عن التحليل النفسي لشخصية محمد - 2
عن التحليل النفسي لشخصية محمد - 2
هذه السطور عبارة عن حوار مع الردود على النص الأول لتحليل شخصية محمد , و محاولة لاستكمال الموضوع
العزيزة مكارم ابراهيم , كانت زيارة هؤلاء "الأنبياء" في "بيتهم" ذاك مصدر قلق لنا , إن لم يكن ذلك خوفا , عندما كنا نذهب إليهم كجزء من تدريبنا في السنة الخامسة من دراسة الطب .. لكن الحياة علمتني فيما بعد أن أولئك الذين يعيشون خارج جدران مستشفى الأمراض العقلية هم الأكثر خطرا و إثارة للرعب من أولئك الذين في الداخل
الرفيق فؤاد , الأعزاء الدرة العمرية و ايدن و شاهر
أن محمد بنى دينا عاش منذ 1400 عام و دولة هزمت جيوشها امبراطوريتين و ما زال يغزو الدنيا , أو بنى مشروعا كبيرا , هذه هي الحجج التي تقولونها للدفاع عن محمد , لإثبات نبوته , و صحة عقله الخ , لكن هذه الحجج بشيء من التفكير تعقد المسألة أكثر مما تحلها , فهناك أديان تعيش من أكثر من 1400 عام , و بعضها يعود لألفي عام و بعضها لأكثر من ذلك حتى , فهل يعني هذا أنها "أصح" من دين محمد ؟ و هناك أديان يؤمن بها اليوم أكثر من مليار إنسان ؟ فهل هي أصح من دين محمد ؟ و نعرف أن جيوش آشور هانيبعل و جنكيز خان و الاسكندر المقدوني و , تقريبا نابليون و هتلر , احتلت العالم المعروف بأسره تقريبا , و هزمت كل إمبراطوريات زمانها و سوت بلدانا بأكملها بالأرض , فهل كانت آلهتهم أقوى من إله محمد ؟ هل يجب أن نرسل كل ما يحلل شخصية جنكيز خان إلى الطبيب لأنه تمكن من قهر إمبراطوريات عصره ؟ يبدو أن حججكم تزيد حيرتنا فقط أيها الأعزاء .. هناك خمسة مليارات إنسان اليوم لا يؤمنون بمحمد , و لا يصدقون كتابه , و لا يرونه معجزا , و لا يصدقون إسرائه و معراجه , و يراه أغلبهم كذابا أفاقا , فهل عليهم جميعا الذهاب إلى الطبيب ؟ و ماذا عن تاو , و كونفوشيوس , و زرادشت , ماني , مزدك , سقراط , أرسطو , أفلاطون , عبد البها , و معلمي السيخ و غيرهم و غيرهم , ألا يقول أتباعهم عنهم نفس الشيء , نفس ما تقولونه عن محمد ؟ ... الحقيقة أن محمد لم يصنع الأحداث , بل صنعته الأحداث , تماما كما جرى مع الآخرين .. محمد رأى ما رآه , و قاله لقومه , بعد أن أكد له ورقة أنه نبي , و أن ما يراه هو الناموس الذي نزل على موسى , فقال هذا لقومه , فتبعه أقلهم و خالفه أكثرهم , حدث هذا مع كل من ذكرت , و كثير غيرهم .. الأحداث هي التي صنعت مما قاله و رآه دينا , و هي التي صنعت من دينه هذا سلاحا بيد بشر غزوا جيرانهم فقتلوهم و أخذوا بلادهم , ثم ضعفوا عن الغزو ثم عجزوا عن رد الغزو عن أنفسهم , ثم قووا فضعفوا , و هكذا , تماما كما جرى مع كل البشر ... الذي صنع محمد , كان هو نفسه الذي صنع جنكيز خان , و الاسكندر المقدوني , و يسوع , و بول , و موسى , و ماركس , و نابليون و هتلر , الخ .. سماها محمود درويش لعبة النرد .. محمد , مثلنا , و مثل كل شيء في هذا العالم , رمية نرد , احتمال , صدفة .. رمية النرد , هكذا يصف محمود درويش نفسه بعد أن أصبح ثم كان , و أدرك جيدا يومها أنه كان من الممكن ألا يكون .. لقد وجد دائما بشر , جنرالات , "مصلحون" , "أنبياء" , فلاسفة الخ , لا تنقصهم شهوة السلطة و لا الاستعداد الكامل لارتكاب أشنع الجرائم "انتصارا لإلههم" , ليخضعوا الآخرين أو يقضوا عليهم و يستولوا على ما صنعوه , لكنهم لم يحققوا