** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
 الاصلاح الديني قبل الاصلاح السياسي I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

  الاصلاح الديني قبل الاصلاح السياسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الكرخ
فريق العمـــــل *****
الكرخ


عدد الرسائل : 964

الموقع : الكرخ
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4

 الاصلاح الديني قبل الاصلاح السياسي Empty
11082015
مُساهمة الاصلاح الديني قبل الاصلاح السياسي

لاصلاح الديني قبل الاصلاح السياسي

 الاصلاح الديني قبل الاصلاح السياسي Book1

في الواقع أن أحد الأمور التي جعلتْني آتي إلى منتدى الدكتور جمال الأتاسي – رحمه الله – هو أن هذا المنتدى تأسس لندرِّب أنفسنا فيه على قبول الآخر. وكلامي هنا الآن امتحان لقبول هذا المنتدى للرأي الآخر لأنني قد أقول أشياء لا تعجبكم أو لا تتوافق مع رأيكم.
سأبدأ حديثي بالمقدمات الآتية:
أولاً: ثمة أمور عندي غير قابلة للنقاش، منها الإيمان. فالإيمان بالله عندي تسليم، وأنا مسلِّم بوجود الله واليوم الآخر؛ وهذه مسلَّمة. والمسلَّمة هي أمر لا يمكن البرهان عليه علميًّا، كما لا يمكن دحضه علميًّا. ولهذا لا يجوز للملحد المنكر لوجود الله أن يقول: أنا ملحد لأن الإلحاد موقف علمي؛ ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي. وعندي أن الإلحاد أو الإيمان خيار يختاره الشخص بنفسه ولنفسه.
ثانيًا: الإيمان بأن محمدًا عبد الله ورسوله، وبأن الكتاب الذي نزل عليه وحيٌ موحى، من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وهذا عندي أيضًا إيمان تصديق أنا به مؤمن، كشأن إيمان التسليم الذي أنا به مؤمن.
ثالثًا: الكتاب الموحى لا يُعتبَر دليلاً علميًّا، بل هو دليل إيماني. وعلى أتباع الرسالة المحمدية تقديم الدليل العلمي على صدقيَّته من خارجه. ولو كان القرآن دليلاً علميًّا، لكفى أن نقول لأيِّ إنسان: قال الله تعإلى كذا وكذا فيقبله. ومن هنا فإن على أتباع الرسالة المحمدية، عندما يخاطبون العالم، أن يقدموا الدليل على صدقيَّة ما ورد في المصحف من خارجه، وليس منه. العقل كالمظلة، لا يعمل إلا مفتوحًا؛ فإذا أُغلِق توقف عن العمل وتسبب في قتل صاحبه. فعلينا أن نفتح عقولنا حتى لا نموت. لكن الثقافة العربية الإسلامية الحالية ثقافة تقليدية تراثية. نفتح الكتب والتلفزيونات والبرامج الثقافية فنجد الثقافة العربية الإسلامية تعيد إنتاج نفسها وتكرِّر نفسها. لماذا؟ لأنها ثقافة تقوم على القياس، ولا تقوم على الإبداع. ونحن نحتاج إلى إبداع وليس إلى قياس.
نأتي الآن إلى المفاهيم والقيم: القيمة الأولى هي الحرية، والقيمة الثانية هي العدالة. هاتان القيمتان كامنتان وراء كل الثورات الكبرى في العالم، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية. فحتى في الثورات ذات الجانب الدنيوي نجد هاتين القيمتين: الحرية والعدالة. ثورة أكتوبر الشيوعية قامت من أجل العدالة قبل أن تقوم من أجل الحرية؛ وثورة الزنج قامت من أجل الحرية قبل أن تقوم من أجل العدالة؛ وهناك ثورات قامت من أجل الاثنتين معًا.
من الناحية النظرية، نجد مفاهيم الحرية والعدالة في تاريخنا العربي الإسلامي؛ ومن الناحية النظرية، نرى هذين المفهومين في كتاب الله الموحى. ويهمنا هنا الآن أن ننظر كيف مورس هذان المفهومان في تاريخنا العربي الإسلامي.
