تعزيز في قيم المواطنة، وعلى مرحلة جديدة من الديمقراطية، والتحديث السياسي والاقتصادي؛ بل إنّ هناك من أكّد كوننا سنقطع، بسببه، بشكل تدريجي، مع كلّ مظاهر التسلط والاستبداد[8]، لكن لم يحدث ذلك الانتقال المنتظر؛ إذ انزلقت الأمور في اتجاه الفوضى، والصراعات القبلية والطائفية. ربّما، في نظرنا، تسرّع الباحثون، الذين ذهبوا بعيداً في التنظير والتخمين لنتائج الحدث إبان وقوعه، حيث لم يستوعبوا درس التاريخ، ولم يتنبّهوا للتعقيدات الكثيرة الإقليمية والدولية المحيطة بالحدث وتداعياته.