حلمهم في أن يصبحوا جنكيز خان , لا لطيبة قلبهم , و لا لقلة رغبتهم , كان ذلك هو القدر .. إنها رمية النرد .. أنت أيها الدرة العمرية , لست إلا احتمالا من ستة مليارات احتمال , كان من الممكن أن تولد في التيبت و لا تجد من تعبده لكن أن تقدس بوذا و كان من الممكن أن تكون راهبا بوذيا , أو تولد في أفريقيا فتعبد صنما ما أو تكون ساحرا , أو في أمريكا كنت ستعبد يسوع , أو في حيفا فتعبد يهوه , و دائما , في كل هذه الحالات , كنت ستصدق أن رمية النرد تلك تعني أكثر من مجرد مصادفة , في كل مرة كنت ستعتقد أن رمية النرد , التي حكمت عليك بما أنت , هي حقيقة هذا العالم , و في كل مرة كنت ستتهم الآخرين بالجنون , كل من لا يؤمن بإلهك , أو بما تقدس , في كل مرة كنت ستجد "أسبابا" "لتؤمن" بما يؤمن به أبويك و من حولك , إذا لم يكن عدد المؤمنين بنبيك , فقد يكون عمر دينك أو دين آبائك , ظهور امبراطورية هنا و سقوط أخرى هناك , نصرا ما أو هزيمة ما , لن تنقصك الأسباب , في كل الأحوال كنت ستفعل نفس الشيء .. لأنك ببساطة لا تفقه أنها كانت رمية نرد , حظك الجيد أو العاثر .. ليس الماضي و لا الحاضر و لا المستقبل أكثر من احتمال من احتمالات لا تنتهي .. كان من الممكن مثلا ألا يرسل بريجنيف و رفاقه جيش "دولة العمال والفلاحين" لاحتلال أفغانستان المجاورة , و على الأرجح كانت أفغانستان ستكون في وقت قصير ملكا لأمراء الحرب الجهاديين الذين سيلعبون لعبة حرب لا تنتهي فيما بينهم و كنا لن نسمع أبدا عن ابن لادن .. كان من الممكن عندما صرخ أحدهم بينما كان تشاوشيسكو يلقي خطابه أمام "الجماهير" الرومانية أن يبقى الآخرون صامتين , فيعتقل المسكين و تمر الأزمة بسلام على الديكتاتور العجوز .. في كل لحظة في هذا الشرق , من أقصاه إلى أقصاه , يولد ألف بوعزيزي , لكن هذه المرة أرادت سيدي بوزيد الانتقام لابنها فكان ما كان , و كان من الممكن أن يكون جمال مبارك اليوم رئيس مصر لو ان المشير طنطاوي يومها وافق على إنزال دباباته للدفاع عن الديكتاتور .. بل إذا قبلت أن جسدك ليس إلا ذرات هيدروجين و أوكسجين و نيتروجين و معها بعض المعادن , فأنت احتمال من احتمالات لا تنتهي , كان من الممكن أن تكون ذراتك تلك أي شيء آخر , و ستعود قريبا , مثلما سيحدث لنا جميعا , لتكون تحت رحمة رامي النرد , لتنتظر رمية النرد القادمة , أي شيء ستكون .. أنت تحمل داخلك ثلاثة شرايين إكليلية تروي القلب , و أربعة للدماغ , و يمر في دمك كل يوم , عشرات الخثرات أو الجلطات الصغيرة , لكن لديك , كما لدينا جميعا , جهاز اسمه الجهاز الحال للجلطة , سيخلصك منهم جميعا , جلطة واحدة منها تكفي ليصاب أحدنا بالاحتشاء القلبي أو الدماغي و يموت , عادة يحدث هذا دون أن نعرف بالضبط لماذا في هذه المرة بالذات فشل ذلك الجهاز في التخلص من تلك الجلطة الصغيرة التي لا ترى بالعين لكنها تستطيع أن تقتلنا ... تموت و تولد في أجسادنا كل يوم آلاف الخلايا , بعضها يولد شاذ , أو خبيثا , لكن كريات دمنا البيضاء و بعض الأضداد التي تنتجها تتكفل بقتل تلك الخلايا الخبيثة , لكن لسبب ما , قد لا تموت إحداها فتصبح ورما خبيثا , سرطانا , يقتلنا , لماذا عجزت تلك الكريات البيض في هذه المرة يا صديقي ؟ إنها رمية النرد .. قد تدخن طوال عمرك , فلا تصاب لا بتصلب الشرايين و لا بسرطان الرئة , أو ربما تصاب بأحدهما , و لا يمكننا أن نعرف أنت من أي من هؤلاء الصنفين ... الدواء أيضا , يقال أنه فعال في ثمانين إلى تسعين بالمئة من الحالات , و لا يمكن لنا أن نعرف لماذا , متى يكون فعالا و متى لا يكون .. و عندما يتحدثون عن "قانون" التطور , فإنهم يتحدثون عن أن الصدفة قد أدت ببعض الذرات لأن تتحول إلى مواد كيميائية أكثر تعقيدا , و أن بعض هذه المواد في ظروف خاصة جدا تحولت إلى شكل من المادة قادر على النمو و التفاعل مع المحيط , ثم تحولت بعض تلك الكائنات المجهرية إلى كائنات أكبر و أعقد , و من الماء انتقلت بعض تلك الزواحف إلى اليابسة , ثم تحول بعضها إلى ثدييات , أصبح بعضها قرودا , "تطور" بعضها إلى بشر .. كما ترى , لم تتحول كل الكائنات المجهرية إلى زواحف , و لا كل الزواحف إلى ثدييات , و لا كل الثدييات إلى قرود , و لا كل القرود إلى بشر ... لقد خلقتنا هذه الطبيعة , التي لا ترى و لا تسمع و لا تفقه , في لحظة طيش , و هي لا تكف عن التلاعب بنا , ليس كل شيء , أي شيء , إلا احتمال يتحقق من احتمالات أكثر بكثير , و خلف كل احتمال يتحقق , تظهر احتمالات جديدة , فجديدة , و يستمر رمي النرد ... و لأن هذا الإله الأحمق الذي يعبده كل البشر , و يخشاه كل البشر : الصدفة التي تحكم أمنا الطبيعة , لا يسمع و لا يفهم , فإنه يرتكب "الخير" مصادفة , و يرتكب "الشر" مصادفة .. عندما يدعو البشر "إلههم" , أيا كان الاسم الذي يعطونه لهذا الإله , بينما تغرق السفينة أو تسقط الطائرة أو تنحرف السيارة , لا أحد يمكنه أن يعرف بالضبط , هل هي تلك الكيلوغرامات الزائدة أو الناقصة عن الحد هي التي ستحدد مصيرهم , كل ما يعرفونه هو أنهم بحاجة لأن يؤمنوا أن ذلك الذي يقرر مصيرهم في تلك اللحظة يستطيع أن يسمعهم و أنه قد يستمع لابتهالاتهم , و إذا نجوا , و هذا قلما يحدث للأسف , يعتقدون أنها كانت دعواتهم , أن ذاك الإله قد استمع لتوسلاتهم فأنقذهم , لكن في الأغلب لا يستمع ذلك الإله الصامت الأحمق الأطرش لدعواتهم , فتذهب صرخاتهم هباءا , لأن هذا الإله لا يفهم غير لعبة النرد .. و عندما طلب الجنرالات الألمان من هتلر تأجيل هجومه على فرنسا , متوقعين فشل الهجوم أو التورط في حرب طويلة على شاكلة الحرب العالمية الأولى , فاجأهم الانتصار أكثر مما فاجئ العدو .... و لماذا يتحقق التمكين اليوم للبغدادي و لم يتحقق لسعيد النورسي و لا لحسن البنا أو لسيد قطب و لا لشكري مصطفى أو جهيمان العتيبي , و لا مروان حديد أو عبود الزمر ؟ و هل كانت لتوجد داعش اليوم لولا البوعزيزي ؟ ....... أما عن الجنون و العقل , فدعني أخبرك بما قاله جورج برنارد شو , أن البشر "العاقلين" يتكيفون جيدا مع مجتمعاتهم , وحدهم المجانين , الحالمين , أنصاف المجانين , هو بالفعل من يقومون بتغيير العالم .. و هذا بالضبط ما تفعلونه هنا أيها الأعزاء .. أنتم "عاقلون" جدا , تتكيفون جيدا مع كل شيء حولكم , تؤمنون بما قاله لكم أبويكم أو ما علموكم إياه في المدرسة أو الكنيسة أو الجامع دون تردد , و هذا ما يفعله معظم البشر عادة .. أشباه محمد فقط هم الذين يهمهم و يمكنهم تغيير الواقع .. دعني أشرح لك ما يعنيه أن تكون عاقلا وفق منطقك : لو أنك عشت في مكة عندما بدأ محمد يبشر بدينه الجديد , أن تكون عاقلا يومها يعني أن تعبد اللات و العزى , و لو كنت تعيش في القدس الرومانية عندما بدأ الناس يتكلمون عن شاب فقير يدعي أنه ملك اليهود و أنه يشفي الناس و يعفو عن الزانيات لكنت مؤمنا بما يقوله الفريسيون أو بأحد آلهة روما , أكبرها على الأغلب , و لو عشت قبل غاليلو لكنت تقول بأن الشمس تدور حول الأرض , و لو سمعت بما قاله جوردانو برونو ذلك المتصوف الذي سخر من الكنيسة لقلت عنه مجنونا , أنت "عاقل" جدا يا صديقي , "أعقل" من أن تسأل و تحاول تغيير أي شيء .. أنت تصدق كما يفعل المسيحيون و البوذيون و الهندوس و الماركسيون "الطيبون" , تصدق كل ما قيل لك , أما كل ما لم تسمعه من قبل فهو الجنون .. لذلك يا صديقي فإن أمثال محمد فقط هم من يغيرون العالم .. رفيق فؤاد , الدرة العمرية و ايدن و شاهر , الآن اسمحوا لي أن أقول لكم ما أفهمه من كلمة "قانون" , أو "حقيقة" : يعني "قانون" الجاذبية أنك إذا ألقيت نفسك من الطابق الخامس فستصل إلى الأرض جئة محطمة , لا تحتاج الطبيعة لأن ترسل شرطة أو مجاهدين أو عناصر مخابرات لتقتل الرجل لأنه خالف أحد "قوانينها" أي "قانون" الجاذبية بإلقاء نفسه من الطابق الخامس .. و لا تحتاج لأن ترسل إليه شرطة لتقطع يده إذا وضعها في النار , ستحرقها على الفور .. و لا أن تجلد أو تقطع رأس من يتوقف عن الطعام و الشراب و لا من يقف أمام سيارة مسرعة الخ ..... "قوانين" الطبيعة لا تحتاج إلى شرطة أو محاكم أو مخابرات أو تشيكا او سجون او معسكرات عمل أو اعتقال عبودي لكي تثبت نفسها ....... و هنا تكمن المشكلة يا صديقي : عندما أصدر محمد أمره بقتل الكفار و المرتدين في كل مكان إنما كان يفعل ذلك تحت ضغط هلاوسه و هذياناته , أناه الأعلى , التي تسمى أحيانا بالضمير , و التي عذبته طوال حياته , و التي أقنعه ورقة و خديجة أن ما سببته له من إهلاسات ليست إلا وحي , كان محمد يومها يتصرف بشكل طبيعي بالنسبة لمريض سوداوي مصاب بالاكتئاب , أن يصدر محمد أوامره تلك بالقتل تحت ضغط تلك الهذيانات فهذا شيء مفهوم , المشكلة أن من نفذ أوامر القتل تلك و ينفذها بالأمس و اليوم و غدا يزعم أنه "عاقل جدا" , إنهم ينفذون أوامر القتل تلك و هم "بكامل قواهم العقلية" .. أن يكون محمد على خطأ أو صواب , مصاب بالهذيان أو لا فهذا لا يمكن تقريره بالسيف أو بتحريم النقاش فيه أو بتكفير أو تخوين أو اتهام من يفعله بالجنون و غيره , و لا صحة أية فكرة أخرى .. ربما لا يعرف أحدنا حكما فقهيا واحدا لم يخالفه أحد من ممارسي الفقه , و لا "حقيقة" علمية لم تجد من يخالفها أو ينقضها من بين العلماء أنفسهم .. في عالم الأفكار كل شيء مباح , و هنا لا مشكلة أبدا في أن محمد كان يهذي , المشكلة في أن يحاول البعض أن يجعلوا من هذيانه هذا "دينا" أو دولة أو سلطة تؤسس هيمنتها و تسلطها على ضحاياها اعتمادا على ذلك الهذيان .. إن قوانين الطبيعة أو إرادتها ( أو مشيئة الإله كما يسميها المؤمنون ) لا تحتاج إلى مخابرات أو شرطة أو سجون أو سيوف لتثبتها .. إن حظر التفكير , أن نستمر فقط بترديد ما يقوله الآخرون , يعني أننا سنبقى نؤمن بأن الشمس تدور حول الأرض و لن يبدأ الناس بتغيير تلك الفكرة قبل أن يقتلوا و يسحلوا و يصلبوا أول ألف إنسان قال عكس ما يقولون .. هكذا فقط يمكن ان نبقى آلاف الأعوام نردد أفكارا غبية ... ليست المشكلة في أن يهذي محمد , أو غيره , المشكلة أن يتحول هذا الهذيان أو أيا يكن إلى دين , دولة , تفرض على الجميع