الحرية، حتى هذه الساعة وعلى مرِّ عصور التاريخ، ليس لها وجود في الوعي الجمعي العربي والإسلامي؛ العدالة فقط هي الموجودة. وإذا قالوا عن إنسان إنه عادل منصف أعجبنا ولم نسأل عن القيم الأخرى فيه. حتى عمر بن الخطاب – ذلك الصحابي الجليل والزعيم الكبير – استعمل لفظ “الحرية” في موقع المساواة والعدالة حين قال عبارته المشهورة في حادث القبطي مع ابن عمرو بن العاص: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.” قد يقول قائل: إنه يذكر الاستعباد والأحرار. أقول: نعم، لكنه لم يكن يعني الرق ونقيضه؛ كان يعني العدل في المساواة بين العبد والحر. والدليل أن الرق كان نظامًا متَّبعًا أيام عمر، وكان العبد يباع ويشترى ويؤجَّر، ولم يفعل عمر شيئًا من أجل إلغائه؛ ولو كان يعني بعبارته الحرية لفعل شيئًا من أجل الرق، لكنه لم يتدخل.
ولكن ما الذي حصل بعدها؟ الذي حصل أننا، من أجل العدالة، قبلنا بعصا عمر؛ ومات عمر، وبقيت العصا؛ لا بل كبرت وغلظت. وصرنا نقرأ عن الرشيد أو المأمون أنه كان ينزل متنكِّرًا ليتفقد أحوال الرعية، فنمدحه ونترحَّم عليه، دون أن نسأل كم من المساجين كان في سجونه؛ صرنا نمدح الحجَّاج لأنه نقَّط القرآن، وننسى أنه كان في سجونه حين مات – بحسب رواية الأصمعي – أكثر من 66 ألف سجين. قبلنا ذلك كلَّه لأن مفهوم العدالة هو المسيطر على رؤوسنا؛ قبلناه إلى حدِّ أننا اخترعنا مفهومًا جديدًا هو مفهوم “المستبد العادل”. ومع ذلك كان هناك تجاوز للعدالة. فنحن، حين ننظر في الإسلام التاريخي وفي أدبياته الفقهية التطبيقية، نجد أن مفهوم العدالة قد حلَّ محلَّه مفهوم المستبد العادل، وأن الحاكم لا يُعزَل، وإن جار أو ظلم؛ ولا يُعزَل، حتى إن فسق أو أصيب بالجنون؛ لا يُعزَل ويحكم مدى الحياة. هكذا تبدو الحرية والعدالة في وعينا الجمعي وفي الكتب التي ما زالت تُطبَع حتى اليوم ونقبلها. ما زلنا نصفق للحاكم الذي يتنكَّر وينزل كي يتفقد أحوال الرعية، مع أنه لم يبقَ الآن ما يدعوه إلى التنكُّر بوجود مؤسَّسات مجتمع مدني وأهلي تقوم بهذا الدور بالفرض.
ننتقل الآن لبيان الأساس النظري لمفهوم الحرية، كما ورد في كتاب الله تعإلى، ثم لنشرح بعده مفهوم الردَّة، لما له من علاقة مباشرة بمفهوم الحرية. ففي كتاب الله مصطلحان: الأول هو “العباد” والثاني هو “العبيد”. فما الفرق بين العباد والعبيد؟ لقد ورد المصطلحان في كتاب الله؛ فهل نحن عباد الله أم عبيد الله؟ هذا هو السؤال. والجواب إن الناس هم عباد، وليسوا عبيدًا في كتاب الله تعإلى.
لقد جاء المصطلحان من أصل ثلاثي هو ع – ب – د، وهو من ألفاظ الأضداد في اللسان العربي التي تعني الشيء وضدَّه معًا. وفعل “عَبَدَ” يعني أطاع، كما يعني عصى في الوقت نفسه. أي أن العبادية تعني الطاعة والمعصية. وقد ورد هذا المصطلح بمعنييه في كتاب الله تعإلى. فقال تعإلى بمعنى الطاعة: “إياك نعبد وإياك نستعين” (الفاتحة 5). وقال تعإلى بمعنى المعصية: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله…” (الزمر 53)؛ وقال: “قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين” (الزخرف 81). وقال تعإلى بمعنى الطاعة والمعصية معًا: “نبِّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم” (الحجر 49)؛ وقال: “والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقًا للعباد” (ق 10-11)؛ وقال: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” (الذاريات 56)، أي ليكونوا عبادًا يطيعون ويعصون بملء إرادتهم واختيارهم، وليس، كما يقول السادة العلماء، أنه خلقهم ليصلُّوا ويصوموا ويكونوا عبيدًا. فالعبودية غير مطلوبة أصلاً، والله –
سبحانه – لم يطلب من الناس أن يكونوا عبيدًا له في الحياة الدنيا، بل خلقهم ليكونوا عبادًا: فيهم من يطيع فيصوم ويصلِّي، وفيهم من يعصى فلا يصوم ولا يصلِّي.
إن حرية الاختيار التي يجسِّدها مصطلح “العبادية” هي كلمة الله العليا التي سبقت لأهل الأرض، وقامت عليها حكمة الخلق بالأساس، في قوله تعإلى: “ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم…” (يونس 19 وهود 110 وطه 129 وفُصِّلت 45 والشورى 14). ولهذا فحين نُكرِه الناس على الإيمان أو نُكرِههم على الإلحاد تكون كلمة الله هي السفلى. ولهذا أيضًا أمر رسول الله – صلوات الله عليه – بالجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا. ولكن عندما يُكرَه الناس على الصلاة، ولو في المسجد الحرام، تصبح كلمة الله هي السفلى. وعندما نُكرِه النساء على الحجاب، كما في أفغانستان، أو نكرههن على نزع الحجاب تصبح كلمة الله هي السفلى. القضية، إذن، قضية “لا إكراه في الدين” وقضية حرية اختيار، لولاها لما بقي معنى ليوم الحساب ولا للثواب والعقاب.
ننتقل الآن إلى المصطلح الثاني في كتاب الله تعإلى، وهو العبيد. لقد ورد هذا المصطلح في القرآن خمس مرات: “وإن الله ليس بظلاَّم للعبيد” (آل عمران 182 والأنفال 51 والحج 10)؛ “وما ربك بظلاَّم للعبيد” (فُصِّلت 46)؛ “وما أنا بظلاَّم للعبيد” (ق 29). ونلاحظ أنها وردت كلَّها في مجال اليوم الآخر. لماذا؟ لأننا في اليوم الآخر “عبيد”، ليس لنا من الأمر شيء، ولأننا في اليوم الآخر “عبيد”، ليس لنا رأي ولا يحق لنا أن نتكلم أصلاً. في الحياة الدنيا يؤمن الناس أو يلحدون، يطيعون أو يعصون، لأنهم “عباد”؛ أما في اليوم الآخر فلا وجود لحرية الاختيار. في اليوم الآخر هناك سَوْق، مثل السَّوْق القسري إلى خدمة العلم؛ فيُساق العصاة إلى النار، تمامًا مثلما يُساق الطامعون إلى الجنة. يقول تعإلى: “وسيعود الذين كفروا إلى جهنم زمرا” (الزمر 71)؛ “وسيق الذين اتقوا ربَّهم إلى الجنة زمرا” (الزمر 73). ونفهم من هذا كلَّه أن الناس عباد الله في الدنيا وعبيد الله في اليوم الآخر. وكما يتضح لنا بكلِّ جلاء أن مفهوم الحرية في كتاب الله تعإلى سبق مفهوم العدالة، بدليل ورود الظلم مقرونًا بالعبيد في الآيات الخمس. لماذا؟ لأن العبد لا يستطيع أن يقيم العدالة؛ ومن هنا اقترن الظلم بالعبودية. أما العباد الأحرار فلا حاجة لتذكيرهم بالعدالة لأنهم يستطيعون أن يقيموها بأنفسهم باعتبارهم أحرارًا. وحين يملك المرء حرية الاختيار ويرتفع عنه سيف الإكراه يصبح قادرًا على تحقيق العدالة وصنعها.
