** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
حوار الحضارات وإشكالية الأنا والآخر في الفكر العربي والإسلامي المعاصر الزهراء عاشور I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 حوار الحضارات وإشكالية الأنا والآخر في الفكر العربي والإسلامي المعاصر الزهراء عاشور

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمادي
فريق العمـــــل *****
حمادي


عدد الرسائل : 1631

تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8

حوار الحضارات وإشكالية الأنا والآخر في الفكر العربي والإسلامي المعاصر الزهراء عاشور Empty
30032015
مُساهمةحوار الحضارات وإشكالية الأنا والآخر في الفكر العربي والإسلامي المعاصر الزهراء عاشور

شير نظريات علم اجتماع المعرفة أن ظهور مفهوم معيّن أو سقوطه، لا يتم بمحض الصدفة، بل نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الثقافية والسياسية وحتى الاقتصادية، ومن هنا فإن ظهور مفهوم حوار الحضارات كان محصلة لعوامل كثيرة حوار الحضارات وإشكالية الأنا والآخر في الفكر العربي والإسلامي المعاصر الزهراء عاشور A_12493839421325583661
* مقدمــــة
تعتبر فكرة «حوار الحضارات» من الأفكار والمفاهيم الأساسية التي انتهى بها القرن العشرون الميلادي، حيث أصبحت تحتل مكان الصدارة في قائمة الاهتمامات لدى العلماء والنخب الفكرية والسياسية، ومراكز البحوث المختلفة والمؤسسات الدولية.
كما أصبح هذا الموضوع مطروحاً بقوة على جدول أعمال الكثير من اللقاءات الدولية الثقافية والسياسية وأيضاً الاقتصادية. لاسيما بعدما أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2001م، عاماً للحوار بين الحضارات. وكرّس منتدى دافوس الاقتصادي العالمي قبلها جلسة خاصة في جانفي 2000م، لتناول موضوع حوار الحضارات.
وإذا كانت هذه الفكرة، قد اتخذت شكلاً معيّناً بعد الحرب العالمية الثانية تحت رعاية اليونيسكو، وبعض المنظمات الدولية والإقليمية؛ فإنها في نهاية القرن العشرين الميلادي، تغيرت تطبيقاتها بصورة جذرية، لاسيما مع تطور العلاقات الدولية.
تشير نظريات علم اجتماع المعرفة أن ظهور مفهوم معيّن أو سقوطه، لا يتم بمحض الصدفة، بل نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الثقافية والسياسية وحتى الاقتصادية، ومن هنا فإن ظهور مفهوم حوار الحضارات كان محصلة لعوامل كثيرة منها:
- انتهاء الصراع الأيديولوجي مع سقوط المعسكر الشرقي.
- صعود دور الأديان.
- الثورة المعلوماتية، وتطور وسائل الإعلام والاتصال.
ولعل أهمها، ظهور مقولة «صدام الحضارات» التي أطلقها صموئيل هنتنغتون. فتحولت من شعار إلى استراتيجية، وسلّطت الأضواء على مجموعة من الثوابت الجيوسياسية والتطورات العالمية.
جاءت مقولة الصدام بوصفها رؤية فكرية وفلسفية جديدة ذات أبعاد سياسية، حاولت ملء الفراغ الذي استشرى في الدوائر الفكرية الغربية، وصياغة خطاب استراتيجي جديد للغرب. لاسيما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، بما يمكّنها من تكريس هيمنتها على العالم، وتحقيق مصالحها في ظل الأحادية القطبية، لاسيما في العالم العربي والإسلامي الذي جعلته مقولة الصدام في موضع مصدر التهديد للغرب ومصالحه، ثم في موضع المتهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
أمام خطاب النفي المُؤسَّس على الصراع، سعى الفكر العربي والإسلامي في البحث عن المنهجية الشاملة التي تمكّنه من امتلاك آليات الصمود ومنه الإمكان الحضاري. حيث تغيرت نظرة العرب والمسلمين إلى مسألة الحوار الحضاري، كانعكاس حتمي للتغيرات والتحولات الكبيرة التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة. فشهدت الساحة الفكرية العربية والإسلامية، تصاعد وتيرة الاهتمام بالحوار تنظيراً وتأسيساً من خلال جهود فردية أو مؤسسات أخذت على عاتقها دعم مشروع حوار الحضارات. فأصبح بذلك الحوار مطلباً عربيًّا وإسلاميًّا، ولم يبق مجرد مطلب غربي كما كان في العقود الماضية. خاصة أن الحوار لا يتنافى مع مفهوم الإسلام للتعارف بين الناس والتدافع بينهم.