بالسيف , و بالسيف تحرم و تعاقب كل من ينتقدها , عندما يصبح إدعاء امتلاك الحقيقة المطلقة سلطة مطلقة تقتل و تقمع أي محاولة لنقدها أو كشف أوهامها , هنا بالذات تكمن حقيقة المشكلة .. كلماتي هنا ليست فقط دفاعا عن العقل ( يتساءل مارك توين : أنتم تؤمنون - كان يقصد قومه الذين يؤمن أغلبهم بالمسيحية - بكتاب يتحدث عن بشر تسير فوق الماء و حبال تتحول إلى أفاعي و حيوانات تتكلم و نساء تلد دون جنس و تطلبون منا نحن أن نذهب إلى الطبيب ؟ ) , بل أيضا , و ربما أهم من ذلك , للدفاع عن الحرية ... يقول ميشال أونفري في كتابه الذي ترجم عنوانه بنفي اللاهوت للتحايل على مقص الرقيب : "أحس بتعاطف تجاه الشخص المخدوع يصاحبه غضب تجاه أولئك الذين يخدعون الناس باستمرار . فلا أحمل حقدا تجاه الإنسان الساجد هناك و لكني أحمل بالمقابل إيمانا راسخا بألا أسالم أبدا من يدعونهم إلى هذه الوضعية المهينة و من يجعلونهم يستمرون فيها . فمن يستطيع احتقار الضحايا ؟ وكيف العدول عن محاربة جلاديهم ؟ ..... إن ميل الناس إلى السذاجة و التصديق يفوق كل تصور , و إن رغبتهم بعدم النظر لما هو بديهي و تطلعهم لرؤية عالم أكثر بهجة , حتى لو كان ذلك العالم من جنس الخيال المطلق , و كذا استعدادهم لعدم التبصر تفوق الحدود . إنهم يفضلون الخرافات و الخيالات و الأساطير و الحكايات الجديرة بالأطفال بدلا من رفع اللئام عن حقيقة العالم القاسية التي تجبر المرء على تحمل بديهية مأساوية العالم . و لكي يحتال الإنسان البدائي المتطور على الموت يقوم بصرفها , و لكي يتجنب حل مشكلة يلغيها . فحتمية الموت لا تعني غير البشر الفانين , أما المؤمن الساذج الأبله فيعلم أنه خالد و أنه سوف يبقى بعد القيامة الكونية ..... سيعذر المؤمن مرة أخرى , لكن أن يعذر من يدعي كونه راعيه فهذا كثير . ما دام الدين مسألة بين المرء و ذاته فإنه يبقى في نهاية المطاف مسألة عصاب و ذهان و غير ذلك من الأمور الشخصية . للمرء الحق في الرذائل التي يمكنه بلوغها ما دامت لا تهدد حياة الغير أو تضعها موضع الخطر ... إن إعادة توجيه هؤلاء لنزعة الموت التي تخدمهم صوب العالم بأكمله لا ينقذ القلق المعذب من عذابه و لا يغير شيئا في بؤسه , لكنه ينشر العدوى بين الناس .... تنتعش تخييلات موسى و القديس بولس و قسطنطين و محمد , باسم ياهوا و الرب و عيسى و الله , تلك التخييلات المفيدة التي تكتسحهم و تجهدهم و تقض مضاجعهم . و هم برميهم لحلكتهم على العالم يعتمونه أكثر دون أن يبرئوا من القلق أو الكرب" ... إن فكرة الإله , أو الحقيقة المطلقة , التي ترفض النقاش و الجدال , و لا ترى فيمن ينتقدها أو يرفضها ( في كل فعل ثورة أو احتجاج أو رفض أو نقد يقوم به ضحاياها دفاعا عن حريتهم , و عن عقولهم ) إلا كافرا أو مجنونا أو برجوازيا صغيرا أو مرتدا , سواء نسبت لك الحقيقة المطلقة إلى محمد أو ماركس أو اي شخص آخر , لا يمكنها إلا أن تؤدي إلى قمع العقل و الجسد , فقط إلى الاستبداد , السياسي الفكري الاجتماعي الجنسي الروحي , لا يمكن لنا العيش بحرية و نحن نحمل كل هذه القيود داخلنا و بعضنا يريد فرضها على الآخرين , بكل "إيمان" و تسليم "عاقلين" إلى هذا الحد من الغباء , دون أن يكون لأي من العبيد حق نقاشها أو الدفاع عن أنفسهم أمام تفاهتها .. يجب أولا تحطيم تلك القيود , كل القيود , لكي نصبح أحرارا ...