سميح القاسم المد يــر العـام *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 3149
تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | الدولة الدينية والدولة المدنية عند فرج فودة | |
الدولة الدينية والدولة المدنية عند فرج فودة
قد تبدو فترة الثمانينيات والتسعينيات أبرز فترات التاريخ التي شهدت صعوداً للحركات الدينية الرجعية والجماعات التكفيرية، لن نغوص في الظروف والعوامل الذاتية والموضوعية التي قادت ظهور تلك الظاهرة. فرج فودة، الدكتور المصري الذي حاول "عَلمَنَة الدين ومَنطَقَته"، وسحب بساط الدين من تحت أرجل الجماعات الدينية، وطرح بعض الأطروحات الليبرالية لمشاكل المجتمع، كان مصيره القتل على يد تلك الجماعات، بفتوى من جبهة علماء الأزهر، الذي كفّر فودة وأوجب قتله!
يرى فرج فودة بأن الدين الإسلامي يخلو من الكهنوت، ويرى بأن الإسلام يخلو من أي وسيط بين الله وعباده، كما يشدد على ضرورة إمعان العقل في القضايا كافة، وكأن لسان حاله ينطق بمنطق المعتزلة القائل بـ “العقل قبل النقل”، كما يرى فرج فودة بأن هنالك فارقاً كبيراً بين الإسلام والمسلمين، أو بين جوهر الإسلام وتطبيق المسلمين.
ويتساءل فودة من خلال طرحه الفكري حول ما إذا كانت “الخلافة” ركناً من أركان الإسلام، ويرى بأن من يطالب بعودة الخلافة لا يستند إلى النص القرآني بل إلى أحاديث الآحاد الضعيفة، كما ويرى بأن الخلافة في التاريخ كانت انتقاصاً من الإسلام، وليست إضافة له، أي انها كانت عبئاً عليه.
محاولات فرج فودة في أطروحاته لمَنطَقة الدين أخذت على عاتقها دراسة تاريخ دول الخلافة، وبذلك فلم يكن لدى فودة أية مشكلة في التأكيد على أنه وفي أواخر عهد الخلافة العثمانية كان العرب في أدنى درجات تخلّفهم وفي أسوأ مستوى حضاري ممكن، وهذه محصلة الخلافة، دون النظر إلى طبيعة الصراع الطبقي آنذاك وتربع الإقطاع على عرش الدول العربية.
الخلافة الإسلامية منذ قيام الخلافة الراشدة فالأموية والعباسية مروراً بالمملوكية ووصولاً إلى العثمانية وفق فودة لم تكن دولة الإسلام، ذلك بأن هذه الدولة لم تحترم الإسلام الصحيح طوال تلك الفترة سوى في 14 عاماً هي فترات حكم عمر بن الخطاب (10 سنوات ونصف) ومن ثم عمر بن عبدالعزيز (سنتين ونصف) والمهتدي العباسي (9 أشهر)، ووفق منطق التاريخ والأرقام فإن تلك الأعوام تمثّل 1% من مجمل 1400 سنة من التاريخ الإسلامي، وبذلك يرى فودة بأن حجة إقامة دولة الخلافة بذلك واهنة، ذلك بأنك لا تستطيع القياس على 1% فقط.
إقامة صحيح الدين من خلال هؤلاء الخلفاء الثلاثة أدت إلى وفاتهم مقتولين، وبحسب فودة؛ فإن من يطالب بقيام دولة الخلافة اليوم لا يمكن أن يكون قد قرأ التاريخ بشكل صحيح، تاريخ الغلمان والجواري وكل ما هو مخالف للإسلام.
خلاف فرج فودة لم يكن مع الدين أو العقيدة، بل كان خلافاً سياسياً مع الإسلام السياسي، وأطروحته استندت بشكل كبير إلى استيعاب الدولة الوطنية الديمقراطية للتيارات السياسية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وإلى المساواة بين الجميع بغض النظر عن الدين والجنس واللون والأفكار!
أطروحة فرج فودة!
لطالما طالب فرج فودة بفصل الدين عن السياسة وليس عن المجتمع، وذلك عبر الكثير من مناظراته مع محمد الغزالي ومحمد عمارة وغيرهما، ولطالما فرّق بين إسلام الدين وإسلام الدولة بوصفها كياناً سياسياً واقتتصادياً واجتماعياً بحاجة إلى برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم.
وفق فودة، فإن من يؤمن بفكرة الدولة الدينية لا يملك برنامجاً ويكتفي بالشعارات الفضفاضة، ووفق فودة؛ فإن نقض الدولة الدينية في الإسلام يستند إلى الكثيرمنالحجج، أن الخلافة على امتداد سنواتها منذ الراشدين وحتى العثمانيين لم تحترم الإسلام الصحيح، أما حجة التاريخ فتقول بأن طوال 13 قرناً من الزمان كانت تميل الشعوب إلى فكرة الدولة المدنية، فيما حجة الواقع الحالي تطالب بتقديم تجارب لدول دينية ناجحة، فأين النموذج الذي يقدّمه أنصار الدولة الدينية!