تعتبر الدعوة إلى «حوار الحضارات» في الوقت الراهن إحدى أكبر الإشكاليات المطروحة في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، المثيرة للجدل. والتي أثارت بدورها الكثير من الإشكاليات الجديدة، وجددت طرح أخرى قديمة، لعل أهمها: العلاقة بين الخصوصية والكونية، ومفاهيم الهوية، وقضية النقد الذاتي، والعلاقة مع الآخر (الغرب) بفكره وحضارته وغيرها. فأصبح الحوار في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، يحمل في طياته الكثير من التساؤلات. لاسيما في ظل العولمة التي تسعى إلى إعادة تشكيل الآخر وفق ثقافة منمّطة وموحّدة يفرضها الطرف المهيمن.
فهل اتفق الخطاب العربي والإسلامي في النظر إلى الحوار بين الحضارات؟
وكيف حاول هذا الخطاب تقديم ذاته (الأنا) في الحوار؟
وكيف نظر إلى الآخر (الغرب) بفكره وحضارته؟
* أولاً: إشكالية «الأنا»
لعل أهم تساؤل يطرح في خضم الحوار بين الحضارات والثقافات في الدائرة العربية والإسلامية، من سيعبّر عن الهوية العربية الإسلامية؟
فمع تعدد الخطابات داخل هذه الدائرة بين خطاب ليبرالي وماركسي وإسلامي وغيره، تباينت وجهات النظر حول من يحاور «الآخر»، وحول منطلقات الحوار ومرجعيته. فالتيار الليبرالي، يرى أن التيارين الإسلامي والماركسي غير مستعدين للقيام بحوار مع الحضارة الغربية، فالأول متطرف والثاني جامد. والتيار الوحيد المستعد للحوار مع التيار الغربي هو التيار الليبرالي، كما يؤكد على ذلك أحد أبرز رموز هذا التيار في حوار الحضارات وهو السيد ياسين .
وينفي علي أومليل أحقية التيار الإسلامي في الحوار، «فلا مجال لهذا الفكر الأصولي المتشدد لأي حوار بين الحضارات. فالإسلام عنده ينبغي أن يسود ليس بالدعوة وحسب، وإنما بالجهاد أيضاً، والذي يعني فرض فكره الديني بالعنف والإرهاب. ولذلك فإن صراع الحضارات لا يقول به كتّاب غربيون وحدهم، بل يقول به حملة الفكر الديني المتطرف» .
والتساؤل الذي يطرح:
هل الحوار من منظور الحداثيّين يجب أن يقوم على علمنة الإسلام وتحديثه؟
أما التيار الإسلامي، فيركز على المدلول الرسالي للحوار، فهو يعبّر عن قيمة حضارية، إذ هو أسلوب الأنبياء والرسل في التبليغ والدعوة. وبالتالي أحقية هذا التيار في تقديم الإسلام والحضارة الإسلامية للطرف «الآخر». فعلى الغرب، كما يرى محمد خاتمي، أن يحاول خوض الحوار مع أولئك الذين يمثلون بجدارة الفكر والثقافة الإسلاميين. أما المتغربون الذين هم في حقيقة الأمر تمثيل ناقص ومشوّه للغرب نفسه، فإن حوار الغرب معهم لا يشكّل ديالوغاً و(حواراً ثنائيًّا)، ليس ذلك وحسب. بل إنه لا يشكّل مونولوغاً و(مناجاة أحادية)، أيضاً، كما يؤكد على ذلك خاتمي وهو أحد أبرز رموز هذا التيار في حوار الحضارات .