ننتقل الآن لننظر كيف أخذ الفقه الإسلامي التاريخي بالحرية والعدالة في مسألة الردة. إنما علينا، أولاً، أن نميِّز، ونحن نتحدث عن الردة، بين نوعين: الردة السياسية والردة العقائدية: فالردة السياسية هي محاولة خروج على الحكم للاستيلاء عليه. ففي بريطانيا، مثلاً، إذا أراد إنسان أن يصبح حاكمًا ورئيس وزراء فكيف يتصرف؟ إنه ينتسب لحزب في بريطانيا، ثم يسعى ليصل إلى رئاسة الحزب، ثم لينتصر الحزب في الانتخابات… هذا هو الطريق. لكن الأمر مع الرسول (ص) مختلف: فقد بدأ نبيًّا ورسولاً، وانتهى مؤسِّسًا لدولة مركزية في الجزيرة العربية عاصمتها المدينة المنورة. فترسَّخ في الوعي السياسي لدى الناس أن أي إنسان يريد أن يصبح له دورٌ سياسي أو أن يصبح رئيس دولة يجب أن يدَّعي النبوة. وأول من فعل ذلك في العصر النبوي هو الأسود العنسي فأمر الرسول بقتله. وعندما قام مسيلمة الكذاب وادَّعى النبوة ورفض أداء الزكاة للخليفة أبي بكر كان هناك موقفان: موقف أبي بكر، وهو موقف اقتصادي سياسي، وموقف عمر، وهو موقف ديني يضمن حرية التصرف والممارسة. وقد انتصر وقتئذٍ موقف أبي بكر نظرًا إلى أن الزكاة كانت الدخل المالي الوحيد للدولة. أما اليوم، بعد اعتماد الأنظمة الضريبية من قبل الدولة، فقد رَجَحَ عمليًّا موقف عمر؛ إذ لا يتم الآن دفع الزكاة للدولة، بل يصرفها أصحابُها بأنفسهم على مستحقِّيها. ولكن لو جاء أهل حلب الآن ورفضوا أداء الضرائب المحصَّلة للدولة المركزية فمعنى ذلك أنهم انفصلوا عن الدولة. وهذه هي الردة السياسية.
والردة السياسية ليست حكرًا على المجتمعات العربية والإسلامية؛ فنحن لسنا بدعة من الناس. فأكبر الحروب التي جرت في أمريكا بين الشمال والجنوب هي حروب انفصال وردَّة سياسية.
أما الردة العقائدية، فمثالها أن يقول إنسان مسلم: أريد أن أصبح مسيحيًّا أو بوذيًّا، أو أن يقول إنسان مسيحي: أريد أن أصبح مسلمًا أو يهوديًّا. وحكم هذا الإنسان في الإسلام التاريخي القتل. لماذا يقتلونه؟ ثمة من يقول: هناك حديث نبوي: “من بدَّل دينه فاقتلوه.” ونحن نقول: إذا كان الله سبحانه يقول: “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” (الكهف 29)، ويقول: “لا إكراه في الدين” (البقرة 256)، ويقول لنبيِّه: “إنما أنت مذكِّر لست عليهم بمسيطر” (الغاشية 22)، فكيف يستقيم أن يأمر النبي بقتل المرتد؟ – وثمة من يقول: أنتَ دخلتَ في الإسلام طوعًا، لم يجبرك أحد؛ ولهذا لا تستطيع الخروج الآن. ونحن نقول: إن معظم المسلمين دخل في الإسلام في شكل آلي، لا طوعًا ولا كُرهًا؛ ولدوا من أبوين مسلمين، فكانوا مسلمين؛ ولو ولدوا في بلاد البوذية لكانوا بوذيين!
إنني ألوم منتدى جمال الأتاسي عندما بدأ يطالب بالإصلاح السياسي؛ وهذا مستحيل. لا يمكن أن يكون إصلاح سياسي قبل الإصلاح الديني. فالعقلية التقليدية الموجودة عند الناس لا تقبل أي إصلاح سياسي. سأعطي مثالاً: هناك أبواب في الفقه الإسلامي التاريخي تحتاج إلى تغيير، منها باب “سد الذرائع”. وهو باب، حسب المعنى السياسي، يعني حالة الطوارئ والأحكام العرفية. مثلاً: إذا خرجت امرأة إلى الطريق فيجب أن تلبس خيمة سوداء لأننا نخشى أن يقول لها رجل مرحبًا؛ ولا يجوز أن تتعطَّر، وإلا اعتُبِرَتْ زانية؛ والأفضل للنساء أن “يقرن في بيوتهن” فلا يخرجن أبدًا.
باب آخر هو باب “درء المفاسد خير من جلب المنافع”. وهذا الباب حوَّلنا إلى جبناء وبلداء وكسإلى، انحصرت علاقتُنا بالدولة والحياة إلى درء مفاسد دون جرِّ منافع، رغم أن قانون الوجود قائم على المفاسد والمنافع معًا، على الخير والشر معًا، ونفي أحدهما يعني نفي الآخر حتمًا. يقول تعإلى: “كل نفس ذائقة الموت، ونبلوكم بالشر والخير فتنة، وإلينا ترجعون” (الأنبياء 35).