من يدعو للدولة المدنية لا يمكن أن ينظر إلى المواطنين سوى على أسس “المواطنة” وفق فودة. أنصار الدولة الدينية لم يقدموا إجابات لفودة حول البرامج السياسية التي تتبناها الجماعات الدينية، كما أنهم لا يقدموا قائمة للقواعد والأصول والأحكام والأسس التي تحكم المجتمع.
أما مسائل “الحدود والقصاص والشريعة” فلفودة فيها رأي من خلال “جوهر الإسلام” ضمن أطروحة الدولة المدنية، وقد يبدو أبرز شعار لفودة “الدين لله، والوطن للجميع”، حيث دعا دوماً إلى إبعاد الإسلام عن الدم والإرهاب والعنف والمطامع، والتوفيق بين الشريعة والدين وأحكام وأعراف العصر والحداثة، أي أنه لا اعتراض على الشريعة من حيث المبدأ، ولكن مع مبدأ الاجتهاد لتغيير ما كان ملائماً لعصره سابقاً.
على الرغم من محاولات فودة لعَلمَنَة المجتمع من خلال الدين، وإيجاد حلول للمشاكل التي تقف أمام العقبة التاريخية الدينية من داخل النص الديني، إلّا أنه بقي كافراً بنظر الجماعات الدينية والتكفيرية، مما قادهم إلى اغتياله في العام 1992.
سياسياً واقتصادياً، اتفق منهج فرج فودة مع تطبيقات الرئيس المصري محمد أنور السادات المدرك لتفوّق الأنظمة الليبرالية والآثار الإيجابية لتطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي، ناهيك عن اتفاقه مع السادات حيال معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر والكيان الصهيوني، إلّا أن ذلك لم يمنع تحميل فودة للسادات مسؤولية نمو التيارات الدينية خلال فترة حكمه.
حتمية الاجتهاد وإعمال العقل وجواز الاجتهاد حتى في ظل وجود النص هي المحددات الرئيسية لأطروحات فرج فودة المتعددة، والدولة المدنية من منظوره هي دولة فيها نظام حكم مدني يستند إلى دستور واضح يساوي بين جميع المواطنين وفق مبدأ “المواطنة”، وهي دولة تلتزم بميثاق حقوق الإنسان بمضمونه الحضاري العام.
“الحفاظ على العلمانية في مصر -بفصل الدين عن السياسة وليس عن الدولة نظراً لتداخلهما عبر رعاية المؤسسات الدينية والاحتفال بالمناسبات والأعياد الدينية ودخول الدين في المؤسسات الإعلامية والتعليمية- تحقق صالح الدين وصالح السياسة معاً” – فرج فودة.
حوار مع فرج فودة حول الدولة والعلمانية!
قد تبدو فكرة عَلمَنة الدين والدعوة إلى عدم تسييسه فكرة تناسب مجتمعاتنا بوصفها الأكثر تعلّقاً بأديانها في العالم، شعوب الشرق هي الأكثر تديناً، المسيحي الشرقي أكثر تعصباً وتديناً من المسيحي الغربي، وكذا الحال بالنسبة لليهود والمسلمين.
بالنسبة للماركسيين قد لا يبدو الحديث منطقياً لتحليل أي أمر إذا لم يقرأ الواقع الطبقي وينطلق من فهمه لتحليل الواقع، وهذا ما لم يلاحظه فودة في خطابه الموجّه لأبناء الطبقى الوسطى أكثر من غيرها، ذلك بأن الطبقة الوسطى ترغب بالعيش في كنف “العلمانية” ضمن ما “لا يخالف شرع الله”!!! فهي تخاف الدنيا والآخرة معاً، ولا تعيش في أي منهما!
أما لمحة التدين بالنسبة للطبقات المسحوقة والكادحة فهي لمحة تدين شعبي، لا تخلو من الخرافات والأساطير التي يبثها رجال وشيوخ الدين في أوساط أفراد تلك الطبقات لتعزيز الهيمنة عليها، وبالتأكيد فإن كلام “شيخ المسجد” أصدق عند أبناء تلك الطبقات من أطروحات فرج فودة.
دين البرجوازية هو دين مصالح، دين يخضع إلى تيسير المزيد من الاستثمارات، مع الإشارة إلى أن رجال الدين وأصحاب الفتاوى عادة ما ينتمون إلى هذه الطبقة، ويطوّعون الدين وفق ما يخدم مصالحهم الطبقية، وإن لم يكونوا من أبناء هذه الطبقة، فهم وبكل تأكيد ينتمون إلى الطبقة الوسطى، تلك التي تعرف بالتردد وعدم وضوح المبدأ والبقاء مع الأقوى.
تلك الشبكة تجعلنا نفهم طبيعة العلاقات بين الطبقات والدين من جهة، وبين رجال الدين وأفراد المجتمع على اختلاف طبقاتهم من جهة أخرى، الأمر الذي يعزز إيماننا بضرورة خوض المعركة لتحويل الاقتصاد من الخاص إلى العام، وتحويل الدين من العام إلى الخاص.
قد يبدو طرح فرج فودة مهم جداً في فترة زمنية محددة، فترة الهدوء وتغوّل السلطة التي تسبق الثورات الاجتماعية.
الفلسفة الماركسية هي فلسفة مادية تقف في وجه الفلسفة المثالية، إلّا أن مبادئها اتفقت وفق منطقها الجدلي على أن الإنسان في عجلة التاريخ هو من صنع الدين، وذلك لعدم قدرته على العثور على ذاته، وهو ما عبّر عنه كارل ماركس بقوله أن الدولة والمجتمع هما من أنتجا الدين في التاريخ؛ أو ما عبّر عنه بالوعي المقلوب للعالم.
“الدين هو النظرية العامة لهذا العالم، خلاصته الموسوعية، منطقه في صيغته الشعبية، مناط شرفه الروحي، حماسته، جزاؤه الأخلاقي، تكملته المهيبة، أساس عزائه وتبريره الشامل. إنه التحقيق الخيالي لكينونة الإنسان، إذ ليس لكينونة الإنسان واقع حقيقي. إذن، النضال ضد الدين هو بصورة غير مباشرة، نضال ضد ذاك العالم الذي يشكل الدين عبيره الروحي. إن الشقاء الديني هو تعبير عن الشقاء الواقعي، وهو من جهة أخرى، احتجاج عليه. الدين زفير المخلوق المضطَهَد، قلبُ عالم لا قلبَ له، كما انه روح شروط اجتماعية لا روحَ فيها؛ إنه أفيون الشعب.
إن إلغاء الدين، بصفته سعادة الشعب الوهمية، يعني المطالبة بسعادته الفعلية. ومطالبة الشعب بالتخلي عن الأوهام حول وضعه، يعني مطالبته بالتخلي عن وضع في حاجة إلى أوهام. فنقد الدين هو، إذن، النقد الجنيني لوادي الدموع الذي يؤلف الدين هالة له” – (مقدمة نقد فلسفة الحقوق عند هيغل، كارل ماركس – ترجمة مجلة النقطة، باريس 1983).
الدولة المدنية هي نقيض للدولة العسكرية، والدولة العلمانية هي نقيض للدولة الدينية، فما حاجتنا إذن لتغيير المصطلحات لكسب رضى الحركات الإسلامية، التي ترى في مصطلع العلمانية الشرك الأكبر؟
الموقف الموضوعي تجاه العلمانية، وهو ما يتبنّاه اليساريون يقوم على الأسس التالية؛ تأمين الحرية الدينية وفصل الدين عن الدولة، وفي التشريع فإن الشعب أو المجتمع (الطبقة العاملة) هي مصدر التشريع والقوانين، والأهم تحرير الدين من سيطرة الدولة، وتحرير الدولة من هيمنة المؤسسات الدينية.
هو طلاق بائن بينونة كبرى بين السلطة السياسية والسلطة الدينية إذن، بين الاختصاصات الدينية والاختصاصات الدنيوية، وليس إعادة قراءة للأولى لتوظيفها وفق منطق العصر الحالي في إطار الثانية.
قد يبدو الصراع على أوجه بين العالم الميتافيزيقي (عالم الما-وراء) والعالم الواقعي في أيامنا هذه، مما يحتّم علينا فضح الشكل المقدّس للاستلاب الذاتي للإنسان، إلى جانب خوض المعركة الرئيسية في نزع القناع عن الاستلاب الذاتي له في أشكاله غير المقدّسة.
هي الحاجة إذن إلى زرع مفاهيم الحداثة والتنوير والعلمانية والثورة الاجتماعية في هذه المجتمعات، لا يمكن لنا خلخلة مجتمعاتنا ثقافياً إلّا عبر ثورة اجتماعية تجابه اليمين بشقيه؛ الليبرالي، والديني. وذلك لن يكون إلّا بنقل الدين من العام إلى الخاص، والاقتصاد من الخاص إلى العام، وإقامة دولة اشتراكية -لن نتبعها بلفظة “علمانية” فهي بديهية لدى الأنظمة الاشتراكية- تتخذ من مبادئ التوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية دستوراً لها، مما يضمن تحقيق المساواة المنشودة.
خوض الصراع لا يكون بتجزئة قضاياه، كل ذلك يأتي في بوتقة واحدة، تحرر المرأة، التحرر من الدين، إقامة دولة علمانية، فصل الدين عن الدولة، .. إلخ، هي كلها قضايا تحررية لا يمكن أن نراها إلى ضمن تحرر المجتمع عبر ثورة اشتراكية، تجزئة قضايا الصراع لا يمكن إلّا أن تسهم أكثر في تجزئة المجزأ وتفرقة المفرّق، وهذا ما تبرع فيه الليبرالية.
ذلك، وذلك فقط، هو الضامن الوحيد لرفع شعار “الدين لله، والوطن للجميع”. | |
|