والتساؤل الذي يطرح:
هل وصل هذا التيار إلى درجة النضج التي تمكّنه من عرض الإسلام والحضارة الإسلامية بأسلوب علمي راقٍ بعيداٍ عن التمجيد والدفاع والتبرير، خاصة مع تعدد روافد هذا التيار وتباين طروحاتها؟
فبين منظومة الحداثة ومنظومة الأصالة والتراث، ومع أسلوب النفي المتبادل. تجري محاولات تأصيل الحوار بين الحضارات في الدائرة العربية والإسلامية، وبلورته. فأما الحداثيّون، فيجعلون الحداثة إطاراً مرجعيًّا للحوار. فمنطق الحداثة هو منطق التغيير، كما يرى ذلك علي أومليل . ويحاول سمير أمين في حديثه عن صراع الحضارات أن يضع برنامجاً تحرريًّا إنسانيًّا قائماً على الحداثة، فالحداثة من وجهة نظره لم تصل بعد إلى نهاية مسيرتها على الرغم من ظهور مفهوم ما بعد الحداثة، ولن تكون نهاية لهذه المسيرة. الحداثة هي انقلاب أيديولوجي وفكري وجوهري، حدث عندما اعتبر المجتمع نفسه مسؤولاً عن مصيره عندما أعلن الإنسان أنه هو صانع تاريخه... من الواضح إذن -كما يرى سمير أمين- أن الحداثة بهذا المعنى لا نهاية لها. وبالتالي، فإن نبذ الحداثة معناه التنازل عن العمل المسؤول في سبيل صنع التاريخ. كما أن الدعوة بالأصالة لا تعني في هذه الظروف عدا محاولة إيقاف سير التاريخ عند مرحلته السابقة على الرأسمالية ونشأة الحداثة، وهو هدف طوباوي يتعذر تحقيقه. فليس هناك معنى للخيار بين الحداثة والأصالة الذي يؤدي بالضرورة إلى خلط المفهومين على أساس قبول الحداثة كما هي، أي حداثة رأسمالية من جانب وتلوينها بألوان الأصالة من الجانب الآخر. وهو بالنتيجة قبول الوضع الراهن أي التبعية في المنظومة الرأسمالية وفي مواجهة هذا الطرح المزوّر العقيم الذي لا بد أن يؤدي إلى مأزق تاريخي، ليس ثمة بديل صحيح عدا العمل في سبيل تطوير الحداثة، لا إنكارها وتلوينها. فالشعوب التي لا تشارك في تطوير الحداثة، تتخلف بالضرورة حتى تهمّش. فمن يختار أن يخرج عن التاريخ لن يصنع الآخرين من التقدم في مسيرته .
أما عبد الملك منصور، فيصوغ تصوراً يعتبره التأصيل الذي ينطلق منه رأيه في الحوار. حيث يميز بين نوعين من الوعي الثقافي، وعي ماضوي تقليدي ووعي مستقبلي استشرافي. الأول وعي نقلي يحاول أن يشد حياتنا إلى الوراء وذلك على نحو يغدو معه سؤال المستقبل سؤالاً غائباً في حياتنا، وليس عنصراً تكوينيًّا من عناصرها الحيوية. وأما الوعي الثاني نقيض الوعي الأول، وعي يفتح أفق التجريب والمغامرة ويقيس على الحاضر في حركته إلى المستقبل، ولا يُشغل بالماضي إلا بوصفه عنصراً من عناصر الحاضر الذي يقبل التحول والتطور والمساءلة. ولذلك فهو وعي حداثي بالضرورة وتجريبيته هي الوجه الآخر من نسبية اجتهاده، فهو وعي لا يعرف الحلول الجاهزة أو الإجابات المسبقة، ولا يؤمن بالمطلقات الإنسانية التي تشل الحركة أو الدوائر المغلقة للفكر. وسؤال المستقبل عنصر تكويني في هذا الوعي وعلامة عليه، سواء في حرصه على الارتقاء بالإنسان من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية، أو الانتقال بالمجتمع من وِهَاد التأخر إلى ذرى التقدم .
والفكر الحداثي عند الحداثيّين هو تفكير بالزمان والمكان، على عكس الفكر الأصولي فهو فكر لا زماني ولا تاريخي. لأنه كما يرى علي أومليل، تفكير في نص مقدس تفكيراً خارج الزمان، لا ينال منه الزمان مهما حدث في تاريخ البشر من تغيرات وأحوال. في حين أن النص لا ينفصل عن قراءته، والقراءة زمانية تختلف وتتغير حسب تحول الأحوال واختلاف المصالح وتطور الفكر والتدافع من أجل إثبات النفوذ والذات . والأصولي يجمّد النص، هذا النص لا يمكن لمعناه -عنده- أن يتغير. مادام الأصولي لا يعترف بتعدد القراءة، أي بتعدد المعنى. ومادامت الحداثة من سماتها الارتكاز على حاضر يستقطبه المستقبل، فإن النص عند الأصولي لا يحدث له شيء، فهو مجمّد خارج الزمان وعلى الرغم منه. ومهما حدث على أحوال البشر من حوادث فلا اعتبار لها في ذاتها، ولا يمكن الاستناد إلى منطقها لتجديد قراءة النص، فالمعنى عنده لا يتغير ولا يتعدد، لأن النص ثابت المعنى، فمادام النص واحداً وثابتاً. فالمعنى أيضاً واحد وثابت فلا مجال للحق في الاختلاف ولا للتعددية في المجتمع المدني والسياسي . وهذا الثبوت في قراءة النصوص الدينية، يعتبر في رأي الباحث من عوائق حوار الثقافات.
أما السيد ياسين، فيرى أن الحداثة عالمية، ومنه، فعبور المجتمعات المعاصرة إليها ضرورة حتمية، لا فرق في ذلك بين مجتمعات متقدمة ومجتمعات نامية. وقد يبدو عبء العبور بكل تكاليفه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيسر بالنسبة للمجتمعات المتقدمة التي خاضت اختبارات الحداثة منذ قرون، إذا ما قورنت بالمجتمعات النامية. ومع ذلك يمكن القول: إن معركتها في سبيل تطوير مؤسساتها وتحديث قيمها لا تقل ضراوة عن المعركة التي قُدِّر للمجتمعات النامية أن تخوضها، ومع هذا لا بد من تأكيد أن معركة المجتمعات النامية مزدوجة. فهي أولاً: سعيٌّ حثيث لاستكمال الحداثة على الطريقة الغربية، وهي ثانية: محاولةٌ للعبور إلى العالمية في عصر العولمة بكل ما تفرضه من شروط سياسية وقيود اقتصادية .
والهدف من ذلك -كما يرى السيد ياسين- هو التوصل في النهاية إلى الاتفاق على صياغة مجموعة متناسقة من القيم العالمية التي تأخذ في اعتبارها التنوع الإنساني الخلّاق، في الوقت الذي تسعى فيه إلى التركيز على القواسم المشتركة بين حضارات العالم .
وكمحصلة لكل ذلك، خَلْق حضارة عالمية تقوم بدورها في تقليل المسافات بين البشر وتعمل على تعميق التفاعل الإنساني. لاسيما في ظل الثورة الاتصالية الكبرى التي تمثل في الواقع البنية التحتية التي تساعد على إيجادها على أنقاض حضارة عالمية منهارة، كانت لها رموزها وقيمها التي سقطت تحت وطأة ممارسات القرن العشرين الميلادي .
وقريب من هذا الرأي، ما يراه محمود أمين العالم، أن عصرنا الراهن تسوده حضارة عالمية واحدة، تمتد لأول مرة في التاريخ من أدنى الأرض إلى أقصاها، وإن اختلفت وتفاوتت هذه الحضارة الواحدة بين هذا المجتمع أو ذاك. فيرتفع المستوى الحضاري عند من أسهموا ومازالوا يسهمون في إنتاج وإعادة إنتاج وتطوير هذه الحضارة عن مستوى من يسهمون في ذلك إسهاماً هامشيًّا طفيليًّا، أو من يغلب عليهم طابع التبعية لها .
ومنه، تغدو الخصوصية الثقافية عند محمود أمين العالم جنوحاً دينيًّا ماضويًّا، يفتقد الرؤية الموضوعية للصراع ضد الهيمنة الحضارية السائدة .