باب ثالث هو “كل قرض جرَّ منفعة فهو ربا”. تشددوا فيه بتعريف “المنفعة” وبالغوا بتوسيع حدود “الربا”، وقرنوه بقواعد أخرى في تبديل الذهب بالذهب والفضة بالفضة والقمح بالقمح، حتى صارت المعاملات في الأسواق التجارية بالغة الصعوبة والتعقيد. ومع ذلك نسمع خطباء الجمعة على المنابر يتشدقون بأن الرسول (ص) مات ودرعه مرهونة عند يهودي. ونستغرب ونحن نتساءل: “أليس هذا – إن صح – أمرًا معيبًا، وفي الأمة عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعمرو بن العاص وغيرهم وغيرهم من مليونيرات قريش؟ ثم نتساءل: كم كان مقدار الفائدة التي تقاضاها هذا اليهودي؟ فالتاريخ لم يسمع من قبلُ بيهودي يُقرِض أعداءه اللدودين قرضًا حسنًا.
باب رابع هو باب التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة في مجال الترغيب والترهيب.
باب خامس خطير ومهم هو باب “الشورى”. قال تعإلى آمرًا نبيَّه الكريم: “وشاورهم في الأمر” (آل عمران 159)، ثم قرن الشورى مع الصلاة ليدل على أهميتها في قوله تعإلى: “والذين استجابوا لربِّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون” (الشورى 38). ومع ذلك جعلوا الشورى للحاكم العادل الفقيه معلمة غير ملزمة؛ أي أنهم حوَّلوه إلى ديكتاتور، ليس في الشرع ما يُلزِمه بآراء الآخرين.
باب آخر هو باب “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وهو ما نعرفه اليوم باسم محاربة الفساد. هذه المهمة الخطيرة وضعوها بيد الحاكم وأسندوها إلى الدولة، في الوقت الذي يعلم الجميع أن الدولة، بما لديها من أموال وجيش وأمن وشرطة وسلطة، هي الأحوج من غيرها لأن تؤمَر بالمعروف وتُنهى عن المنكر. ثم مسخوا مسألة الفساد والنهي عن المنكر إلى حدود مضحكة. يقول أحد الدعاة الإسلاميين في كتاب له صدر بعد خروجه من السجن: “كنا نتدرب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة، فإذا رأينا أحدهم يقف مع فتاة، استوقفناه. فإذا كانت أخته تركناه، وان لم تكن سألناه لماذا يقف معها ونهيناه عن المنكر.” في بعض الدول العربية الإسلامية يساق الناس إلى الصلاة في الأسواق بالعصا تحت عنوان “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”!
إن غياب الوعي بمفاهيم الحرية والعدالة ووضع الدين في خدمة السياسة، كما هي الحال في جميع بلدان العالم الإسلامي، وتخلف الوعي بدور مؤسَّسات المجتمع المدني في الشورى، والتشريعات الفقهية التراثية التي لا مكان فيها لآراء الناس ولا لمصالحهم، هو السبب الكامن وراء ظهور الأصولية الإسلامية السياسية اليوم والحركات المتطرفة التي تتطلع إلى الاستيلاء على الدين والحكم معًا.
نحن أخيرًا لسنا بحاجة إلى إصلاح سياسي، ولا إلى مؤسَّسات مجتمع مدني. فمجالس الشعب ودور الإفتاء والنقابات والاتحادات والمنتديات والصحف موجودة. نحن بحاجة، أولاً، إلى إصلاح فكري وديني وثقافي، وإلى خلق الإبداع الفقهي المتجدد، لتفعيل ما عندنا من مؤسَّسات موجودة.
عن النهار، الثلثاء 15 تشرين الأول 2002
***
محمد شحرور:
الإصلاح الديني أولاً
هنادي سليمان
يرفع الكاتب الديني والمهندس محمد شحرور شعار “الإصلاح الديني أولاً”. وهو يعتبر أن المشكلة في بلادنا هي بالأساس مشكلة ثقافية: “المساس بالعرف يحرك الشارع؛ لكن المساس بقيم الحرية والحياة لا يعني إلا النخب.” ويقول إن “الأزمة أزمة مجتمع… وإني أبشِّر كلَّ الحكام العرب بطول السلامة وطول الإقامة. اسرقوا شعوبكم وشيِّدوا القصور، ولن يقف في وجهكم أحد!”
ويضرب شحرور مثالاً بعض الدول العربية التي تُعتبَر أكثر تقدمية من شعوبها: “في الكويت، مثلاً، تؤيِّد الدولة قضية منح النساء حقَّ التصويت، وتأتي المقاومة من المجتمع.” ويعتبر شحرور أن “عجز الشعوب الراهن مردُّه إلى نجاح السلطة الاستبدادية، من جهة، والسلطة الدينية، من جهة ثانية، في الفصل بين النخبة الثقافية وبين العمل السياسي – فصل عمل المثقفين عن العمل السياسي، على عكس الستينات والخمسينات. كل هذا قابل للاستمرار إذا لم يحصل إصلاح ثقافي، أي ديني”.
ويشرح شحرور أن عبد الله بن عباس هو “أعظم كاتب ميثولوجيا عربي”؛ ولكن “هذه الأمة تعتبر أن كل ما كتبه هو وقائع! المؤسَّسة الدينية نجحت في إقناع مئات آلاف المسلمين بأن عبد الله بن عباس يفهم أكثر منهم”. ثم يسأل: “كيف نكون أقزامًا أمام عبد الله بن عباس، وعمالقة أمام جورج بوش؟! القزم قزم. فكيف لا يهزمنا الأمريكيون؟!” ثم يشير إلى مثال آخر ويقول إنه مؤخرًا سمع “أحدهم يقول على إحدى الفضائيات إنه إذا رأى أحدكم النار فليكبِّرْ، فإن التكبير يطفئها! الناس اعتادت ألا تعترض على أيِّ كلام فارغ تسمعه”.
ويتساءل: “كيف يتحرك الشارع، يقوم ولا يقعد، إذا تمَّ المساس بعرف ما، ولا يحرك الشارع نفسُه ساكنًا إذا اعتُقِلَ الآلاف وزُجُّوا في السجون؟!” ويضيف أن “الحياة كثمن، والحرية كقيمة، مفهومان ضعيفان في وجداننا. كيف يمكن أن تصبح للحرية قيمة عند شعوبنا؟ في أوروبا، مثلاً، تقوم القيامة إذا اغتُصِبَتْ امرأةٌ، وتقوم القيامة لأن الأمر تمَّ بلا إرادتها. أما هنا فالمرأة التي تتعرض للاغتصاب تُقتَل على الأرجح لأنها جلبت العار! أما كون الأمر تم ضدَّ إرادتها فغير ذي قيمة”.
ويشير شحرور إلى قيام بعض الأنظمة “العلمانية” بتشجيع للمؤسَّسة الدينية، وقدَّم نموذج الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي بنى 99 مسجدًا على أسماء الله الحسنى وشجَّع انتشار مدارس لتحفيظ القرآن.
ويعتبر شحرور أن المعارضة أضعف من أن تطرح نفسها كبديل عن النظام. ولكن “من يطرح نفسه كبديل في معظم الدول العربية هم “الطالبان”؛ والدول لا تأخذ ذلك البديل بعين الاعتبار، أو لا تشعر بخطره، أو ربما هي عاجزة عن مقاومته”. فما الحل؟
يقول: “علينا أن نتعوَّد سماع كلمات لم نعتد على سماعها. علينا إجراء نقد ذاتي لثقافتنا. البداية تكون في المدارس وهنا دور المجتمع المدني.” ويعتبر أنه لا سبيل اليوم لمقاومة دعاة الدين بصيغته البدائية المتخلفة (وهو مجرد ردِّ فعل ينتهي إذا حصل الإصلاح) إلا عن طريق “برامج ثقافية رديفة”، لا سيما أن ما يقدمه الفكر السياسي العربي الراهن “غير جذاب”. أما بروز البديل فيتطلب وجود رديف، من جهة، وقبول الآخر، من جهة ثانية: “هذه هي الطريقة الوحيدة لهدم ركائزهم. يجب إفشالهم أمام الناس وفضح ما يطرحونه.”
ويعتبر شحرور أن ظاهرة التدين قابلة للتلاشي “لأنها ليست تاريخية؛ فهي لم تكن موجودة في الستينات. هي مجرد محاولة للانتماء في ظل ضعف القوى الأخرى (يسار قومي، إلخ)”. وبرأي شحرور فإن الجماعات الدينية وصلت إلى طريق مسدود. فهي لا تقدِّم حلولاً لمشكلات الناس الفعلية.
وهو يعتبر أن الخطر الأكبر الذي يهدِّد سوريا اليوم هو الضغط الاجتماعي على الحريات؛ فيما ظاهرة التدين متنامية، ويمكن أن تشكل خطرًا، ومن الممكن أن تلجأ إلى القوة، على الرغم من التجارب السابقة.
عن السفير، 29/7/2003.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الاصلاح الديني قبل الاصلاح السياسي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الاصلاح الديني قبل الاصلاح السياسي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: