hhousri@gmail.com
لطالما راودني سؤال كبير؛ صحيح أن الفتنة كمفهوم ليست بجديدة في تاريخنا وعلى البنية الفكرية لنا، إلا أنها الآن باتت تتردد على الألسنة بشكل كبير والكل بدأ يدرك أهمية اشتعال الفتنة لما في ذلك من أبعاد واسعة على النسيج الاجتماعي ككل..
وبنظرة موضوعية شاملة نلاحظ أن الفتنة كمفهوم لم تكن لتتمركز في دول أوروبا الغربية أو أمريكا أو بمعنى آخر لم تكن هذه الدول مسرحاً لها. ربما للتطور الذي تعيشه هذه البلاد من سيطرة المجتمع المدني على مكونات المجتمع.. إن مجتمعاتنا العربية والإسلامية بلا شك أصبحت مرتعاً للفتنة وذلك لطغيان البعد الديني أو الطائفي أو العرقي على مدى عقود كثيرة.
إن الواقع المرّ يوضح انقسام الشارع العربي إلى إسلامي متطرف أو علماني ليبرالي. أما كيف صار هذا الانقسام فيرده نعوم تشومسكي في كتابه "النظام العالمي الناشئ والربيع العربي" إلى أن أمريكا وإنكلترا هما الداعم الأساسي للإسلام المتطرف في وجه المد القومي وهما تريدان من الشعوب العربية أن تبقى تحت سيطرتهما لذلك فهما يرضيان بديكتاتور حليف لهما يحكم هذه الشعوب حتى تتمكن من فعل ما تمليه عليها بسياساتهما.
ومن الملاحظ أن الواقع العربي الذي يحكم أغلبه بصيغة ديكتاتورية واضحة وقد أطلق يديه في مقدرات الأمة لفترة طويلة بدأ يواجه الإسلام المتطرف الذي يدعمه الغرب تحت شعار الربيع العربي وهذا ما شكل مأزقاً كبيراً في واقع الحياة السياسية العربية، إذ عمد الغرب إلى وضع خرائط لنظام جديد يدعم مخططاته وهو تنظيم الإخوان المسلمين وساعده في ذلك ثورة الشعب على حكامه الديكتاتوريين..
يقول الكاتب حسنين هيكل: "كان زمن الحرب الباردة جامعة كبرى تعلمت منها القوى هندسة الفتن وأكثر من ذلك فإن البراعة في الهندسة وصلت أحياناً إلى إعادة هندسة الماضي وإعادة تركيب المجتمعات بما يوافق مقاصد الأقوياء".
هذا وإن المتابع لمجريات الواقع يلاحظ ظهور ثورات الربيع العربي التي أطاحت ببعض رموز الديكتاتورية وتحول الأنظار باتجاه أمريكا التي حاولت دعم الإسلام المتطرف بمساعدة الأموال السعودية عن طريق توصيل الدين إلى المتلقي بطرائق خاطئة بغية زرع عقيدة الجهاد في النفوس وهو الذي أدى إلى صدام قوي بين الليبراليين والإسلاميين "مصر وتونس نموذجاً".
أما اللعبة الأمريكية فهي كالتالي: إن خيط الانتقال بين حكم الإسلام المتطرف والنظام الديكتاتوري تجري ضمن لعبة؛ فإذا عارض الشعب هذا الديكتاتور يجب خلعه والتحدث عن ديمقراطية مزعومة لإيهام الشعب بها ثم تغليب الكفة لصالح حكم الإسلام المتطرف الذي سيصطدم بالإسلام الحق والوجود المسيحي الأمر الذي سيتطور إلى حرب أهلية وهي ما تُرتب له المجتمعات الغربية ضمن استراتيجية جديدة لنظام عالمي جديد..
السؤال الآن هل نستطيع تجاوز هذه الفتن وتفادي الخلافات الطائفية وإخراج مفهوم الفتنة من العقل العربي واعتماد احترام الرأي الآخر وطرح مفاهيم الإسلام الحق بدلاً من الإسلام المتطرف الذي لا يدعو إلا إلى القتل والذبح وإلغاء الآخر.
أم أن العقل العربي الآن في مرحلة جمود قاتل؟!..