فالخصوصية عند هذا الاتجاه، ماضوية معادية للتاريخ والسوسيولوجيا. يقول عزيز العظمة: «إن الخصوصية المدعوة «خصوصية ثقافية»، تؤخذ اليوم علماً على تسوير أوروباً وعلى نزع إمكانية العمل التاريخي عنا، وعلى القضاء علينا بالانحصار في خصوصيات ماضوية تقينا من الرقي ومن تهجين الأصول. أي أنها تقينا من إمكانية إدراك الواقع وسبل الترقي، وتستثير فينا الحمية إلى ما انقرض وإرادة إعادة إنتاج المتخلف والنكوص إلى ما انقضى وولى وتقادم» . وذلك بعد أن أكد على ضرورة الاستناد إلى العلمانية التي يرى أنها تستند إلى النظرة العلمية، بدل النظرة الدينية الخرافية إلى شؤون الكون والطبيعة على العموم .
كما يؤيد محمد أركون هذا الرأي، فعلى الرغم من كون التعددية الثقافية للبشر شيء جيد رائع -كما يرى- لكن يشترط أن يتم ذلك ضمن السير نحو الكونية أو نحو وحدة الجنس البشري. فهناك قيم كونية، لكن يعطي أركون الحق لكل ثقافة أن تتبناها بلغتها الخاصة وهذا ما يقرب الشعوب والأمم ويخلق طابعاً إنسانيًّا على الحداثة .
الحوار ممكن وضروري عند هذا التيار للخروج من منطق حماية الهوية الخالصة إلى منطق صياغة هويات متعددة قابلة للاغتناء كل يوم بما يوفره الإنسان من انتصارات يومية باهرة على المسافات والحدود .
على أساس ما سبق، فإن خصائص الطرح الحداثي في الحوار هي على النحو الأتي:
1) الإطار المرجعي الرئيس للحوار هي: الحداثة.
2) تجديد الفهم القرآني وقراءته في ضوء الراهن الحضاري.
3) الاستناد إلى العلمانية باعتبارها من مقومات الحداثة.
4) الانطلاق في مناقشة مختلف القضايا وفق هذا المنظور مثل قضايا: المرأة، وحقوق الإنسان، علاقة الدين بالدولة وغيرها.
5) تجاوز تداعيات التراث وتجاوزاته.
6) اعتبار الحضارة القائمة حضارة عالمية.
7) تجاوز بعض الخصوصيات الثقافية للوصول إلى القيم العالمية المشتركة.
وأما الاتجاه الإسلامي، فيركز على الإسلام بوصفه مرجعية أساسية للحوار. فالحوار أساس من الأسس الإسلامية، وهو أصل من الأصول الثابتة للحضارة العربية الإسلامية ينبع من رسالة الإسلام وهديه ومن طبيعة ثقافته وجوهر حضارته، كما يؤكد على ذلك عبدالعزيز بن عثمان التويجري .
«فالقرآن الكريم هو كتاب الحوار، بما أثار من مفردات شملت عقائد أهل الكتاب. وكذا حوارات النبي (صلى الله عليه وسلم) مع هؤلاء والمشركين، ثم ردود الفعل التي واجهتها رسالة الإسلام. كل هذا يعنى أن مسألة الحوار هي من المسائل التي تعيش في عمق وحركية التفكير الإسلامي» .
وقد انتقد هذا التيار الحداثة، ومقوماتها. بل يذهب محمد خاتمي إلى كون مبدأ حوار الحضارات ذاته، يتقاطع مع أحكام الاتجاه الوصفي الجزمية ومسلمات الحداثة. لكنها في الوقت نفسه، ليست بذات صلة بنزعة الشك المطلق لدى اتجاه ما بعد الحداثة. يقول خاتمي: «لو قدر للحوار أن يتحول إلى مرحلة جديدة في تاريخ الإنسان فلا بد له أن ينتقل من مستوى دعوى الحداثة السلبية تلك، ويتعالى إلى مستوى التعاون والتكافل المشتركين. ولا نكاد نجد مسلماً يفقه القرآن ولا يتداعى ذهنه حين يسمع مفردة التعاون إلى النداء القرآني ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ » .
ومنه، يستقى هذا التيار أسلوب الحوار ومنهجه ومنطلقاته من القرآن الكريم.
أما «أسلوب الحوار فالحكمة والموعظة الحسنة ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾. وأما مرجعيته فالعقلانية ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾. وأما منطلقه فوسطية هذه الأمة التي أهّلتها للشهادة ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾» .
كما يتميز النسق الحضاري الإسلامي في إنسانيته، كما يشير إلى ذلك طه جابر العلواني، فهو نسق نقيض النسق الهيليني والروماني، إذ يطرح التوحيد في مقابل الوضعية الملحدة أو المشركة. ويطرح النسق الحضاري الإسلامي القائم على منظومة القيم الإلهية مقابل للنسق القهري الاستعبادي، ويربط العباد بخالقهم ولا يسخّرهم لحاكم أو سلطان .
وبالتالي، فالحوار عند هذا التيار لا ينبغي أن يستخدم مدخلاً لإذابة الفوارق والخصوصيات الذاتية. وتضيف نادية محمود مصطفى، ولا لعولمة ثقافة ما أو تعديل الأنساق القيمية للآخرين مما يتفق ومعايير أنساق هذه الثقافة. فهو ليس إدماج الثقافات، ولكن تعويد الشعوب والمؤسسات على احترام الاختلاف وكيفية التعايش رغم الاختلاف .
فالطرح الإسلامي لموضوع حوار الحضارات، كما يؤكد على ذلك محمد خليفة، مرتبط في الأصل بالموقف الذي حدده الإسلام من الأديان الأخرى ومن الشعوب الأخرى. فالإسلام اعترف بالتعددية الدينية واعترف أيضاً بالتعددية الثقافية، واعتبر أن اختلاف الأمم من الأديان والحضارات هو بمثابة قاعدة للتعارف والتعامل والتثاقف بين الشعوب المختلفة .
وبما أن النسق الحضاري الإسلامي متميز، فإن حوار الحضارات من وجهة نظر طه جابر العلواني، يعنى الاعتراف بأن هناك حضارات متعددة وليست حضارة عالمية واحدة، نسخت الحضارات السابقة عليها. ومن ثم فلابد من إعادة النظر في المناهج والنظريات والعلوم الناتجة عن حضارات عالمنا المعاصر، وليس فقط ما ينتج عن الحضارة العالمية المركزية التي يزعم البعض أنها خلاصة التطور البشري ونهايته ونهاية التاريخ .
ليس الحوار هدفاً في حد ذاته عند هذا التيار، بل وسيلة لتحقيق أهداف شتى. لعل أهمها على مستوى العلاقات الدولية، هو بناء نسق جديد للعلاقات الدولية يتأسس على القناعة بالترابط والمصير الإنساني المشترك . فالحوار كما يرى محمد خاتمي، هو سعي إلى تغيير أسس العلاقة وإطارها في العالم الحالي أو نموذج العلاقة الراهن على حد التعبير الحديث. وإذا تحقق ذلك وتخطّى مستوى الشعار ففي وسعنا -كما يأمل خاتمي- أن نتوقع عالماً جديداً .
على أساس ما سبق، فإن خصائص الطرح الإسلامي للحوار هي على النحو الآتي:
1) الإطار المرجعي الرئيس للحوار هو: الإسلام.
2) الحوار أساس من الأسس الإسلامية، ومنه أصالة الطرح الإسلامي للحوار.
3) نقد الحداثة التي قام عليها الفكر الغربي، أساساً للمدخل الإسلامي للحوار.
4) استنباط منهج الحوار وأهدافه من القرآن الكريم.
أما منهجه، فيقوم على مجموعة من الضوابط أهمها:
- الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
- احترام الآخر واحترام خصوصيته.
- الحكمة ضالة المؤمن والحقيقة لا يملكها طرف واحد.
وأما أهدافه، فهي:
- التعارف على الآخر.
- نشر الدعوة الإسلامية.
- الدفاع عن المرجعية الإسلامية التي أصبحت تتعرض لهجوم داخلي وخارجي.
- تحقيق إمكانية تقديم الثقافة الإسلامية إلى الثقافات الأخرى.
5) الحضارات متعددة وليست حضارة عالمية واحدة.
6) تميز النسق الحضاري الإسلامي، ومنه ضرورة المحافظة على الهوية والخصوصية.
7) الحوار وسيلة لإيجاد قواعد جديدة في التعامل الدولي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

حوار الحضارات وإشكالية الأنا والآخر في الفكر العربي والإسلامي المعاصر الزهراء عاشور :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

حوار الحضارات وإشكالية الأنا والآخر في الفكر العربي والإسلامي المعاصر الزهراء عاشور

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: