2014-02-24 منطق الأرض ومنطق السماء
|
| |
منذ مائةِ عامٍ وأكثر ونحن نسمعُ عن هذا الشيخ المجدد أو ذلك العالِم الجليل صاحب الفكر المتطور أو بعضٍ من أكاديميي بدايات القرن العشرين وهم يتحدثون عن ضرورةِ مراجعةِ مصادرِ الفقه الإسلامي التقليدية، أو عن إعادةِ صياغةِ الثقافةِ الدينية للمسلمين، بل إن البعضَ ذهب بعيداً وطالب بممارسة ضغوط «إدارية» واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وثقافيةٍ للحثِّ على تجديدِ الخطاب الديني.
ما الذي حدث ؟ لماذا لم تنجحْ كلُّ المحاولاتِ الرامية إلى إدماجِ الفردِ " العربي – المسلمِ " فيما يطلق عليه في العالم المتمدِّن ( بـالحداثة ) ؟ لماذا لم نلتفتْ أو نتأثرْ بكل ذلك الحبرِ المسال؟ .
مما لاشك فيه أن الحضارةِ الإسلاميةِ قد وصلت في الثمانمائة عامٍ الأخيرة من عمرهاِ إلى الجمود الفكري والثقافيِّ التام، ولا يُستثنى من ذلك القرنُ الأخيرُ، وهو يعكس حالَ حضارةٍ وصلتْ إلى أقصى نموِّها وتطورها في القرن الثاني عشر الميلادي، وعندما بدأت تستقر لتجنيَ ثمارَ إنجازاتها الثقافية والفكرية فوجئتْ بهجماتٍ متتالية، بدأتْ بالمغول ثم الصليبين وانتهت بالاستعمار الغربيِّ الحديث على أنواعه ومسمياته؛ فانكفأتْ على نفسِها وأصبح النشاط الثقافيُّ والديني منذ تلك الفترة موجهاً نحو الحفاظ على التراثِ الفكري أكثر منه نحو المشاركة في إثراءِ هذا التراث.
ولم نبْدُ نحن العرب والمسلمون بادرةٌ حقيقيةٌ تدل على الإبداع، فتوقفنا عند «اجتهادات» الأئمةِ الأربعة الكبارِ في القرن الثاني والثالث الهجرييْن، وكأننا نعاني من إعاقة ما تمنعنا من التفكير والاجتهاد والتجديد. وذهبت محاولات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أدراج الرياح ، قبل أن ييأسا وينكفئا وينصرفا إلى الفتوى والتفسير والتوفيق . وهناك فقرات كثيرة في مؤلفات هذين العظيمين تتحدث عن ذلك الجهد الضائع .
وكانت النتيجة ما نراهُ الآن على شاشات التلفاز من رؤوسٍ تتطايرُ وأطرافٍ تُقطَّعُ ودماءٍ تسيل، ويخرج علينا من يسمُّون أنفسهم بالمجاهدين بعد أن يذكروا الله ذكراً كثيراً قُبيل تفجير أنفسهم - وذهابهِم إلى الجحيم - ليعلنوا أهدافهم المريضةَ من وراءِ ذلك وأنهم يفعلون ذلك ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ومن أجل نصرة الدين !
إن العقل الذي يدفع شخصاً ما لارتكاب أعمالٍ إرهابية على أساسِ أنها نوعٌ من الجهاد في سبيل الله، لا يمكن فهمُ واستيعابُ أفعالِه بدون ردِّها إلى الجمود الفكري والمذهبي الذي تعلَّمَهُ وشكَّل شخصيتَه وروحَهُ منذ نعومةِ أظافره، مما يجعله يهتم فقط بالقشورِ والفروعِ والجزئيات، التي كُتِبتْ في الأساس للتيسير على الإنسان وشرحاً لأصول وكلياتٍ تتَّسِمُ بالبساطةِ بعيداً عن المغالاة والإسرافِ الذي ليس له ما يبرره.
أُنوِّهُ أيضاً إلى الآثار السلبية الخطيرة والمتطرفة التي أصابت بعضاً من المسلمين جراء هذا الجمود ، فنجدُ منظمةً إسلاميةً تطلق على نفسها اسم " المسلمون المناهضون للشريعة " تطالب بإعادةِ صياغة القرآن، وقد قام هؤلاء بعمل مقترح أطلقوا عليه اسمَ «القرآن الجديد» ويقوم على حذفِ الآياتِ التي تُسوِّغ العنفَ في القرآنِ وإعادةِ صياغةِ الإسلامِ ليتلاءمَ مع متطلباتِ التطورِ في المجتمعات الإنسانية !!!
وكانت النتيجة الثانية والحتمية للتفجيرات والقتل والإرهاب أن عدنا إلى الواجهة. عاد العرب والمسلمون وأصبحوا حديثَ الساعة، وأصبح التطرف والإرهابُ " العربي - الإسلامي " يتصدر كل نشراتِ الأخبار وعادت صورةُ الإسلامِ التقليديةِ إلى الظهور مرة أخرى، وأصبحنا نقرأُ في المقالاتِ الآتية من الشرق والغرب عن الإسلام المهرطق، الإرهابي والعنيف، الشبق والفاسد، وأنا هنا أنقلُ عباراتٍ من جرائد صينيةٍ وروسيةٍ وغربية نُشرت خلال العام المنصرم.
الخطوة الأولى على طريق الحل هو أن علينا الاعترافُ بأننا كشعوب عربية، شعوب بائسة سهلةُ الانقيادِ والاستهواءِ، ولديها الكثير لتتعلمه ، جُبلنا على العنف في سلوكنا ونميلُ إلى الجموح والتطرف بحكم الجغرافيا وبفعل التاريخ. هذا أمرٌ ثابتٌ لا جدالَ فيه، حدث منذ الجاهليةِ واستمر بعد ظهورِ الإسلام . ولا يزال مستمراً حتى الآن .
إنها دعوةٌ للتبصرِ والقراءةِ والبحث لتحديدِ المشكلةِ وسبلِ علاجها. دعوة لدق كل النواقيس . فلا يزال لدينا حلم لبلادنا ولأطفالنا ولهذا الجزء من العالم. نرجو ألا يظل مستحيلاً.
يقولُ مبدعنا الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا في روايتِهِ ( البحثُ عن وليد مسعود ): ” إنَّ تسليطَ الإرهابِ أو التهادنَ مع من يُسلطُهُ دليلٌ على عدمِ إيمانِك بالإنسانِ مهما ادَّعيْتَ العكس