سبينوزا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1432
الموقع : العقل ولاشئ غير العقل تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..
من اقوالي تاريخ التسجيل : 18/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5
| | معارج السماء3-الارتحال إلى الكواكب البعيدة | |
يصف نيوتن الجاذبية, بأنها القوة التي تدفع أو تسحب الأجرام السماوية في مداراتها. أما آينشتاين, بالاشتراك مع زميله البولوني (هيرمان مينكوفسكي) فقد تقدم بتفسير مختلف للجاذبية, هذا التفسير الأخير هو المقبول لدى جمهرة العلماء في يومنا هذا. يحمل مفهوم آينشتاين الجديد عن الجاذبية بين ثناياه تعبيراً جديداً على لغة العلم, وإن كان مألوفاً للفلسفة منذ القدم. إنه البعد الرابع للعالم, إنه الزمن. كلنا نعلم أنّ للعالم, أو للموجودات الطبيعية ثلاثة أبعاد هي: الطول و العرض و الارتفاع، للعالم أيضاً بعد رابع غالباً ما ننساه أو نغض الطرف عن ذكره, هو الزمن. لم يغفل الفلاسفة قديماً موضوع البعد الرابع, فقد ذهب أرسطو إلى تحليل حركة السهم المنطلق في الهواء خلال فترات زمنية متناهية في الصغر, و استنتج أن السهم لا بد أنه كان متوقفاً في كل لحظة ولابد من تكامل هذه اللحظات معاً لتنتج الحركة (الظاهرية) للسهم, وفي الواقع فإن هذا ما يحدث على شريط الفيلم السينمائي الذي يتألف من العديد من الصور الثابتة, لا تظهر حركة أخيلتها إلا إذا مرّ الشريط بسرعة محددة أمام آلة العرض, بمعنى آخر فإن الأحداث لا تظهر إلا عندما تتكامل أجزاؤها في إطار زمن محدد. تؤكد النظرية النسبية أن الزمن بعد طبيعي يسلك سلوك الأبعاد الثلاثة الأخرى, وقد درجت الأدبيات المعاصرة على استعمال كلمة (زمكان – SPACETIME) للتعبير عن الأبعاد الأربعة معاً و التي ترسم حدود العالم الطبيعي. لقد أحالت نسبية آينشتاين ومينكوفسكي الأفكار التقليدية حول الجاذبية, التي جاء بها نيوتن إلى متاحف التاريخ, وبينت أن الأرض في دورانها حول الشمس لا تخضع لقوة جاذبة أو طاردة كما اعتقد نيوتن, بل إن الشمس تؤدي إلى تحدب الزمكان حولها بفعل كتلتها المادية الكبيرة, أي أن الشمس تصنع رواقاً أحدب أو معراجا تدور فيه الأرض حولها. تبدو فكرة تحدب الزمكان غامضة ومذهلة, ذلك أنها غير مألوفة في حياتنا الأرضية, لكننا نجد كل أجرام السماء مشغولة بصنع عدد لا ينتهي من هذه المعارج في السماء, وهذا هو جوهر النظرية النسبية. تبين النظرية النسبية أن ما تعلمناه من أفكار تقليدية حول الخطين المتوازيين اللذين مهما امتدا لا يلتقيا, أو المثلثات التي مجموع زواياها لا يمكن أن يتجاوز (180) درجة, هي أفكار خاطئة إذا تعاملنا معها بدون تعريف أو تحديد, لأن جميع هذه الأفكار تعتمد على بديهية مفادها أن أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم الذي يصلهما. لكن النظرية النسبية تبين أن لا وجود للخطوط المستقيمة في الكون, فكل خط يتخذ معراجا إذا مدد بما فيه الكفاية, ولو انطلق شعاع ضوء في الكون فإنه سيتخذ مساراً دائرياً ليعود إلى النقطة التي بدأ منها ثانية, وفي هذا تفسير للطرفة التي أدلى بها آينشتاين للصحفيين مرة من أن الشخص الذي ينظر إلى السماء, يمكنه أن يرى ظهره, ذلك أن الضوء الصادر عن ظهره ينطلق في مسار أحدب عبر الكون, ليعود ثانية إلى النقطة التي انطلق منها, لكن بعد مليارات السنين. طبعاً ليس المقصود من الطرفة حرفيتها, بل توضيح أن الضوء يسلك أروقة حدباء (أو معارج) في الفضاء, لأن الفضاء نفسه, بفعل جاذبية الكون, أحدب. تأكدت نتائج النظرية النسبية أول مرة عام (1919) عندما ترأس فلكي شاب يدعى (آرثر أدينغتون) بعثة علمية إلى الشواطئ الإفريقية الغربية، كانت مهمة البعثة دراسة انحراف أشعة النجوم البعيدة عن مسارها عند اقترابها من مجال جاذبية الشمس, ومطابقة هذا الانحراف مع النتائج التي أتت بها النظرية النسبية, مستفيدة في ذلك من كسوف الشمس الذي كان يتوقع حدوثه في الساعة الثانية و الربع وفق التوقيت المحلي ليدوم خمس دقائق فقط. هطل المطر غزيراً صبيحة يوم الكسوف, بينما كان (أدينغتون) يسعى جاهداً لتركيب آلات التصوير, وانساب داخل الخيمة التي كان يحتمي بها, مهدداً بإتلاف الفيلم, وفجأة انقشعت الغيوم قليلاً في اللحظة المناسبة قبل الكسوف, فسارع (أدينغتون) إلى التقاط ست عشرة صورة لنجم ظهر في السماء على حافة الشمس, لكن الغيوم المبعثرة في السماء تسببت في تلف خمسة عشرة صورة من الصور الملتقطة, ونجت الصورة السادسة عشرة, فكانت لقطة رائعة لمجموعة من النجوم الساطعة أثناء الكسوف. فُحصت الصورة بدقة للتأكد فيما إذا كانت النجوم قد بدت في مواقعها الفلكية المعروفة أم أنها انحرفت في الصورة ظاهرياً عن هذه المواقع بفعل انعراج الضوء الصادر عنها لدى مروره بحقل جاذبية الشمس وفق ما تنبأ به آينشتاين الذي كان في ذلك الوقت يتحرق لمعرفة نتائج أعمال البعثة, وفيما هو يلقي إحدى محاضراته في جامعات هولندا, دخل عليه أحد زملائه الأساتذة ملوحاً ببرقية في يده, إنها من (أدينغتون) تحمل النبأ الذي ينتظره بفارغ الصبر, نعم لقد ظهرت النجوم في الصورة منحرفة عن مواقعها الفعلية بمقدار (1.7) ثانية من القوس الزاوي, أي ضمن المجال الذي تنبأ به آينشتاين. ودوّت في قاعة المحاضرات عاصفة تصفيق من مئات العلماء و الباحثين والأساتذة, لقد تحققت نبوءة علمية من جديد.
رسم توضيحي لتجربة أدينغتون و كيف بدا النجم للراصد في مكانه غير الحقيقي نتيجة انعراج الضوء بفعل جاذبية الشمس أدهشت هذه الأنباء جمهور أوروبا المنهك بآثار ونتائج الحرب العالمية الأولى, وأحيت فيه روح التفاؤل والأمل بالمستقبل, فكان على آينشتاين أن يستقبل الألوف من الصحفيين والفلكيين والسياسيين ورجال المال والأعمال الذين أراد أحدهم أن ينتج (سيجاراً) يحمل اسم آينشتاين, لأن السيجار يقصر أثناء التدخين, وكأنه يتقلص في اتجاه الحركة. وانطلق الناس في الحقول ليلاً يقذفون الأسهم النارية في الهواء, وقد أقسم بعضهم أنهم شاهدوا الضوء المنبعث من هذه الأسهم, وقد انحنى بفعل الجاذبية الأرضية. لم يخل الأمر أيضاً من بعض المسحات الفكاهية, فقد قام أحد رسامي الصحف, برسم مفتش يبحث عن المجرمين ليلاً, فوجه ضوء مصباحه إلى الأعلى لينحني الضوء بفعل الجاذبية الأرضية, ويعود فيكشف وكر اللصوص. عندها قال أحدهم للآخر؛ لقد فعلتها يا آينشتاين!. كذلك لم تنج النظرية النسبية من كثير من النقد والتجريح, مثلها في ذلك مثل غيرها من النظريات والأفكار التي تقلب المفاهيم التقليدية رأساً على عقب، من ذلك ما ورد في (النيويورك تايمز) عام (1928) بما معناه: " إن الفيزياء الحديثة تحاول إثبات مالا يمكن لأكثرنا تصديقه,...لقد صدر العديد من الكتب حول موضوع النسبية, في محاولات جريئة لتفسيرها, وقد نجحت هذه المحاولات إلى حد ما في إضفاء جو من العقلانية الظاهرية على الأقل حول المواضيع التي أفرزتها هذه النظرية, لكنك ما إن تركن جانباً ما قرأت, حتى تعود إلى الضياع." لكن ما يتفق عليه الجميع اليوم هو أن آينشتاين قد قدم إلى العالم في نظريتيه العامة والخاصة, منطقاً محكماً لا يقبل الجدل, أرغم ألد خصومه على أن يقبل به. أما على صعيد الواقع العملي, فتتأكد صحة النظرية الآن يوماً بعد يوم. لقد أعيدت تجارب (مكلسون ومورلي) و(أدينغتون) مراراً وتكراراً لتؤكد في كل مرة صحة ما جاء به آينشتاين. من أهم نتائج النظرية النسبية أيضاً, نظرتها للعلاقة بين المادة والطاقة, وأنهما وجهان لعملة واحدة, إذ يمكن وفقاً للنظرية تحويل الطاقة إلى مادة,أو تحويل المادة إلى طاقة وفق العلاقة الشهيرة التي تسمى باسم آينشتاين : الطاقة = الكتلة * مربع سرعة الضوء. تعني هذه المعادلة بكل بساطة أن كتلة ضئيلة جداً من المادة يمكنها أن تتحول إلى طاقة هائلة, أو أن المادة ما هي إلا حالة مركزة جداً للطاقة. لقد بشرت هذه المعادلة بمصدر للطاقة لا ينضب يمكن تسخيره في خدمة المدنية, وكانت الأساس الذي قامت عليه التفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية, لكنها وللأسف, المعادلة نفسها التي أدت إلى صناعة القنابل الذرية و النووية التي يمكن أن تهدد مستقبل المدنية بالفناء. يقول الأستاذ (جون. أ . ويلر)*: لقد أثبتت التجارب صحة ما تنبأت به النظرية النسبية, ولم نصادف أي تناقض منطقي في بنائها, كما لم تماثلها نظرية أخرى في البساطة والشمول. لقد أمكن (ويلر) مؤخراً, انطلاقاً من هذه النظرية, التوصل إلى نتائج ومعطيات جديدة ستؤدي إلى تغييرات حاسمة في العلوم الكونية مستقبلاً, منها إمكانية الارتحال عبر ممرات الجاذبية غير المرئية (المعارج), من المجموعة الشمسية إلى الكواكب البعيدة الواعدة, وبيّن أن الارتحال سيكون ميسوراً, كالسفر بين المدن في الأرض. _________________________ * من ورقة الأستاذين: (باورز و ويلر) إلى أكاديمية العلوم في تورنتو في 16 أيلول 1969 بمناسبة إحياء ذكرى العالم (مندلييف) مكتشف الترتيب الدوري للعناصر الكيميائية. | |
|